Hot

السبت، 14 نوفمبر 2015

أحداث باريس ثم ماذا بعد؟


أبو يعرب المرزوقي 
تونس في 2015.11.14

1-الكلام على ادواء البشرية يرد دائما بالتعبير عن مواقف صفين كل منهما يعتبر الصف الثاني هو سببها ويحمله المسؤولية ويرد عليه بنفس الأسلوب علاجا بالتي هي الداء. وإذن فلاحل ما ظلت هذه الآلية عاملة.
2-صادف أمس أن تكلمت في استنبول على صنفي السلم قبل ما حدث البارحة في باريس فقلت في محاضرتي حول الدين والسياسة ما اعتبره الوصف الدقيق للحال التي تنتج عند هذا العلاج.
3-قلت إن القوة قد تفرض السلم الذي يطلق إرادة الغالب ما ظل غالبا بوهم القضاء على المغلوب من منطق تحميل أحد الصفين الصف الثاين المشؤولية.
4-وهم المقابلة صف الخير كله وصف الشر كله هو الذي يجعل البشرية في حرب أهلية دائمة لظنها السلم الخارجية سلما وليست هدنة بين غالب ومغلوب.
5-ما منطلق الذي يمكن أن يخرج الإنسانية من الفعل ورد الفعل من نفس الجنس أي الحرب الدائمة والتداول على الغالبية والغلوبية فيخقق السلم؟
6-ذلك ما وصفه ابن خلدون عندما قابل بين الوازع الذاتي (أي النابع من الذات) والوازع الأجنبي اي فرض إرادة غالب على مغلوب بالاحتكام إلى العنف.
7-كلما رد المغلوبون رداعلى الغالبين من جنس أفعالهم واصل الأقوى بنفس المنطق الزيادة في وتيرة سلطانهالفارض لظلمه الذي لا يريد الاعتراف به.
8-فتتوالى النكبات على الجميع لكن لا أحد من الصفين-والمنتظر أن يكون المبادر هو الأقوى والأظلم-يبادر للنظر في يكاد ينتهي إلى جنون بلا حد. وكلما ازداد عنف الفاعل ازداد عنف راد الفعل. والأصل أولى بوصف الإرهاب من الفرع.
9-وكنت أتصور أن العولمة والتداخل بين الشعوب ويسر التهديم بسبب تقدم تنكنولوجيا القتل ينبغي أن يفهم الدول صارت هشة وأنه لا بد من منطق آخر.
10-المنطق الآخرهو ما يحقق سلم الباطن بالوازع الذاتي شرطا في سلم الظاهر بالوازع الأجنبي: لا احتكارفي عصرنا للقدرة على التهديم فعلاورد فعل.
11-وهذا يقتضي أمرين: الأول أن تقدم التقني يؤدي إلى الهشاشة لان احكتاره بات مستحيلا الثاني كل اعتماد على القوة لقهر الضعفاء خطا خطير على الجاني قبل الضحية.
12-فكل مستضعف إذا بلغ درجة اليأس يصبح هداما بدرجة متناسبة مع التقدم التقني الذي ينفي ذاته: لأنه مشروط بالجماعات المتمدنة المشروطة بالسلم للجميع : أما أن تريد السلم لديك والحرب عندي فهذا مناف كل توازن وهو لا يحقق الاستقرار.
13-والسلم الخارجية مستحيلة من دون سلم باطنية تحول دون اللجوء إلى العنف الذي يفسد حالة السلم بأبسط الوسائل التقنية التي في متناول المظلوم.
14-فيكون المشكل هو التنافي بين التقدم التقني في العلاقات المادية والتخلف في العلاقات الخلقية: ومعنى ذلك أن الحضارة بنفسها تطلب التوازن.
15-التقدم التقني الذي يحقق علاقات مادية محترمة لا يمكن أن يصمد ما لم يوازيه تحقيق علاقات خلقية محترمة كذلك.وقد بدأ في مجال علاقات العمل.
16-عشنا ثلاثة قرون من الحرب الأهلية البشرية للوصول إلى علاقات عمل متوازةة فقل الصراع الوصول إلى حل وسط بين الراسمالية والاشتراكية.
17-وما كان يمكن للرأسمالية أن تقضي على الاشتراكية بالقوة المادية والسلاح لأن الحرب لوحصلت لكان المآل نهاية البشرية بسبب السلاح النووي.
18-فكان الحل مضاعف: التعايش السلمي احتاج إلى شرطين فهم العلاقة بين الاجتماعي والاقتصادي وفهم أن الحرب مدمرة للصفين. تجاوزنا الصدام.
19-الظلم اليوم لم يعد طبقيا في الغرب الذي وصل إلى حل يوفق بين مطلب الاشتراكية (الاجتماعي) ومطلب الرأسمالية (الاقتصادي): أصبح استئصاليا.
20-لم يعد الأقوياء يتبادلون الاستضعاف في ما بينهم بل يجمعون على استضعاف من يختلف عنهم حضاريا لظنهم أن حضارتهم الممثل الوحيد للإنسانية.
21-الاعتراف بحقوق العمال مكن الغرب من تجاوز ازمته الداخلية. لكنه يجرب في الأزمة الخارجية ما جربه فيها طيلة ثلاثة قرون قبل أن يكتشف الحل.
22-بعد حرب دامت ثلاثة قرون من الصراع الطبقي المسلح اكتشف الغرب استحالة الحل وتبين له أن هذه الحقوق الحقوق مفيدة اقتصاديا وليست ضارة.
23-والآن يعيد نفس المأساة فيريد أن يخلق صراعا ثقافيا وحضاريا وأن يحسمه بالسلاح لكأنه مقدم على حرب أخرى لثلاثة قرون ليقتنع بالحل السليم المتمثل في ان التعدد الحضاري شرط كل توسيع لآفاق الإنسانية.
24-صحيح أن الطبقة المالكة لرأس المال أقوى من الطبقة العمالية وصحيح أن البشرية كادت تفنى بجبروت القوة المادية للراسمالية. فكانت الحكمة التي قربت الاجتماعي والاقتصادي.
25-لن تنجح الحرب الثقافية ضد المستضعفين بل إن صمودها سيكون من جنس صمود الطبقة العمالية. ومقاومتها من نفس الجنس فهل نذهب إلى نفس الموقف؟
26-يخطي من يتصور أن السمتضعفين سيستسلمون لما يزيد الغرب في جبروته.فما نتج عن الصدام الطبقي قد يحصل مثله وأكثر من الصدام الحضاري المضاعف.
27-إنه مضاعف لأنه صدام حضاري وطبقي في آن ولكن ليس بين أفراد في نفس الجماعة الحضارية بل بين الحضارات: بعضها يستثني بعضها من الإنسانية.
28-وهي ستثنيها من الإنسانية حضاريا بحرمانها من شروط تحقيق الإنسانية الحرة بفرض الاستبداد والفساد عليها لتبقي على الاستضعاف والاستتباع.
29-إنها إذن حرب طبقية وعرقية حضاريا ودينيا واقتصاديا واجتماعيا وبكلمة واحدة: سياسة منهجية لمنع حضارة معينة من أن يكون لها شروط السيادة.
30-وخطة الحرمان من شروط السيادة تتحقق بحربين: 1-مادية:الاحتلال وتأييد الاستبداد والفساد و2-ونفسية هي التشويه النسقي لحضارة المستهدفين.
31-وكل مقاومة سلمية يسخرون منها ومن أصحابها -يعاملونها كما يعاملون فتح في الضفة-وكل مقاومة شرعية بالدفاع عن النفس يخترقون بما يشوهها.
32-وإذا لم يستطعيوا اختراقها يحاصرونها كالنصف الثاني من المقاوة الفلسطينية أي حماس.بذلك يدفعون البعض دفعا إلى ما حصل في الحرب الطبقية.
33-فكلنا يعلم ما حصل في الحرب بين القطبين طيلة قرن إلا ربع وبين الحركات المقاومة التي شوهت واتهمت بالإرهاب والتي استعملت أحيانا الأرهاب.
34-لكن المشكل هو ما انطلقنا:بدلا من تحميل المسؤولية لمرض الإنسانية (الصراع الطبقي والصراع بين الحضارات والطبقي في آن) كلاهما سببه الأثرة.
35- لا سلم إلا يوم يقتنع البشربأنهم اخوة وأن تحقيقها لا يكون بالقوة المادية والوازع الخارجي بل بالقوة الروحية والوازع الباطني كما قال ابن خلدون في كلامه على الظلم الذي يخرب العمران.
36-أما إذا لم تفهم الإنسانية ذلك وظلت منقسمة إلى من لهم حقوق الإنسان ولم ليس لهم حتى حقوق الجماد فإن أي فرد بفضل التقدم التقني والعلمي يمكن أن يوقف دولة إذا شعر بأنه لم يعد لما يخاف عليه بعد كرامته.
37-المدنية تعني الحياة المطمئنة إذا استندت إلى سلم باطنة يتساوى يها الجميع. وهي لا تكون كذلك إلا بالدعة خارجيا وبالسلم الباطنة باطنيا. وهذان من أيسر الأمور إزعاجا وتخريبا في عصرنا. فكيف تريد أن تعيش في بلدك مطمئنا وتجعلني في بلادي أعيش تحت البراميل والصواريخ والكيمياوي من قبل من تسند ليحقق مصالحك؟
38-وهذه الهشاشة من المفروض أن تصبح مصدرا للتسالم بين البشر ولعدم عدوان بعضهم على بعضهم خاصة إذا تحول إلى سياسة تلغي الضعفي والمظلوم. من يلوم من اعتدي على عرضه وماله ودينه وعقله ونفسه أن يشعر بأنه لم يبق له ما يخاف عليه فيصبح طلب الموت خلاصا وثأرا في آن؟
39-من يمكن أن يعتبر منصفا وعادلا إذا اعتبر فاقد هذه الضروارت الخمس معتديا إذا ثار فدافع عن مقومات ذاته بنفس طريقة من أفقده إياها أي العنف رغم عدم التناسب بين العنفين والتجهزين القتاليين؟
40-هل من اعتدى على عرضك ومالك ودينك وعقلك ونفسك ليس عنيفا وإرهابيا لا لشيء إلا لأنه يعتبر نفسه ممثلا للإنسانية التي يستثنيك منها؟معقول؟
41-ستجد بعض الأغبياء مسارعين لاتهام هذا السؤال بأنه تبرير للإرهاب وهم غالبا الساكتون ولا يرون أن الداء هو آلية الفعل ورد الفعل الجهنية.
42-هل معنى ذلك أن من يحتل منزلـي ويعتدي على زوجتي ويفتك مالي ويهين معتقداتي ولا يحترم عقلي ويلغي نفسي إذا قاومته أسمى إرهابيا ويسمى هو إنسانا متحضر عادل وخلقي؟
43-أما كون الإرهاب اعمى فهو طبعا كذلك. لكنه كذلك في الحالتين في الفعل ورد الفعل. ولن اقول البادئ أظلم بل أقول: فلنوقف هذه الآلة الجهنمية التي قد تضعف الجميع فتقضي عليهم لوجود المنافسين المتربصين.
44-إذا كنا قد أوقفناها في المسألة العمالية العلاقة بين الاشتراكية والراسمالية بعد اليأس من الحل العسكري فلم لا يجنح الصفان إلى السلم ؟ 
45-كل من يتوهم أن المسلمين سيرضخون لـ"لديكتات" بسبب الضعف مخطئون وكل من يتصور المسلمين لايريدون التعايش السلمي يتهم نواياهم ليبرر إجرامه.
46-وكل من يريد للعقلاء من الصفين أن يقوموا بالواجب من أجل هذه الغاية ينبغي أولا أن يقتنع بالا حل عسكري بين البشر. فالسلم الخارجية ليست إلا هدنة وهي تبيت العدوان في كل لحظة.
47-السلم الحقيقية اعتراف متبادل بين الذاتين المتلاقيتين رغم الاختلاف وبتحديد الحقوق والواجبات بينهما بتعاقد ندي.فالتعاون شرطه تعاوض عادل. ثم إن الحضارتين مشتركتان في التراثين الديني والفلسفي رغم التاريخ الدامي بينهما.
48-فالعرب لن يشربوا بالبترول ولا فائدة لهم من تعطيل ممراتهم وبحارهم وثرواتهم إذا تم التبادل العادل.لكن الاستكبار والأخذ عنوة دونه حياتنا. ولسنا الهنود الحمر فتؤخذ أرضنا فنفنى. لذلك فالحل هو التعاون لا آلية الفعل ورد الفعل العنيفين الآلية الجهنمية التي قد تقضي على الصفين في ظل صعود صفوف أقوى.
49-والدفاع الشرعي عن الضرورات الخمس (العرض والمال والدين والعقل والنفس) هو الجهاد وهو خاضع لقواعد خلقية هي قانون الحرب الدفاعية قرآنيا.
50-أما أن يشوه ذلك بالحرب النفسية وبالاختراق المخابراتي فتلك عملية تمت مع كل المقاومات التحريرية وحتى مقاومات العمال في الحرب الطبقية. ولا يعني ذلك أننا ننفي أن المقاومين يقومون أحيانا باعمال منافية للهدف إما تهور أرعن وبحماسة ساذجة.
51-لذلك فرايي أن هذه المهارب لن تجدي نفعا.أملي أن حكماء الغرب أن يقنعوا المافيات غربا وشرقا في آن اي التحالف بين الاستبداد والاستعمار.
52-ورأيي كذلك أن النصرالمحتوم هو لحق المظلوم مهما طالت المعركة:فطبيعة مقاومة الضعفاء ماديا للاقوياء ماديا هي الاعتماد على القوة الروحية.
53-الضعف المادي تعوضه القوة الروحية التي هي بالأساس الصبر والمطاولة في الدفاع الشرعي عن الحق مهما كانت الكلفة لأن الأمر يتعلق بالكرامة.
54-كل من يتوهم أن مثل هذه السياسة ستبقي الحال على الصورة التي يريدها الاستعار (الاستضعاف والاستتباع) وعملاؤه (الاستبداد والفساد) يتجاهل أن الأمة -مهما وقع من أخطاء شبابية في حركة المقاومة-يمكن أن تخضع للقوة يجهل تاريخها وقدرتها على الانبعاث من جديد: فهي طائر الفنينق.
55-والتاريخ يمكن أن يتجه الوجهة الصحيحة تحرر الغرب من فكرة الاستفادة من دار الإسلام لمقاومة العماليق الصاعدة بما فيها لكأنها "رزق مات أصحافه"وجنح إلى التعامل الندي مع أمة أعدت العدة للاستئناف التاريخي الكوني الذي لن يتوقف مهما تجبر الغرب وتكبر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق