الاثنين، 8 فبراير 2016

التحريف المطلق شعب الله المختار وآل البيت المختارين


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2016.02.08

حبكة التحريف النظرية
قل من لم يسمع باسم باسكال الفيلسوف المتدين والرياضي الكبير. قال في أحد نصوصه : لا يمكن أن يكون محمد نبيا لأنه ليس يهوديا. وقد كان جنسينيا من غلاة الكاثوليكية الميالين للتنسك الصوفي. ومعنى ذلك أنه لم يكن منتسبا إلى حركة الإصلاح التي قد نفهم منها مثل هذا الموقف. وقد أوردت القصة لعلتين :
أولاهما عرضية لكنها مفيدة لي شخصيا بسبب المفاجأة التي مثلتها بالنسبة إلى إذ إن هذا القول جاء في نص عرض علينا في امتحان اجتزته في فرنسا لما كنت شابا. 
والثانية جوهرية لأنها تثبت أن عقيدة شعب الله المختار تشمل كل المسيحيين وليس صحيحا أنها جاءت بسبب حركة الإصلاح.
لكنها في الكاثوليكية متخفية في مفهوم أعم هو أن الإنسان لا يكون إنسانا إلى بواسطة المسيح الذي هو ابن الله وابن مريم. واليهودية تعرف عن طريق الأم لا عن طريق الأب. وإذن فلا بد أن تتمسح لتكون أنسانا ومن ثم فمن لم يتسمح ليس بإنسان والوسيط تجاوز مجرد الاصطفاء إلى البنوة (عيسى ابن الله وليس مجرد نبي: آل عمران 79).
وعندما نعتمد القسمة الأفلاطونية على فرضية ابن حزم حول سبل الوصول إلى الحقيقة (العقل والوحي) معيار لتصنيف أشكال الفكر الإنساني نصل إلى النتيجة التالية :
1-العقل مغن في طلب الحقيقة عن الدين.
2-العقل لا يغني عن الدين في طلبها.
3-الدين أصطفاء إلهي للبعض دون البعض.
4-الوحي مثل العقل خاصية بشرية عامة.
5-الإسلام وحده هو الذي يقول بهذه الحقيقة
لماذا كان ذلك كذلك ؟ هذا هو الجواب الذي يحدد منزلة الإسلام في تاريخ البشرية ودوره الثوري الذي ما زلنا لم نفهمه بل نكصنا إلى ما قبله لأن التحريفين صارا مهيمنين :
1-لا وجود لرسالة سماوية بل هي من أساطير الاولين : النزعة الإلحادية التي تعتبر الدين خرافة.
2-الرسالة السماوية للمصطفين رسولا ومرسل إليهم وكلهم يهود: عقيدة الشعب المختار .
3-الرسالة السماوية للمصطفين من اليهود وشاملة للكل بوصفهم مرسلا إليهم: المسيحية بعد إصلاح القديس بولص في رسائله لغير اليهود.
4-الرسالة السماوية لكل البشر من كل الأمم رسلا (لكل أمة رسول بلسانها) ومرسلا إليهم: لأن المجتبى والمعفي عنه هم آدم وكل أبنائه.
5-ختم الرسالة وهو موجه للجميع ليس لتأسيس الدين بل للتذكير به بوصفه فطرة ينساها الناس أو يحرفونها وهي عين الفطرة العقلية التي يخاطبها الوحي باعتبارها مسؤولة لأنها كرمت بالحرية واستعمرت في الأرض لتكون خليفة. 
والنسيان هو الذي يؤدي إلى التخلي عن الخلافة والاقتصار على الاستعمار في الأرض: وهو معنى بتر العقل وجعله مجرد أداة تقنية للاستعمار في الارض فيفقد بعده المتعالي عليه. وهذه حال البشرية حاليا. لذلك نحن في لحظة الاستئناف التي هي عودة الأمة إلى التاريخ وحرب مافيتي التحريف عليها بأشكال خمسة :
1-النفي الكلي للدين 
2-الصهيونية
3-المسيحية
4-المسيحية الصهونية
5-التشيع الصفوي.
وهؤلاء يمثلون حلفاء الحرب على الإسلام والمسلمين: ولست بحاجة لإثبات ذلك لأنه عين الاحداث الجارية في الإقليم ومن لم يره فهو ليس أعمى البصيرة فسحب بل والبصر كذلك.
ولعل الشباب بجنسيه لا يعلم أن مؤلفي الملل والنحل في فكرنا حوموا حول معنى هذه العلاقة بين الديني والعقلي. لكنهم لم يدركوا طبيعتها كما حددها القرآن لأنهم ربما اغفلوا أنه قد نبه إلى أن حقيقة القرآن تتجلى في الآفاق والأنفس وليس في مجرد تفسير النص: فالديني والعقلي مقومان كليان لخصائص الإنسان بما هو مستعمر في الأرض ومستخلف فيه. 
فإذا توهم العقل أنه مكتف بنفسه كان ذلك شرطا كافيا للاستعمار في الأرض ولكن بالمعنى الحيواني القاصر عن فهم حقيقة الناطقية.
وإذا اكتشف أن النطق يصبو لتجاوز الاستعمار في الأرض إلى قيم الاستخلاف تجاوز الحيوانية إلى الإنسانية فكان بذلك المكرم والمكلف.
لذلك فالإسلام ليس أحد الأديان بل هو هذا الديني السوي في كل الأديان من حيث هو هذا الوعي بالصبو إلى الاستخلاف وتجاوز الاستعمار في الأرض المقصور على الإخلاد إليها.
ومن ثم فهذا المعنى تذكر به الرسائل ولا تؤسسه والرسالة الأخيرة من جنس النداء الاخير لمن قد يتخلف من المسافرين قبل أن تقلع الطائرة : لذلك فهو لا يجبر أحدا على الدين (وهو معنى البقرة 256) فمن تراخى في تبين الرشد من الغي فاتته الرحلة ويبقى له كل حياته حتى يتدارك أمره وهو معنى التسابق في الخيرات (المائدة 48) وعلة القول بالتعدد الديني القصدي وتسامح الدولة الإسلامية مع الأديان وحمايتها حتى إنك تجد في دار الإسلام وحدها كل الأديان القديمة التي قضى عليها الاستعمار الغربي أينما حل قضاءه على الثقافات واللغات وحتى النبات والحيوان ليصحر العالم فيجعلة مصب الخردة والتلويث.
وهذا المعنى يختلف تماما عن قصة أن الإسلام جاء في آخر الزمان بالنسبة إلى العالم وأن الدنيا في نهايات أيامها ذلك تقدير الزمان في القرآن يمئات آلاف السنوات مما نعد: بل إن التاريخ الحقيقي بدأ بنزول القرآن الذي جوهره هو هذا المعنى. فما يعنيه القرآن هو أنه آخر فرصة للإنسان حتى يعي البعد الثاني من عقله أو خاصيته الدينية التي هي تتتويج لاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف فلا يكون البعد الديني مرحلة ما قبل عقلية بل هو مرحلة كمال العقل إذ يدرك حقيقته وحدوده واشرئبابه للتعالي نحو العقل المطلق الذي هو موضوع الإيمان.
وبذلك نفهم ما الذي حال دون أصحاب الملل والنحل والبلوغ إلى هذا المعنى الذي حوموا حوله : لم يدركوا طبيعة العلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ في الدين الفاتح والخاتم في آن : الإسلام. 
ففلسفة التاريخ تركز خاصة على استعمار الإنسان في الأرض.
وفلسفة الدين تركز خاصة على استخلاف الإنسان في الأرض.
والديني في الأديان هو تمام العقل (جمعا بين مفهومية الألمانيين Verstand بمعنى الحصاة و Vernunft بمعنى النهى أو ما حدده به المحاسبي جمعا بين البعدين) هو التلازم بين الفلسفتين الدينية والتاريخية لأن الأولى ناقصة من دون الثانية والثانية ممتنعة من الأولى : 
الاستعمار في الأرض من دون الاستخلاف ناقص. 
والاستخلاف من دون الاستعمار فيها ممتنع. 
وذلك هو معنى الامتحان الذي يرمز إليه النذر إلى يوم الدين. فهو شرط النضوج الذي يوصل الإنسان إلى الوعي بهذه العلاقة وتحقيقها بين التاريخ والدين. لذلك كان الإسلام دينا وسياسة بمعناها الشامل أي الحكم والتربية.
ولاختم المدخل إلى هذه التغريدات بفائدة لعل الكثير يجهلها ولها كذلك خمس مراحل :
1-سبينوزا كان دوره أشبه بما قام به الخميني عندما وضع نظرية الولي الفقيه لينقل الشيعة من انتظار المهدي إلى تكوين دوله تحقق الامبراطورية : فهو وضع نظرية الدولة اليهودية بطريقة المستعمرات بدلا من الجيتوات في التيه العالمي (في محاولته في الثيولوجي السياسي).
2-ولايبنتز اعتبر ذلك جزءا من محاولته تحقيق الحلف بين ألمانيا وفرنسا من اجل القضاء على الخلافة العثمانية وهو أول من وضع نظرية الهجوم عليها انطلاقا من مصر وإنشاء دولة في فلسطين لليهود في مراسلاته.
3-ونابليون أراد تحقيق ذلك المشروع اللايبنتسي وفشل لأنه هزم وعاد يجر أذيال الخيبة وبالذات في أحواز فلسطين. ولا ننسى أنه من جزيرة كانت تابعة لحين للخلافة العثمانية عندما حالفتها فرنسا ضد شارل الخامس.
4-والغزو الغربي لتقسيم المنطقة بتقاسم أرض الخلافة حتى قبل سقوطها مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى قال أحد ممثلي الصليبية ما يعلمه الجميع مخاطبا صلاح الدين في الشام : اليوم تحققت غاية الصليبية.
5-وأخيرا كون الاستعمار البريطاني مشروع اسرائيل لضرب عصفورين بحجر : نفس مشروع هتلر بإخراج اليهود من أروبا وتفتيت الوطن العربي بوضع قاعدة دائمة للاستعمار وقسمة مركز الإسلام وقلبه إلى مشرق منفصل عن مغرب لا تزال وحدتهما ما يعتبرونه أكبر خطر على سلطانها في العالم.
طبيعة المعركة الحالية
لن يتحرر المسلمون نظريا وعمليا بحق إلا إذا حسموا أمر عقيدتين مرضيتين تعاني منهما الإنسانية وأراد الإسلام قلعهما تحرفان العقل والنقل في آن: 
شعب الله المختار .
وآل البيت المختارين.
وقد لا يصدق القارئ ان الاستراتيجية التي يستعملها أصحاب هذين العقيدتين واحدة حتى وإن كانتا تحققانها في اتجاه متعاكس من الغرب إلى الشرق ومن الشرق إلى الغرب.
فعقيدة شعب الله المختار نجحت مطلق النجاح في الغرب بحيث صارت كل النخب دمى تحركها من وراء حجات مافيات هذه العقيدة وعى لضرب آخر مقاوم: الاسلام.
وعقيدة آل البيت المختارين تحاول أن تنجح في الشرق بنفس خطة شعب الله المختار وعينها على الغرب مثل هذه على الشرق ليتقاسماه: الامبراطورية الفارسية والامبراطورية اليهودية.
ودار الإسلام هي المركز: فهي غاية مافية شعب الله المختار وهي بداية مافية آل البيت المختارين.وقد هذا النموذج النظري لتحليل القضية يبدو بسيطا.
لكنه شديد التعقيد: فأولا أصل العقيدتين ضربهما الإسلام في نشأة دولته الأولى لأنه قضى على سلطان اليهود في الإقليم وعلى سلطان الفرس في آن.
7-عقيدة شعب الله المختار قضى عليها القرآن نظريا وأتمها الرسول في حياته عمليا. لذلك انتقلت إلى الغرب بدءا بالأندلس بسبب الخلاف بين الخلافتين.
8-فبسبب العداوة بين الأموية الغربية والعباسية الشرقية حالف العباسيون يحالفون شارلومانيو والأمويون يهود الشرق.فصاروا وسطاء بين الثقافتين.
9-صار الغرب الذي بدأ يخرج من ظلمات القرون الوسطى يعتبر حضارة المسلمين بسبب الوساطة اليهودية حضارة يهودية بالأساس والعرب قوة عسكرية غازية. 
ويكفي أن ننظر إلى الحصيلة في بدايات العصر الكلاسيكي وعصر الأنوار: ففي الأول صار سبينوزا يعتبر رمزا وهو في الحقيقة تضخيم يهودي لدور كاذب إذ هو دون معاصريه على الأقل في العلوم الطبيعية والرياضية.
وفي الإصلاح الديني كان الحلف بين شارل الخامس منذ أن كان ولي العهد والبنوك اليهودية في الغرب ولوثر بداية المسيحية الصهيونية والعودة إلى التوراة منبع نظرية الشعب المختار.
اجتماع العملين في ما يسمى بالإصلاح الديني (لوثر) والإصلاح الفلسفي (سبينوزا) مع أصبح لهما من قدرة على انتحال جهد غيرهم وكأنه منبع التنوير.
لذلك دارت معارك التنوير في ألمانيا التي كانت في آخر الركب الأوروبي في القرن الثامن عشر حول معركة مدارها اسبينوزا ومنزلة اليهودية: موسى بن مندل.
عندئذ اكتملت شروط السطو على ابداع الأمم من التراث الإنساني ونشأت الحركة الصهيونية الصريحة جمعا بين استثمارين:
1-تزعم الحركة الثورية فكرا وسياسة 
2-تزعم حرب خفية للاحتكار الديني.
والاحتكار الديني هو جوهر عقيدة شعب الله المختار.فالله لايخاطب إلا اليهود وإذا خاطب غيرهم فبواسطتهم (المسيحية).وذلك: نفي كل الأديان الأخرى.
والمعلوم أن القرآن نفى هذه النظرية مرتين:1-فهويقول إن كل أمة لها رسول بلسانها بمعنى أن الله يخاطب كل البشر و2-الخطاب الأخير موجه للجميع.
ومعنى ذلك أنه حتى الماركسية التي يظن أنها جوهر الإلحاد الحديث فهي في الحقيقة مجرد بعث لهذه الفكرة التي تمكن المختار من سلطان العجل الذهبي.
وقد نجحت الخطة بعملية كماشة سياسية ظاهرة تخفي استراتيجية باطنة: من فوق إلى تحت أو ثورة البرجوازية ومن تحت إلى فوق أو ثورة البروليتاريا. 
كل ذلك قد تم في الغرب الذي أصبحت كل نخبه محكومة بالعجل الذهبي أي بمافيات ربا البنوك واصبح الكلعبدا للبنوك يرهن حياته كلها ولا يملك شئا:عبودية مقنعة.
وهذه هي النظرية التي جعلت "العجل الذهبي" اساس شعب الله المختار بالفعل في الغرب ما دام هو الذي يقرر كل المصائر بفضل سلطانه على كل النخب.
قبل أن نعود إلى مافية "آل البيت المختارين"فلنقل إن خطة شعب الله المختار وقعت في البداية في خطا عندما حاولت أن تغزو الشرق بالقوة العسكرية فحسب فأسست اسرائيل في إطار الاستعمار الغربي.
ذلك أنها بالحضور الجلي أفسدت المخطط الخفي إذ صارت محفزا لليقظة والمقاومة. لكن تجاوز الخطأ أصبح ممكنا بسبب اكتشاف الطريق الخفية التي بدأنا نرى آثارها حاليا: فكيف ذلك؟
فشل الغزو الذاهت من تحت إلى فوق: كل الأحزاب الشيوعية فشلت في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي. وإذن فالثورة البروليتارية غير ممكنة.
وفشل الغزو الذاهب من فوق إلى تحت لأن بلاد العرب والمسلمين ليس فيها برجوازية. ومع ذلك وجدت الصهيونة الحل وهو مضاعف: التشيع وأثرياء البترول.
فالمتشيعون يعوضون غياب البروليتاريا وأثرياء البترول يعوضون غياب البرجوازية: لذلك فالأولون يمثلون ضربات التخريب والثانون مضاربات التغريب.
بذلك بات العجل الذهبي رب الجميع أو يكاد لولا نور القرآن وبقية من السنة الراشدة التي ما زالت تقاوم وخاصة منذ أن حصلت ثورة التحرر السنية.
أعود الآن إلى مافية "آل البيت المختارين". أعلم أن الكثير يتصور الظاهرة جديدة.لكنها معاصرة بحق لظاهرة رد فعل شعب الله المختار على الإسلام.
ولنبدأ بما ينبغي البدء به: الإسلام لم يحرر البشرية من عقيدة شعب الله المختار فحسب بل هو حررها من عقيدة آل بيت مختار: فلهما نفس النتائج.
وقبل أن أواصل علي أن أشير أن ما سأقوله قد لا يصدقه حتى من هم ضحاياه لأن فيها قلبا جذريا لكل تاريخ الحقبة الأولى من دولة الإسلام التي شوهت وخاصة الدولة التي بنت امبراطورية الإسلام أي الأموية.
فحتى الأصوليون الذين من جنس السيد قطب صاروا يشككون في أهلية عثمان بالخلافة وفي الدولة الأموية ويتصورون أن عليا كان أولى وأنه بحق كان يريد إصلاح الانحراف العثماني: أعني أفضل مراحل بناء دولة الإسلام العالمية.
ولو حصل ما يتمناه السيد قطب فتولى علي الخلافة قبل عثمان لانفرط عقد دولة الإسلام بدليل كل ما حصل لما قاد خلال أربع سنوات لا غير. ولولا بصيرة الفاروق وفراسته لكان الإسلام لدالت الخلافة باكرا قبل توطيد أركان دولة الإسلام.
ذلك أني أفهم هذا الكلام في ضوء السؤال الذي طرح على علي والجواب الذي قدمه: فمجلس الستة سالوه هل يقبل الخلافة ويلتزم بسياسة الشيخين فرفض.
ما يعني أنه لم يكن قابلا بسياسة الشيخين ومن ثم فهو قد كان مبايعا كرها لا طوعا.ومن ثم فالتشيع ليس ظاهرة لاحقة بل هي بعد موجودة منذ السقيفة.
فيكون اغيتال الفاروق والانقلاب على عثمان واغتياله مراحل في خطة سيطر عليها نفاذ الصبر. ويصبح اغتيال علي نفسه جزء منها لأنه قبل التحكيم.
هل هذا الفهم يشبه الحبكة الفرضية؟ نعم: التاريخ كله حبكات فرضية وضيفتها هي وظيفة الفرض في كل معرفة: نفرض نسقا يضفي المنطقية على الوقائع.
ذلك أن من اغتال عليا هم غلاة من صفه وليسوا من صف معاوية. ومن ثم فالخوارج فرع من التشيع وليسوا طائفة مختلفة عنهم: هم الظاهر والبقية الباطن.
وقد جمعهم الحشيش في حركة الحشاشين وخاصة بعد أن قضى على دولتهم التي نشأت في المغرب الإسلامي الذي يسعون لاسترداده متصورين ذلك في المتناول.
ولولا خوفي على تونس أولا وبقية دار الإسلام ثانيا من هذه الظاهرة ما كتبت هذه المحاولة: فإيران وإسرائيل يتحركان بصورة جنونية لغزو المغرب العربي من فوق ومن تحت كما أسلفت.
فرجال الأعمال استعبدهم يهود أوروبا (وهذا رأيته بأم عيني لما صاحبت رئيس الحكومة للقاء مع رجال الأعمال الفرنسيين) ويومها تأكدت أن استعمارنا ازداد ولم ينقص بما يسمى الاستقلال.؟
والفقراء هم ضحايا الغزو الشيعي والكنسي في المغرب العربي مستغلين كما بين الغزالي في الفضائح طريقة الخلع التي تخرجهم من الدين عامة لتدخلهم إلى تحريفه الباطني.
فالخلع غايته إخراج فقراء المسلمين وعامتهم من الإسلام إما بالحداثة المزيفة أو بالتباكي على آل البيت وهم ينجحون لأن نفس الآليات صارت السبيل للنجاح السياسي السهل.
فهم يمولون الأحزاب التي صارت محلات تجارية للمخابرات ومثلها منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني أعني كل خلايا التخريب القصدي في غياب دولة لم يبق منها إلى الشكل والبقية مافيات حقيرة.
فلا يمكن أن يكون معاوية في الشام وعلي في العراق: فكلاهما اعتمد على توابع مركزي الحضارة في ذلك العصر لحسم معركة في حضارة تسعى لتجاوزهما.
فمعاوية اقترب من غساسنة بيزنطة ولكن بدهاء (ما تزال قوة) وعليا اقترب من مناذرة فارس ولكن دون خبرة معاوية السياسية (قد انهارت) فلكأن المعركة بين المناذرة والغساسنة وليست معركة إسلامية.
ويبدو أن ورثة علي يريدون الآن تطبيق سياسة معاوية ولكن في الاتجاه المعاكس ليس لبناء دولة الإسلام بل لتهديهما : من هنا تهديم العراق بحلف مع بوش وتهديم سوريا بحلف مع بوتين.
وكذلك فسرها ابن خلدون في كلامه على الفتنة الكبرى مع جعلها معركة بين القبائل العربية ذات القوة المادية والقبائل العربية ذات القوة الرمزية.
وليعد القارئ إلى فصل ولاية العهد من الباب الثالث من المقدمة ليرى ابن خلدون-رغم أنه لم يغص إلى أعماق الشعوبية-فهم الظاهرة وفسرها بالعصبية.
والعصبية مفهوم عام يشمل عصبية الشعوبية الفارسية واستراتيجية تخريب الإسلام تحريفا له بنظرية آل البيت سعيا للانتقام سعي شعب الله المختار.
وبذلك يتبين أن الخطتين معمرتان: كلتاهما بدأت يوم قضى الإسلام على أساسهما العقدي بعقيدته ووجودهما التاريخي بدولته. ونحن الآن في لحظة الحسم.
كلاهما يعلن ولا يخفي أنه يريد استرداد امبراطورية فارسية ويهودية ما قبل إسلامية وهو ما يقتضي مرحلتين: 
القضاء على العائق أي غالبية أهل الإقليم.
الاستعداد لتفاهمات لتقاسم الإقليم .
من خلال التنافس على ترضية رب الذراعين أي المافيا الدولية التي تحكم الغرب حاليا والتي هي طبعا أقرب إلى الامبراطورية اليهودية منها إلى الامبراطورية الفارسية وحتى وإن كان الألمان بسبب القرب اللساني والعرقي يفضلون فارس على إسرائيل.
وبذلك يتبين أن المشكل ليس إيران وإسرائيل فحسب فهذان ليسا إلا التعين التاريخي للظاهرة الأعمق التي هي جوهر تحريف الدين والحرب على الإسلام .
والحرب على الإسلام ليس بمعنى كونه دينا من بين الأديان بل بمعنى كونه قد بين أنه الديني في كل دين إذا كان بحق دينا وهو ضد تحريف وجهي الدين.
وجه الدين العقدي ينفي نظرية شعب الله المختار واحتكار العلاقة بالله في شعب دون غيره (اليهود) ونظرية فهم شرعه في جماعة دون غيرها (الشيعة).
ووجهه العملي ينفي حكم العجل الذهبي (المافيات الصهيونية) والكسروية الذهبية (المافيات الملالية) فالرسالة عامة والأمر للناس كلهم (الشورى 38).
لذلك فالمعركة اليوم تجمع بين بعدي الدين كما تعينا في لحظة كماله وتمامه في الإسلام من حيث هو عقيدة استعمارالإنسان ي الأرض بقيم الاستخلاف.
ودار التاريخ دورته التامة لتكون المعركة في نفس المسرح بين بقايا الكسروية وبقايا القيصرية بين عواصم الخلافات الإسلامية: المدينة ودمشق وبغداد واسطنبول.
وإذن فهناك ستحسم المعركة. وهي ستحسم لصالح الإسلام حتما. فلا تستيئسوا سيجي النصر وينجَّى من يشاء الله ولن يُرد بأسُه عن القوم المجرمين. آمين.
أما لماذا أنا واثق من النصر فتفسيره عقلي وإيماني. ولأبدأ بالإيماني:فالله لا يخلف وعده. وقد وعد المسلمين بالشهادة على العالمين بل كلفهم بها.
العقلي موازين القوة: كما هزم من انحاز إلى من انفرط عقده في النشأة الأولى فيبدو أن المتكلمين باسمه لم يجدوا من ينجازوا إليه إلا مثله. والفاهم يفهم.
أما نحن فلسنا بحاجة لحليف: ما حققته القرون السابقة جعلتنا أمة لها القدرة المادية والروحية لكي تنتصر دون حاجة إلى ما استعمله بناتها الأول من دهاء مثاله هو معاوية. لكن إذا كان ذلك ضروريا فلا مانع من استعماله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق