الأحد، 25 مايو 2014

تخريف هيكل وطبيعة القوة الناعمة

abou-yaareb-el-marzouki

أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.05.23

تمهيد
هل توجس العرب من إيران وما يزعم لها من قوة ناعمة مجرد وسوسة علتها خوف القيادات على كراسيها فحسب كما يزعم هيكل في تخريفاتها السابقة لما كان يدعو للحلف معها تخريفاته التي يظنها الكثير علما لدنيا أم هو في الحقيقة بداية وعي بالبعائد من محددات القوة الحقيقية للأمم حتى وإن كنا لا نستثني الخوف عن الكراسي وهو أمر طبيعي حتى وإن قل أن تتوافق مصالح الأنظمة القريبة مع مصالح الأمة البعيدة؟ 
لو قلت من البداية إن كل حجاج هيكل الذي يفسر نجاح إيران وفشل مصر مثلا قبل الربيع العربي بما يسميه القوة الناعمة يرد إلى استهانته بمعناها لما صدقني أحد. سيعترض علي: كيف لمن يفسر النجاح والفشل بالقوة الناعمة أن يكون مستهينا بها أو غير فاهم لمعناها؟

والجواب عن هذا الاعتراض هو الذي سيبين السطحية التي يعيش عليها فكر هذا الرجل الذي لا يخرج من فيه إلا حقد دفين على الإسلام لم أجد له تفسيرا حقد تجسد علنا في دوره في الانقلاب الذي لا يستح صاحبه إلى حد توظيف الجيش المصري المؤمن جنوده في الحرب على معنى حياتهم أعني ما بترديد “ألله أكبر” شعاره الأسمى تحرروا من الذل والمهانة في حرب العبور. وفي كل الأحوال فهو يتصور تكديس الوثائق والكذب حول ما تحيل إليه من أحداث بديلا من تحليلها وفهم منطقها: فهيكل يستعمل مفاهيم ولا يذهب بمدلولها إلى غايته ومن ثم فهو يقع في المحظور العقلي أعني يدلل بعكس ما يقصد لكأن القوة الناعمة ليست محددة بالسياق وبطبيعة الفاعلية الرمزية للعقل والوجدان ولقابلية التأثر بما يصدر عنهما أو بما يصدر عن ضديديهما أعني الوهم والغريزة

فالرجل يغالط فيتكلم على القوة الناعمة دون تحييز في السياق: لكأن القوة الناعمة من جنس واحد وليست متغيرة بحسب السياقات. فقد تكون دينية وقد تكون فلسفية مستندة إلى العقل والوجدان وقد تكون من جنس الإغراء المادي أو المعنوي مستندة إلى الوهم وغريزة الحيوان في الإنسان : وهذين النوعين من القوة الناعمة هما جوهر ما يسمى بالحلم الأمريكي الذي أسهم إسهاما كبيرا في سقوط المنظومة الشرقية خلال تآكلها طيلة ما يسمى بالحرب الباردة.
طبيعة القوة الناعمة الإيرانية : تحريف الإسلام 
لذلك فلا بد من التحييز في السياق التاريخي والحضاري: فإيران تستعمل قوتين ناعمتين متمازجتين اجتمعتا عندها لأن أمثاله من المستشارين فرقوا بينهما عند العرب عامة وفي مصر خاصة لما كانت تسعى إلى تزعم الحركة العربية فجعلوها عزلاء فاقدة لقوة ناعمة كانت حاصلة (القوة الناعمة الروحية) دون تحصيل قوة ناعمة بديلة(القوة الناعمة العقلية) لا تحصل في المناخ الدكتاتوري والبدائي للقيادات التي تجعل من أمثاله مستشارين ملهمين. ما ينعيه على مصر من فقدان للقوة الناعمة هو ما نتج عن قتلها النسقي في مصر لما كان هو مستشارا فحكمت القيادات ذات النظر القصير على مصر بالفشل الدائم ومن ثم باختيار الصف الخاسر في تحالفاتها.

نعم إيران تبدو ناجحة بقوة ناعمة. ولكن هل سأل هيكل عن القوة الناعمة التي تستعملها إيران ما هي؟ وعن القوة الناعمة التي فقدتها مصر بتاثير منه ومن أمثاله طيلة العقود الخمسة السابقة على الربيع العربي ما هي؟ أليست هي ما أعلن هو وأمثاله الحرب عليها التي تعينت حقيقتها بعد الربيع العربي وخاصة بالانقلاب على الشرعية الديموقراطية للرجوع بمصر إلى ما قبل خمسينات القرن الماضي؟ طبعا كل ذلك يبقى مسكوتا عنه لأنه لو حدده لتبين للجميع أن تحليلاته كلها مبينة على أغاليط ولا أقول مغالطات لأني لا أتهم النوايا بل أحكم على النتائج. 
والسؤال الجامع بين السؤالين هو: لم كانت القوة الناعمة الإيرانية لا تخيف الغرب ولا تؤثر إلا في الوضع العربي؟ أليس لأن ما يخيف الغرب هو ما تستعمل ضده هذه القوة الناعمة ومن ثم فهي تستعمل لمنع تكون القوة الحقيقية في المستقبل المنظور على حدوده وضد إسرائيل ؟ فالكل يعلم أن إيران اجتمعت لديها قوتان ناعمتان تجاوزهما الغرب وكان الإسلام قد تجاوزهما قبل ذلك لكن إيران عادت إليهما حتى تحقق أحلامها الصفوية ضد وحدة الأمة الإسلامية: 
1-القومية (التفريس). 
2-والطائفية (التشييع). 
وكلتاهما قوة يعلم الجميع أنها أمر تجاوزه التاريخ الكوني عامة والغربي خاصة بل إن التاريخ الكوني الأوروبي لم يبدأ في التحقق للاستعداد إلى القوى الكونية التي من حجم الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا المنبعثة من حولها إلا بتجاوز الطائفية والقومية. لذلك فهذه القوة الناعمة الإيرانية بقدر ما هي قوية لمنع الاستقرار في الأقطار العربية والحيلولة دون الوحدة العربية بين الأقطار في إطار الجامعة بقدر ما هي إلى زوال قريب. لذلك فهي لا تخيف الغرب بل هو يشجع إيران عليها لأنه يوظفهاحتى تحقق هاتين الغايتين اللتين يسعى إليهما أعني الغايتين اللتين ستضمنان البقاء الحقيقي لإسرائيل بعد أن يصبح الكل من حولها دول طوائف وفسيفساء قوميات متداخلة في حرب دائمة أي كما يحدث في الصومال وأفغانستان. 
والعجيب أن هيكل يتجاهل أن إيران نفسها ليست فارسية كلها وأنها هي أيضا فسيفساء من الطوائف والقوميات وأن هذا الغول أو القوة الناعمة التي تحفر بها قبر الدويلات العربية والجامعة العربية سيستعملها الغرب كذلك –في الوقت اللازم طبعا بعد أن تقوم بما ينتظر منها-ليحفر بها قبر إيران أيضا فيحل بها ما نراه يجري حاليا في باكستان وقبلها في العراق وربما في تركيا لاحقا. وفي الحقيقة فإن الأقليات العربية غير الإسلامية هي التي قضت على قوة الأمة الناعمة عندما وظفت القومية ضد الإسلام فأصبح أكبر أعداء الإسلام أعني بقايا الباطنية زعماء القومية ضد الرابطة الأوسع والأكثر تقدما أعني الرابطة الروحية بين الشعوب المختلفة متجاوزة القوميات والطائفيات.

فاعلية القوة الناعمة الإيرانية
وعلي الآن أن أبين علة فاعلية القوة الناعمة الإيرانية أعني القومية والطائفية في البلاد العربية أو بصورة أدق على أن أبين-وهذا هو مطلوبي الأساسي- لماذا اعتبرها هي أخطر على العرب من إسرائيل وأمريكا في المدى المباشر والبعيد لأني لست ممن يمكن أن يخيفه سيف ديمقليس أعني تهمة العمالة لهما للسكوت عن الخطر الخفي والأبعد غورا دون نفي الخطر الأمريكي والإسرائيلي الذي هو بين للعيان ولا يحتاج إلى تحليل عميق لإدراكه؟
لو انتبه المستمع إلى كلام هيكل -ومعه كل أدعياء القومية والتقدمية الزاعمين أن الكلام في خطر إيران هو كلام عملاء أمريكا وإسرائيل متجاهلين أن إيران هي التي تتمدد إلى البحر الأبيض المتوسط بفضل هذه الخرافات بعد أن احتلت العراق وسوريا ولبنان وهي تصعد الآن من الجنوب من اليمن لتحتل كل البحار العربية السخنة-عن القوة الناعمة لأدرك أنه يتكلم عليها وكأنها تفعل من دون الخضوع إلى منطق يخصها ومن دون سياق يحدد طبيعة فاعليتها. إنه يتجاهل ولعله يجهل منطق العلاقات بين القوى أو لعله يتصورها تفعل دون قوانين فتجري كما اتفق بصرف النظر عن السياق. لا بد إذن من أن نفهم قانون الفاعلية الذي يحكم القوة الناعمة بمقتضى السياق. 
إن أمريكا وإسرائيل يستعملان دون شك قوة ناعمة مضاعفة تختلف تمام الاختلاف عن القوة الناعمة التي تستعملها إيران. فقوتهما الناعمة مردها إلى الإغراء الناتج عن ثمرات النمو الاقتصادي الموعود أو الرفاهية المادية بدعوى أنها ثمرات النمو الخلقي الموعود أو الحريات وحقوق الإنسان. ولهذه القوة الناعمة مزيتان تجعلان فاعليتها ليست مما ينبغي للعرب أن يخافوه إذا علموا كيف يوظفوه بمجرد إعطائه دلالته الحقيقية بدلا من المسخ الذي يريد الغرب أن يفرضه: فحقوق الإنسان إذا طبقت حقا تفيد تقدما لا يرضاه لنا الغرب بل هو يريد المسخ منها وكذلك الديموقراطية وهلم جرا.

وقانون أثر القوة الناعمة الذي نريد إثباته يمكن صوغه كالتالي: فقوة عدوك الناعمة تكون أكثر تأثيرا كلما تظاهر صاحبها بعدم اللجوء للقوة الغليظة وكلما كانت قوته الناعمة من جنس قوتك الناعمة بحيث ينافسك في سر وجودك. وذلك لأن القوة الخشنة تعطل مفعول القوة الناعمة ومن ثم فلن تكون قوة أمريكا وإسرائيل الناعمة رغم كونها ممثلة للمستقبل أمرا مخيفا بالنسبة إلى كل عاقل: المخيف هو البدائل المزيفة منها وليست هي بذاتها ومعنى ذلك أنك يمكن أن تزيل الخطر بتحقيق عكس ما يهدف إليه العدو كأن تحقق الديموقراطية الفعلية ردا على الديموقراطية الزائفة التي يريد محاربتك بها كقوة ناعمة.

أما إيران فتستعمل قوة ناعمة مضاعفة من طبيعة أخرى مختلفة تمام الاختلاف. إنها ثمرات التأويل الفاسد لماضي الأمة بهدف إحياء الأحقاد بين طوائفها وتمرر ذلك بالتحدي الكاذب للقوتين الأوليين لربح المخيال الشعبي علما وأن هاتين القوتين تتركانها تلعب هذه اللعبة لما لهما من مصلحة في منع الخطر الحقيقي على مصالحهما أعني تحقق النهضة العربية قلبا للصحوة الإسلامية السنية التي هي أساس قوة ا لإسلام لأن من عداها طوائف تافهة لا دور لها في تاريخه المجيد. عامل التحدي الذي تلعبه إيران ومثاله خاصة حزب الله الذي بمناوشاته يدعي البطولات الوهمية هدفه تمرير عامل الفتنة بين المسلمين وخاصة في الوطن العربي للقضاء على كل وجود للدولة القطرية الضامنة لشروط النهوض وكل إمكانية لتحقيق التعاون بين الدول القطرية لتحقيق ما حققته أوروبا من وحدة تجاوزت القوميات والطائفيات. ولعمري فإن الجميع يعلم أن إيران في الخفاء لا تني عن مغازلة أمريكا وإسرائيل لعلتين: 
أولا لخوفها على نظامها الذي هو مناف لروح العصر إذ هو أشبه بالبابوية في القرون الوسطى.
وثانيا للطمع في دور تؤديه في ما تتصوره أرضا خلاء لما يعرف به قادة العرب من الغباء.
والغريب أن جل المفكرين العرب لا يتوقفون عن وصف ما يجري في العالم العربي بالخلاء والضعف لتأييد تخريف حزب الله الذي قضى على كل معنى لمفهوم الشعب الذي تحول إلى مليشيات لا روح لها عدا "الفنفاروناد=العنتريات" الميلشوية في حين أن أي قطر من أقطار الوطن العربي بفضل التنافس حتى بينها بات يحقق ما يمكن أن يجعل الأمة العربية في منتصف هذا القرن إذا توحدت وتلك هي الغاية ا لأولى التي ينبغي أن يسعى إليها الربيع العربي سلما أو حربا قوة عظمى من حجم الهند حاليا. 
والغريب كذلك أن هذه النخب الغبية والعملية لحزب الله وإيران بدعوى المقاومة تتجاهل أمرا يفقأ العينيين ببينونته. فالعرب عامة والعرب السنة خاصة هم الذين يحاربون أمريكا وإسرائيل وهم الذين هزموهما حيثما هزما لكنهم ينسبون النصر بذهنية التحريف والتزييف في كل شيء إلى إيران التي تكتفي بتشويه المقاومة السنية ووصفها بالإرهابية والتكفيرية: فصارت هزيمة أمريكا في العراق إرهابا وتسليم جنوب لبنان للحلف الأطلسي مقاومة. 
والحقيقة أن الجميع يعلم أن الإرهاب الحقيقي ليس سنيا بل هو كان ضد السنة وأنه لم يبدأ اليوم وأن طبيعته شيعية بالجوهر: فهو بدأ مع الحركة الشيعية وبلغ السنام في الوحشية والشيطانية في عهد الدولة الباطنية وما انفصل عنها منها أو الحركة الخارجية المتطرفة منذ الفتنة الكبرى. 
محاولة فهم علل التأثير في العرب
والسؤال الآن هو لماذا كانت هذه القوة الناعمة المزيفة مؤثرة في البلاد العربية؟ هنا يأتي دور هيكل والحكم الذي كان هو من مستشاريه الكبار والذي يريد الانقلاب استعادته حتى يفقد الأمة نهائيا سر قوتها فأعلن الحرب الصريحة على الإسلام وممثليه مدعوما من مموليه الخالطين بين القبلية والإسلام: فهم مثلهم مثل حزب البعث العربي –في الحقيقة الطائفي الماركسي-حاربوا قوة العرب الناعمة طيلة أكثر من نصف قرن باسم الصراع الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والتحديث جاعلين القومية العربية والتحديث حربين على الإسلام. 
وهذا الإسلام الذي حاربوه وحيدوه في كل أوجه الحياة هو الذي توظفه إيران اليوم فتبدو للشعب الغافل وكأنها حامية للإسلام في حين أنها تنخره من الداخل بإعادة عقارب الساعة إلى ما يسمونه يا لثارات الحسين تماما كما فعلت بحزب آل البيت: فهي نخرته من الداخل وحولته إلى حصان طروادة حتى تثأر لكسرى أنو شروان ضد الخليفة عمر وآل عثمان. وفي هذه الحرب على الإسلام تحالفت الحركة العربية التي تسمي نفسها قومية مع الصف الخاسر أعني مع الاتحاد السوفياتي ففجرت الرابطة المتعالية على العرقيات ومن ثم أسست للنزعات الكردية والبربية والزنجية إلخ... من القوميات التي كانت من أهم المسهمين في عزة الإسلام عندما كانت متجاوز لحقارة القوميات والشعوبيات. 
فكانت النتيجة ما نرى: مصر خرجت من الحركة التاريخية لأنها أخرجت محركها الفعلي أعني الإسلام الذي صار أهله يحتمون بأعدى أعدائه أي التشيع الإيراني. انهارت كل هذه الأنظمة العربية التي حاربت مبدأ قيامها وقوتها الناعمة بانهيار الاتحاد السوفياتي الذي عمل كل ما ينبغي حتى يقضي على مقومات الوجود المستقل فجعلها هشة تكفي هبة نسيم لتقلب سافيها على عافيها. وهم اليوم وقد أعاد الربيع العربي لمصر دورها أصبحوا مضطرين لإعلان الحرب صراحة على سر قوتها : الإسلام الذي يريد أصحابه استئناف دور الأمة في التاريخ الكوني استئنافا هدفه تحقيق حرية الإنسان وكرامته والعدالة الاجتماعية.
واليوم يدعونا حسنين هيكل أو من ورث فكره المزعوم إلى نفس اللعبة بالتحالف مع الصف الخاسر في وقت منظور كما سبق أن دعانا مرتين مع الاتحاد السوفياتي ثم مع إيران واليوم مع إسرائيل وأمريكا ومحمياتها العربية بصنفيها أعني أنظمة القبيلة وأنظمة العسكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق