تونس في 2014.04.25
"حكومة توافق المنافقين وإعلام الثورة المضادة يؤكدون بتبريراتهم لحادثة ضيوفهم الصهاينة أمرين يوجبان تذكير القراء بهذا النص الذي نشر بتاريخ 2014.01.15. فاعتبار التطبيع شرطا لنجاح الموسم السياحي يبين القصد من كلامي عن الاقتصاد التابع بل والعاهر.
"كل ما في الأمر أن ما كان خفيا بات علنيا.والآتي أدهى : فليست الخدمات وحدها هي التابعة بل وكذلك بيع كل منتوجاتنا : فهي جميعا تمر بلوبيات الصهاينة في مرسيليا فضلا عن العلاقات المشبوهة لجل رجال الأعمال بهذه اللوبيات.وقد رأيت ذلك بنفسي في أحد اللقاءات بين ممثلي الأعراف وهذه اللوبيات في باريس. وما حج بعض الزعماء من كل الألوان السياسية التونسية والعربية لأمريكا إلا حج إلى لوبيات إسرائيل فيها.
" الأحداث وحدها كافية لإفهام من لم يفهم بعد علة ترحيب أمريكا وأوروبا وخاصة إسرائيل بالحكومة التي اختاروا وزراءها ونصبوها في تونس. ولكل بلد عربي سيسيه. لكن لا سيسي من دون نخب شوهاء في الحكم والاقتصاد والتربية والثقافة من جنس يسارنا وقوميينا وليبراليينا وإسلاميينا الراغبين في مقاسمتهم بعض فضلات ممالك الطوائف العربية".
النص بتاريخ :2014.01.15
سيعجب القراء من شكري للعملاء والسفهاء. لكنهم سيفهمون علة الشكر بمجرد أن يدركوا أن للعلماء والسفهاء الفضل الأكبر في تحقيق ما لا يمكن من دونه أن تنجح الثورة إذا علم أصحابها كيف يستفيدون مما يجري من حولهم فلم يسقطوا من أول كبوة: فهم باتحادهم البين حاليا وخاصة في انقلاب مصر قد فرضوا على الثوار مضطرين الوحدة في كل الأرض العربية بل والإسلامية حول مشروع وحيد هو استعادة شروط بناء الأمة لاستئناف دورها الكوني. ولولا العملاء والسفهاء لما تحققت الوحدة السلبية -وحدة العملاء والسفهاء-للوطن العربية بداية لوحدة المسلمين شرطا في استئناف دورهم الكوني.
ولست بحاجة لإثبات أن العملاء والسفهاء من الخليج إلى المحيط قد وحدوا صفوفهم لخدمة مشروع الاستعمار غير المباشر بمقاومة ما بات بينا للجميع أنه آت لا ريب فيه أعني عودة الإسلام لتحقيق قيم رسالته في المسرح التاريخي الكوني. وما كانوا ليفعلوا لم يصبح هاجس الاستعمار المباشر وغير المباشر عمل كل ما يستطيع لمنع استئناف المسلمين لدورهم الكوني الذي حان أوانه بعد محاولات نهوض وإصلاح دامت قرنين فأعدت العدة لمثل هذه العودة. ويمكن أن نحدد دور العملاء والسفهاء في مشروع الاستعمار لمنع هذه العودة بالصورة التالية بعد أن نعرفهم التعريف السريع التالي استقراء مما حصل قبل الثورة وخاصة بعدها:
فالمقصود بالعملاء الكثير من النخب السياسية والاقتصادية الخادمة لمشروع الاستعمار المباشر وغير المباشر.
والمقصود بالسفاء الكثير من النخب التربوية والثقافية الخادمة لهؤلاء الخدم مباشرة ولاسيادهم بصورة غير مباشرة.
لكن العملاء لم ينتظروا تعريفا من أحد. فقد عرفوا أنفسهم بأفعالهم التي تبين أنهم دمى تحركهم رغبات المستعمر للمحافظة على التبعية. ففضحوا مشروع الاستعمار المباشر الجيواستراتيجي بالمعنى العسكري والاقتصادي للإبقاء على دار الإسلام تحت تصرفه استعدادا لمقاومة الأقطاب الصاعدة, وبينوا بوحدتهم في كل أقطار الوطن العربي ضرورة أن تتحد الثورة فيتجاوز فعلها الحدود للثبات أمام الثورة المضادة التي وحدت كل العملاء والسفهاء من الخليج إلى المحيط حربا على الثورة وتمويلا للثورة المضادة وتحالفا واضحا بين كل أعداء الأمة من الأقليات التي تظن الاستعمار حاميا لها.
والسفهاء مثلهم لم ينتظروا تعريفا من أحد بل هم عرفوا أنفسهم بأنهم أعداء الأساس الوجودي للأمة نفسها, فلم يخفوا طبيعة الحرب الحضارية الجارية ضد قيم الإسلام وطبيعة رسالته التي لا يمكن ألا تكون في آن استعمارا للإنسان في الأرض واستخلافه عليها, ومن ثم مشروعا عالميا لتحقيق شروط تكريم الإنسان أي إنسان في كل مكان. لذلك فهؤلاء السفهاء اتحدوا تبعا لاتعاد أسيادهم ليحاولوا تخريب الحضارة العربية الإسلامية من الداخل بكاريكاتور الحداثة التي يزعمون الدفاع عنها وكاريكاتور الإسلام الذي يحاربونه محاربة دونكيخوت لنواعير الطواحين.
طبيعة المعركة والرهان
اتضحت طبيعة المعركة واتحد مسرحها ورهانها على الأقل بالنسبة إلى الثورة المضادة والمشروع الاستعماري الجديد. فأما طبيعة المعركة فهي سياسية وهدفها منع وحدة المسلمين السنة وحضارية لضرب أساس مناعتهم. وأما وحدة المسرح والرهان فهو دار الإسلام السنية لمنزلتها في الصراع الدولي الذي نراه بصدد التحدد. فالغرب يحاول بهذا المسعى أن يستجيب لشرط بقائه سيد العالم بالجواب عن هذا السؤال: كيف للقطب الغربي المؤلف من أوروبا وأمريكا وقلبه إسرائيل أن يصمد أمام الأقطاب الصاعدة في العالم وخاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية من دون أن يبقى مستحوذا على المجال الإسلامي السني في استراتيجيته العسكرية (ممراته) والاقتصادية (الطاقة) فضلا عن إمكانية أن يصبح المسلمون هم بدورهم أحد هذه الأقطاب المنافسة في معركة الأقطاب الدولية؟
وما ضرب الثورة في قلب الإسلام السني- أعني الانقلاب في مصر- إلا بداية في هذا المسعى لحسم المستعمر وعملائه معه ومنع كل إمكانية لاستئناف الإسلام السني دوره الكوني. وكان من الضروري أن يتم ذلك بالتوازي مع إحياء الحلف البنيوي مع الإسلام الشيعي1. ذلك هو العنوان الجامع لمثل إمكانية عودة الإسلام السني لتكوين قطب يشغل قلب العالم الفاصل والواصل بين قطبي العالم المقبل أعني الغرب والشرق. فهذه الإمكانية يستبعدها من لا يفهمون التاريخ من سفهاء النخب. لكن يدرك الغرب الاستعماري وخاصة أوروبا التي خلقت إسرائيل يدرك أنها ليست مجرد إمكان وهمي بل هي قابلة للتحقق خاصة وقد بدأت إرهاصاتها تلوح من خلال الحلف الممكن بين بؤر الثورة الحالية خاصة إذا علمت تركيا ومصر والسعودية2 كيفية الاستفادة منها ومساعدتها لإحياء مشروع أربكان مشروعه الذي قضي عليه بسببه فضلا عن كونه تقدم على الثورة.
نقد استراتيجية المقاومة الإسلامية
سبق أن كتبت في نهاية السبعينات أن كل المعارضات العربية من جنس الحركات الفلسطينية وأن كل الأنظمة العربية من جنس النظام الجزائري: الأولى جعلت قضية شعبها بزنس قيادات والثانية جعلت وطنها بزنس جنرالات. ويمكن القول إن ذلك يصح على المقاومة في الإسلام السني من مندناو إلى المغرب الأقصى. فالمقاومة الفلسطينية تمثل العينة الدالة على ما تعاني منه هذه المقاومة الإسلامية في دار الإسلام مقاومة الاستئناف والتصدي للاستعمار المباشر وغير المباشر.
إنها مقاومة ساذجة تعتمد إما المقاومة العنيفة المعبرة عن أحوال نفس بعض الشباب لكونها لا تعتمد استراتيجية طويلة النفس وذلك من بداية مقاومة حركة الاستيطان الصهيوني في بدايات القرن الماضي ومثالها الحالي حركة حماس أو هي تعتمد المقاومة اللطيفة لبعض الشيوخ المقاومة المعبرة عن اليأس من الحل الأول كالحال مع ما آل إليه أمر حركة فتح. ثم هي تتصف بالتشظي الذي يكاد يتحول إلى التذرر, لأن المقاومة في الحالتين تحولت إلى بزنس كل زعيم يفتح دكانا للمتاجرة بالقضية إما مع أمريكا وحلفائها أو مع إيران وحلفائها. وإذن فالمقاومة تتصف بصفتين: استراتيجية الـ"إما وإما" واستراتيجية البزنس لزعماء الحرب والسياسة. ومثل هذه الاستراتيجية لا يمكن إلا أن تولد حركات من جنس داعش أو شخصيات من جنس دحلان.
إن هاتين الصفتين تميزان كل حركات المقاومة في العالم الإسلامي من قاعدة ابن لادن إلى المقاومة الجارية حاليا في سوريا والعراق. ومعنى ذلك أن المسلمة الواحدة المشتركة بين هذه الحركات هي الغاية السريعة التي يجري إليها أصحاب البزنس فيجعلونها غاية المقاومة ونهايتها: الاستعاضة على الدويلات القطرية الحالية بأبعاض منها أكثر قطرية وأقل تقدما من جنس الصومال وأفغانستان. ومعنى ذلك أن الهدف لم يعد تحقيق شروط الاستئناف الأسمى بل هو الرضا بشروط البقاء الأدنى, بعد اليأس السريع من المقاومة التي لم تبن على استراتيجية قابلة للبلوغ إلى الغاية. ولعل الحجم المنشود في خطة من يوظف كل هذه الحركات هو أن تكون جميعها قابلة لتحقيق الهدف: إمارات طوائف بحجم الضفة الغربية تحكمها إيران وإسرائيل شرطيين للغرب عامة ولأمريكا خاصة.
وبذلك تصبح المقاومة ذاتها أداة من أدوات المستعمر لتأبيد الاستعمار. ذلك أن إرجاع البلاد الإسلامية إلى إمارات بدائية تحت أمراء حرب من جنس ما نرى في داعش وفي الصومال وفي أفغانستان لا يمكن إلا أن يكون في صالح الاستعمار ومن ثم فهو جزء من خطة تحقق للغرب ما يسعى إليه من بقاء دار الإسلام تحت سيطرته في استعداده لأقطاب القرن الحالي. لذلك فالمعادلة قد أصبحت بينة المعالم:
لكن إذا كانت أركان الثورة المضادة ممثلة بالعملاء والسفهاء قد توحدت, فمعنى ذلك أن آفاق نجاح الثورة بدأت تخيف الاستعمار لأن العملاء والسفهاء ليست لهم حركة ذاتية بل إن دمى تحركها أيد لم تعد خفية هي أيدي الاستعمار المباشر (القواعد والمستشارين) وغير المباشر (المصالح الاقتصادية والأجهزة الاستخبارية).
وإذا كانت أركان الثورة ممثلة بالحركات الإسلامية السنية المقاومة ما تزال مشتتة فمعنى ذلك أنها لسذاجة أصحابها أو لفقدانها للاستراتيجية ذات الأهداف الواضحة أصبحت خاضعة للمندسين فيها والموجهين لعملها الفوضوي حتى تتحول إلى ذرائع للإبقاء على الوضع الراهن أو إلى تعفينه بصورة تجعل الشعوب نفسها تطالب ببقاء الوضع الراهن بل وتطالب الاستعمار نفسه بحمايتها من الثورة التي تكون قد شوهت داتها بفعل من اندس فيها لهذا الغرض.
وحينئذ فلا عجب أن نرى كل الفضاعات الجارية في جل أقطار دار الإسلام إذ إن الأنظمة الحاكمة مثلها مثل الحركات الثائرة عليها مستعدة للقضاء على جل الشعب بكل أسلحة الدمار ليس من أجل ما يرد في الخطاب بل من أجل الإمارة والحكم حتى على الخراب الحاصل من هذا الاقتتال العبثي بسبب بداوة الفكر في الحكم والمعارضة في آن وبسبب التبعية لأن الجميع صار آلة وأداة لاستراتيجية يؤدي فيها دورا دون وعي أو بسبب ما تورط فيه من فضائح صار يقاد بها من الخارج. ولعل اكثر الأوضاع تمثيلا لهذه الظاهرة ما يقوم به النظام السوري من تهديم نسقي لسوريا وقتل أعمي لكل شباب سوريا من أجل المحافظة على إمارة لطائفة كان يكن أن تكون في أمن وسلام لو أنها لم تصبح مجرد أداة للاستعمار من القرون الوسطى إلى الآن.
تحديد طبيعة الداء قبل طلب الدواء
أول شرط في تحقيق العلاج هو معرفة طبيعة المرض. وطبيعة المرض أصبحتُ على بينة منها بفضل تحليلي لأسباب فشل الإسلام السياسي المؤقت في الموجة الأولى من الربيع العربي لأني شاركت على الأقل لأمد قصير في التجربة التونسية وخبرتها من الداخل لأن هدفي من المشاركة لم يكن طمعا في أي منصب إذ إن همي كان ولا يزال المعرفة بالمعاينة الفعلية لأن نظرية العمل الفلسفية تتجاهل أهمل عناصره أعني صراع الإرادات بمقتضى سهم القدرات. كان هدفي التحقق من صحة بعض نظريات ابن خلدون وبالتعيين صحة كلمة قالها ابن خلدون لتبرئة معاوية من عدم وفائه بشروط الصلح مع الإمام الحسن لحقن دماء المسلمين. فقد قال إنه لم يوص بالخلافة رغبة منه في ذلك بل خضوعا لإكراهات السياسة وعجزا عن مقاومة العصبية الحاكمة.
فتبين لي أن كل ما يسمى أخطاء الحركات الإسلامية في التجربة كانت علتها أنها وضعت نفسها تحت هذا الجنس من الإكراهات فحكمت بمنطق العصبية الضيقة مع فقدان شروط بناء الدولة التي يمكن أن تكون في خدمة ثورة. إن المسارعة إلى الثمرة دون الحصول الأكيد على شروطه مع الارتكاز على عتصبية بدائية لا يمكن أن يبني الدول فضلا عن أن يحقق الثورات. وبعبارة اشد وضوحا فإن هاجس الوصول إلى تكوين إمارة هاجس قاتل لكل بناء جدي يمكن الأمة من استئناف دورها.
ففشل الإسلام السياسي في الموجة الأولى من الثورة وتمكين الثورة المضادة من فرصة العودة السريعة سببه أن الحركتين في تونس وفي مصر تخلتا بسرعة عن منطق البناء السليم لشروط الحكم وتوهمتا أنهما أصبحتا صاحبتي دولة لظنهما أن العصبية الضيقة كافية رغم أن الإسلام تجاوزها بأن قدم ما يتعالى على القطري فضلا عن الحزبي والطائفي في بناء الأمة بل وفي بناء الإنسانية. ومعنى ذلك أن المنطق المسيطر على المقاومة الإسلامية بقي واحدا حتى في الحركات الإسلامية التي أسهمت في الربيع العربي: تكوين إمارة بأسرع ما يكون (بل أميرة صغيرة في المكان وقصيرة في الزمان).
ذلك أن الانتقال من منطق الثويرة غير المكتملة إلى منطق الأميرة المزعومة يترتب عليه الخضوع لشروط حياة تلك الدويلة في ظروف التبعية التي تقضي ضرورة أن يصبح الثوار في وضع من الإكراهات الخانقة التي تحول الثويرة إلى رهينة للحياة الاصطناعية التي يفرضها الحرص على الإبقاء على الأميرة التابعة. وحينئذ نجد التعارض المطلق بين الأقوال والأفعال وتتحول كل الهزائم إلى مزاعم عن حكمة ونصر إلخ... من مغالطة الذات والجماهير. ذلك أن الإمارات التي تتكون على هذا النحو تجعل الاستعمار أقدر على فرض شروطه مما كان مع الأنظمة التي وقعت عليها الثورة بسبب ما لهذه من تناغم مع الأجهزة التي كونتها وفشل تلك في السيطرة على الأجهزة فلا يكون لهم سلطان على الدويلة التي فرحوا بها.
ولهذه العلة فقد حاولت في محاضرة ألقيتها في مركز التميمي-فضلا عن النصائح المباشرة لبعض القيادات-أن أنبه حركة النهضة إلى أنها من الأفضل ألا تدخل في الحكم المباشر حاليا وأن تنتظر حتى تتوفر الشروط بمنطق الثورة قبل الوصول إلى منطق الدولة لأنها إذا حكمت فسيفرض عليها القبول بأكثر مما فرض على ابن علي في مسألتين هما:
القبول بالتطبيع مع إسرائيل.
القبول بشروط التبعية الغربية.
وكنت واثقا من أن ذلك سيكون بضغوط أشد وطأة خاصة والاضطرابات المترتبة على الثورة أوصلت البلدين تونس ومصر إلى حافة الإفلاس فضلا عن التبعية البنيوية لاقتصاداتهما. لذلك فإني لم استغرب أن صارت الحركتين الإسلاميتين في تونس ومصر تدافعان عن السياحة رغم أنه لا يمكن تصور سياحة من دون كل شروطها التي لا حاجة للكلام عليها. فتكون الدولة الإسلامية التابعة مضطرة لاعتماد على مصدر تمويل تعتبره أهم مصدر لخزينتها وتمويل قيامها المادي مع علمها بأنه مناف تمام المنافاة لأي فهم للإسلام مهما كان تحرريا: تجارة الخمر والجنس السوي وغير السوي فضلا عن القبول بشروط من بيدهم الحل والعقد في هذه الخدمة أعني شركات الأسفار التي هي بالأساس أدوات ضغط فارض للتبعية بالجوهر.
ما الحل إذن؟
لعل القارئ المتعجل يستنتج من كلامنا أننا ننهى الحركات الإسلامية على المساهمة في الحكم. وهذا هو الخطأ الذي يرد إلى منطق الـ"إما وإما". لذلك فسأجيب لاقتراح أفكار قد تساعد على تجاوز المأزق والخروج منتصرين في الموجة الثانية من الثورة. وذلك في مستويين:
أولهما متعلق بالمقاومة السلمية من خلال نوع المشاركة في الحكم الملائمة لاستراتيجية استئناف الإسلام رسالته وذلك بالنسبة إلى الحركات التي اختارت المشاركة في الحياة السياسية الديموقراطية: فشرط النجاح في الحكم يمكن أن يساعد على البقاء فيه ومن ثم على العمل من أجل توحيد المسلمين لتحقيق شرطا ضروريا لاستئناف الرسالة.
والثاني متعلق بالمقاومة المسلحة من خلال نوع المشاركة في المقاومة الملائمة لاستراتيجية استئناف الإسلام رسالته وذلك بالنسبة إلى الحركات التي اختارت رفض اختيار الحركات السابقة.: فشرط النجاح في المقاومة هو تطبيق أخلاق الإسلام في الحرب حتى تصبح المقاومة ذات إضافة خلقية تفرض الاحترام على العالم مع رفض تكوين إمارات تؤدي إلى ما وصفنا أعلاه.
نوع المشاركة في الحكم المنصوح بها
إن للمشاركة في الحكم مستويات لامتناهية بدءا بالحكم المباشر إلى حد المطابقة مع اليد الحاكمة وختما بالحكم غير المباشر إلى حد الابتعاد عن اليد الحاكمة بإطلاق مع أداء الدور الرئيس في اختيار الحكام كالحال مع ما يسمى بجماعات الضغط:
فأولى درجات الحكم هي مقادير الحضور في النسيج الاجتماعي التربوي والثقافي والاقتصادي والسياسي دون مباشرة الحكم بمعناه السياسي الضيق.
وثانيتها هي الحضور في مستويات الحكم الدنيا وخاصة الحكم المحلي وفي نقابات العمال والأعراف وفي الجامعات والجمعيات.
وثالثتها في معاهد درس القرارات والسياسات الإعلامية المحلية والدولية للحصول على المسموعية الناتجة على الصورة المحترمة لدى أصحاب القرار.
ورابعها الحضور المنظم وغير الانقلابي في أدوات في الدولة أعني أجهزة الأمن والاستعلام والدفاع أدواته القادرة على إنفاذ أوامر السلطان الشرعي فيها.
وآخرتها المشاركة الحكم نفسه الذي لا يكون إلا ظاهرا من السلطان إذا لم تتوفر له شروط المسموعية. فالحاكم ليس له سلطان من ذاته عدا ما لأمره ونهيه من قابلية للتحقيق. وذلك ممتنع على من لم يكن نابعا من الدرجات التي ذكرنا.
ولهذه العلة نصحت بعض قيادات النهضة سرا وجهرا بوجوب التكوين المتدرج لنخبها في هذه المجالات بدءا بتكوين حكومة ظل تتابع نشاط الحكومة الرسمية لتكون على بينة في حال وصولها إلى الحكم كما يحدث في جل بلاد العالم المتحضر مع حتمية الصبر والمواظبة على التكوين السوي في كل وظائف الدولة المدنية الحديثة حتى يصبح لديها دراية بكل النسيج الذي يمثل أحياز السلطان في البلد مع له من امتدادات في خارج البلد مع مواصلة المسعى التحديثي لتحقيق المطابقة بين الحداثة المتحررة من شوائب الاستعمار والأصالة المتحررة من شوائب الانحطاط الذي دام قرونا إذ لا يمكن السعي لتحقيق الاستئناف الإسلامي بالعبادات.
طبيعة المقاومة المنصوح بها
تكلمت أعلاه على ما يمكن أن يترتب على تكوين المقاومين بالسلاح لإمارات تصبح أكثر خضوعا لشروط الاستعمار من الدول التي تقاسمتها حركات المقاومة فأرجعتها إلى القرون الوسطى, فإننا لن نعود إلى الكلام على هذه المسألة. سنكتفي فقط بالكلام على طبيعة القواعد التي تستمد منها استراتيجية المقاومة شروط النجاح:
أول قاعدة: أقصر الطرق في المقاومة سياسية كانت أو حربية ليست خطا مستقيما لأن الذهاب المباشر للغاية دليل على الغباء وليس دليل على الصدق والصراحة بل إن الطرق الملتوية هي المعيار الوحيد للذكاء. وما من حرب تخاض من دون دهاء وحيلة.
ثاني قاعدة: لا يمكن للمقاومة أن تكون أهدافها البعيدة معلنة لأن ذلك يعني أن المقاومين غير صادقين بل هم يحاولون أقناع تابعيهم بصدقهم. فما من أحد حقق هدفا في الحرب بأن بدأ فأعلم العدو بما يسعى إليه في الغاية.
ثالث قاعدة: لا يمكن للمقاومة أن يكون لها عدو مطلق معلن لأن استعمال قوة العدو ضده أهم وسائل الغلبة عليه فإذا قاطعته بات من الممتنع عليك الاستفادة من هذه القاعدة.
رابع قاعدة: لا يمكن للمقاومة أن يكون لها حليف مطلق معلن لأن الحليف سيجعلك أداة إذا شعر بأنك تعتبره ملجأك الوحيد الذي لا بديل عنه.
خامس قاعدة: مجال المقاومة لا يتعلق بالغايات بل بأدوات تحقيقها ومن ثم فأهم مجال للمقاومة هو مجال غلبة العدو في السلطان على الأدوات سلطانه أعني التربية والثقافة وثمراتهما التطبيقية. لذلك فالمقاومة التي تكتفي بما يسمى الجهاد القتالي تبقى أهم أسباب الفشل في تحقيق الأهداف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق