Hot

الثلاثاء، 13 مايو 2014

جينيالوجيا أدوات ضديد الثورة - أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي

تونس في 2014.05.13

"لايظنن أحد أن المحاولات تدخل في شأن يخص المصريين وحدهم. فالثورة تجاوزت تفتيت المكان العربي وتشتيت الزمان العربي. ونجاحها لا يكون إلا في الأرض العربية كاملة. وكذلك لا قدر الله فشلها. وطبعا فمصر هي ربع الأمة العربية فضلا عن دورها في تاريخ الأمة الإسلامية منذ سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث السابع الثالث عشر".
وهذا النص نشر بتاريخ 2013.08.07 نعيده اليوم بإذن من الدكتور لما نراه من مناسبة تقتضي إعادة عرضه على القراء مع استدراكات عليه تفضل الدكتور فامدنا بها حتى يتضح الترابط بين المسارات الثورية في الوطن العربي قلقا محركا للأمة الإسلامية في سعيها لاسترداد دورها الكوني حاملة لرسالة الشهادة على العالمين.
عندما نرى ما يفعله السيسي بالمصريين مستعينا بالعملاء من العرب قاطبة ونرى ما يفعله نظراؤه في السوريين ومن قبلهم من يجانسهم في الليبيين والجزائريين إلخ.. من أقطار الوطن العربي نفهم هزيمة 67 وما ماثلها من الهزائم عسكرية كانت أو سياسية : فهؤلاء هم نواب الاستعمار يستعملون الجيوش العربية لاحتلال شعوبهم والاستحواذ على أرزاقهم بل وبلغوا درجة استيحاء نسائهم.
لذلك فلا ينبغي لأحد أن يعجب من صفات عدم الرجولة فضلا عن الغباء والجبن اللذين تجسدا في من أوهمه خراف ناصر وبوقه (هيكل) بأنه ناصر ثان فضلا عن النذالة والخيانة التي تجعل أمثاله من أشباه الرجال هؤلاء يبيعون مصالح أوطانهم بحسابات في بنوك سويسرا. لكن أهم صفاتهم هي الجبن: فها نحن نرى الرجل وقد أدرك أن انقلابه قد فشل فشلا ذريعا يتباكي ويستنجد بحماته الذين اكتشفوا بلادة ذهنه وقلة خبرته بشعبه فكانوا أول من طالبه تصريحا لا تلميحا بما سيفضي حتما إلى رحيله في قريب الآجال. 
كنت ولا زلت من الداعين للمصالحة ولوحدة التونسيين. ونفس هذه الدعوة أوجهها للمصريين كذلك. والمصالحة لا يمكن أن تأتي إلا من الممثلين الحقيقيين للأغلبية حتى وإن لم تكن بيدهم القوة العسكرية. وطبعا فالمصالحة لا تكون مع المفسدين الذين يثبتون كل يوم أنهم فاقدون لمعنى "رجل الدولة". وآخرة هذه العلامات يمكن تحديدها في تونس بمقارنة أقوال السبسي بأقوال معلى مثلا تقويما للوضع وتقديما للعلاج: فهذا يريد مصلحة البلاد ولا مطمع له في الكرسي وذاك يخاف أن يموت قبل أن يصبح رئيسا. وتلك هي علة تحالفه مع المخربين من شذاذ اليسار الشعبوي والبعثيين والأناركيين: الوصول إلى الكرسي قبل فوات الفوت. ونفس الأمر يقال عن العلاما في مصر : فالحمزاوي وحتى البرادعي غير صاحب السيجار وخاتم حياته بالفضيحة والعار إذ يواصل هو وخراف عبد الناصر عملهما المشين الذي محا كل ما علق بأوهام الغافلين حول دور هذين الرجلين.
لذلك فما حدث للسيسي حادث لا محالة للسبسي. ولا شك أن المستنجد به قريبا سيكون في هذه الحالة فرنسا ونوابها من جنرالات الجار لا الولايات المتحدة التي يكفيها ما "وحلت" فيه في مغامرة انقلاب الزايد عليه بنقطة تحت السطر. وسيكتشف حماته أيضا حماقته رغم دعوى المطبلين له بالذكاء لكونه عمشاء في دار العميان. سيكتشفونها بمجرد فراغ جرابه الذي يؤذن به عودة الدساترة إلى الساحة: عندئذ سيتبين حمق الاستراتيجية التي يدعي صاحبها الكلام بفكر بورقيبة علما وأنه لم يكن عنده إلا مجرد "أوم دو مان" ويعمل بخطة ابن علي جمعا لفاسدي اليسار وفاسدي التجمع. وهل يمكن لمن لم يكن أبدا من قيادات الدستور الحقيقيين أن يمثل فكر بورقيبة إلا إذا سلمنا بأن ابن على يمكن أن يعد بورقيبيا ؟
ليس للحمق دواء
غفل هذا الغر السيسي عن أن النسخ لا يمكن أن تكون إلا كاريكاتورا من الأصول فظن المصرييين قابلين لأن يحكموا بكاريكاتور عبد الناصر الذي كان هو بدوره كاركتاتور قيادات عصره في جماعة باندونج مثلا : هم بنوا دولا عظمى (الهند والصين وحتى أندونيسيا) وهو أرجع مصر إلى أقل من نصف ما كانت عليه عندما أغار على حكمها. ومثله سبسينا الذي يتصور التونسيين بعد الربيع قابلين لأن يحكموا بكاريكاتور من بورقيبة حتى لو كان لاعب الدور يتمتع بشباب بورقيبة وبفطنته أو بماضيه النضالي. وقد أغرى الرجلين حمق أصحاب التفكير القاصر عند نخب جلها من أرباع المثقفين الذين جمد فكرهم على خرافات لتنوير الدولة الإرهابية الفاشية والمستبدة لنهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر سواء كانت إيديولوجيتها يعقوبية أو ماركسية أو خليطا منهما كالحال في إيديولوجية الدولة المسماة وطنية بقيادة من أورثهم الاستعمار المباشر الوصاية على الشعوب الخاضعة للاستعمار غير المباشر.
صدق الرجلان أن الشعب العربي بعد ثورة الربيع التي غيرت النظرة إلى فاعلية الإنسان العربي المسلم فهما قرآنيا صحيحا للقضاء والقدر في شعار الثورة الأساسي (بيتا الشابي صوغا شعريا لآية التغيير النابع من الذات) يمكن أن يكون ما كان في بداية النصف الثاني من القرن الماضي عندما كان خاضعا لموروث الانحطاط والاستعمار. والمعلوم أن الجبن والغباء يمثلان الصفتين المشروطتين في من ترشحه أجهزة الاستعلامات الاستعمارية للتحريك عن بعد ومن ثم لجعل المآل في كل المعارك الهزيمة المحتومة.
أسباب التفاؤل 
وما يدهشني أمر اعتبره مبشرا بكل خير وداعيا للتفاؤل بمستقبل الثورة هو: كيف آل الأمر بالأجهزة الاستعمارية إلى هذا الحد في فقدان الحيلة عند اختيار دماهم من الساحتين السياسية والثقافية؟ فكونهم لم يجدوا في تونس إلا شيخا هرما كان دائما من الصف الخلفي للقيادات في العهد البورقيبي ليمثل دور البطل في تمثيلة النسخة وإلا كهلا غرا كان دائما في ظل من هم في أرذل العمر نظريا (هيكل) وعمليا (طنطاوي) لا يمكن إلا أن يكون من المبشرات؟ وكون هاتين الدميتين لم تجدا من النخب المزينة لفعلهما إلا أدنى درجات المثقفين والإعلاميين ومن فاسدي الأعمال أربابا وعمالا ومن الأحزاب المجهرية في مجتمعاتنا ليسندوا بهم محاولاتهم الفاشلة الساعية إلى تمرير الثورة المضادة بشعارات الثورة هو أيضا من المبشرات. إني متفائل في ضوء هذين الأمرين خاصة إذا علمنا أن السند الشعبي الوحيد لهذين الكاريكاتورين من الأراذل والأغرار هم موميات فكرية من اليسار والقوميين والليبراليين الذين لا يمكن أن يكون لهم صدى عند الشعب. ولذلك فهم لا يستطيعون البقاء إلا بحماية دبابة الاستبداد والفساد والسند الاستعماري.
أما محاولة تمرير نفض يد الغرب أيديه منهم عندما اكتشف عجزهم عن الدور الذي يريده منهم بنسبة هذا الدور لمن اضطر الغرب للتعامل معهم بمقتضى كونهم الممثلين الحقيقيين للشعوب فهي أيضا محاولة حمقاء وتهمة سخيفة. ذلك أن شيخي الولايات المتحدة ونائب وزير الخارجية في مصر الآن مثلا لم يأتوا لأنهم يتصورون أنهم واجدون في الإسلاميين من يقوم بالمهمة بديلا من السيسي. فلو كان ذلك رأيهم لما كانوا مع النظام البائد إلى آخر نبض حياة فيه. ولو كان أدنى أمل في أن يكون مرسي مثل السيسي لما أيدوا الانقلاب عليه مدة شهر كامل فترددوا في وصف ما حصل بكونه انقلابا.
إنما هم ينطلقون من منطق القبول بأخف الضررين لأنهم يعتبرون الإسلاميين الديموقراطيين أقل خطرا على مصالحهم من غيرهم (وهم إسلاميون في كل الأحوال لأنهم يعلمون الوزن التافه لمن سواهم في الساحة) الذي يعتبرونه غير ديموقراطي أعني الحجة الأخيرة في جعبة السيسي الغبي الذي كان يتصور نفسه يخوفهم بها أعني الخلافة الإسلامية فإذا به يمدهم بالحجة الأساسية لتنحيته لكونه أعجز من التصدي لمثل هذا المشروع التاريخي. وهم لم يخفوا هذا الحكم بل جل استراتيجييهم وجهوا النصائح في اتجاهين:
نصحوا حكامهم للحفاظ على شروط المقبول من المصالح بين الشعوب الأنداد بعد التأكد من أن الربيع العربي هو نهاية أي علاقة غير ندية.
ونصحوا دمى حكامهم بأن يتصالحوا مع الإسلاميين الديموقراطيين قبل فوات الفوت: ذلك أن العناد قد يفقدهم من يتصالح معهم بعد الآن.
وإذن فأمريكا لا تؤيد الإسلاميين حبا فيهم بل حفاظا على مصالحها المقبولة من نظام لم يعد يحكمه فرد تحركه الدمى بل شعب يعبر عن إرادته بكل استقلالية. وتابعوهم مضطرون إن كان لهم بعض عقل لفهم خسرانهم الأكيد والاستفادة من الفرصة لئلا يكون مصيرهم مصير الفياتناميين عملاء الجيش الأمريكي أو الحركيين عملاء الجيش الفرنسي.
انتحار أعداء الثورة في مصر
من البين أن اللحظة التاريخية العربية الحالية أو الموجة الثانية من الربيع العربي جعلت مآل الثورة المضادة يتحدد الآن في مصر. ومن ثم فهي قد جعلت رسالة الثورة وقيادتها تعود إلى حقيقة أساسية هي غاية الحيوية التي تعينت في تاريخنا الحديث منذ قرنين. فالصحوة بلغت لحظة الحصاد الموجب للوصل الحي بين قيم أصالتها المتخلصة من شوائب الانحطاط الروحي وقيم حداثتها المتحررة من عيوب الاستعمار الذهني. فقد لاحت بعد بشائر الانتحار البين للثورة المضادة وذلك لفرط غباء قيادتها العسكرية (السيسي) وخرف قيادتها السياسية (عجائز جبهة الإنقاذ) وسخف قيادتها الفكرية (من جنس القمني) وسفاهة قيادتها الإعلامية (من جنس ثرثار الفراعنة).
وهذا الفشل سيقضي على الخمج (جنجران) الذي عم الأنظمة المستبدة والفاسدة ليس في أقطار الربيع العربي فحسب بل وفي كل أقطار الوطن العربي من الخليج إلى المحيط. وسنكتفي هنا بالكلام على السيسي وجماعته من النخب المريضة حقا بالكذب ليس على غيرهم فحسب بل على أنفسهم إذ يتوهمون أنه بوسعهم أن يفرضوا فكرهم الجامد على شعب حي قام بثورة الربيع العربي. لكننا لن نطيل الكلام على أشباه المفكرين الذي تعتمد عليهم الثورة المضادة. سنكتفي بمثال واحد يصل بين النخبتين الفاسدتين في مصر وتونس.
فهؤلاء المفكرين الذين لا يشق لهم غبار هم الساعون إلى الدمار الحضاري لشعوبهم بدعوى الحداثة والتقدمية الفاقدتين لدلالتهما. فهم لم يفهموا أن الدول الآسيوية مثلا قد تمكنت من استرداد مكانتها ليس بالتحديث الاستهلاكي وأنماط العيش بل بالذهاب المباشر إلى شروط إنتاج الحداثة والتقدم أعني العلم والعمل. أما حداثيونا فالحداثة عندهم هي العيش مثل الخواجات لا غير.
استبدل أشباه حداثيينا بأسباب الحداثة ثمراتها المباشرة من دون أسبابها أعني العيش مثل الغرب من دون الثورات التي حققها هذا الغرب الذي كان خلال تأسيسها لها من جنس ما نراه في آسيا حاليا جهدا وفكرا وتكوينا وعلما وصبرا فضلا عما استفادوا منه من سلب ثروات العالم في عهد الاستعمار لجعل النمط الاستهلاكي وحياة الخواجات أمرا ممكنا:
الثورة الروحية (الإحياء الديني) 
والثورة العقلية (الإحياء الفلسفي)
والثورة التقنية (تطبيق العلوم)
والثورة السياسية (التخلص من الاستبداد في الداخل وتعميه في الخارج) 
والثورة الاجتماعية (تمكين المواطنين من الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية واستغلال ثروات العالم).
فأشباه المنظرين في مصر ومثلهم أو حتى من هم دونهم في تونس ممن يقدمون أنفسهم بهذه الصفة أغلبهم من فصيلة السيد القمني مستوى تفكير حتى وإن لم يكونوا كلهم مثله بوصفه صاحب دكتواره مزيفة اشتراها بمائتي دولار من جامعة أمريكية لا توجد إلا على الورق لأن أصحابها كانوا منتحلي صفة وحوكموا جزائيا بهذه الصفة. وليس بالمستبعد أن ذلك يصح على الكثير من بعض مثقفينا الذين كانوا يتسولون الشهادات باستدرار عطف الأساتذة تعاطفا مع مضطهدي الاستبداد خاصة وهذه الشهادات معدة للأنديجان.
ولست أقدم هذين الدعويين دون دليل في حالة القمني. فأما دعوى الدكتوراه المزيفة فهو قد اعترف بذلك لما فضحته صحف مصر سنة حصوله على الجائزة بعد أن أنكر أحد أساتذة مصر الإشراف عليه. وأما دعوى أن جلهم مستواهم من جنس مستواه حتى وإن لم نشكك في شهاداتهم فيكفي دليلا عليها أن شلة الثقافة التي رشحت هذا الرجل لجائزة الدولة التقديرية ذات علاقة وطيدة بالشلة القيادية للجان التقويم الجامعية والثقافية في تونس. وكلتا الشلتين كانتا من "فترينة" نظام الاستبداد والفساد ومن مدلليه ومن مستغلي النفوذ فيه بما هو منظومة مافياوية: لأن ما كان يعني الشلتين ليس علم هذا النزق بل موقفه المعادي للإسلام أعني ما يعتبرونه العلامة القاطعة على النبوغ والحداثة والنقد التقدمي عند كلتا الشلتين.
إن العلاقة المتينة بين الشلتين من المفكرين الحداثيين المزعومين أساسها المضاعف هو تقاسمهما احتراف التحديث النقدي التي لا يتجاوز هذا الموقف الذي يقيس مقدار الحداثة بمقدار الاستهزاء بعقائد الشعب والدين الإسلامي ثم ثمرة هذا الموقف أعني الاستمتاع بكل ما لذ وطاب من فضلات موائد الاستبداد والفساد الذين هم أصحاب هذا العهد أعني عبيد الأسياد مورثيهم استعمار البلاد وقهر العباد. وقد سبق أن استضافته شلة الشرفي ليعلمنا الحداثة الدينية سعيا منها لتنظيف القرآن مما يمس مشاعر أصدقائهم الذين يختلقون لهم سمعة المستنيرين في الغرب ولمواصلة التحديث المستبد والإصلاح الديني ممن لا يؤمنون بأي دين. وقد صادف أن حضرت إحدى محاضراته في الزيتونة التي كانت مرتع الفاتيكان وشلة الوزيرين أعني دجال التحديث المستبد بكل الوسائل (وزير التربية) وطبال الاستحمار المستعد لكل الرذائل (وزير الدين).
الثورة المضادة والغزو الداخلي
ليس للثورة المضادة إلا يحاولون جعله ممثلا للاستبداد والفساد أعني:
1-تحريف قوة الرعاية والحماية الماديتين (تحريف وظيفة الاقتصاد والجيش).
2-وتحريف قوة الرعاية والحماية الرمزيتين (تحريف وظيفة التربية والثقافة). 
وبعبارة أكثر تدقيقا مفهوميا فإن أداة الثورة المضادة هي إفساد مقومي المناعة المباشرة والسطيحة اللذين لا يمكن لأي أمة أن تكون قادرة على الدفاع عن مقوماتها اللامباشرة والعميقة أعني ما لا يمكن أن لها قائمة من دون سلامتهما: فمقوم المناعة المادية المباشرة هو الجيش وغير المباشرة هو ثروتها المادية ومقوم المناعة الرمزية المباشرة هو النخبة الفكرية ومقوم المناعة الرمزية غير المباشرة هو التراث الرمزي. ولن نتكلم على فساد مقومي المناعة المادي والرمزي العميقين إذ قد سبق أن عالجناهما عديد المرات في كلامنا على استراتيجية الحرب واستراتيجية الثقافة عامة الاستراتيجيتين وكيف تكونان غير تابعتين. ما يعنينا هنا هو فساد مقوم المناعة المادية المباشرة. 
فقوة الدفاع المادي أو الحامية عندما تتحول إلى جهاز مافياوي لحماية ذاتها باعتبارها جزءا من المافية الحاكمة ولعلها أهم جزء منها فإنها تستغل الجماعة كما نرى ذلك في كل الأنظمة العربية قومييها ودينيها المزعومين بل هي تتحول إلى نظام احتلال عسكري للشعب إذ يصبح الجميع في خدمتها وتصبح هي سيدة أسباب العيش التي تحتكرها تحقيقا لما نصح به موسى فرعون في الرواية التوراتية للقصة. وحينئذ فهي لا تبقى قوة دفاع عن الوطن بل تصبح قوة غزو داخلي للشعب لأنها حامية للنظام المافياوي الحاكم وليست حامية للوطن. 
وتلك هي علة هزائمها المتكررة لأنها ليست معدة لغير الوظيفة التي وصفنا: وهذه سنة كل نظام يعتمد على مرتزقة لحمايته. فكل مرتزقة تكون في البداية مأجورة لحماية المافية الحاكمة ثم تقرر بعد أمد قصير أنها ينبغي أن تكون المافية الحاكمة مباشرة أي أن تجعل المافية الحاكمة مجرد واجهة. والقارئ لا يحتاج للتمثيل: يكفي أن ينظر من حوله.
ولهذه العلة كانت فلسفة الدفاع الإسلامية رفضا للارتزاق وحتى للجيش المفصول عن الجماعة بل الشعب هو الحامي لنفسه ولوطنه لئلا يكون الجيش دولة في الدولة. فالجيش الإسلامي مؤلف من محترفين هم معلمو الفنون العسكرية المحترفون لها بوصفهم معلمين لا محاربين فحسب. ويكونون جزءا من منظومة التربية العامة للمواطنين. وكل الشعب ذكورا وإناثا يحصل على التكوين العسكري المتواصل حتى يبقى جنديا دائما بعد أن يمر حتما بهذا التعليم. وهو مطالب بمواصلة التدريب الدائم ومن حقه أن يحمل السلاح الفردي ليحمي نفسه وأن يدعى لحماية الوطن من السلطة الشرعية عند كل فزعة. وكذلك ينبغي أن تكون فلسفة الدفاع الثورية الدائمة: فكل جيش يتحول إلى دولة في الدولة يصبح بما لديه من تفرد بالقوة قادرا على خدمة من يغريه بالفساد الذي يولد الاستبداد ثم نعكس الأمر لأن الفساد هو الذي يطيل عمر الاستبداد.
العقبات التي ينبغي التصدي لها
والمعلوم أن مرسي وكل من يشغل محله في النظام الناتج عن الثورة لم يكن بوسعه تخليص الدولة من هذا السرطان الذي يحمي تفشيه في بدن الدولة أي الإدارة بكل أصنافها وحتى في الأخلاق العامة السائدة على التبادل بين المواطنين. فالمصالح التي يتعلق بها أمر الفساد والاستبداد تكاد تبتلع ثمرات العمل الجماعي كله. ويكفي أن نعلم ما يحصل في سوريا وما كان حاصلا في ليبيا أو ما يجري في الجزائر من استحواذ شبه كامل للضباط الكبار مع زبائنهم وزبانيتهم على جل الثروة أو ما يجري في إيران بالنسبة لحراس الثورة أو ما يجري في بلاد الخليج حيث تعود القيادات العسكرية الأساسية إلى الأمراء جمعا بين السياسي والعسكري إلخ...
والأسباب تاريخية يمكن القول إن جيش تونس شبه مستثنى من هذا الحكم على الأقل في عهد بورقيبة. ذلك أن سند القوة في النظام البورقيبي تأسس قبل نشوء الجيش: فانقلاب بورقيبة على اليوسفية التي كانت خيار الشعب استند إلى قسم من الحزب وإلى الاتحاد العام التونسي للشغل. لذلك كان الحكم مستندا إلى هاتين المافيتين إلى الآن. ليس سند القوة في النظام البورقيبي عسكريا بل هو يعود إلى تنظيمين فاشيين هما الحزب والاتحاد. لذلك فالثورة المضادة اليوم لم تجد سندا لها في الجيش الذي ليس له لا العقيدة ولا التجهيز الكافي للقيام بهذه المهمة. 
لذلك الثورة المضادة لجأت إلى مافية الاتحاد التي ما تزال حاكمة في الفوضى الاجتماعية لصلته باليسار والقوميين الفاشلين سياسيا وإلى مافية الحزب التي تستعيد أنفاسها بعد صدمة الثورة وتتحالف مع المافية الأولى للقيام بالانقلاب. فكلاهما يتصف بصفات الغازي الداخلي للشعب لصالح النظام المافياوي الذي يقاسمهم مزايا خدماته لمن نوبه على مستعمرته. ويمكن أن نظيف أن عهد ابن علي الذي لم يكن مطمئنا لولاء الحزب الدستوري ولا لولاء الجيش بنى منظومة أمنية لا تختلف عن منظومات البلاد العربية الأخرى ومن ثم فالأمن هو الرديف الممكن للثورة المضادة إذ لم تكن وظيفته حماية أمن المواطن بل كانت حماية المافية المستغلة للمواطن مع إطلاق يده في حلبه هو بدوره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق