عندما تم غسل أدمغتنا من قبل ثقافة العصر الحديث السائدة من أجل الإعتقاد بأننا نحن و نحن فقط من لنا الحق في اختيار ما هو "الحق" بالنسبة لنا, و نحن نقرر أن أي شيء يمنحنا المتعة و السعادة هو "حق", فلماذا سيعترض المجتمع عندما أختار حياة الجريمة و العنف؟ فأنا فقط ثمرة ما غٌرس من بذور ثقافة العصر الحديث السائدة التي زٌرعت بعناية في تربة معدة جدا, ثمرة زرع تمت رعايته و تهذيبه بشق الأنفس. و بشكل مأساوي, بينما يستمر المجتمع في التنديد بالثمرات على هذه الشاكلة, فإنه لا يزال يواصل إعداد التربة نفسها و زرع البذور ذاتها و رعايتها نفس الرعاية, و ذلك من خلال نمط الحياة المروج له عبر وسائل الإعلام و الترفيه.
إذا كان المجتمع جادا حقا في معالجة مشكلة الجريمة, عليه أن يتوقف عن التركيز على التعامل مع الأعراض فقط, و تجاهل الأسباب. فهو يحتاج للتصدي لوقف إنتاج الثمار التي تحدثنا عنها سابقا. فالمعتقدات الخاطئة التي أوجدتها الثقافة القائمة على العلمانية السائدة هي بالتأكيد من بين الأسباب الأساسية للجريمة. ة العلاج المنطقي هو القضاء على هذه المعتقدات الخاطئة و تبني المفاهيم الحقيقية. صحيح أن القول أسهل من الفعل, لكن دعونا لا نضيع وقتنا في الابهام و إلقاء المواعظ, في حين أن الوضع يزداد سوءا.
الله الأحد الصمد, العليم الرحيم الحكيم, أرسل الهدى لجميع خلقه في هذا العالم من خلال بعض من اصطفاهم من خلقه من الرسل و الأنبياء (عليهم السلام), حيث أوحى لبعضهم كتبه و كشف كلماته. و لكن القرآن الكريم هو الوحي الإلهي الأخير, و الوحيد الذي تكفل الله بحفظه. تشمل المعتقدات الصحيحة التي علينا الإيمان و الإعتقاد بها, و التي جاءت في القرآن الكريم بشكل واضح العناصر الآتية:
1- الله العزيز الجبار الأحد, هو من خلق الكون, وذلك لهدف محدد و ليس بمحض الصدفة.
2- الحياة في هذا العالم, على الرغم من أنها حياة عابرة و جزء صغير فقك من عمر الإنسان, فهي استعداد للمرحلة القادمة من الحياة في الآخرة.
3- الموت, هو أبعد ما يكون عن الفناء, فما هو سوى بوابة إلى المستوى التالي من الوجود, و الذي علينا اجتيازه بنجاح.
4- الحياة في هذا العالم, بعيدا عن كونها بلا هدف, هي فرصة لنا لنسعى جاهدين لتحقيق الهدف الذي من أجله خٌلقنا و الذي هو العبادة, و ذلك في جميع مظاهر حياتنا اليومية و في كل مجال من مجالات حياتنا, حيث يجب أن نجعلها كلها تخدم العلاقة بين الخالق و المخلوق, بين الله سبحانه و تعالى و عباده, و بالتالي فإن الأسبقية للعبادة و ليس لنزواتنا و أهوائنا الفردية الخاصة و ميولاتنا.
5- لقد خلق الله عز و جل الإنسان على الفطرة, و هداه إلى طريقة و نمط في الحياة يجعلانه في تناغم إلهي مع الطبيعة, و بالتالي عندما يتبع الإنسان أوامر الله عز و جل, يصبح في تناغم مع نفسه, و عندما يعصي أوامره يصبح في صراع مع نفسه.
6- يتكون الإنسان من خمسة أبعاد, البعد المادي, البعد العقلاني أو الثقافي, البعد الجمالي, البعد المعنوي و البعد الروحي. تشكل أوامر الله عز و جل و نواهيه طريقة و نمط الحياة اللذان يؤديان إلى تنمية متوازنة و متناغمة بين جميع الأبعاد الخمسة.
7- الله عز و جل هو مالك الملك, و مالك كل الأبعاد العليا للتميز إلى درجة الكمال, و أوامره هي التي تشكل منبع جميع القيم. و بالتالي, فهذه القيم هي قيم موضوعية, ذاتية غير قابلة للتغيير, و بالتأكيد لا تقرر من طرف الفرد.
8- يوجد يوم حساب سيتم خلاله إحياء كل البشر و إيقافهم أمام الخالق لمحاسبتهم على ما فعلوا خلال حياتهم الدنيا. لذلك حتى و إن تمكن بعض البشر من النجاة بأفعالهم في الدنيا, سيكون حسابهم عسيرا أمام ميزان العدل سبحانه و تعالى, المطلع على السرائر و كل كبيرة و صغيرة.
9- لكل إنسان أجله في الحياة الدنيا, و هذا الأجل من الغيبيات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه و تعالى. عندما ينتهي الأجل, ينتقل الإنسان إلى المستوى الثاني من الوجود, أي ما يسمى بالموت. و بما أننا نعيش في عالم السببية, فهناك سبب للموت, كالمرض أو الحوادث أو الغرق أو الحرائق إلخ, و لكن في الواقع الأساسي هو أجل قد انتهى.
إن الشخص الجائع لا يمكنه أن يشبع جوعه فقط من خلال تمجيد فضائل الطعام أمامه, و الشخص المريض لا يمكنه الحصول على الشفاء ممن يصف فقط خواص الدواء الذي قد يشفيه. و بالمثل, فمجتمع يعاني من مشاكل خطيرة كتفشي الجريمة, لا يمكنه أن يعالج مشاكله من خلال معرفة الحلول المقترحة فقط. بل إن هناك حاجة لجهود مشتركة, تعاونية و متضافرة من جانب الآباء و الأمهات, المعلمين, علماء الدين, وسائل الإعلام و الحكومات. يجب أن تصبح المماطلة, الخمول و الجمود من الماضي, فاليوم هو الوقت المناسب للجهد و الإجتهاد, واضعين ثقتنا في الله عز و جل.
الشيخ عمران حسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق