Hot

الأحد، 2 فبراير 2014

السيسي أو "الماريشال عمار" - أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي


بعد الفضائح المتكررة للجيش الذي اشتهر بكونه أكبر جيش عربي رغم أنه في كل تاريخه لم يستطع إلا سحق شعب مصر وحرق ثوارها ونهب خيراتها وتجويع فقرائها وختم ذلك كله بظاهرة "المرشلة" المجانية لأقزام الضباط من العملاء - تذكيرا للتونسيين بمسرحية المريشال عمار وحتى بالماريشالة دوجة أعني رقاصات السيسي- أليس من حق المواطن العربي أن يسأل: ما دور الجيوش العربية؟ من تحمي وعلام تدافع؟

عاصرت جل ما يسمى بالثورات العربية, أعني الانقلابات العسكرية في الوطن العربي-ولنكتف بأكبرها أو ما يسمى بثورة 52-54- فلم أر إلا العجب العجاب من الهزائم المتوالية التي يحولها الإعلام إلى انتصارات "يـُمرشل" أصحابها "مرشلة" الفاتحين في التقاليد العسكرية المعروفة ما يجعلني أسأل أنا بدوري هذا السؤال مفترضا أن جوابه السوي لو كانت حقيقة مسمى الجيش حاصلة في جيوشنا لكان الجواب بدهيا ولكانت هذه الحقيقة مطابقة لما يُفهم من اسمه عندما لا يكون الجيش مستعمرا لشعبه أي:
1-الجيوش العربية مثلها مثل أي جيش تحمي الوطن من الأعداء.
2-الجيوش العربية مثلها مثل أي جيش تحمي الدولة من فقدان دورها.
3-الجيوش العربية مثلها مثل أي جيش تحمي المواطن من ضياع حقوقه.
4-الجيوش العربية مثلها مل أي جيش تحمي المجتمع من التحلل.
5-الجيوش العربية مثلها مثل أي جيش تحمي ذاتها من التعفن والفساد.

فإذا لم يتبين أن الجيوش العربية -دون تعيين ولكن أيضا دون تعميم بهيم لأن القارئ ليس عديم الفطنة بل هو يعرف الأمثلة التي تفقأ العين بحيث يكفي فيها التلميح المغني عن التصريح- لا تؤدي أي وظيفة من هذه الوظائف, فإن مسماها الذي يخفيه اسمها غير المسمى الحقيقي للجيش في العرف المعلوم من التجربة البشرية في تحديد مهام الجيوش: وعندئذ فمثلها مثل أي شيء مسماه غير اسمه لا بد أن تكون الجيوش العربية قائمة بوظائف غير التي تنسب إلى حقيقة مسمى الجيش, فيصبح السؤال عن دلالة اسمها أي طبيعة ما يخفيه سؤالا بدهيا ومشروعا. من هنا جاء السؤال: الجيوش العربية تحمي من وتدافع عماذا؟

سأحاول الجواب عن هذه الأسئلة مع التسليم بأنه يعسر أن تجد من لا يعرف أن الجواب الذي يكاد يتحول إلى مسلمة هو السلب في هذه الحالات الخمس وأن المنتظر هو تحديد المسمى الجديد الذي يخفيه اسم الجيش في القاموس العربي الجديد والذي بدأ يتضح للعيان خاصة بعد الانقلابات الأخيرة على الديموقراطية الانقلابات التي بدأت في الجزائر في تسعينات القرن الماضي وبلغت الذروة في انقلاب الجيش المصري الحالي.

فهل الجيوش العربية تحمي الوطن؟
لن أطيل: فالقارئ العربي عجول: الجواب لا. والتعليل مضاعف:
1-العلة الأولى: فوجود القواعد العسكرية الأجنبية دليل على أن الجيش عاجز عن الدفاع عن الوطن بذاته.
2-العلة الثانية: وقضم أرض الوطن بما ضمه الأعداء المحيطون به أو الموجودون في قلبه ثانيا دليل على أنه خان مهمته الأولى.
أما تعليل التسلح الثقيل على حساب قوت الشعب فجوابه عند الأسد في سوريا وعند حسن نصر الله في لبنان وعند باقي الأنظمة العربية إذا اضطروا لمحاربة عدوهم الوحيد أعني شعبهم الذي يحكمونه رغم أنفه كما رأينا مؤخرا في مصر: بتنا نعلم لمن يوجه السلاح بطائراته ودباباته وصواريخه وحتى بسلاحه الكيمياوي.
يبقى سؤال وحيد لعلي لست الوحيد الذي خطر بباله: فيا أسد بضد مسماه وحزب الله بعكس مسماه وسيسي حقا بمعناها المصري: هل أخذتم عهدا من إسرائيل يطمئنكم بأن حدودكم في أمان إلى أن تنهو مهمتكم مع شعوبكم؟

وهل الجيوش العربية تحمي الدولة؟
لن أطيل: فالقارئ عجول: الجواب لا. والتعليل مضاعف:
1-العلة الأولى: فالمعتدون على الدولة هم نفسهم لأنهم إما دولة في ما يسمى دولة أو هم كل ما يسمى دولة.
2-العلة الثانية: وعدوانهم هذا يتم بالمشاركة مع الاستعلامات الأجنبية. وهو في الأغلب لخدمة أجنداتها في الوظيفة السابقة وفي الوظائف اللاحقة من الوظائف الخمس التي نسأل عنها.

وهل الجيوش العربية تحمي المواطن؟
لن أطيل: فالقارئ العربي عجول: الجواب لا. والتعليل مضاعف:
1-العلة الأولى: فمنزلة العسكري في الجيش دليل قاطع على أنه أرخص من قطعة السلاح التي بيده. ويكفي مثالا التضحية بالجنود في مؤامرة قيادات الجيش لإثبات أن مصر مثلا فيها إرهاب حتى يبرروا انقلابهم.
2-العلة الثانية: ومنزلة المواطن أمام الجيش أرخص حتى من منزلة الجندي المعتبر أرخص من البندقية. يكفي مثالا ما حدث في رابعة لتفهموا منزلة المواطن المصري في نظر قيادات الجيش الخائن: فهو مجرد مادة تحرق وترمى في المزابل. وفاعل ذلك يمرشل لأن صار معبود الباشوات بصنفيهم باشوات عهد الملكية وباشوات عهد الانقلابات العسكرية التي لقبت بالثورات الشعبية وغنت لها أم كلثوم العصامية.

وهل الجيوش العربية تحمي المجتمع؟
لن أطيل: فالقاري العربي عجول: الجواب لا. والتعليل مضاعف:
1-العلة الأولى: فالمجتمع العربي صار قطعة جبن تلعب فيه فئران ما يسمى مجتمعا مدنيا بتمويل أجنبي لنسيج استخباراتي مجاني إذا قيست كلفته بكلفة جهاز الاستخبارات التقليدي.
2-العلة الثانية: والجيوش العربية ليس لها استراتيجية مماثلة في المجتمعات المعادية للتصدي إلى هذه التخريب النسقي في مجتمعنا فضلا عن كونها عاجزة حتى عن متابعة الاستخبارات الأجنبية التي تنخر كيانها.

وهل الجيوش العربية تحمي نفسها أخيرا؟
لن أطيل: فالقارئ العربي عجول: الجواب لا. والتعليل مضاعف:
لكن التعليل هنا أطول وليعذرني القارئ المتعجل:
1-العلة الأولى: فطبيعة التكوين يجعل الجيش عاجزا عن حماية نفسه. لأنه خاضع للمدارس الأجنبية ولعقائدها العسكرية التي تعد خصيصا لأبناء المستعمرات فتكون غسلا للأدمغة وليس تكوينا عسكريا: لا شك أنهم يعلمونه كيف يمسك السلاح ولكن يبرمجوه حتى يوجهه إلى أعدائهم هم أي إلى شعبه. لذلك فالتكوين الأساسي ليس في أساسي الدفاع الحديث أعني تطبيقات العلوم الطبيعية في صنع أدواته وتطبيقات العلوم الإنسانية في تقوية أخلاقياته بل هو في عكسهما تماما: الاقتناع بصفقات التوريد لأنها توفر العمولات والاقتناع بعقائد العدو لأنها تسرع الترقيات.
2-العلة الثانية: ونظام الارتقاء الوظيفي فيها ليس خاضعا للكفاءة العسكرية بل للولاء للوظائف التي استبدلت بالوظائف الحقيقية أعني ما سبق الكلام عليه في جيوشنا أي ما تحدده لهم بالأساس المخابرات الأجنبية أو المدارس التي كونتهم. والصورة المثلى لهذه الحقيقة هي ترقيات السيسي ونياشينه التي تجعل الجيوش العربية مسخرة أمام جيوش العالم وخاصة أمام جيش أعدى الأعداء قصدت جيش إسرائيل. ويكفي أن تنظر في ما يزين صدور قادات جيوشنا من نجوم ونياشين حتى تعلم أنها ليست للدلالة على القدرة العسكرية بل هي جزاء العمالة ومكافأة الولاء وتقدير العجز الدفاعي عن الوطن والدولة والمواطن والمجتمع وحتى عن الجيش ذاته.
فهي كلها مكافئات على خيانته للوطن وللدولة وللمواطن وللمجتمع وللجيش نفسه. وبصورة أدق فإنها الدليل القاطع على استباحة الوطن والاستبداد بالدولة وانتهاك كرامة المواطن وإفساد المجتمع والتعفن الذاتي للقيادات التي تمثل جراثيم أصابت الجيوش العربية أعني قيادات البطون الكبيرة والحركة البطيئة والفئران السمينة التي تشبه بدناء العجائز في المجتمعات الباذخة. ولا عجب فهم قد جعلوا الجيش يصنع المقرونة ويتاجر بعرق الشعب لا البحث العلمي وأدوات الدفاع.
ولا يفوتني هنا الحاجة إلى التعليق على الوجه الثاني من الترقيات: فليس المرقَّى هو وحده المذنب بل المرقِّي كذلك. فالسيسي نال ما ناله بسبب غفلة أو تواطؤ من الذي رقاه إما انخداعاً بما نافقه به من عبادات مسرحية أو قبولا بالنفاق مع علمه به نفاقا وفي الحالتين فهو قد خان الأمانة التي كلفتها بها الأمة ولم يكنفي مستوى المسؤولية. فمن أقدم على هذه الترقيات بدافع القرب العقدي فضلا عن غفلته لم يحفظ الأمانة لأنه لم يراع شروط القيادة السياسية في انتخاب القيادة العسكرية. لكأنه يجهل رد شيخ الإسلام عمن سأله عن معيار اختيار القيادات العسكرية: فكان جوابه المعيار هو القدرة العسكرية والشجاعة والإخلاص للأمة وليس العبادات والتقرب من الحاكم: وهو قد رقى شخصا لم يمتحن في أي معركة. ولو كان الرسول الأكرم يقر هذا السلوك لاختار الإمام عليا لقيادة الجيوش وليس من كاد يقتله أي خالد بن الوليد.

ما مسمى الجيوش العربية إذن؟

الجواب بسيط لأنه نقيض مسمى الجيوش عندما يطابق الاسم مسماه: إنه مجموع الوظائف المقابلة لوظائف الجيوش المطابقة لهوية الجيش القائم بوظائفه. ومعنى ذلك أنه لا يكفي سلب وظائف الجيوش الحقيقية أعني الأجوبة التي بدأنا بذكرها عندما تلكمنا على الجواب البدهي عن السؤال: من يحمي الجيش وعلام يدافع. فسلب ما هو مفروض أن يكون في الجيش بمقتضى حقيقته لا يكفي بل لا بد من الذهاب إلى المقابل المطلق لهذا المفروض المنطقي المستمد من حقيقة الجيوش الطبيعية حتى نجد المسمى المختفي وراء اسم الجيوش العربية أو على الأقل جلها التي تقضي على التعبير الحر للإرادة الشعبية كما تعين ذلك جلي التعين في الانقلاب على المؤسسات الديموقراطية في مصر. والمنطلق في تحديد هذا المسمى يكون من آخر جواب: فطبيعة التكوين وطبيعة نظام الارتقاء في الجيوش العربية هو المحدد الحقيقي للمسمى المخفي تماما كالأنظمة التي نوبها الاستعمار المباشر في وظيفة الاستعمار غير المباشر.
1-الوطن=مستعمرة مستباحة: لم يعد الوطن كيانا قائم الذات يتحدد بمكان وزمان ودورة مادية (الاقتصاد والحكم) ودورة رمزية (الثقافة والتربية) وحصانة روحية لجماعة تريد أن تحفظ كيانها وأن تنميه لتبقي على فرادتها وهويتها المستقلة وذات السيادة. إنه أصبح مجرد كيان تابع. إنه بالنسبة إلى قيادات الجيوش العربية بمقتضى تكوينهم في المدارس الأجنبية وبنظام الارتقاء في الوظيفة مستعمرة وعليهم أن يعاملوه معاملة معلميهم له: فالقيادات أصبحت ذات موقف استعماري أي إنها تتبنى موقف المستعمر ليس من وطنه بل من وطنهم هم. لا يتعلمون منه خدمة الوطن عامة بل يتعلمون منه نهب المستعمرات.
ومن ثم فالقيادات مستعمرة ذهنيا وذات موقف استعماري مما لا يعتبرونه وطنا لهم بل هو عندهم مستعمرة مستباحة ينبغي أن يأخذوا منها ما يستطيعون وأن يحولوها خير ما فيها لينقلوه إلى وطن مستعمرهم الذي صار في مخيالهم المريض الوطن الأم لتماهيهم مع مستعمرهم تماهي العبد مع سيده وذلك حتى يشبعوا ما لديهم من مركب نقص إزاء سيدهم. لذلك تراهم يجعلون وطن المستعمر ملجأهم ولا يتصورون مستقبلا لأبنائهم إلا فيه ومن ثم فهو ينهبونه ويرسلون ما نهبوه إلى بنوكه وإذا أمكن لهم ذلك فإنهم يشترون أو يشيدون قصورا في مدنه أو في منتزهاته.
2-الدولة=جهاز مافياوي: ليست الدولة عندهم كما هي حقيقتها منظومة مؤسسات ذات قدسية ممثلة لإرادة الجماعة بإطلاق ليس بالنسبة إلى الجيل الحالي فحسب بل لكل الأجيال بكل ماضيها أحداثا وأحاديث وبكل مستقبلها أحاديث وأحداث. إنما الدولة عند قيادات الجيوش العربية جملة الأدوات التي تمكنهم من فرض منطق الاستبداد والفساد وخاصة العنف والقانون الجائر لإفساد الزرع والضرع وتقاسم ما في البلاد من ثروات مع المستعمر الذي يحميهم ضد شعبهم مقابل حمايتهم لمصالحه التي يرمي لهم منها بعض الفتات.
3-المواطن=عبد مأمور. والمواطن ليس عندهم كما هي حقيقته إنسانا حرا وأحد أفراد الجماعة صاحبة السيادة الآمرة بل هو أقل من آلة مأمورة بإطلاق لمأمور نسبي هو قيادات الجيش المأمورة هي بدورها بإطلاق من الآمر المطلق أعني المستعمر وهو بعد الربيع العربي أصبح بين الطبيعة: إنه إسرائيل الآمرة لممولي الانقلاب وللساكتين على جرائمه بعد تنظيم الانقلاب معه والمساعدة على تمريره لدى الرأي العام. وهذا نراه تكرر في الجزائر ثم في العراق ثم في سوريا ثم في مصر. فالمعاملة للمواطن المصري السوري والمصري اليوم تعد معاملة الأمريكي للعبد الأسود حتى خلال ازدهار العبودية رحمة: فما كان العبد يقتل حرقا ولا كان العبد يقتل جوعا على الأقل لم يكن ذلك سياسة نسقية حتى وإن حدث في حالات فردية.
4-المجتمع=مزرعة-مزبلة. فالمجتمع لم يعد مجال تجديد الأجيال بدنيا بدليل السياسات الغذائية والصحية أو تجديدها روحيا بدليل السياسات الثقافية والخلقية بل هو تحول و المجتمع إلى مزرعة مزبلة. فهو سوق للمخدرات وللتجارة الجنسية ولبيع الذمم لأن المهم هو الكسب من استعمال الناس ذكورهم وإناثهم وإعدادهم للخدمة والترفيه من أجل ثروة المستعمرين ونوابهم. إن نسبة المجتمع إلى المافيات الحاكمة التي هي في الحقيقة الجيش نفسه أو من هم في خدمته على الأقل في جل البلاد العربية التي وقعت فيها انقلابات في خسمينات القرن الماضي وبعد الثورة هذه النسبة هي نسبة المواشي و "الأطيان" للإثراء من بيع ما تدره الحيوانات والنباتات من ثروات.
فالمجتمع لا يساوي عند هذه القيادات أكثر مما تساوي المواشي عند الفلاح بل هو دون ذلك لأن المواشي تحتاج إلى عناية في حين أن المافية لا حاجة لها بالعناية لأن المواشي البشرية لها على الأقل بسبب غريزة الحياة القدرة على رعاية ذاتها. وهو أكثر من ذلك مزبلة لأن كل ما لا يؤكل من الغذاء وما يضر من الدواء يمكن أن يسرب إليه فيباع فيه ومن ثم فالمواطن يشتري بماله السموم التي تقتله أو تشله.
5-الجيش= مرتزقة مافياوية. لم تعد الجيوش العربية مهمتها حماية الوطن والدولة والمواطن والمجتمع ولا حتى ذاتها لأن قياداتها تتصرف بها وتستعملها استعمال مرتزقة مافياوية للقوة من أجل افتكاك الأرزاق واستعباد البشر. والمعلوم أن المافيا منطقها ليس حماية أي شيئ بما في ذلك ذاتها بل الحرب الدائمة بين القيادات من أجل السلطة والمال والمرأة. لذلك فالجيش منطقه الانقلاب الدائم كلما حصل صراع على تقاسم الصيد الثمين من استعمار الوطن واستباحة الدولة وإذلال المواطن واستغلال المجمع والاقتتال في خدمة سيدهم أي من يمدهم بالسلاح والاستعلامات للمحافظة عليهم كابوسا قاتلا للأمة بدلا من أن يكون في خدمتها. وذلك ما كان علينا بيانه:C.Q.F.D.

الناس على أديان ملوكهم

وكان يمكن أن اكتفي بهذه النتائج المنطقية المحزنة والمخزية والمحبطة. لكن الإشارة إلى ما ترتب عليها في المناخ العام الذي تكون طيلة العقود الستة السابقة يحتاج إلى تحديد من منطلق المبدأ المعروف: الناس على أديان ملوكهم. فلما كان الملوك هم هؤلاء الذين وصفنا بهذه الوظائف التي حددنا فلا شك أن نفس الذهنية قد أصبحت بالتدريج متحكمة في جل النخب العربية ذات النفوذ في الشأن العام وحتى في الشأن الخاص. وتقبل هذه النخب التي اصطبغت بهذه الصبغة التصنيف بحسب الوظائف الأساسية للعمران البشري والاجتماع الإنساني أعني:
نخبة الحكم وهي إما من العسكر أو ممن يمثل دارقته وبرقعه.
ونخبة الاقتصاد وهي إما هم أو من كلفوه بتسيير مسروقاتهم.
ونخبة الثقافة وهي أداتهم الرمزية لجعل هذه الذهنية مناخ الحياة العامة.
ونخبة التربية وهي أداتهم الرمزية لجعل هذه الذهنية أساس ما يسمونه بتجفيف المنابع.
ونخبة فقهاء السلطان أعني مبرري كل ما سبق وهم صنفان موظفو الدين وموظفو القانون لتبرير كل ما سبق طيلة العقود الستة التي بدأت بمرحلة الانقلابات التي كانت تسمى ثورات.

لذلك كله شكرت الثورة المضادة في شخوص ممثليها من العملاء والسفهاء في سابق محاولاتي. فلهم الفضل كل الفضل في وضع شباب الأمة أمام مسؤوليته:
فإما أن يقبل التحدي ويذهب بالثورة إلى غايتها فيكون استئناف الأمة دورها التاريخي الدولي من جنس دخولها الأول فيه ومن ثم فثورته تتمثل في علاج هذه الأمراض بصورة جذرية.
وأما أن يصلي صلاة الجنازة على الثورة وليسارع لتعلم التبزنيس وتدبير الرأس كجل المحيطين به من الأجيال التي ربيت في هذا المناخ المتعفن الذي هو جوهر الجمع بين الانحطاطين.

فلن يكون المستقبل في هذه الحالة الثانية إلا ما يحدده سلطان هذين الانحطاطين: انحطاط حضارتنا التي عجزت عن الخروج من الانحطاط مع انحطاط ما ورثناه عن الاستعمار من اعتبار أوطاننا فريسة كل واحد ينتف منها ما يستطيع: بمنطق "ملشة من ظهر فكرون ولا يمشي مانع".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق