Hot

الخميس، 15 مايو 2014

تملق النخب للإسرائليين ما علته؟

abou-yaareb

أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.05.15

يكذب من ينفي أن النخب عامة والنخب الحاكمة بالفعل أو بالقوة خاصة تتملق الإسرائليين وتخافهم في كل أقطار العالم. فليست هذه الظاهرة خاصة بنخب العرب والمسلمين وحدهم. ويكذب من يقول إنه لم يحيره طغيان حضور من يظن أن لهم بهم نسبا في القرآن الكريم على الأقل قبل أن يدرك المعاني العميقة لهذا الحضور. وعلى كل فإن هذا الحضور قد حيرني شخيصا لما كنت شابا قبل أن أدرك دلالته العميقة: وأريد أن أنبه الكثير من شباب الأمة فتيات وفتية لهذه الظاهرة الخطيرة والخطرة في آن.
ذلك أن كل مطلع موضوعي ينبغي أن يعترف بأن هاتين الظاهرتين ما تزالان محيرتين للكثير في الرأي العام العربي على الأقل لعلتين مباشرتين هما: اغتصاب إسرائيل لفلسطين وحضور ذكر بني إسرائيل في القرآن. ولا يكفي القول إن إسرائيل الحالية لا تمت بصلة لمن يتكلم عليهم القرآن هكذا بصورة مباشرة دون إدراك الأبعاد العميقة لما يبدو من تناقض بين القرآن والحاضر التاريخي للعلاقة بين الأحداث والأحاديث.
والسؤال بأبسط صيغة يمكن أن يكون كالتالي: كيف لمن لا ينيف عددهم على واحد في المليون من البشر مع عدة لا تتجاوز المعتاد يكون لهم كل هذا السلطان على نخب ستة مليارات منهم فيصبحون قادرين على تعطيل سريان القانون الدولي وعلى تحريف كل القيم الخلقية التي يمكن أن تبقي على شيء من الأخوة البشرية؟ أيكون لميزات ذاتية قد يجد لها البعض ما يؤيدها بها من القرآن مثل "فضلتكم على العالمين؟". لذلك فسأحاول تحليل هاتين الظاهرتين: التأثير غير المتناسب مع الحجم والحضور الطاغي في القرآن الكريم. وسأبدا بالثانية (الحضور في القرآن) لأنها قد تعلل الموقفين من هذا الحضور:
الموقف الذي قد يتحول إلى تعليل للقبول بالظاهرة الأولى: ظاهرة تملق النخب للإسرائليين والخوف منه) عند الكثير من المؤمنين بالمعنى السطحي لهذا الحضور في القرآن الكريم:
الموقف الذي قد يتحول إلى أو نفي مضمون الظاهرة الثانية أعني نفي طبيعة الحضور في القرآن بسبب موقفه من الظاهرة الأولى. فالبعض قد ذهب إلى نفي ما حصل لليهود في عهد الفراعنة معتبرا إياها تلفيقا قياسا على مبالغات الهولوكوست الأخيرة.
حضور بني إسرائيل في القرآن الكريم
ليس الحضور وحده هو المحير بل وكذلك ما قد يترتب عليه من مواقف إزاء فكرة الشعب المختار وفكرة الحق في ملكية فلسطين فضلا عما قد يؤدي إليه الجنون القومي أو طغيان العداء من تشكيك في القرآن الكريم كما نلاحظ ذلك في من يريد أن يثبت أن تاريخ اليهود القرآني لا علاقة له بفلسطين بل هو قد جرى في جنوب الجزيرة العربية. فالقراءة السطحية للقرآن الكريم قد تصبح تمكينا لهاتين الفكرتين في الوعي المؤمن خاصة إذا كان ساذجا ومن جنس الواقفين عند ويل للمصلين. فلا يرى إلا الموجب من الحضور ويغفل ما أدى إلى نسخ ما يمكن أن يعمم منه على كل بني إسرائيل بعد انتقالهم من عبادة إله موسى إلى عبادة العجل. 
فالقارئ الغافل فضلا عن ذلك كله قد يكون في الأغلب عديم القدرة على فهم الدلالة الخلقية العظمى لرسالة لا تنفي ما تقدم عليها من الرسالات بل هي تصدق ما بين يديها وتهمين عليه لاتصافها بالموضوعية المطلقة التي تجعلها لا تظلم أحدا وتعترف للغير بفضائله إن وجدت. وهذا الموقف متناسب مع توجيه الرسالة للعالمين وعدم حصرها في جماعة بعينها لذلك فقد كان هو نفس الموقف من كل الحضارات سواء ما تقدم منها على الإسلام أو ما ساوق تاريخه كله.
لكن ذلك كله يزول بمجرد أن نجمع بين الوجه الثاني من هذا الحضور بعد الانتقال من عبادة إله موسى إلى عبادة العجل الذهبي. فهذه النقلة تحول وجودي في أخلاق جماعة لم تستطع أن تتحرر من العبودية. فقد صاحب هذا التحول الديني تحول في الأخلاق جعلها تصبح معين الأمثلة التي تضربها القرآن الكريم لبيان ما لا ينبغي أن يكون عليه البشر حتى يكونوا أحرارا لا عبيدا متصفين بالحدين المخرجين من صفات الإنسانية الحرة:
صفة الجبن أمام الأقوياء ماديا (اذهب أنت وربك فقاتلا): ومنها أخلاق العبيد الخادمين لقوة العصر دائما وهو ما أراد موسى أن يحررهم منه بالإخراج من استعباد الفراعنة لهم وعودتهم لعبادة العجل والمطالبة بما يحيل إلى حاجات البطن.
صفة التجبر أمام الضعفاء ماديا(قتل الأطفال والشيوخ وهدم المدن): ومنها أخلاق العبيد المستعبدين لمن يمكنهم من استعبادهم من هم في خدمته وهو ما آل إليه إمرهم بعد عبادة العجل الذهبي الذي أصبح إلى اليوم مميزهم الجوهري.
فإذا جمعت بين الصفتين وجدت دلالة حضورهم في القرآن. فمثلما أن أبنياءهم كما يصفهم القرآن لا كما جاء وصفهم في تحريف التوراة يعتبرون معين التمثيل لخلق الأحرار الذين لا معبود لهم سوى الله فكذلك صار الإسرائليون بسبب هذا التحول معين ضرب الأمثال على ما لا ينبغي أن يكون عليه المسلم لأنه إنسان حر وقياسا عليه كل إنسان يريد أن يكون حرا. وحتى نفهم هذه الفكرة فينبغي أن نفهم معنى التحريف الذي يعنيه القرآن الكريم والذي حددته بوضوح سورة آل عمران.
وذلك هو ما يجعل هذا الشعب وتاريخه معين ضرب الأمثال القرآنية في تربية الإنسان الحر الذي لا معبود له سوى الله أمثال للدلالة على ما يؤول إليه تحريف الرسالة أي تحريف تربية الإنسان على خلق الحرية والكرامة بخلق الحرية فعلا بتحرير الغير (أسمى الكفاراتهي تحرير الرقاب) وانفعالا بالثورة على العبودية (ورمزها الجزيرة العربية حتى قبل الإسلام) وبرفض العبودية انفعالا برفض الخضوع للغير وفعلا برفض إخضاع الغير. وهذا التحريف يشمل أصناف العلاقات البشرية الخمسة التي هي رهان التعاون والتنافس بين البشر أي: 1-الحب الصادق2- والاقتصاد العادل3- والعلم النافع 4-والحكم الرشيد 5-والإيمان المانع من الخبائث.
وقد جمع القرآن الكريم هذه المعاني العظيمة كلها في سورة يوسف عليه السلام جمع التوراة لها في الكلام على يوسف ولكن بأضداد هذه القيم كلها تماما. وذلك هو ما يعنيه القرآن الكريم بالتحريف: فكل ما رد في قصة يوسف التوراتية لا يمكن أن يكون صفات إنسان كريم فضلا عن أن يكون صفات نبي منزه عن الخبائث:
1-فبدل العفة صفة للإنسان الشهم كما يصف القرآن الكريم يوسف عليه السلام نجد الفجور والغدر في التوراة.
2-وبدلا من الحب والعرفان عند يوسف القرآني نجد الكراهية والكفران عند يوسف التوراتي.
3-وبدلا من توظيف العلم لخدمة البشر بتحريرهم من الحاجة تحول العلم إلى وسيلة لاستعبادهم. يوسف القرآني حرر المصريين بالعدل ويوسف التوراتي نصح فرعون بتجويع شعبه حتى يأخذ أرضهم بما خزنه من حصاد السنوات السمان فأصبح الملاكون أقنانا.
4-وبدلا من أن يكون السلطان للعدل من خلال توزيع أسباب العيش تحول إلى طريقة لاستعمال هذه الأسباب لخدمة الاستبداد الفرعوني واستعباد شعبه.
5-وبدلا من أن يصاحب الإنسان ذكر الله ورقابته أو ما تسميه سورة يوسف "برهان الرب" نجد ذلك كله غائبا في التوراة بدليل حصول العناصر المتقدمة.
وبذلك نفهم أن حضور بني إسرائيل في القرآن لا ينبغي أن يفهم على أنه قول بنظرية شعب الله المختار فضلا عن أن يكون اعترافا بحق بني إسرائيل في اغتصاب فلسطين. فأما الفكرة الأولى فدلالتها عندما ترد في القرآن بمعنى "فضلتكم على العالمين" هي عين دلالة "كنتم خير أمة" الخبرية (110 آل عمران) جواب شرط لـ"ولتكن منكم أمة" الإنشائية(104 آل عمران) المتقدمة عليها تعريفا لاستحقاق هذا الوصف عند توفر الشرط.
وطبعا فبعض بني إسرائيل كانوا خير أمة وخاصة الأبنياء والحكماء منهم. لكن أغلبهم كانوا أرذل أمة نكوصا عن الرسالات وقتلا للرسل. والاسرائليون الحاليون قليل منهم لا تكاد تذكر ورثة الصالحين منهم المذكورين في القرآن فيصفهم بالمسلمين. لكن الأغلبية وعلى الأقل ذوي الطول منهم هم ورثة هذه الأغلبية التي يرمز الكلام على مسخهم العضوي ليس إلى المسح الحقيقي بل المسخ المجازي أعني نكوصهم من أخلاق الأحرار والبشر وانحطاطهم إلى أخلاق العبيد والحيوان: والرمز يعني دلالة محاكاة ظاهر الإنسان دون حقيقته وليس حقيقة المسخ.
وذلك يصح على المسلمين كذلك وخاصة في وضعهم الحالي أعني وضع من نصف من النخب عامة والنخب السياسية خاصة. فهؤلاء هم من وصفهم ابن خلدون بفقدان معاني الإنسانية سواء كانوا من بني إسرائيل أو من أي أمة فقدت معاني الإنساني بالنكوص إلى العبودية. وأعني بالتدقيق نفس دلالة المسخ المطبق على ارذل أمة عندما تنحط إلى ظاهر الإنسان دون حقيقته. وذلك هو حال النخب التي تتملق الإسرائليين وتخافهم سواء كانوا منا أو من النخب الغربية. فعلة ذلك أنهم فقدوا معاني الإنسانية فصاروا عبيدا يبحثون عن وسيط مفضل لدى من يطلبون العبودية له. وليس أفضل من هذا النوع من بني إسرائيل وسطاء لدى قوة العصر في كل تاريخهم. فهم دائما في خدمة قوة العصر دون أن تكون قوتهم ذاتية: فرعون مصر وشاه فارس وملوك المسلمين والأوروبين والروس وأخيرا الأمريكيين.
ولما كانت النخب عامة عربية كانت أو أجنبية وخاصة نخب السياسة منهم تحتاج إلى هذه الوساطة فعلينا أن نبحث في علل القدرة التوسطية لهذا النوع من الإسرائليين القدرة التي هي سر قوتهم لدى هذا النوع من النخب التي تفضل أيسر السبل لظاهر النجاح بعبادة العجل. وهي في الحقيقة قوة وهمية من اليسير التغلب عليها بالصمود أمامها استنادا إلى ما هي تحريف له أعني القوة الروحية الحقيقية التي نحاول وصفها هنا. والنخب الإسلامية مثلها مثل النخب الغربية الحالية أغلبها عابدة للعجل. ومن ثم فهم عبيد ما يتوهمونه سلطانا سياسيا يوصل إليه بغير أسبابه التي هي إرادة الشعب المتحررة من التزييف الذي يسمى ديموقراطية على النمط الذي يكون محركه الأساسي هو عبادة العجل كما سنرى.
ظاهرة تملق الإسرائليين والخرف منهم
عبادة العجل عبودية أمام العجل واستعباد للطامعين فيه: وهو رمز أداتي التاثير الرمزي الذهب والخوار. وسنشرح رمزية هذين المعنيين ودورهما في التأثير على النخب وخاصة النخب الحاكمة بالفعل(التي تحكم) أو بالقوة (التي تعارض). ذلك هو السر. فإذا تعامل الإنسان مع الإنسان بوصفه فاقدا لمعاني الإنسانية كما وصفها ابن خلدون. وقد قدم ابن خلدون مثال الإسرائليين بالذات على هذا الفقدان إذ يقول ليحدد هذه الخاصية التي رمز إليها القرآن الكريم بالمسخ واعتبرها ابن خلدون وقوعا أسفل سافلين: "وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالخرج ومعناه في الاصطلاح المشهور التخابث والكيد وسببه ما قلنا" ختما بمثال لما حدد به صفات فاقد معاني الإنسانية وتعليله لهذا الفقدان: "من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم (أو الشعوب أو النخب):
1-سطا به القهر وضيق على النفس انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل.
2-وجمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه
3-وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت لههذه عادة وخلقا
4-وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي االحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك
5-بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين.
وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف واعتبره في من يملك أمره عليه. ولا تكون الملكة الكافية رفيقه به. تجد ذلك فيهم استقراء. . (المقدمة دار الكتاب اللبناني بيروت 1967 ط.3 الباب السادس ص.1042-43). وبذلك فالأمر ليس خاصية عرقية أو فطرة بل هو من نتائج العبودية التي تفقد الإنسان معاني الإنسانية فتحوله إلى ذئب وثعلب.
دلالة الذهب والخوار
ولنعد الآن إلى دلالة العجل وصفتي الذهب والخوار. فكلاهما رامز إلى كلتأ أداتي التأثير الذي يجعل النخب تخطب ود النخب الإسرائيلية المسيطرة على هاتين الأداتين:
فأما الذهب فيرمز إلى رمز الفعل أو العملة التي تمكن من السلطة المادية لأنها الحاملة للقيم المادية الكلية التي تقبل المبادلة مع أي بضاعة أو خدمة ومن ثم فهي أداة الحرية المطلقة في الفعل المؤثر لأنها تحرر من الحاجة إلى المقايضة بضاعة ببضاعة أو خدمة بخدمة لأنها الكلي من البضائع والخدمات متعين في رمزها أي العملة.
وأما الخوار فيرمز إلى فعل الرمز أي الإعلام الذي لا يريد التبليغ والتفهيم بل التمكين مالسلطة رمزية هدفها الدعاية المذهلة الصادرة عن العجل الذهبي وغير الدالة على غير عبادته لتكون سلطانا على الوعي بالتشويش الذي بجعل الإنسان نهبة للشائعات والكذب وتزييف الوعي.
وطبعا فالإنسان العابد للعجل يريد أن يصل إليه للتأثير المادي ولخواره للتأثير الرمزي وهما الأداتان الأساسيتان لسلطان نخب بني إسرائيل في العالم الغربي ولم يبق صادا لهم إلا الوعي الشعبي الإسلامي بعد أن احتلوا الوعي النخبوي العربي والإسلامي وفرضوا أنظمة الفساد والاستبداد بمساعدة أصحابها الذين يقبلون الاستخدام ولا يستطيعون الحصول على الشرعية الشعبية للوصول إلى حكم مستغن عن هذه الأدوات الشريرة.
وذلك ما كان علينا بيانه .C.Q.F.D.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق