Hot

الجمعة، 31 يناير 2014

سلمية المقاومة ماذا تعني؟ 2 - أبو يعرب المرزوقي


استراتيجية المقاومة السلمية

سبق أن طالبت المخلصين لثورة تونس-في مقال بعنوان لا بد من قصبتين أخريين-عدم تسلم الحكم من حكومة الثورة المضادة الثالثة (حكومة السبسي بعد حكومتي الغنوشي)تسلما غير ثوري بزعم التداول السلمي على الحكم. فقد دعوت إلى قصبة رابعة تحدد شروطتسلم الحكم منه مشفوعا بتطهير مؤسسات الدولة السلمي ما أمكن ذلك بين الحكومةالمتخلية والحكومة المنتخبة. ثم قصبة تليها قصبة خامسة في حال عدم القبول بتلكالشروط المتعلقة بالتطهير السلمي هدفها مواصلة الزخم الثوري لطرد كل من نصبهم حكمالثورة المضادة عنوة وتحقيق التطهير الأساسي لأدوات عمل الدولة أعني عزل رؤوسالتخريب المعطل للثورة في الإدارة والإعلام خاصة قبل تسلم الحكم وحفظا للنفسالثوري.
لكن التعجل وحب الوصول السريع إلى الحكم حصل في الحالتين المصرية والتونسيةسذاجة وغفلة. كانوا متعجلين بل ومتلهفين للحكم متصورين أن الثورة المضادة سهلةالمراس وأن الأمور حسمت لمجرد أنها انحنت أمام العاصفة. وطبعا لا فائدة في الكلامعلى الماضي. فما حصل لا يمكن محوه. المهم الآن هو المستقبل وكيف يستأنف الزخمالثوري خاصة والثورة المضادة هي بدورها متسرعة لمحو كل أثر للثورة. علينا أن نفكرفي كيفية الاستفادة من موجة الثورة الثانية التي بينت أن الثورة المضادة قد عادتبكل قواها مدعومة إقليميا ودوليا. وهي قد تتطور إلى حرب أهلية بدأت تتأكد في مصروليبيا فضلا عن كونها متواصلة في سوريا منذ ثلاث سنوات. و
وكل فشل في التصدي للثورة المضادة أو خطأ يؤدي إلى الفشل في المعركة التيبدأت مع الموجة الثانية وخاصة في مصر اعتبره خيانة لدم الشهداء الذين صاروا الآنبمئات الآلاف. موضوع هذه الورقة هو كيف نتجنب ذلك بالجواب عن سؤال: فما القصد بالمقاومة السلمية في ظرف الثورة العربية التيلها رهانات كونية هي رهانات استئناف دورنا رهانات تناظر أو على الأقل تقرب منرهانات دخولنا للتاريخ الكوني أول مرة؟ كيف لسلمية أن تؤثر في ظرف يصبطغ بالعداءالغربي لتصديق العرب أن ثورتهم لا ينبغي أن تكون مجرد تسليم بالتغريب والتحضيرالاستبدادي بل لا بد أن تحقق هدفي الحرية والكرامة المشروطين باستئناف دور حضارتهمفي التاريخ الكوني؟
والمبدأ الأساس الذي ننطلق منه- وهو ناتج عما سبق لي أن شكرت عليه الثورةالمضادة- هو أنها برد فعلها ليس بما هو متوقع من عنف وحدة بل بتجاوزها القطرية قدأسست لوحدة مسرح المعركة إذ جعلتها عامة وشاملة لكل الأقطار العربية بصنفيها الذي حدثتفيه الثورة والذي بات يخاف وصولها إليه. لذلك فلا بد لفعل الثورة الذي كان أصحابهمترددين في توسيع مسرح المعركة من أن يكون عاما وشاملا كذلك. عليه ألا يهادن منساند الثورة المضادة من الأقطار العربية الأخرى. فهذه المقاومة ينبغي أن تكون إيجابيةفي هذا التوسيع وينبغي للثوار حتى إذا لم يكونوا مؤمنين بوحدة المصير أن يأخذواالدرس من الثورة المضادة التي هي عامة والتي تستعمل كل الأسلحة والخبرات وخاصة:
السند المالي والسند الإعلامي ولولا وسائل التواصل الحديثة ومساعدة الجزيرةلوئدت الثورة نهائيا من دون أن يعلم أحد بكل الفظاعات التي لا يذكر التاريخ مثيلالها إلا في الحملات البربرية للمغول والحروب الصليبية والغزو الأمريكي.
والتأثير الدبلوماسي والقوة العسكرية حيث التقى الشرق والغرب والإقليم علىمشاركة الإسلاميين في الحكم حتى مجرد المشاركة خوفا من أن ينجحوا فيعيدوا للأمةمجدها خاصة وما كان يعاب عليهم من جهل بالعصر أو بالعلوم الحديثة تجاوزوه بل هوأصبح صفة خصومهم.
ذلك أن الاستعمار وعملاءه من أصحاب الثورة المضادة يؤمنون بأنه يكفيهمالنجاح في إعادة تنصيب أحد الأنظمة التي سقطت أو في صمود النظام الذي لم يسقط حتىيكونوا قد أنهوا الثورة بإعادة الجماهير إلى اليأس والاستسلام. وهم قد نجحوا سابقابإبطال المسار الديموقراطي والإبقاء على نظام جنرالات الجزائر في العشرية الأخيرةمن القرن الماضي (بسبب التدخل الفرنسي والبترول) ونجحوا في إجهاض المقاومةالعراقية للاحتلال الأمريكي (بسبب التدخل الإيراني والبترول).
وها نحن نراهم يسعون الآن إلى الحفاظ على نظام الأسد وإعادة نظام مباركونظام الجدافي ونظام ابن علي وكلها طبعا تبدأ دعايتها بلوك جديد وبحجة تصحيحالمسار الثوري لتحريره من الراكبين عليه. وكل من يقرأ الساحة قراءة أخرى منكمشاعلى قطر منعزل في الزلزال الذي يعم الوطن فهو إما غافل عما يجري أو متواطئ معه.وقد سبق أن كتبت كتابا حول استراتيجيات المقاومة ليس هذا محل الكلام عليها.
وسأحاول هنا تقديم بعض المبادئ العامة حول شروط نجاح المقاومة الإيجابية التيتجمع بين الأخلاق والسلمية وشروط الدفاع الشرعي عن الذات والقيم التي من أجلهاقامت الثورة إذا اضطرتها الثورة المضادة لذلك. فالبادئ بالعنف هو الظالم دائمالأنه هو من بيده قوة الدولة والنظام الذي وقعت عليه الثورة. ولعل اجتماع كل ملوكأوروبا على الثورة الفرنسية وحربهم عليها أكبر دليل: فالسلمية لا تتنافى مع رد العدوان بل إن رده من شروطهاوإلا فإن المعتدي لن يتوقف فتنعدم السلم وهذا المبدأ صحيح في العلاقات الداخليةوالعلاقات الخارجية بين البشر. وحتى نتمكن من تحديد الاستراتيجية فلا بد من الاعتراف بأمرين من ينكرهماليس بقادر على فهم منطق الثورة وعلى فهم آية الاستعداد الذي قد يغني عن الحاجة إلىخوض المعركة (60 من الأنفال) ومن ثم فهو غير قادر على وضع الإستراتيجية الكفيلةبتحقيقها لأهدافها:
المبدأ الأول:
ويتعلق بمعرفةالمكابح التي تعطل حركات الشعوب في الثورات. فالثورة المضادة أكثر جذبا لعامة الشعب من الثورة, خاصة إذا طالت مدتها مندون استراتيجية حكيمة. وذلك قانون تاريخي لا جدال فيه. وذلك لعلتين:
أولاهما سلبية وهي أن عطالة العادة وسلطان الفساد المستشري- ولا شيء باتأعم منه -يجعلان الغالبية راضية بمجرد العيش النباتي وأقرب إلى المحافظة منها إلىالثورة.
والثانية لأن الثورة بما هي طليعة مستقبلية لا يمكن أن تتغلب بيسر علىعطالة الماضي ومخاوف الحاضر ما لم تكن لها استراتيجية تحرك الأمل وتغذي القدرة علىالصبر والتضحية.
المبدأ الثاني:
 ويتعلق بمعرفة الدوافع التي تفعل حركات الشعوب في الثورات. فلا أعتقد أن الجماهير أيا كانت ثقافتها وليس العربيةوالإسلامية وحدها يمكن أن تتحرك ثوريا من أجل شعارات مجردة مثل حقوق الإنسانوالحريات إلخ.. وذلك لعلتين:
الأولى لأن للإنسان دافعا ماديا ذا صلة مباشرة بسد حاجات حياته الأولية. وهوما يفيد بأن الثورة لا تنجح إذا لم يكن البعد الاقتصادي الاجتماعي همها الأول. فهيبالضرورة وبنص القرآن الكريم نفسه صراع على إرث الأرض وتقاسم خيراتها: شروطالحياة العضوية والحرية.
والثانية لأن للإنسان دافعا قيميا ذا صلة مباشرة بمقومات وجدانه الأولىوخاصة بقيم الدين والشرف (من هنا أهمية دور المعبد والمرأة) وبعلاقات التضامن الأولية(من هنا دور أشكال الاجتماع الأولية). ومن ثم فالثورة بالضرورة صراع روحي علىالمنزلة في الوجود: شروط الحياة الروحية والكرامة.
فإذا أضفنا إلى ذلك أن السلمية تعني القدرة على التحشيد للاحتجاج وكان ذلك خاضعاللديناميات الجماهيرية التي من جنس ما يظهر في المقابلات الرياضية أو في الصراعاتالمباشرة بين الشباب في الأحياء الشعبية (من هنا أهمية الفنون والآداب والأهازيجالعامة كما في أي عمل جماعي لرفع الروح المعنوية) بات من اليسير تحديد الخطوطالعامة للاستراتيجية الناجحة والاقتصادية أي ذات الكلفة الأدنى أعني التي قد تغنيعن العنف الذي يتناقض مع القيمة الخلقية إلا في حالة الدفاع عن النفس.
فلا يمكن لثورة أن تنجح إذا حولها أصحابها بسذاجتهم إلى تراتيل أدعيةوانتظار النصر دون العمل عليه أو جعلت حركات المنتسبين إليها سعيا إلى مذابح يوميةضد جماهيرها خلطا بين السلمية وتقديم رقابهم للذبح كما حصل في الاعتصامات الطويلةوذات العدد الكثيف. فعدم استغلال الكم التوزيعي بدل الكم التجميعي في الاعتصاماتيقوي الخصم ويمنع الانتشار السريع لمنع القوة من التأثير من علامات غياب الاستراتيجيةالذكية التي سنحاول بيان مقوماتها. ولو صح أن السلمية هي هذا لكان الجهاد فاقدالمعناه ومشروعيته ولما اعتبرت الحروب بحاجة إلى الخدع. السلمية مشروطة بالجهاد منحيث هو رد الظلم بما يناسبه ومعنى ذلك أنه متدرج في سبل المقاومة وأداوتها وخدعها.وإذن فمشكل المقاومة متعلق بهذين العاملين:
 1-كيف نضعف المكابح عندنا ونقويها عند الخصم.
 2- وكيف نقوي الدوافع عندناونضعفها عند الخصم.
ذلك هو مكمن الحل فضلا عن كون كل نصر مهما كان صغيرا يقوي في عضد الثورةويفت في عضد الثورة المضادة لأن المعركة لها بعد نفسي أساسي ككل صراع بين الإراداتالبشرية. وعلى المقابلة بين هذين الموقفين:
موقف أصحاب الثورة المتفائل لتعلقهم بالمثل العليا ودفاعهم عن المستقبل.
وموقف أصحاب الثورة المضادة المتشائم لتعلقهم بالواقع ودفاعهم عن الماضي.
تعتمد إستراتيجية المقاومة الإيجابية التي تجمع بين وجهي السلمية المتخلقةوالمؤثرة أعني مظهري الفعل السياسي ووجهيه: الدبلوماسي بالسلاح الرمزي والحربي بالسلاح المادي. ومن ثم فالمقاومة تتعلق بهذين الوجهين:
وجه الحد من تأثير المكابح وذلك بإفقاد العدو كل ما يمكن أن يبقي على أدنىحد من صفات خلقيه في فعله. فدفعه للوقوع في الأخطاء التي يحاول وصف الثورة بها هوأهم وسيلة لتحرير الشعوب من العادة ومن سلطان الفساد حتى يتبين للشعب أن المستفيدالوحيد من الاستبداد والفساد هو الثورة المضادة مع فقدان كل غطاء خلقي لأفعالها. فضحالوجه البشع من الموقف القيمي والرمزي للثورة المضادة هو أساس الحد من كوابحالالتزام الشعبي بالثورة وتحمله كلفتها التي هي ثقيلة وخاصة في البدايات. وهذا مايجعل استعمال الدبلوماسية والخدعة السياسية مشروعين إذا اقتصرا على تطبيق قواعد الدفاعالمعنوي المشروع بالحدود المشروعة.
ووجه تقوية تأثير الدوافع وذلك بتجنب كل ما يمكن أن يقلل من الحلم ومنالصفات الخلقية في أفعال الثوار. فكل تنكيل بالأعداء وخاصة بالأطفال والنساءوالشيوخ يطيل في مدة المواجهة ويحول المعركة من معركة بين الحق والباطل إلى معركةأخذ بالثأر بين موتورين وليس بين بشر لا بد واصلين في الغاية إلى العيش المشترك فينفس الوطن أو في المعمورة كلها. بيان الوجه الحسن من الموقف القيمي والرمزي للثورةهو إذن أساس تقوية الدوافع. فهذا يجعل استعمال القوة والسلاح مشروعين إذا اقتصراعلى تطبيق قواعد الدفاع المادي المشروع بالحدود المشروعة.
وكلتا المعركتين -حداً من المكابح وتقويةً للدوافع- تجري في ساحتين هماساحة الرأي العام المحلي وساحة الرأي العام الدولي, مع الأخذ بعين الاعتبارللحقيقتين التاليتين اللتين تساعدان الثورة على التصدي رغم كونهما تبدوان لصالحالثورة المضادة:
فساحة الرأي العام الدولي والقصد الغربي بطيئة التحريك كلما كان الأمرمتعلقا بالمسلمين وخاصة إذا كان الطرف المقابل يعمل لصالحه ولصالح إسرائيل لكنساحة الرأي العام الشعبي في العالم وفي الإقليم مع الثورة.
وصف الثورة المضادة في مصر وفي الإقليم متحالف مع هذين العدوين أيالاستعمار وربيته. ففي مصر التي هي مدار النجاح والفشل بالنسبة إلى الثورة العربيةالحالية يرى الشعب بصورة واضحة أن هذا الصف مؤلف من الباشوات وخدمهم من المثقفينوالإعلاميين: باشوات العهد الملكي الذين أعادهم السادات وباشوات العهد العسكريالذين بدأ تكوينهم مع هذا العهد واكتمل مع مبارك.
لذلك فالاعتماد بعد الله ينبغي أن يكون توعية الشعب بهذه الحقائق مع وضعإستراتيجية أساسها استعمال فنيات حرب المطاولة (من الأضعف ماديا والأقوى خلقيا: الثورة) لصد فنيات حرب المناجزة (من الأقوى ماديا والأضعف خلقيا: الثورة المضادة):
 فالثورة المضادة تريدها حرب مناجزةللحسم السريع اعتمادا على التأثير الحيني للقوة المادية العسكرية والاقتصادية. لذلكفهي المبادرة إلى استعمال القوة المادية لعدم شرعيتها.
والثورة ينبغي أن تعكس فتجعلها حرب مطاولة والحسم البطيء اعتمادا علىالتأثير المتراخي للقوة الرمزية. لذلك فهي تتجنب اللجوء إلى القوة ما أمكنلشرعيتها الخلقية.
لكن حكمة الله وضعت قانونا لصراع الإرادات يجعل صاحب الحق هو المنتصر حتمافي النهاية إذا كان مؤمنا بحقه ومصدقا بما يتعالى على الدنيا. فالثورة المضادةقوية ماديا لكنها ضعيفة معنويا وخلقيا. والقوي المادي لضعفه الخلقي قليل الصبر.والقوي المعنوي لقوته الخلقية كثير الصبر. ويكفي أن يعلم الثوار هذه السنةالإلهية  الحاكمة لصراع الإرادات –وهو معنىوالأرض يرثها عبادنا الصالحون وواجب الجهاد في سبيل الله أي لإحقاق الحق- هذاالقانون الأساسي في معركة الحق والباطل حتى يجدوا الطريق إلى الاستراتيجية الناجعةالتي نحاول وصف بعض عناصرها هنا. ومن يريد المزيد أحيله إلى ما كتبت عن إستراتيجيةالمقاومة. ولما كانت الحرب في هذه الحالة تجري في اتجاهين كلاهما تحدده:
 العلاقة بين الزمان والمكان هو قانون حركة الفعل فيالأعيان: قانون طبيعي رياضي.
 والعلاقة بين تصورهما في الأذهانهو قانون صبر الفاعل: قانون نفسي خلقي.
 باتت استراتيجية صاحب المطاولةمحكومة بالقانونين التاليين عند تطبيقهما على حركة الأفعال وحركة المعلومات خلالمجريات المواجهة بين الطرفين المتصارعين. وكلا هذين القانونين مضاعف لأنه يخص كلاطرفي النزاع:
القانون الأول يتعلق بالمستوى الرمزي من فعل السياسة سواء كانت المعركة عسكريةأو دبلوماسية أعني أنه يتعلق بحركة المعلومات في المكان ومن ثم بعددها في الزمانوذلك بخصوص انتقال المعلومة في المكان بتقدير الزمان: كيف أعلم بحركة العدو فياقصر مدة وكيف أجعله يعلم حركتي في أطول مدة.
القانون الثاني ويتعلق بالمستوى المادي من فعل السياسة سواء كانت المعركة عسكريةأو دبلوماسية أعني أنه يتعلق بحركة العمليات في المكان خلال الزمان ومن ثم بعددهافي الزمان وذلك بخصوص انتقال الفعل: كيف أعمل لمنع سرعة حركته ما أمكن ولجعل حركتيأسرع ما أمكن بحيث تكون أفعاله دائما في محلها.
فتكون القوانين أربعة في الحقيقة لأن كلا القوانين ينطبق بالتقابل على طرفيالنزاع: إثنان يخصانبعد المعركة المعلوماتي واثنان يخصان بعدها العملياتي. والفعل في الحالتين وبالنسبة إلى طرفي المعركة يتعلق باللوجيستيك أو بما يجعل المعلومات والعمليات تنتقل فيالمكان بأسرع وقت ممكن بالنسبة أحد الطرفين وبأبطأ وقت ممكن بالنسبة إلى عدوه. والحل عماده مفارقة عجيبة. فلوجيستيك الأقوى التي هيأكثر تعقيدا وأثقل من لوجستيك الأضعف تكون أيسر تعطيلا واقل قدرة على الإنجازلأنها يسيرة الانكشاف.
وتلك هي علة فشل الجيوش النظامية أمام حروب العصابات خاصة إذا تجنبت هذهالحرب استعمال القوة العمياء وحافظت على أخلاق الفرسان التي تجعل العدو نفسه يخسركل تبرير خلقي يطلبه لإقناع صفه بما يفعل. لذلك فالكثير ممن يجهلون هذا القانونيعطلون نجاح الثورة بما يفقدونها أخلاق المدافعين عن الحق. ولهذه العلة يلجأ العدولتشويه الحركات الثورية بالبشاعات التي يصنعها ويلصقها بها حتى يفقدها المشروعيةالخلقية:
ولنبدأ بحركة الفعل في حالة الوصول إلى الحرب التي نتمنى تجنبها لأنهاستكون نكبة على الأمة:
 1-فالضعيف يكفيه نشر خلايا صغيرةجدا للتظاهر أو للقتال بحسب مرحلة المعركة وجعلها موزعة على أكبر مساحة ممكنة منمكان المعركة أي كل أرض الوطن وعليه تجنب جمع القوة في مكان محدد لمنع العدو منالمواجهات الحاسمة التي هي شرط المناجزة.
2-والقوي لا يمكنه توزيع قوته على المكان كله فهذا أمر مستحيل ومن ثم فهومضطر لقطع المكان وللحركة أكثر من الضعيف بسبب ما أسلفنا من ثقل عتاده ونصرالمسلمين على الفرس كان أساسا للتقابل في هذه الخاصية. وحركة الضعيف تقبل التخفي.أما القوي فحركته لا تقبل التخفي.
3-والحل هو جعله يتحرك إلى حد الإنهاك المادي والمعنوي عندما يتبين أنهأمام لعبة الفأر والقط وذلك بعدم تمكينه من المواجهة أي جعل حركته غير محققةلأهدافها مع جعل كل عمل يقوم به تكون خسارته دائما أكبر من فائدته ماديا ومعنويا.
4-لكن الحركة التي تفرض على القوي ينبغي تعطيلها حتى تكون بطيئة وذلك يقتضيعند اللزوم تخريب طرق مواصلاته ومركباته ومصادر الطاقة وأماكن إصلاح العطبومطاراته. وهذا طبعا لا يكون إلا إذا تطورت المقاومة السلمية فأصبحت حربا معلنة.
5-وهذا هو الأساس: لا بد في هذه الحالة القصوى من ضرب مراكز القرار وخاصةالاتصالات بينها وبين الثابت والمتنقل من القوى الموزعة التي يحاول العدواستعمالها لمتابعة الثوار في المكان.
ولنثن بحركة المعلومة مع نفس الرجاء من الله ألا تصل الأمة إلى الحرب  الأهلية في مصر التي لم تنقطع منذ تسعيناتالقرن الماضي في هذا القطر أو ذاك من الوطن العربي:
1-فالضعيف حركة المعلومة عنده وسيلتها هي من الفم إلا الأذن أو ما يسمىبالهاتف العربي فهذا هو الوحيد الذي لا يمكن أن يتغلب عليه العدو بالأجهزة الحديثةخاصة وأدوات النقل الخفيفة كالدراجات النارية تؤدي الواجب وأكثر.
2-أدوات القوي حديثة لكنها بحاجة إلى وسائط وهذه في متناول التخريب بيسرخاصة إذا حصل ما يجعل الشعب كله حاضنا للثورة.
3-بث المعلومات الخاطئة والشائعات لمخادعة العدو تعد أهم وسيلة لإدخالالفوضى على حركاته وتيسير ضربه.
4-في الحروب الأهلية لكل طرف القدرة على الاندساس في الطرف الثاني فضلا عنكون القوي يخسر بمثل هذه العمليات أكثر من الضعيف لأن الضعيف لا يمكن ضربه ضرباحاسما بسبب توزيع قواه على المكان الأوسع الممكن.
5-أخيرا ما لأجله يقاوم الثوار مطلوب لذاته ومن طبيعة كيفية. لذلك فالمغنمالمادي ليس أول همومهم في حين أن ما يقاوم من أجله أصحاب الثورة المضادة وسيلة ومنطبيعة كمية أهم شيء فيه هو الغنم المادي. لذلك فكل المعلومات الصالحة في الحربالدفاعية تتعلق بهذا العامل لأن أصحاب الثورة المضادة لهم ما يخافون عليه من حطامالدنيا ومن ثم فالدعاية والمعلومات المخادعة رمزيا والهجومات والتخريب ماديا ينبغيأن يكون منصبا على هذه العناصر مع تجنب إيذاء البشر وخاصة الأطفال والنساء والشيوخ–كما تقتضي ذلك أخلاق الحرب الإسلامية-حتى تتم المحافظة على القيم الخلقية التي منأجلها قامت الثورة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق