Hot

الأحد، 27 أبريل 2014

الحرب على طموح الشباب تلك هي المؤامرة بحق اا من اا - أبو يعرب المرزوقي

abou-yaareb

تونس في 2014.04.27 

الفصل الأول: حقيقة التآمر المتبادل 
نثبت في هذا الفصل الأول أن التآمر المتبادل بين الأمم المتنافسة على الرزقين المادي (المجال الحيوي الطبيعي والاقتصادي) والروحي (المجال الحيوي الخلقي والثقافي) قانون من قوانين التاريخ الطبيعي لجميع الكائنات الحية. والثورة الروحية الحقة التي هي جوهر الرسالة الإسلامية تتمثل في محاولة تحرير الإنسانية من الإخلاد إلى الأرض أعني من هذا القانون الذي لا يرى من الإنسان إلى حيوانيته فيتنكر للأخوة البشرية التي تؤسس عليها سورة النساء (آيتها الأولى أساسا لهذه الأخوة) كل أنظمة الوجود الإنساني الأسري والاقتصادي والقضائي والسياسي الداخلي والخارجي. 
ففيه نبين بصورة وجيزة أن التآمر المتبادل من أدوات الصراع بين الأمم على المجال الحيوي أعني على تقاسم المعمورة وخيراتها بدءا بصراع القبائل على الماء والكلأ وختما بصراع الشركات العابرة للقارات على الطاقة وقريبا عن الماء والغذاء وحتى الهواء. وهي ظاهرة لعل أقرب تمثيل لها في ما ضينا المتقدم على نشأتنا الكونية الأولى هو صراع القبائل في الجاهلية على الماء والكلأ. فهذا القانون لم تتحرر منه الإنسانية إلى الآن. ولست أنوي العودة إلى ما سبق أن بينته من أن الثورة ليست مؤامرة كما يتوهم حفيد البنا وكل أدعياء مقاومة العدو بخدمة مخططاته مع خلال الإبقاء على الإنسان العربي والمسلم مجرد عبد للاستبداد والفساد. ففي الكثير من المناسبات بينت ذلك وخاصة في دحضي دعاوى الأستاذ طارق رمضان خلال ندوة الربيع العربي بعد سنته الأولى في سويسرا (المداخلة كانت لسوء الحظ بالفرنسية ومن ثم فهي في متناول القلة من الشباب العربي). 
ولا شك أنه لا أحد يستطيع أن ينفي القول بوجود عامل أجنبي في كل حدث تاريخي حقيقي خاصة إذا من حجم الثورة العربية وما قد يترتب عليها من تغيير في خارطة القوى العالمية. ولا شك كذلك أن مثل هذه الأحداث التاريخية الكبرى يصاحبها في الغالب دور تؤامري للقوى المجاورة بعضها ضد البعض. فهذه الحجة المبنية على صراع المصالح وتصادم الاستراتيجيات بين القوى المتجاورة والمتنافسة تلغي الخصومة حول القول بالمؤامرة والقول بنفيها في آن تنفيها من أصلها لأنها تبين كونية ما هو من جنسها وملازمته للحياة عامة وللحياة السياسية خاصة بين القوى في نفس الجماعة وبين الجماعات المختلفة. وبذلك فهي تغني عن إثباتها فضلا عن دحض نفيها.
إن التآمر المتبادل بين القوى السياسية ناهيك عن القوى الحيوية في التاريخ الطبيعي للكائنات الحية من قوانين التاريخ السياسي محليا كانا أو دوليا بل هي كما أسلفنا من جوهر قانون التاريخ الطبيعي للكائنات الحية. وإذن فإذا كان القول بنظرية المؤامرة مستهجنا عندما يتحول إلى شماعة تبرر تبرئة العامل الداخلي أو تقلل من مسؤوليته فإن نفي وجود هذا العامل في الأحداث التاريخية أكثر قابلية للاستهجان لأن القول بنفيها يغفل عن حقيقة لا مراء فيها أعني صراع القوى المتنافسة وتؤامرها بعضها ضد البعض بوصف ذلك جزءا لا يتجزأ من التنافس والصراع أولا ومن فنيات الدفاع الوقائي ثانيا. وكل أمة تتجاهل هذا القانون سرعان ما تأفل : وذلك هو مدلول الآية 60 من الأنفال عند أولي الألباب.
أصل التآمر المتبادل بين الأمم
لا بد إذن من تحديد أصل هذا التآمر المتبادل. فعامل التنافس بين الأجوار حول المجال الحيوي المادي والروحي وما يترتب عليه من صراع بينهم من أجلهما ومن أجل المنزلة في الوجود الناتجة عن حيازتهما وحيازة أكبر قدر منهما يتضمن حتما التآمر المتبادل بينهم تضمنا لا يمكن نكرانه لأنه جزء من الدفاع الوقائي. لكن التسليم به ينبغي أن يصحبه التسليم بأنه لا يكون عاملا محددا للأحداث ومآلاتها إلا بالنسبة إلى صف الصراع الأضعف بين الأمم عامة وفي القدرة على التآمر على عدوه باستعمال نقاط ضعفه ضده. وقد ازداد هذا القانون بينونة خاصة منذ أن عم الصراع في عصر لم يعد العالم فيه مؤلفا من مجالات حضارية منعزل بعضها عن البعض بل أصبح صراعا بين متجاورين وعماليق كل منها يسعى إلى الهيمنة على العالم كله ما يقتضي حتما أن يكون كل عملاق محايثا لمجال العملاق المقابل بكل وسائل الاندساس الممكنة في أدوات الفعل وخاصة أداتي القوة المادية (الاقتصاد) والقوة المعنوية (الثقافة). 
وبين أن هذا التحايث المتبادل بين القوىا يجعل كل قوة حالة في الأخرى فيؤدي بالضرورة إلى تداخل الهيمنات وتراكبها وازدياد دور القوة الناعمة المساعدة على التنكر لأنها أكثر تأثيرا من القوة الخام على ما في كيان الخصم من عوامل قوة إذ تحيلها إلى عوامل ضعف بمجرد أن يتم إدخالها في صراع ذاتي يلهيها عن الأخطار الحقيقية بما يضخمه في نظرها من الأخطار الوهمية : وأكبر مثال يمكن ضربه من التاريخ الحديث سلوك الزعماء المؤسسين للولايات المتحدة مع الهنود الحمر كما يتبين من كتاب وودي هلتون الذي نقلته حول الأمريكيين الجوامح أو الصراعات التي صاحبت كتابة الدستور الفدرالي الأمريكي. وبذلك فمفهوم الحرب ذاته يتغير إذ هو يصبح معتمدا بالأساس على مدى تأثير أطراف الصراع كل في مجال عدوه بتحريك تناقضاته الداخلية وذلك هو جوهر التآمر خاصة إذا جمع بين عاملي القوة : وهذه التقنية ليست جديدة بل هي ملازمة للتاريخ البشري لكن قوتها تعاظمت بتعاظم وسائل التأثير اللامباشر عن طريق الإبداع الرمزي وأداتية الكبريين :
رمز الفعل أو تحويل القوة المادية كلها إلى رمزها أعني المال السائل أو العملات التي هي أداة الفعل المادي الأساسية حاليا وبها تشترى الضمائر أداة الاندساس الأساسية في الصراع بين الأمم : تغيير الإرادات بشراء الضمائر للقضاء على القدرة الذاتية للأمة المغزوة. 
فعل الرمز أو تحول القوة الرمزية كلها غلى رمزها أعني التواصل السائل أو الأسماء التي هي أداة الفعل الرمزي الأساسي حاليا وبها تغسل الأمخاخ أداة التخريب الأساسية في الصراع بين الأمم : تغيير العقول بتخدير الفهوم للقضاء على الإدراك الذاتي للأمة المغزوة

الفصل الثاني: علام يتم التآمر وفيم
نحدد فيه طبيعة ما تتعلق به المؤامرات بين القوى السياسية سواء كانت ضمن نفس الجماعة أو بين الجماعات لأن المؤامرات كما يتبين من القسم الأول جزء لا يتجزأ من الدفاع الوقائي في المعارك والصراعات ما بقيت الإنسانية خاضعة لقانون الصراع من أجل البقاء والتوسع في القوة.
إن هذا النوع من الحروب موجود دائم. لكن دوره تزايد بتقدم فنياته التي هي بالجوهر فنيات الفعل بالآلة الرمزية (منظومات الحيل المؤثرة في النفوس خاصة) بدلا من الفعل بالآلة المادية (منظومات الأجهزة المؤثرة في الأبدان خاصة) وبفضل عموم التواصل والاتصال بين الشعوب بعد أن زالت الحدود المكانية والحواجز الرمزية (بفضل دور الصورة وانتشار لغات المتآمرين لدى المتآمر عليهم). وتستعمل هذه الحيل في حالات السلم استعمالها في حالات الحرب وفي الحروب العسكرية والحروب الاقتصادية والثقافية وتكون ردعية واستباقية أو هي إن شئنا من جنس إعداد أرضية الحرب الفعلية جزءا من الحرب النفسية خاصة وقانون الحروب يجعل وقت المعارك القتالية الفعلية دون عشر الوقت المخصص لها:
الردع بالعامل المادي أعني بإمكانية استعمال لا باستعماله. وأهم مقوميه التأثير الاقتصادي الذي ينتهي في الغاية إلى الأمن الغذائي (التحرر من التجويع والتهديد بالحصار) وإرهاب السلاح الذي ينتهي في الغاية إلى فقدان المناعة المادية (التحرر من التدخل والتهديد بالغزو). 
الردع بالعامل الثقافي أعني بقابلية الخضوع إليه. وأهم مقوميه التأثير الثقافي الذي ينتهي في الغاية إلى الأمن الخلقي (اللتحرر من الإفساد القيمي والخلقي) وإرهاب العلم الذي ينتهي في الغاية إلى فقدان المناعة الروحية (لتحرر من هيمنة الاستعلام والإعلام). 
وهذان الردعان المضاعفان لمجرد وجودهما يفيدان أن المؤامرة حاصلة بل إن المؤامرة هي كل ما يحقق فاعلية هذين الردعين عند من ننسب إليه المؤامرة على من ننسب إليه كونه ضحية للمؤامرة. ولما كانت القوى السياسية في نفس الجماعة أو بين الجماعات متفاوتة القوة فإن الأقوى يحاول الحفاظ على فضله. وهذه القاعدة تصبح شديدة الوضوح بين العماليق. ولما كان هذه العماليق بعضها بالفعل وبعضها بالقوة فإن مؤامرات الأولى على الثانية هي الغالبة في مجريات التاريخ الدولي الحالي. وفي لحظتنا التاريخية الراهنة يمكن القول إن العولمة ليست إلا التعين الأتم لهذه المؤامرات المتبادلة.
ذلك أن مجرد سعي الأقوى إلى المحافظة على هذه المنزلة يعني أنه يسعى لمنع غيره من أن يتفوق عليه. لذلك فالعماليق التي ما تزال بالقوة مهما بعدت أو قربت من صيرورتها الفعل هم من يعتبرهم جارهم خطرا على بقائه الأقوى وهم إذن الشعوب ذات المقومات الموضوعية لأن تصبح عماليق بما يقوى عليه مكانهم من إمكانات اقتصادية وبما يقوى عليه زمانهم من إمكانات ثقافية وبما يتضمنه أصل هذه المقومات من رؤية للعالم تتضمن ما لهم من رسالة كونية تأسست عليها حضارتهم.
وهذا العامل الموضوعي في وجود العماليق بالقوة هو ما يجعل العماليق التي بالفعل تعمل ما تستطيع لمنعها من أن تكون مثلها. والمعلوم أن العرب والمسلمين يشعر من يحيط بهم فضلا عنهم أنهم وضع العملاق بالقوة. لذلك فأجوارهم المحيطون بهم اتعاضا بتاريخ علاقتهم بهم وبعض تابعيهم من القوى السياسية ونخبها لا يتوقفون عن السعي لإبقائهم تابعين وفاقدين لشروط الانتقال من وضع العملاق بالقوة إلى وضع العملاق بالفعل.
ليس المشكل إذن هو في إثبات نظرية التآمر المتبادل بين الشعوب. فهذا قانون كما هو بين يتجاوز الحضارات. إنه قانون يشمل التاريخ الطبيعي لكل الكائنات الحية من النبات إلى الإنسان. كلها بحاجة إلى مجال حيوي ومن ثم فهي في تنافس على المكان (مصدر الرزق المادي) وعلى الزمان (مصدر الرزق الروحي) وعلى القيام الذاتي (مصدر الهوية والأنائية). ما نريد إثباته هو مسعى التقدم الخلقي إلى تحرير البشرية منه. ذلك أن تقدم الإنسانية يتحقق بتوسيع الجماعة حتى يقل الصراع على المجال الحيوي. 
وإذن فهذا المسعى الذي يبدو سلبيا في البداية يلغي ذاته في الغاية فالبشر من الصراع بمجرد اتساع الجماعة إلى النوع وبلوغ الفهم إلى إدراك طبيعة العلاقة بينها وبين مصادر حياتها فتحافظ عليها ويصبح الإنسان بحق خليفة في الأرض بل وفي كله. وهذا يعني أن المؤامرة هي منع هذا التقدم بخلق الصراعات الداخلية في الجماعات الكبرى حتى تتحول إلى جماعات صغرى تتقاتل في بينها من أجل أسباب الحياة فيبقى الأقوى أقوى بإضعاف أجواره

الفصل الثالث: مجال التآمر هو السلطان على أدوات الردع
نثبت فيه أن التآمر على الأمة الإسلامية ليس متمثلا في الثورة بل هو ما قامت الثورة عليه أعني ما أوجد الأمور الحائلة دون تحرير الإنسان المسلم وتحقيق شروط كرامته بأسبابها التي أهمها عودة الأمة إلى دورها الكوني. فإذا أضفنا أن التآمر يتجاوز الصراع العادي إلى عدم القبول بحاجة الإنسان إلى التحرر من قانون التاريخ الطبيعي هذا لئلا يبقى مخلدا إلى الأرض فهمنا علة تجاوز الصراع المعركة السياسية إلى معركة حضارية تستهدف الرسالة الإسلامية وما تفتحه للإنسانية من آفاق : فأهم قوة عند المسلم هي إيمانه بأنه ذو رسالة هي الشهادة على العالمين أعني أنه يستمد احترامه لنفسه من شعوره بأنه حارس القيم العليا التي تجعل البشرية جديرة بالتكريم وبالاستخلاف.
لست بحاجة إلى إثبات حصول هذه الروادع الأربعة في كل الدول الإسلامية. أو أنها بفعل فاعل. أو أن هذا الفاعل ليس مدفوعا بمجرد التنافس والدفاع الوقائي فحسب كما وصفنا بل هو يتجاوز ذلك إلى جوهر المؤامرة في حالتنا الإسلامية أعني أن الأمر المتآمَر عليه ليس الثورة ولا حتى الأمة بل هو ما يمكن أن تؤدي إليه من استئناف فعلي للثورة الخلقية التي تمثلها الرؤية الإسلامية التي وصفنا حيننا هذا: فالتاريخ الإنساني المحكوم بقانون التاريخ الطبيعي ليس هو شيئا آخر غير محاولة منع الإنسان من تجاوز الحيوانية أو هو ما يسميه القرآن بالإخلاد إلى الأرض ومن ثم إدراكه أنه مسلم بالمعنى الذي وصفنا أي مؤمن بالأخوة البشرية وبشروط التكريم والاستخلاف تحقينا لما تأمر به الآية الرابعة بعد المائة من آل عمران للاتصاف بما تخبر به الآية العاشرة بعد المائة منها.
المؤامرة تستهدف تحرر الإنسانية من هذا القانون المنتسب إلى التاريخ الطبيعي أعني تمكين الإنسان أي إنسان-حتى وإن تعين ذلك في الحالة العربية التي هي مرة أخرى حالة تعينت فيها كل الأدواء الإنسانية تماما كما حصل ذلك في الجاهلية التي تجاوزتها الأمة بالثورة القرآنية- تمكينه من أن يستعيد معاني الإنسانية ويكتشف الأخوة البشرية كما حددتها الآية الأولى من سورة النساء. فالمعلوم أن هذا الفاعل لم يحققها دائما هو بذاته ومباشرة بل هو يستعمل كذلك التابعين له ليكون أحد أهم أسبابها. فأهم أسبابها هم من نصبهم محاربو الثورة الساعية إلى استعادة معاني الإنسانية لتعميق هذا التأثير أعني الأنظمة التي قامت عليها الثورة:
وبذلك فسلبا لا يمكن أن تعريف الثورة العربية الحالية بكونها مؤامرة بل هي ثورة على المؤامرة إذ لا يمكن أن يكون أصحاب المؤامرة ساعين إلى تحرير الإنسان العربي من الاستبداد والفساد ومساعدة الأمة على استئناف دورها في التاريخ الكوني أعني بتحقيق شروط الرسالة بما هي شهادة على العالمين.
وبذلك فإيجابا لابد من تعريف الثورة بكونها قد قامت لإيقاف فاعلية المؤامرة وتحرير الأمة من نتائجها الحاصلة منذ فترة الاستعمار وخلال الاستقلال الصوري (أي على الحالة التي تردت إليها أوضاع الشعوب التي ثارت) وعلى أسبابها القائمة (أي على الأنظمة التي تحافظ على الأسباب التي تحفظ هذه الوضعية وخاصة تقسم جغرافية الإسلام للحيلولة دون المناعة المادية وتقسم تاريخ الإسلام للحيلولة دون الروحية)

الفصل الرابع: التحرر من أدوات الردع المعادي
نحلل فيه شروط التغلب على فاعلية المؤامرات التي يحاول الأعداء بها الإبقاء على ما تمت الثورة عليه وذلك من خلال تحديد الاستراتيجية الفعالة ضد الثورة المضادة التي هي أداة من أدوات المحافظة على فاعلية المؤامرة. وهذا القسم كتبت فيه الكثير سابقا. والمهم فيه هو التنبيه على أن المعركة كلها تدور حول تحرير الأحياز الخمسة: مكان الأمة لتحريره من التفتيت بالتوحيد وزمانها من التقطيع بالتوحيد وما يترتب على التفتيت من ضعف مادي وعلىا لتقطيع من ضعف روحي وأساس ذلك كله إحياء فاعلية الحصانة الروحية أي ما تؤمن به الأمة من قيم تحرر الإنسان من الإخلاد إلى الأرض أعني جوهر الرسالة الإسلامية.
أما شروط التغلب على هذه الروادع التي تمثلها الثورة المضادة الساعية إلى إيقاف الثورة ومنعها من تحرير الإنسان من خلال منع شروط استرداد الأمة لدورها فقد سبق أن تكلمنا عليها في المحاولات السابقة. والحاجة إلى التذكير بها علتها أن الثوار لم يفهموا بعد أن الثورة المضادة قد حققت الوحدة بين كل الأنظمة القبلية والعسكرية التي فرضها الاستعمار والانحطاط لمنع شروط استئناف الأمة دورها. لكن الثوار ما زالوا يتصرفون وكأنهم ما زالوا مؤمنين بالحدود المكانية الزمانية ومن بسخافة إمكانية نجاح الثورة إذا بقيت قطرية. 
إن كل ثائر يقتصر على القطرية ليس بثائر أصلا لأنه في الحقيقة راغب في تعويض نظام تابع بمقتضى الشروط الموضوعية بنظام لا يمكن أن يتغلب عليها بمجرد النية والشروط الذاتية: إذا كانت الثورة المضادة قد تجاوزت الحدود المكانية والزمانية ووحدت صفها لمنع نجاح الثورة في أي قطر عربي فهي من حيث الفهم متقدمة على الثوار. هي تدرك طبيعة الثورة أو على الأقل ما تقتضيه حتى تنجح فتبادر وقاية بوأدها في تونس ومصر وليبيا وسوريا إلخ..
وكل ثائر يقتصر على أحد بعدي الثورة ليس بثائر. فمن لا يرى فيها إلا التحرر من الانحطاط الذاتي دون أن يفهم أنه يوجب تحرير بقية الشعب من الانحطاط المستورد الذي هو تشويه الحضارة الغربية بدلا من محاربتها هي ذاتها لا يمكن أن يحقق شروط التأصيل السوي. ومن يريد التحرر من الانحطاط المستورد دون أن يفهم أنه يوجب تحرير بقية الشعب من الانحطاط الذاتي الذي هو تشويه الحضارة الإسلامية بدلا من محاربتها هي ذاتها لا يمكن أن يحقق التحديث السوي. وبذلك فإن كلا صفي المعركة إذا أخلص أصحابهما لا يمكن إلا أن يكون عونا للآخر بدلا من أن يكون حربا عليه. فهما ينبغي أن يكونا متفقين على التحرر من الانحطاط أيا كان مأتاه. وينبغي أن يكونا من ثم محافظين عما يقبل الحفظ من الماضي والحاضر لبناء مستقبل تستعيد فيه الامة شروط القيام المستقل. وأول هذه الشروط هو تكوين الإنسان الحر والكريم القادر على الإبداع النظري والعملي شرطي كل قدرة تحقق اشرئبات الموجود إلى المنشود.
وبإيجاز فإنه يمكن القول إن تجاوز تفتيت المكان شرطا في المناعة المادية وتشتيت الزمان شرطا في المناعة الروحية وتأسيس ذلك كله على الحصانة الروحية والعقلية للجماعة يمكنان من تحقيق الشروط الموضوعية للاستئناف. وهذه الشروط الموضوعية تقتضي أن تضاف إليها الشروط الذاتية المتمثلة في تخليص الأذهان من شوائب الانحطاطين فتتطابق الشروط التي في الأعيان والتي في الأذهان ونتمكن من التغلب على المؤامرة التي عمرها يتجاوز القرنين

الفصل الأخير: البشرى الدالة على نجاح الثورة الحتمي
نشير فيه إلى أهم بشرى تجعلنا نثق في نجاح المسار الثوري نجاحه في التغلب على المؤامرة التي تحاول المحافظة على تفتيت المكان تغلبا شارطا لتحقيق المناعة المادية وعلى تشتيت الزمان تغلبا شارطا لتحقيق المناعة الروحية ومن ثم النصر في الحرب على أصل المناعتين أي قيم الإسلام أصلهما المحرك لطموح الشباب الذي هو المستهدف في المؤامرة. وهنا لا بد من أن يفهم الثوار أن الإسلام لا يمكن أن يعتبر عقيدة الفقراء والأميين من الطبقات الدنيا من المجتمع المسلم كما يحاول أعداء الثورة تصويره بل هو عقيدة الأحرار من جميع طبقات المجتمع أعني كل المؤمنين بحرية الإنسان وكرامته وبالأخوة البشرية وعدم الإخلاد إلى الأرض.
فالمعلوم أن البشائر التي يعتد بها لا ينبغي أن تكون مقصورة على المعاني التي توجد في الأذهان دون أن يطابقها ما يجعلها ذات فاعلية حقيقية أعني شروط تحقيقها في الأعيان. لذلك فإن البشائر التي سأشير إليها هي جميعا من هذا الجنس. فلا يمكن للثورة أن تنجح إذا بقي محركها سلبيا أعني الحرمان لدى الطبقات المحرومة. فهي عندئذ تكون ظاهرة سلبية جوهرها رد الفعل وغايتها الشبع الحيواني لسد الحاجات النباتية. الثورة تنجح إذا صار محركها الطموح إلى مزيد العزة والمجد والقوة والانتشار المادي والرمزي لفاعلية الجماعة طاقة روحية لقيام الأفراد. وهذا ما ينبغي أن يفهمه قادة الثورة: فلا بد من تحريك هذا الشعور الإيجابي لدى أصحاب القدرة الإبداعية المادية والرمزية أعني في مادة العمران اقتصادا وثقافة وضمهم إلى صف الثورة بدلا من تركهم مع الثورة المضادة خاصة وما من أحد منهم يفهم شروط الإبداع في مجاله يمكن أن يقبل ما تفرضه عليه التبعية للأنظمة الفاسدة والمستبدة وحماتها من الاستعماريين.
فالمبدع بطبعه سواء كان مجال إبداعه ماديا أعني الابداع المنتج للثروات (المبادر) أو مجال إبداعه رمزيا أعني الإبداع المنتج للتراث (اي فنان) لا يمكن أن يكون تابعا لأن التبعية نقيض الحرية ولا إبداع من دون حرية ولا يمكن لحر أن يقبل تحديدا مفروضا عليه من غيره. لذلك فجل النخب العربية الحالية عقيم لأنها تابعة في الحكم وفي الاقتصاد وفي التربية وفي الثقافة وحتى في المعتقدات. وعندئذ من اليسير أن تفهم علة طغيان الفساد والاستبداد : فهذان ليسا إلا بديلين من علامات تحقق القيام الذاتي أعني الإرادة الحرة والعلم المبدع والإرادة القادرة والحياة النشطة ومن ثم الوجود المستقل ذي القيام المعتد بذاته والمؤمن بأن الإخلاد إلى الأرض لا يناسب كرامة الإنسان لأنه يقدم الأكل كالأنعام على أخلاق الكرام. لذلك فأهم بشرى تتمثل في كون مقومي مادة العمران أعني الاقتصاد والثقافة في الوطن العربي بفضل الثورة لم يعد الصراع الذي يحكمهما فصاما بين ما في أذهان الأفراد وما في أعيان الجماعة. فالثورة وفرت لنخب الاقتصاد والثقافة ذات الطموح الإبداعي والفهم الجيد للمصلحة الذاتية والموضوعية فرصة التخلص من عائقي كل نمو وتطور هما من جوهر هذين المجالين بمقتضى حاجتهما إلى الانتشار اللامحدود:
التخلص من تضييق المكان منعا للقوة الاقتصادية التي هي بالجوهر ومن حيث ملازمة للإنتاج المادي المباشر أو غير المباشر غريزة الامتداد اللامتناهي في المكان أولا وفي الزمان ثانيا شرطا في الوجود والبقاء. 
والتخلص من تضييق الزمان منعا للقوة الثقافية التي هي بالجوهر ومن حيث هي ملازمة للإنتاج الرمزي المباشر أو غير المباشر غريزة الامتداد اللامتناهي في الزمان أولا وفي المكان ثانيا شرطا للوجود والبقاء.
فمن من رجل أعمال مبدع مادي أو ومن صاحب خيال خلاق مبدع ثقافي ذي حس وطني صادق يمكن أن يقبل بالحدود المكانية والزمانية التي فرضها على نشاطه الإبداعي ومجال انتشار مبدعاته وفاعلياته الاستعمار وعملاؤه على النشاط الاقتصادي والثقافي التابعين. فهما حتما لمجرد كونهما شاعرين بعزتهما يميلان إلى تجاوز هذه الحدود لتحقيق ما تبلغه قدرتهما على التحقق الذاتي وتحقيق ما يؤمنون به. ومن ثم فمن المفروض أن يكونا مع الثورة الساعية إلى التحرر من التبعية لا عليها. وحتى لو قبلنا الفكرة الخاطئة بأن رجال الأعمال لا يحركهم الحس الوطني بل المصلحة فحسب فإن الطموح الشخصي وغريزة حب القوة المادية والمنزلة الإنسانية يقتضيان تجاوز الحدود المكانية والزمانية التي فرضها الاستعمار وعملاؤه على نشاطه لأن مجال الابداعين المادي والرمزي كلاهما مجال صراع لا يتوقف وهو ما قصدناه بالتوالج بين الجماعات المتجاورة والغزو المتبادل في ما يشبه الصراع من أجل البقاء. وما يصح على الاقتصاد يصح على الثقافة التي هي بدورها جزء من الاقتصاد فتحتاج إلى تجاوز الحدود المكانية أولا وهي بحاجة إلى تجاوز الحدود الزمانية لحاجتها إلى التعتيق والعمق. 
ولو لم يكن كلا هذين المجالين مسرح الصراع بين الثورة والثورة المضادة أو بين الساعين لاسترداد دور الأمة والقابلين للتبعية لما أمكن أن نفهم الأحداث حتى وإن كان أولئك شبه محكومين بعدم فهم ما أشرنا إليه من ضرورة تجاوز المقابلة بين التأصيل والتحديث من خلال تحريرهما من الانحطاطين. ويكفي رمزا لهذا التعثر الشيخ ابن لادن: فهو رمز المقاومة التي تعتمد على مادتي العمران ولكنه لم يتجاوز هذا العائق الذي يحول دونه واكتشاف شرط الخروج من مأزق الصراع بين الثقافتين التقليدية والحديثة.
لذلك فتمويل المقاومة في العالم الإسلامي الذي قد يكون شكله هذا مفهوما قبل الثورة ينبغي أن يتحول بعد الثورة إلى تمويل المقاومة الحقيقية أعني إنجاح الثورة بأدوات القوة الفعلية وليس بالقتال في الأدغال. فبذلك تكون الأنظمة الفاسدة والمستبدة في مساعدة الثورة المضادة ويكون المجتمع المدني الأهلي والاقتصاد الخاص في مساعدة الثورة حيثما تحققت مرحلتها الأولى. وبدلا من تمويل حركات عقيمة آلت إلى تكوين إمارات بدائية أفسد من الحكومات الفاسدة والمستبدة التي وقعت عليها الثورة فإن التحول ينبغي أن يفرض تمويل الثورات المنظمة في الأقطار التي شرعت في تحرير الإنسان وبناء شروط القوة.
فما بذر في هذا النوع من المقاومة كان يمكن أن يجعل الأمة تطور أداتي القوة الحقيقيتين أعني الثورة العلمية والتقنية خاصة وقد توفرت الآن أماكن تحقيقها أعني البلاد التي تحققت فيها الثورة واختار الشعب الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لقيادة المسار الثوري الساعي إلى تحرير الإنسان وبناء أسس كرامته التي هي بالأساس تخليص الأمة من التبعية في رزقيها المادي والروحي. والبشرى الأهم هي أن المجال السياسي العربي خاصة والإسلامي عامة لم يعد صراعا بين ممثلي المجتمع والدولة المثالية في الأذهان من جهة وممثلي ممتصي دم الشعب والدولة المافياوية من جهة ثانية بل انقسمت مقومات عمرانه الصورية (الحكم والتربية) والمادية (الاقتصاد والثقافة) انقساما يجعل الحرب الأهلية الجارية منذ قرنين لم تبق بين الأنظمة الفاسدة والمستبدة وطبقتها والشعوب الخاضعة لها ولحماتها من الاستعماريين بل إن هذه الشعوب ثارت وبدأت تكون أنظمة هي التي تختار من يديرها لتحقيق أهدافها.
وبمجرد أن يشفع هذا الفعل الثوري في الواقع السياسي بما يفتح أمامه مجالات الخيال المبدع للإمكان الخلاق بسرديات مستقبلية أو يتوبيات تمجد الإبداع والمبدعين في المستوى الرمزي والتاريخي حتى تستعيد الأمة دورها التاريخي الكوني : وتلك هي وظيفة الشعراء والفنانين والمفكرين الكبار. فالفتح التاريخي ينبغي ألا يقتصر على الفعل في الأعيان وحدها بل إن هذا الفعل لا بد أن يمهد له الطريق المخيالي في الأذهان بخلق فضاءات ا لممكن المطلق الذي من جنس الخيال العلمي في غزو الكون حتى يصبح طموح الإنسان قادرا على تجاوز محدوديته وقصوره العضوي فيبلغ مداه الروحي.
لكن هذه الأنظمة الثورية ما تزال عديمة السند من المبدعين في مادة العمران أعني المجالين الاقتصادي (المبادرون القادرون على المغامرة الانتاجية المادية) والثقافي(الشعراء القادرون على إبداع الاساطير المحركة لطموح الشباب في الفاعلية التاريخية) ليس بسبب سطوة الفساد والاستبداد فحسب بل بسبب عدم وعي قيادات الثورة بضرورة تحقيق هذا الشرط إذا أرادوا تحقيق شروط النصر للثورة. فإهمال النخب الاقتصادية والنخب الثقافية وعدم السعي إلى ضمهما إلى الثورة تحريكا لفاعليتها المادية والروحية هو الغباء عينه خاصة وهذه النخب هي أكثر الناس تضررا من الاستبداد والفساد وتضييق مجالي سعيها أعني الحدود المكانية والحدود الزمانية التي يفرضها الوجود القطري المستجيب لمصلحة المستعمر والمتطفلين على الاقتصاد والثقافة.
فتصبح المعركة جارية بين أنظمة ثورية تسعى إلى الاستقلال من التبعية بالتغلب على أسبابها وأنظمة ضد الثورة تسعى إلى الإبقاء على التبعية بمحاولة إسقاط هذه الأنظمة الثورية والاحتماء بالمستعمر. فإذا انضم رجال الأعمال المخلصون والمثقفون المخلصون فإن تمويل الثورة ماديا وتجهيزها رمزيا يجعلانها قادرة على جعل الحكم والتربية أداتي التحرير الفعلي من خلال بناء شروط القوة العلمية والعملية (الثقافة) وشروط القوة التقنية والإنتاجية (الاقتصاد) فتنتقل الثورة من مجرد تغير ذاتي في الأذهان إلى تغير موضوعي في الأعيان.
إذا كان بوسعنا أن نجد بعض العذر للمقاومة التي تقدمت على الثورة رغم تشتتها في أصقاع دار الإسلام وفوضاها من حيث الاستراتيجية والأهداف وبدائية الأدوات فإن مواصلة هذا السلوك بعدها يعد من علامات الغباء وعدم الإيمان الحقيقي بقيم تحرير الإنسان وتكريمه أعني بجوهر القيم الإسلامية. فإذا واصلت المقاومة السلوك البدائي الحالي فإنها لن تحقق شيئا عدى مساعدة أعداء الإسلام على تشويهه وإبعاد شروط النجاح الفعلي لأسباب الاستئناف. لكن ممولي هذه المقاومة البدائية يمكن بنفس التمويل والحماس أن يتوجهوا إلى مساندة الأقطار التي حدثت فيها الثورة حتى تمكنها من عدم الخضوع للابتزاز فتضرب عصفورين بحجر واحد:
تقاوم أنظمتها الفاسدة والمستبدة من خلال المشاركة في إنجاح الثورة التي بمجرد تحررها من العقبات المادية والرمزية التي قد تبعد عنها الشعوب فإنها تساهم في انتشارها ومن ثم في إسقاط هذه الأنظمة وإخراج الاستعمار من دار الإسلام أعني ما اعتبر الدافع الأساسي لتمويل المقاومة ماديا من رجال الأعمال ورمزيا من المثقفين المؤمنين بالإسلام.
تحقق ما تدعي أنها تؤمن به من قيم الإسلام أعني حرية الإنسان وكرامته والعدالة الاجتماعية مع كل القيم التحررية في مجال الإنتاج والإبداع المادي والرمزي غير المنافيين بذاتهما للعدالة الاجتماعية لأنها جامعة بين أفضل ما في الراسمالية (الابداع والانتاح الحرين) وأفضل ما في الاشتراكية (العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق