الاثنين، 19 مايو 2014

في مفهوم الإرهاب وتوظيفاته - أبو يعرب المرزوقي

abou-yaareb

تونس في 2014.05.19
تكوينية المفهوم الحالية
سبق أن كتبت عن مفهوم الإرهاب بمناسبة أول محاولة لتوظيفه في السياسة الدولية توظيفا نسقيا من قبل قيادات الولايات المتحدة السياسية والاستراتيجية مركوبا للتفرد بقيادة العالم بعد إفلاس الاتحاد السوفياتي بسبب علل ذاتية له وعلل أجنبية تتمثل في ما يبدو علاجا عند خصومه لعيوب نظامه. والعلل بنوعيها هي إما بنيوية مصدرها إيديولوجية الصفين أو ظرفية مصدرها سياستهما للوضع بمقتضى قوانين الفاعليتين المادية (الاقتصادية والعسكرية) والرمزية (القيمية والعلمية). والاتحاد السوفياتي خسر المعركة على المستويين المادي (الفشل الاقتصادي والدفاعي) والرمزي (الفشل الإعلامي والثقافي).
وقد كان للدينين الإسلامي والمسيحي الدور الرئيس في المعركة الرمزية والقيمية ضد الشيوعية أفقا عقديا والإشتراكية وضعا تاريخيا. فرجال الدين في العالم الإسلامي وفي أوروبا الشرقية أدوا دورا كبيرا في خسران الاتحاد السوفياتي معركته الرمزية والقيمية فضلا عما اتصفت به العقيدة الماركسية من تفريط مخل بدوافع النفس البشرية الأساسية المتعلقة بالملكية خاصة مع ما صاحبها من استثناء القيادات من هذا التفريط جعل المعركة الرمزية والقيمية مخسورة حتما للتناقض بين وضع الشعب السوفياتي (الحرمان من كل الحقوق المادية والمعنوية) عامة وضع قياداته فيه (حياة الملوك والأباطرة).
لكن المميز لدور الإسلام هو أنه تجاوز الإسهام في خسران الاتحاد السوفياتي للمعركة الرمزية والمعنوية لأن دوره مثل اللحظة الحاسمة من هذا الخسران حتى على المستوى المادي إذ كانت المعركة التي خسرها الجيش السوفياتي في أفغانستان أكبر حتى من خسران فرنسا وأمريكا في فياتنام لأن المادي فيه طابق الرمزي والمعنوي فكانت بداية النهاية المطلقة. وهذا الدور بالذات الذي كان محالفا للصف الغربي ومقاوما للمد السوفياتي بما يشبه الحلف الموضوعي هو الذي مثل المزرعة التي أصبحت لاحقا مصدر من يتهمون بالإرهاب.
والعلة من جانب المجاهدين هي أن المعركة انتقلت من التصدي للمد السوفياتي في العالم الإسلامي إلى التصدي للاحتلال الأمريكي للجزيرة العربية خلال حرب الخليج الثانية. وهي من جانب الأمريكيين العلم اليقين بأن عقيدة المجاهدين هي الخطر الأساسي الذي يمكن أن يحقق ضد الأمبريالية الأمريكية ما عجزت دونه الماركسية خاصة والمعركة تجري في أرضهم على حقوفهم وأعراضهم: فليس في مرجعيتها التفريط في دوافع النفس البشرية بل فيها إضافة إلى ذلك قيم العدالة والحق والحرية وكرامة الإنسان فضلا عن الإيمان بأن الحياة من دون ذلك فاقدة للمعنى وهو المقصود بحب الشهادة في سبيل الله.
حيثيات التهمة بالإرهاب
عندئذ تحول المجاهدون إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي في الوطن العربي عامة وفي الجزيرة العربية خاصة بنفس الروحية التي كان عليها ضد الاستعمار السوفياتي في العالم الإسلامي عامة وفي أفغانستان خاصة. وبذلك فالجهاد أصبح يسمى إرهابا لمجرد كونه تحول من الحلف الموضوعي ضد الاتحاد السوفياتي إلى الصراع المباشر ضد الهمينة الأمريكية. وكان يمكن أن يبقى هذا القلب للمفهوم الجهادي المقاوم إلى مفهوم الإرهاب مجرد تهمة أمريكية لن تغير من الحقيقة البينة المتمثلة في مواصلة حرب الاستقلال التي بدأت منذ مفتتح القرن التاسع عشر لولا حدوث الأمور التالية:
الأول سياسي محلي هو دور الدكتاتوريات العربية في محاولة الاستفادة من هذا المفهوم الأمريكي الجديد للجهاد التحريري وتحويله إلى معركة ضد ما يسمى بالإرهاب: فكل مقاومة للاستبداد والفساد بالطرق السياسية التي قد تصل إلى العنف عندما تسد كل أبواب المقاومة السلمية سموه إرهابا حتى يحظوا بالسند الأمريكي.
الثاني سياسي إقليمي إسرائيلي فلسطيني هو دور إسرائيل في الاستفادة من موقف الرأي العام الغربي ضد ما يسمى بالإرهاب بعد حادثة 11 سبتمبر 2001 لتصفية المقاومة الفلسطينية وسوء تقدير القيادات الفلسطينية لهذا الأمر رغم ما وجهته من نصائح داعيا إياهم عن طريق جريدة القدس اللندنية إلى إيقاف الانتفاضة مؤقتا لتفويت الفرصة على إسرائيل التي تريد محو كل التقدم الحاصل في القضية الفلسطينية لدى الرأي العام الغربي.
الثالث هو حصول الحلف بين الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة وإيران وإسرائيل التي تبدو الوسيط الممكن من الحصول على الشرعية من الولايات المتحدة ضد الشعوب العربية التي هي أميل إلى المقاومات الجهادية حتى وإن كانت ضد تخليها عن مفهوم الإرهاب القرآني (الردع بالقوة عامة وبالقوة العسكرية خاصة) وأخلاق الحرب القرآنية التي تحول دون الجهاد والتحول إلى إرهاب بمعنى العنف الأعمى.
الرابع هو حصول أمرين متناقضين بسبب العناصر الثلاثة السابقة. فأما أولهما فظاهر على السطح وهو ما يبدو من تلهف لتحقيق إمارات جهادية قطرية لكأن مفهوم المقاومة الجهادية عاد إلى شكل المقاومات القطرية من جنس ما حدث في حروب الاستقلال ضمن الحدود التي خطها الاستعمار ولكن الآن في شكل معارك سياسية من أجل الحكم في القطر. وأما الثاني فباطن في العمق وهو ما يبدو من وحدة الهدف عند هذه الحركات التي تتحد في العقيدة والمنهج بل وتتواصل خلال خوضها لمعاركها ما قد يفيد بأنها توحد صفوفها من دون قيادة قوة عظمى كالحال في العامل الثالث أعلاه أعني الحلف الواضح بين الأنظمة العربية وإيران وإسرائيل بقيادة أمريكية لمنع إستئناف الحضارة الإسلامية دورها الكوني على قاعدة استعادة وحدة دار الإسلام.
الخامس ثقافي استراتيجي هو الذي يجعل المعاني الأربعة الأخرى مستمرة في الوجود بل هو الذي أسس لانقلاب المفاهيم. ويتمثل في اعتماد المقاومة على فلسفة جهاد بدائية نتجت عن سوء فهم لآية الإرهاب القرآنية ولأخلاق الحرب الإسلامية ما جعلها أقدر على تشويه الإسلام منها على تحريره من التشويه. وفي ذلك في الحقيقة تأثر واضح عند مجاهدي السنة بفلسفة الإرهاب عند الحشاشين الذين لا يؤمنون بالدين بل هو عندهم مجرد الحيل التي تقاد بها الجماهير : بل إنهم من حيث لا يعلمون صاورا بمن اندس فيهم ليحركهم ضد مصحلة قضيتهم عملاء الحشاشين الجدد (إيران وأذيالها : تهمة التكفيريين التي تتردد في إعلامههم التشويهي للسنة) والصليبيين الجدد (المسيحية الصيهونية الأمريكية).
ومثل هذا الحلف لتوظيف الجهاد بالاندساس فيه لتشويه صورة الإسلام السني ليس مستغربا هذا الحلف بين أعداء السنة : فأمريكا وإسرائيل لا يخشون التشيع لأنه كان ولا يزال تابعا لمغول العصر ضد غالبية المسلمين ممثلة بالسنة. ومن ثم فالسياسة هي العنف المطلق الذي لم يعد مناسبا لظروف العصر بعد أن أصبحت المعركة الرمزية مقدمة على المعركة المادية. لذلك بات المجاهدون في الحقيقة بطرقهم البدائية مؤلبين للرأي العام لصالح أعدائهم ومن ثم حاكمين على معركتهم بالخسران المبين.
تعريف الإرهاب وتمييزه عما يختلف عنه من المعاني
والحصيلة هي أن للإرهاب معنيين كثيرا مع يقع الخلط بينهما ليس من قبل العدو وحده بل حتى من قبل المجاهدين عندما يجهلون أو يتجاهلون المعنى القرآني للكلمة وتلازمها مع أخلاق الحرب القرآنية:
فأما المعنى الأول القرآني فهو الردع بالاستعداد المعتمد على عاملين كلاهما مضاعف. وقد جاء على صيغة فعلية لا مصدرية: "ترهبون" وله صلة بالرهبة والرهبنة وكلها معاني خلقية وظيفتها منع الشر بردعه وليس الإقدام عليه:
وأول العاملين المقومين لهذا العامل الخلقي هو القوة بمعنى أصل القيام المادي والرمزي المحققين للإرادة المستقلة شرطا في شرط الحرية: فلا حرية للعاجز. وهو إذن بمعنى الإرادة ذات القدرة الفعلية التي مجرد علم العدو بوجودها يغني عن استعمالها لأنه يحول دون وقوع العدوان. وذلك هو معنى الردع أو الإرهاب بالمعنى القرآني.
والثاني هو القوة بمعنى أدوات فرض هذه الإرادة عندما لا يرتدع العدو فيجرؤ على العدوان. وقد رمز إليها القرآن الكريم بعبارة رباط الخيل أي القوة العسكرية والدفاعية. وهي كذلك مادية ورمزية لأن رباط الخيل الذي هو مادي أي القوة العسكرية متغير ليكون متناسبا مع ما يحصله الاستعلام عن قدرات العدو وحتى يكون مستعدا للمفاجئات التي أشارت إليها الآية بعبارة "وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم".
وأما المعنى الحالي فهو نقيض تلك المعاني ومن ثم فهو علة النكير على ما يصل إليه الإنسان عندما يغيب المعنى الأول فيصبح المدافع في وضع رد الفعل بما يتوفر لديه من وسائل بدائية ضد عدو حقق هذا المعنى في حربه. فالحركات الجهادية الإسلامية اليوم توجد في وضع من يرد الفعل الذي آل إليها بحكم عدم عمله بآية الاستعداد وخلو وفاضه من أدوات الدفاع المادية والرمزية المناسبة للمعركة الجارية. وكان يمكن لهذا النكير أن يكون مفتعلا وكاذبا لو حافظ المجاهدون الذين هم في هذا الوضع على أخلاق الحرب القرآنية فلم يحولوا بعض المعارك فعلا أو تصويرا من العدو وحتى صناعة دعائية منه إلى قتال بدائي يغلب عليه الوحشية والانتقام بدلا من الشهامة والفروسية بعدي أخلاق الحرب الإسلامية.
علتا تشويه الجهاد بمعنى الدفاع الشرعي المسلح
وعندي أن العلة الأساسية في هذا التشويه لمفهوم الجهاد كما يتعين في الكفاح المسلح والدفاع المشروع خلال حرب التحرير من الاستعمار وحتى من الظلم أيا كان إذا سدت أبواب الكفاح السلمي عندي أن العلة ترجع إلى عاملين أساسيين:
أحدهما تصح نسبته إلى بعض المجاهدين دون أن يكون جوهر الجهاد الدفاعي المشروع وغالبا ما يكون هذا النوع الفاسد مندسا بين المجاهدين من أجل ما وصفنا من أهداف التشويه والتحريض على المسلمين في الرأي العام الغربي حتى يتحمل كلفة الحروب التي هي في خدمة مافياته الاقتصادية العسكرية. وهو عامل عديم الدلالة في تحليل الأوضاع لأنه راجع إلى المستوى النفسي من الظاهرة المستوى الذي يصاحب عرضيا وبصورة جانبية كل الصدامات المسلحة.
ودون أن نبرره فإن حقيقته لا تجعله محددا لطبيعة الظاهرة التي نريد فهمها. فهو يعود إلى سلوك فردي قد يحصل بسبب حالة نفسية هوجاء لمن يوجد في وضع رد الفعل الغاضب على الوحشية الآتية من العدو أو حتى لوحشية ذاتية للبعض. لكنه في أغلب الأحيان ناتج عن المندسين لما أسلفنا من الاغراض. فالذي أكل كبد عدوه مثلا- إن صحت الحادثة- لا يعني أن المقاومين من حيث هم مقاومون من آكلي الأكباد بل هو يعني أن هذا الشخص بعينه عاش حالة يحصل مثلها كثير في الحروب وتتمثل في وصول الإنسان إلى حد السلوك الوحشي. فلعله رأى ذلك الذي أكل كبده قد اعتدى على عرضه باغتصاب زوجته أو ابنته أو حتى باغتصابه هو كما حصل ويحصل في سجون الطغاة العرب.
والثاني لا تصح نسبته إلى المجاهدين حتى بهذا المعنى العرضي لأنه ملفق وكاذب. فالعدو يقوم بشناعات لا تحصى إما بذاته أو بمن اندس من عملائه بين المقاومين ليتهم به المقاومة. ولتحقيق هذا الاندساس لا بد لهذا العدو سواء كان أجنبيا أو أهليا لنظام مستبد وفاسد من استعمال شبكات الإجرام المنظم والبلطجيات التي تمثل جسرا بين السياسي والمافياوي في المجتمعات ذات الحكم المستبد والفاسد عامة والتابع منها للاستعمار خاصة. وهذا هو الأمر الذي ينبغي إيلاؤه الأهمية الكبرى في تحليل الأوضاع لأنه هو الإرهاب الحقيقي الذي يستعمل ذريعة لجعل تهم الإرهاب قابلة للتصديق ومن ثم لتأبيد الاستعمار خارجيا واستبداد عملائه وفسادهم داخليا.
فالأنظمة العربية المستبدة والفاسدة تقدم لنا من الأمثلة ما لا يحصى ولا يعد من هذه الأمثلة في كل البلاد العربية التي أرادت أنظمتها الاستفادة من الحملة الأمريكية على ما أطلقت عليه اسم الإرهاب عندما حاول المجاهدون إخراجها من الجزيرة العربية بنفس الروحية التي أخرجوا بها الاتحاد السوفياتي من أفغانستان. ولعل أهم وسائل الدعاية الحالية عند أصحاب الثورة المضادة هي اتهام خصومهم بإرهاب هم صانعوه : فمصر مرت بإرهاب البلطجية بتنظيم مخطط له من قبل الدولة العميقة والعسكر ثم هي صارت الآن بعد الانقلاب تحكم بهذه الحجة النافقة في الداخل والخارج. وطبعا ففكر الجهاديين يعاني من قصور استراتيجي لعله من أهم أسباب عدم فهمهم سر فاعلية الجهاد المضاعف :
فهم لم يفهموا أن كل تخل عن أخلاق الحرب القرآنية يكثر من الأعداء ويخسرهم المعركة الرمزية وأن نجاحهم الأول لم يكن بالقوة المادية الذاتية أو بالقوة العقدية وحدها. فالشرط المادي الذي توفر في حالة الحرب الأفغانية غير متوفر في الحرب الحالية: كان الحلف مع أمريكا أحد الشروط التي مكنتهم من النجاح في الحرب ضد السوفيات.
وهم لم يفهموا كذلك أن عدم وجود حليف يقرب من مستوى العدو العلمي التقني والاقتصادي يجعل النجاح في الحرب ضد أمريكا شبه مستحيل عسكريا بصورة مباشرة رغم كونه ممكن إذ تحقق النصر الخلقي أعني إذا طبق المجاهدون أخلاق الحرب القرآنية والعمل ليس على منع تلفيق العدو للافعال الإرهابية فحسب بل ومنع بعض ما يحدث منها فعلا بمجرد تجاوز قيم الحرب التي وضعها القرآن فيضفي المصداقية على تلفيقاته.
كيف أفهم استعمال تهمة الإرهاب بعد الربيع العربي
إن ما أخشاه حقا هو بقاء الحال على ما كانت عليه. فالأنظمة العربية التي تلت الثورة تبدو وكأنها بسبب التبعية مضطرة لمواصلة نفس اللعبة أعني توظيف تهمة الإرهاب. كما أن الحركات الجهادية لم تزل على سلوكها البدائي سوء فهم لآية الردع وعدم عمل بأخلاق الحرب الإسلامية ما يقوي صف الأعداء بتيسير اتهامهم وتوفير فرص التشنيع عليهم حتى بصناعة إجرامية يقوم بها المندسون بينهم فيضعف صف الساعين إلى التحرر من التبعية بأدوات المقاومة المناسبة للعصر أعني ما شرحنا من المعنى القرآني المصحوب بأخلاق الحرب الإسلامية. ولنبدأ بهذه المسألة الثانية لنختم بسلوك أنظمة ما بعد الربيع وما تواصله من سلوك أنظمة ما قبله.
حماقة جل القيادات الجهادية
إن فلسفة الجهاد عند الحركات الإسلامية هي كعب أخيل في مساعي المسلمين للعودة إلى التاريخ لأن القيادات أشبه بملوك الطوائف منهم بقيادات تسعى إلى استرجاع عزة الإسلام من منطلق ما وضعه من قيم للسلم والحرب في آن. فما ظلت على هذا النحو من عدم الوصل بين آية الردع وأخلاق الحرب الإسلامية فإنها ستكون دائما رغم أنفها في خدمة خطط الأعداء-خاصة بعد أن تعزز صفهم بالحلف البين وبينهم وبين المشروع الإيراني الساعي للوصول إلى الأبيض المتوسط عن طريق ضم العراق وسوريا ولبنان لهيمنته- بدلا من خدمة المشروع الإسلامي المتمثل في عودة الأمة إلى دورها التاريخي إسهاما في تحديد آفاق البشرية المقبلة في كل المجالات النظرية الطبيعية والعملية الإنسانية وتطبيقات ذلك كله من أجل جعل الحياة الدنيا مطية للحياة الأخرى حتى لا ينحط الإنسان فيخلد إلى الأرض. وأخلاق الحرب الإسلامية هي التي تجعل العدو يصبح صديقا فيربح المسلم الحرب في المستوى الخلقي ومن ثم تسهل هزيمة العدو المادية.
سلوك أنظمة ما بعد الربيع العربي
ففي مصر بعد الانقلاب بات واضحا أن النظام الانقلابي يستعمل تهمة الإرهاب مع تعميمها على كل الحركات الإسلامية بل وعلى أكثرها وسطية وسلمية أعني حركة الإخوان المسلمين. ولعل التلفيق بين في حالتين واضحتين:
أولاهما لتملق إسرائيل في سينا. 
والثاني لتملق الأقباط في حرق الكنائس.
وقد تفنن السيسي فبالغ إلى حد لم يصدقه حتى مبدعو نظرية الحرب على الإرهاب فاضطر إلى الذهاب إلى الغاية أعني القول إن الإسلاميين يريدون استعادة الخلافة لتخويف أوروبا التي لا تزال تعيش بعض ذكريات التاريخ الوسيط. لكن ما يجري في تونس ليس بهذا الوضوح رغم كونه من جنسه. فرغم أن الانقلاب لم يحصل بعد يبدو أن الضمني في كلام الساعين إليه أعني ما يسمى بجبهة الإنقاذ هو اتهام من بيدهم السلطة من الإسلاميين بأنهم طرف في ما يشبه الإرهاب الملفق سواء مباشرة أو بسبب السكوت عليه.
لكن ما يزعجني ليس هذا المسعى. فهو معلوم. مايزعجني هو انزلاق بعض الإسلاميين المتشبثين بالحكم في ما قد يجعلهم يصبحون مضطرين للتبرؤ من الإسلاميين الأقرب إلى هذه التهمة بأدلة لم تتعمق في فرضية أن يكون ما يحدث من مفاعيل السطح لمؤامرة الدولة العميقة.
وإني أقول ذلك دون نية تبرئة أي كان إذا كان بحق مذنبا ومعتديا على القانون. لكن الاتهام الذي لم يثبته القضاء الحر والمستقل لا يمكن أن تبنى عليه أحكام. وطبعا فليس عندي المعلومات الكافية لأرجح ما يقبل التصديق فضلا عن كون شروط التصديق لم تبلغ الدرجة التي اعتبرها مقنعة لا من حيث المضمون ولا من حيث الشكل ولا خاصة من حيث السلطة التي أعلنتها والتي ليس من وظيفتها أن تفعل: فليس القضاء هو الذي تكلم.
لست مقتنعا حقا بأن ما وصفته الداخلية بالإرهاب في تتقاريرها صحيح النسبة إلى المتهمين ذلك أنه حتى لو صح أن الأيدي المنفذة تبدو منتسبة إلى الأشخاص المعينين في التقارير فإن ذلك لا يعني أنهم هم الفاعلون الحقيقيون إذ قد لا يكونون إلا شبابا متحمسا تلاعب بهم من يريد توريط الإسلاميين سواء من عرف منهم بصلاته مع ما يسمى إرهابا أو البقية. فما يدريني فلعل ذلك كله من تلفيق الدولة العميقة التي توظف اسم حركة من اليسير اتهامها بالإرهاب بالاندساس الإجرامي الذي وصفت أعلاه. وحجتي الأساسية في عدم الاقتناع بما سمعت من تقرير الداخلية هي التالية وهي صادرة عن التناقض البين بين الهدف المنسوب إلى الفاعلين كما يصفه التقرير والأفعال المنسوبة إليهم:
فلا يمكن لمن يسعى إلى قلب نظام الحكم وتأسيس إمارة أن يفسد على نفسه خططه التي ينبغي أن تكون سرية بأفعال عبثية يغلب عليها الانتقام لقيم يمكن أن تعتبر ثانوية عند أي سياسي انقلابي اللهم إلا إذا كانوا دروايش فيقتلون شخصا لمجرد أنه سب بعض القادمين من دعاة الشرق. فالقيام بهذه الجرائم التي وصفت في التقرير على أهميتها ليست مما يساعد خطة من يريد تأسيس إمارة. ذلك أن هذا السعي يقتضي من صاحبه ألا يضيع وقته في الانتقام من زيد أو عمرو لأنه قال كذا أو فعل كذا.
وكان يمكن أن صدق أن مثل هذا السلوك قابل لأن يتماشى مع سرية العمل الانقلابي لو كانت الأفعال قد استهدفت من يمكن أن يعتبر من أساطين الحكم لا قادة ثانويين ليس لأحزابهم الوزن السياسي المؤثر: الهدف هو تحقيق بعض الفوضى من أجل إضعاف الحكم من خلال مؤامرة تقوم بها الدولة العميقة ضد الديموقراطية الناشئة بعد الربيع العربي في كل أقطاره. لذلك فعندي أن مثل هذا السلوك يدل بالأحرى على مؤامرة ضد الحركات الإسلامية لدفعها للاقتتال على الحكم حتى ينفرد صاحب المؤامرة بالثمرة خاصة والرموز التي استهدفت تحدد الهدف الواضح داخليا وخارجيا: بيان وحشية الإسلاميين ضد الفكر ورموز اليسار والقوميين لأسباب إيديولوجية لا يوليها الأهمية الأولى من يسعى إلى تأسيس إمارة فيفضح سر خطته لتحقيق أهداف ثانوية بالنسبة إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق