أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.06.13
تمهيد
تحديد الوضعية الاستراتيجية لجماعة من الجماعات قد يبدو وكأنه يعني بيان حرب الكل عليها. لكن حقيقته هي التذكير بمبدأ استراتيجي ملازم لتاريخ البشرية الذي يغلب عليه قانون التاريخ الطبيعي أكثر من قانون التاريخ الخلقي: فعلة الطابع الدموي للتاريخ العالمي بين الجماعات ترد إلى أن كل واحدة منها تطمع في ما لدى غيرها من ثروات وتحاول مد يدها لأخذها ما لم تجد الرادع.
وهذا المبدأ يجعل الشعوب ترتب المحيطين بها بمعيار درجات العداوة بالقوة التي هي الترتيب المقابل محددا لدرجات الصداقة بالقوة.
والجمع بين هذين المفهومين يبين أن الصداقات ليست نفيا للعداوات بل هي ترتيبها العكسي نزولا من الأكثر عداوة إلى الأقل بحسب وضع المصالح المتبادلة الذي هو دائما مؤقت بمؤقتية التحالفات في صراع الغاب الدولي.
وهذه محاولة لتحرير أصحاب القرار إن كان لنا من يمكن أن يوصف بهذا الوصف من العمى الاستراتيجي الذي يؤدي دائما إلى الخيارات الخاسرة.
البحث المفهومي التاريخي في آن
إن منزلة الإسلام في تاريخ الإنسانية وتاريخ الأديان لا يمكن حصرها في منزلة المسلمين الحاليين إذا كان الإسلام كما نعتقد حقا دينا كونيا موجها إلى العالمين: فلسفة التاريخ العالمي وفلسفة الدين الكوني في الإسلام فلسفتان متلازمتان تلازم الدين محدد الغايات والسياسة محددة الأدوات بمقتضى نص القرآن ذاته. لذلك فالإسلام لا يمكن أن يتحدد مصيره بالصراع بين حضارتين (الغربية والإسلامية) مهما كانت أهميتهما بحيث يقتصر دوره على هموم ثلث البشرية. فالمحللون يتناسون حقيقة ساطعة هي أن الغرب والإسلام مجموعين لا يمثلان إلا ثلث البشرية. وإذا قصرنا النظر على هذا الثلث فقد يعم طوفان الثلثين الآخرين قد يستتبع هاتين الحضارتين المتصارعتين منذ القرون الوسطى . أفيكون العالم خاليا من غير هؤلاء أم إن ثلثي البشرية هباء وليس لهم دور في تحديد دور الدين الخاتم؟
لماذا يهملون العامل الجوهري الذي يمكن أن يفهمنا ما يجري لأنه يعلل لم أن مصير الإسلام شهادة على العالمين لا يمكن أن يتحدد في صراع يستثنى منه ثلثا البشرية فيكون مصيره مقصورا على علاقته بالغرب؟ لذلك كانت بؤر الصدام التي يعد المسلمون أحد أطرافها كونية وغير مقصورة على العلاقة بالغرب حتى وإن كان السائد على ركح التاريخ الساخن هو كذلك. فالبؤر عشر وفيها تنبض المقاومات العشر التي تبين أن مصير الإسلام لا يمكن أن يقتصر تحديده على العلاقة بين الإسلام والغرب:
1- الخمس الأولى مقاومات عربية إسلامية قلبها فلسطين وجناحاها الشماليان لبنان والعراق وجناحاها الجنوبيان الصومال والسودان. وللقلب معنى مضاعف فهو رمزيا فلسطين لكنه ماديا العراق. والأول صدام مباشر مع إسرائيل وصدام غير مباشرة مع أمريكا. والثاني العكس.
2- والخمس الثانية إسلامية غير عربية قلبها كشمير وجناحاها الجنوبيان فطاني وجنوب الفليبين وجناحاها الشماليان افغانستان والشيشان. وللقلب هنا كذلك معنى مضاعف. فهو رمزيا كشمير لكنه ماديا أفغانستان. والأول صدام مباشر مع الهند وصدام غير مباشر مع أمريكا والثاني العكس.
وبذلك يتبين دور أمريكا في الحالتين وضرورة الحلف الخفي بين الهند وإسرائيل رغم تغافل الإستراتيجيين الذين ما يزالون يحيون على ذكريات الحرب الباردة ومعانقات زعماء عدم الانحياز. لكن فهم هذه الحقائق يبين لنا كونية الصراع من حول الإسلام بعد تكون السوار المربع المتربص بالمسلمين كماشة خانقة: أوروبا المتحدة وروسيا غربا والهند والصين شرقا. فلا يمكن أن تحسم معركة فطاني والفيليبين من دون ربطها بعلاقة جنوب شرقي آسيا بعلاقة الصين والهند بأمريكا. ولا يمكن أن تحسم معركة الشيشان وأفغانستان من دون ربطها بعلاقة قلب آسيا بعلاقة الهند وروسيا بأمريكا. ولا يمكن أن تحسم معركة الصومال والسودان من دون ربطها بعلاقة قلب إفريقيا بعلاقة أوروبا والصين بأمريكا.
وبذلك تكتمل الدائرة فيتبين أن أمريكا هي العامل الثابت في الحرب على المسلمين لكونها القوة الأعظم المنفردة وأن كل القوى المرشحة لأن تصبح قوى عظمى لها بها صلة في الحرب على دار الإسلام المقاوم في البؤر العشر التي وصفنا. وبذلك يدخل ثلثا البشرية الآخرين لأن ما بقي بعد ما ذكرنا هو من توابع هذه القوى الخمس: أمريكا والصين والهند وروسيا وأوروبا المتحدة وذلك ما كان علينا بيانه C.Q.F.D.. أما إسرائيل فهي الفيروس المتطفل الذي يمتص دماء كل هؤلاء بما له من خبرة تجعله يستخدم الكبار بإيهامهم أنه يخدمهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق