Hot

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

كيف نتجنب ما يحصل في مصر


أبو يعرب المرزوقي

منزل بورقيبة في 2013.07.08




  • لا يمكن لتونس أن تتجنب ما يجري في مصر بمجرد التركيز على اختلاف الوضعيات أو على التهديد 
  • بالحزم أو التخويف. فذلك كله حاوله كل من أراد أن يبقي على مسار الربيع العربي قطريا في المسار الأول الذاهب من تونس إلى مصر والعائد إلى ليبيا ثم الذاهب إلى سوريا. لكن هذه المحاولات لإيقاف عدوى الأحداث الجارية في الربيع العربي فشلت فشلا ذريعا. ذلك أن التفاعل بين مجريات الأحداث في أقطار الربيع العربي جيئة وذهابا بينها أصبحت الآن حقيقة ثابتة. لذلك فلا بد من التفكير الرصين وتجنب عبارات التحدي من هذا الجانب أو ذاك لأنها صب للزيت على النار. وما ينبغي أن يدور حوله كلامنا ينبغي أن يكون البحث في شروط الإبقاء على سلمية الثورة وأن نطلب الجواب المسؤول حول مسألة الشروط التي تجنب تونس نكبة النكبات فتصبح كل مراحل الربيع العربي آيلة إلى ما ينبغي تجنبه بإطلاق: الحرب الأهلية. والمسألة واحدة لكنها ذات مدخلين:
  • أولهما إيجابي وهو طلب الشروط التي تبقي على سلمية الثورة.
  • والثاني سلبي وهو طلب الشروط التي تحول دون الحرب الأهلية. 

  • وقد كنا جميعا فرحين بتميز الربيع العربي في تونس ومصر إذ قد غلب على مجريات أحداثه الطابع اللطيف بالمقابل مع الربيع العربي في ليبيا وسوريا حيث غلب عليه الطابع العنيف. وكنا نتمنى أن يبتع المجرى الثاني المجرى الأول. لكننا بدأنا نخشى من العكس. فمطاولة النظام في سوريا والفوضى في ليبيا قد يشجعان العودة السريعة لبقايا النظامين في تونس ومصر بالاستفادة من عسر تحقيق المهمة ومن فراغ الصبر عند من كانوا ينتظرون الكثير من الثورة فيستعملهم البقايا غطاء بتبني الخطاب الثوري ويحصل ما نراه جاريا في مصر الآن.

  • نأمل أن يجنب الله مصر السقوط في ما سقطت فيه الجزائر من قبل ونحاول أن نجنب تونس البداية الحاصلة في مصر راجين من العلي القدير ألا تتدهور الأمور في مصر إلى أكثر مما هي عليه الآن. فمصر انتقلت بوضوح من المسار اللطيف إلى المسار العنيف والعدوى لن تتوقف والمشكل ليس في حدوثها خاصة إذا حسمت الأمور لصالح الانقلابيين بل في كيفية الحصول. وإذن فالخطر حقيقي. وكل من يستهين بالأمر من الحاكمين والمعارضين ليس مسؤولا أو غير واع بالخطر المحدق بتونس. ما الحل إذن ؟ لا بد من طلب الجواب من المدخلين: 

  • فما الذي أبقى على اللطافة إلى حد الآن أو على سلمية المسار رغم أن المرحلة الانتقالية تمططت أكثر مما ينبغي ولم يعد للشرعية الانتخابية ما يكفي من الوجاهة التي تجعلها قادرة على الصمود أمام فراغ صبر المواطنين من تحمل المعتاد من تبعات الثورة؟ 

  • وما الذي يمكن أن يحول دون نقلتنا إلى ما انتقلت إليه مصر خاصة والوضع في تونس أقل شرعية من الوضع في مصر لأننا مؤسساتنا ما تزال في المرحلة الانتقالية في حين أن مصر تجاوزت هذه المرحلة وأجرت انتخابات عادية ولها رئيس ودستور؟ 

  • لا شك أن الرهان في مصر أهم بكثير من الرهان في تونس بسبب وزن مصر في المنطقة أولا وبسبب علاقة وضعها المباشرة ببنت السفاح المدللة للغرب كله أعني إسرائيل. فوزنها هو الذي يفسر دور الأنظمة في تمويل الإنقلاب. والعلاقة بإسرائيل التي تفسر دور الغرب في مباركته بعد الاعداد له. لكن تونس كذلك يمكن أن تقاس منزلتها في المغرب العربي بمنزلة مصر في المشرق العربي: نجاح ثورتها يخيف أجوارها كما يخيف نجاح ثورة مصر أجوارها حتى وإن كان دور العلاقة بإسرائيل تتميز به مصر أكثر من تونس. 
  • وقبل الشروع في الجواب أضع دعويين قد يعجب لهما الكثير ممن يكتفي بسطح الأحداث ويواصل لعبة الغفلة عن فهم ما يجري في الربيع العربي كله فضلا عن أحداثه الأخيرة في مصر. أضع الدعويين ثم أحاول البرهان عليهما: 

  • الدعوى الأولى: بقاء الثورة سلمية إلى حد الآن يعود الفضل فيه لحكمة قيادات المعارضة.

  • الدعوى الثانية: الحؤول دون الانتقال إلى ما يماثل ما يجري في مصر تعود مسؤوليته إلى قيادات الحكم.

  • التدليل على الدعوى الأولى

  • لا يمكن لأحد أن يتهمني بمهادنة المعارضة. فقد كنت خصما للكثير من رموزها وإن في مناخ من الاحترام المبادل. وكنت خاصة معارضا لتدخل الاتحاد العام التونسي في السياسة غطاء للأحزاب التي خسرت الانتخابات. لكني مع ذلك كنت ولا زلت خصما ساعيا قد المستطاع لمراعاة الموضوعية والإنصاف فلا أنكر فضل البعض من قيادات المعارضة الذين رفضوا المغامرة والتطرف في مطالبة الحكام باحترام الالتزامات حرفيا. 

  • فلو تمسكت المعارضة بحجة انتهاء الشرعية في 23 أكتوبر وهي حجة قوية جدا لأن حزبين من الثالوث الحاكم التزما بالقيام بالمهمة خلال سنة فكان ذلك وعدا خلقيا ملزما يعتبر من أهم بنود البرامج الانتخابية. 

  • ولو تمسكت المعارضة بالتركيز على التلكؤ سواء كان مقصودا أم نتيجة لعدم الخبرة والتردد من الحكام في إنجاز المهمة كما يتبين من:

  • 1-اختيار نهج كتابة الدستور المقلوب أي إن ما كان ينبغي البدء به أضطررنا إليه في النهاية: التوافق على المبادئ العامة.

  • 2-وفي حل لجنة الانتخابات غير المبرر لأن من نجح ينبغي أن نستفيد من خبرته لا أن نحاول تعويضه إلا إذا كانت "النية مقعمزة".

  • 3-وفي تكوين هيئة القضاء التي راوحت مكانها أمدا ليس بالمعقول.

  • 4-وهيئة الإعلام التي كان من المفروض أن تكون من الأوليات لما للإعلام من دور موجبا كان أو سالبا.

  • 5-وفي قانون الانتخاب الذي ينبغي أن يكون أول أمر يحصل حوله التوافق لأنه يضع الصيغ التي تبقي عليه أو تفسده.

  • ولما كان ذلك لم يحصل فإن فيه ما يكفي من الحجج لبيان أحد أمرين كلاهما كاف لجعل المطالبة بالبحث في مسار بديل يمكن من إنجاز المهمة بصورة تسرع الخروج من الانتقالي إلى العادي من الوضعيات المؤسسية أمرا شرعيا ولا غبار عليه دون حاجة فضلا عن كونه شرط تجنيب البلاد الهزات والمصير الذي نخشاه من العدوى المصرية الممكنة. ويكفي أن نشير إلى الأخطاء الحاصلة في المثالين الأولين:

  • فنهج كتابة الدستور كان ينبغي أن يكون عكس ما آل إليه: أن يبدأ بالتوافق على المبادئ العامة ثم تكلف لجنة فنية مختصة بصوغها في نص دستور يحترم شروط الصوغ الفني الذي لا ينبغي أن يترك لمن يتعلم الحجامة في رؤوس اليتامى ثم يعرض على الاستفتاء دون حاجة للمطاولة في المناقشة فصلا فصلا ثم جملة في قراءتين قد تنتهي آخرتهما عند عدم تحقق الثلثين إلى الاستفتاء.

  • وحل لجنة الانتخابات لم يكن له مبرر لأن النجاح الأول كان من المفروض أن يكون كافيا للإبقاء على الخبرة وتعديل ما يستحق التعديل دون الدخول في معركة خاسرة من البداية. فالمطلوب هو استقلال الهيئة على السلطة. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا أصبحت الهيئة معينة مباشرة أو بالطرق الملتوية المسماة انتخاب في مجلس للسطلة فيه الأغلبية. هذا فضلا عن الوقت الذي نخسره باستئناف العمل من رأس ما يقتضي أننا حتى لو نجحنا في تكوين هذه اللجنة فإنها ستحتاج إلى ما احتاجت إليه اللجنة الأولى وربما أكثر لأن الساحة أصبحت أكثر شحنا ومن ثم فالمهمة ستكون أعسر. والأخطر من ذلك كله هو تعريض النتيجة إلى القدح لاحقا: فلو فرضنا أن المعارضة قررت التشكيك في نتائج الانتخابات المقبلة فإن أكبر حجة ستكون التشكيك في اللجنة نفسها وهو ما كان يكون ممتنعا لو أبقينا على لجنة لم تتدخل السلطة أصلا في تعيينها.

  • وقد تكون المعارضة لم توظف ذلك أو تغاضت عنه ليس بسبب حكمة قيادية بل لأسباب تتعلق بتنظيم صفوفها وبتشتتها المؤدي إلى ضعفها. لكن المرء المنصف عليه أن يقول إن في ذلك شيئا من الحكمة حتى لو لم يكن مقصودا لأننا لو لم نشكر هذا الأمر ونثمنه فلكأننا نتحدى المعارضة ونقول لها: ها أنت قد نظمت صفوفك فهلمي وجربي تحدينا واعملي ما عمله المصريون. وقد سمعت وقرأت كثيرا ما يماثل هذا التحدي وهو خطير بل هو لعب صبيان بالنار. وبالتالي فالحكم الموضوعي ينبغي أن يكون: الفضل في بقاء الثورة سلمية يعود إلى حكمة قيادات المعارضة سواء كان ذلك بقصد خوفا على تونس أو بسبب شعور بالضعف وعدم الاستعداد الكافي للتحدي الذي من جنس ما يحصل في مصر. وسواء كان الأمر هذا أو ذاك فالواجب أن نشجع الحكمة لدى هؤلاء القادة ونشركهم في الخروج السريع من المرحلة الانتقالية خاصة وقد سمعت بعض القيادات تسلم بأمرين ينبغي أن نشكرهم عليهما: أن البديل لا يكون إلا بالصناديق وأن الشرعية الانتخابية الحلية ينبغي أن تبقى حتى لو لم تكن كافية (الأستاذ الشابي). 

  • ويعلم الله أني -من منطلق السعي إلى المحافظة على شروط السلمية التي تقتضي تقديم المصالحة على المحاسبة لتكون هذه في مناخ تلك أعني مناخ التسامح الشارط لإبعاد شبح الحرب الأهلية- قد حاولت بقدر طاقتي التنبيه إلى كل هذه المسائل خلال مباشرتي مسؤولية المستشارية سواء مع السيد رئيس الحكومة أو مع السيد رئيس النهضة كلما سنحت الفرصة فشاورني في الأمر وحتى مع البعض من قيادات المعارضة أو من رموزها في المجلس رموزها الذين يبادلوني الاحترام ولا أشك في أن تشجيعهم على هذا الدور الإيجابي من مهمة الحكم الرشيد. لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه. لذلك فضلت العودة إلى عملي العادي وترك السياسة إلى أهلها.

  • التدليل على الدعوى الثانية

  • وما يجري في مصر مع ما حاولت بيانه في الدعوى الأولى هو ما يجعلني أنبه من بيده السلطة بضرورة الاستعجال في تخطي المرحلة والبحث في مسار بديل. فالمسار الجاري إلى حد الآن لو واصلناه لتطلب تمديد المرحلة الانتقالية بسنة ونصف على الأقل اعتمادا على شرعية متآكلة حتى لو سلمنا أنها أفضل من اللاشرعية التي كانت عليها المرحلة الانتقالية الأولى إلى غاية الانتخابات التي أتت بالحكم الحالي. فالتمديد في الشرعية إلى حد غير معقول أمر لا يمكن أن يتحمله الوضع خاصة إذا ربح الرهان الانقلابيون في مصر فضلا عن الفرق بين الوضعيتين من حيث الشرعية: فالشرعية في مصر ليست انتقالية بخلافها في تونس: لا يمكن أن يدوم الوضع الحالي مدة تشمل ما بقي من 2013 وجل سنة 2014. وذلك حتمي إذا واصلنا المسار الحالي وهو بين بعملية حسابية بسيطة: فهب الدستور تم في الصائفة. فمتى سيتم إعداد قانون الانتخاب وتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية سواء كانتا معا أو بالتوالي تقديما لهذه أو لتلك على الأخرى؟ ما الذي ينبغي عمله إذن؟ الجواب حسب رأيي بسيط وهو يتعلق بأمرين: الأول يخص الأدوات والثاني يخص الغايات. 

  • ما لا بد منه بخصوص الأدوات

  • فأما ما لا بد منه بخصوص الأدوات فأساسه تكوين حكومة وحدة وطنية تدير البلد لتحقيقها. فالحكومة التي تستمد شرعيتها من الوحدة الوطنية يمكن أن تنجح في تحرير المناخ العام التناحر على الحكم فتلطف جو العلاج الموصل إلى الإسراع في تحقيق الأدوات الرئيسية أعني الثلاث التالية: 

  • 1-لجنة الانتخابات وقانون الانتخاب بالتوافق والتراضي مع عدم الاكتفاء بالحجوم الانتخابية الكمية لأننا لسنا بعد في ديموقراطية تقليدية مستقرة بل في مرحلة بناء جمهورية ثانية أساس الوزن فيها هو الدور الثوري المعدل للوزن الانتخابي. لا بد إذن مما يمكن أن نسميه بالحجم الكيفي المتمثل في الدور الثوري لأن بعض الحركات على ضآلة وزنها الانتخابي كان دورها في الثورة معتبرا. ولا بد إذن من إيجاد طريقة تدخل في الحسبان ذلك في تقاسم المسؤوليات لبناء المؤسسات العادلة: والحل حسب رأيي هو وضع معادلة تعتمد على النسب المنفلة حتى يكون الجميع ممثلا بالمعيارين فلا يسقط هذا النوع من المساهمة الثورية من ميزان الحكم لأنهم قد يسقطون من ميزان الانتخابات المعتمدة على الحجم الكمي فحسب.

  • 2-والهيئات التعديلية في القضاء والإعلام والتحكيم الاجتماعي وحقوق الإنسان وجبر الأضرار أو العدالة الانتقالية: لا يمكن أن يبقى الأمر على ما هو عليه الآن من تلكؤ وينبغي أن يحسم ليس في المجلس بل في حكومة الوحدة الوطنية وبالتوافق التام بين القوى السياسية المؤثرة مع عدم إهمال آراء الجميع حتى يزول الحكم الجائر الذي يتصور أن جبر الأضرار حيلة من الإسلاميين لتمويل التيار وليس اعترافا بما حصل من ظلم كان الإسلاميون أكبر ضحاياه.

  • 3-الدستور: أما وقد انتهينا إلى ما كان ينبغي أن نبدأ به أعني التوافق على المبادئ قبل الشروع في الصوغ الفني لنص الدستور فكان بعده فإن المقترح لحل الإشكال هو: 

  • أ.أولا تكليف لجنة فنية لمراجعة الصياغة الحالية وتجويدها والتشاور مع المجلس للجمع بين الفني والسياسي تعبيرا عن الإرادة الشعبية.

  • ب.وثانيا المرور مباشرة إلى الاستفتاء على النص بدلا من المناقشة في المجلس والقراءتين اللتين قد تنتهيان إلى ضرورة الاستفتاء في النهاية. 
  • لذلك فالنهج الأفضل هو القيام بالاستفتاء على نص حصل فيها الشرطان المتعلق أولهما بالتعبير عن الإرادة الشعبية وهو معنى التوافق على المبادئ والمتعلق ثانيها بالصوغ الفني وهو معنى تكليف لجنة فنية لمراجعة المسودة النهائية مع مواصلة التشاور مع ممثلي الشعب في المجلس. والشرعية التامة تحصل بالاستفتاء. وكفى المؤمنين شر القتال.

  • ما لا بد منه بخصوص الغايات

  • تنقسم الغايات إلى غاية مطلقة هي شرط تحقيق باقي الغايات ثم إلى غايات 
  • نسبية هي التي يركز عليها الجميع متناسين الشرط. وهذا الشرط هو عينه المحافظة على سلمية الثورة لتجنب الانزلاق التدريجي إلى المناخ الموصل إلى الحرب الأهلية. وبصورة إيجابية فهو يتمثل في إيجاد المناخ السلمي للعمل الجماعي المشترك في جو من الوحدة الوطنية التي تراعي مصالح الجميع: 

  • فلا يمكن أن تحافظ على سلمية الثورة إذا لم تنطلق من تقديم المصالحة على المحاسبة

  • . وتقديم المصالحة لا يعني التسليم بمبدأ القبول بعدم العقاب. العقاب يكون بفضل المصالحة.

  • فبمجرد أن يعلم الجميع أن المحاسبة ستجري في جو من العدل والعدالة جو خال من الانتقام والحكم الجماعي على الهوية السياسية الماضية سيطمئن الناس فيزول الخوف ويتحد كل من لا ذنب له فتتواصل الدولة لأن مجرد العمل في النظام السابق لا يمكن أن يكون تهمة بحد ذاته خاصة والتمييز بين الحزب والدولة لم يكن له وجود كالحال في جل بلاد العالم الثالث. ولهذه العلل كلها عارضت ما يسمى بقانون تحصين الثورة: ولست بجاهل أنه يوجد في التجارب السابقة لكنه لا يناسب خيار النهج الإصلاحي بل هو تابع لمنطق الثورة منطقها الذي يمكن أن يكون بداية الخروج من السلمية والانزلاق نحو العنف.
  • أما الغايات فهي بدورها صنفان أولهما مباشر والثاني غير مباشر لكنهما ضروريات في كل بناء سليم ومتين:

  • 1-فالغايات المباشرة المدعمة لهذا المناخ المحافظ على سلمية الثورة يتعلق بعلاج المسائل الاجتماعية والاقتصادية. وشرطه استئناف المشروع التنموي بمنوال يقدم العدل والمساواة بين الأفراد والجهات. وعودة النشاط التنموي مشروط بالتوافق السياسي المعد للتوافق الاجتماعي والمولد بالضرورة لمناخ الاستثمار والممكن من تمويله برأس المال الوطني والأجنبي.

  • 2-والغايات غير المباشرة المطلوبة لذاتها لكونها غاية الغايات: بناء الجمهورية الثانية على الأساسين التاليين اللذين يعالجان الداء الدفين الذي تعاني منه نهضة العرب والمسلمين منذ قرنين ويؤسسان للنهوض المحقق لمطلبي الثورة أعني الحرية والكرامة: 

  • أ.الأساس الأول هو تحرير تونس من جرثومة كل الحروب الأهلية في تاريخ العرب والمسلمين الحديث: الصراع بين الموقفين المرضيين من الأصيل والحديث في وجودنا الجامع بينهما عند الجميع لأن القيم الحية في جميع الحضارات تجمع دائما بين ما بقي حيا من الماضي وما يعوض ما مات منه لتواصل الحياة. فما من إسلامي بقابل لأن يعيش حياة الأفغان. وما من حداثي بقادر على أن يعيش حياة الأمريكان. إنما نحن وسط بين حدين أولهما تجاوزناه منذ صدر الإسلام عندما أصبح من واجب المسلم أن يسهم في الشأن العام أعني المقوم الأساسي للمواطنة والثاني لا يطلب إلى فرديا أما جماعيا فدونه كل المميزات الحضارية التي ليس من وظيفة السياسة تغييرها العنيف بل تكييفها السلمي بالتربية والثقافة والتوعية المتدرجة حتى يكون الصلح بين الأصالة والحداثة مطلبا جماهيريا وليس فرضا نخبويا بما يسمى المهمة التحضيرية للأنديجان عند بعض دراويش الحداثة من أرباع المثقفين.

  • ب.الأساس الثاني وهو غاية الغايات: العمل على تحقيق شعاري الثورة: الحرية وما تتطلبه بالنسبة إلى المواطن والوطن من تحرر من التبعية بتحقيق الشروط السياسية والتربوية والاقتصادية والثقافية والروحية الحضارية ثم الكرامة التي هي الدافع الغائي لمطلب الحرية: فالإنسان يطلب الحرية لأنه من دونها لا يشعر بأنه إنسان كريم لذلك فهو مستعد للموت من أجل كرامته وحريته وهو معنى السيادة المحررة من العبودية. وقد يجد القراء في هذا الكلام مثالية مفرطة. لكني أعتقد أنه عين الواقعية لأنك لا يمكن أن تطمع في جعل الثورة تتوسل منطق الإصلاح اللطيف بدلا من منطق الثورة العنيف من دون هذه المثالية الإيجابية والبناءة التي مثالها في تاريخنا القديم الحكمة السياسية لفاتح مكة وفي التاريخ الإفريقي الحديث حكمة من تمكن من النصر على الميز العنصري وفي التاريخ الآسيوي الحديث حكمة من هزم الإمبراطورية البريطانية في الهند.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق