Hot

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

"الطمع بوفاضح"


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.12.31

هذه الحكمة الشعبية كانت الوالدة رحمها الله ترددها دائما لتعلمنا قيمة التحرر من الطمع. عنونت بها هذه المحاولة التي تواصل ما جاء في محاولة الأمس. فليس لما أكتبه دافع حزبي. فأنا لا انتمي إلى أي حزب. وطبعا فعندي مفاضلة بين الأحزاب بسبب الانتماء الحضاري والقيمي وتحديد القوة السياسية الأكثر فاعلية في الحفاظ على المصلحة العليا للأمة وليس فقط للقطر. وإذن فالتحزب والتشيع لقوة سياسية معينة بسبب إيديولوجي ليس مما له تأثير على مواقفي .
ما يدفعني للكتابة حول ما أسميه بالسلوك الانتحاري الممكن للمؤمنين بقيم الثورة سواء كانوا من الإسلام السياسي أو ممن لا ينتسبون إليه هو اعتقادي بأن خيارات الشعب الأساسية خياراته الجامعة بين أصالته وتوقه للحداثة لا يمثلها إلا علماني غير معاد لذاته وأصيل غير معاد للحداثة. وهذا الموقف هو ما يمكن أن يصبح موقف الأغلبية التي قد تحقق المصالحة الحضارية فتمكن من التنافس السياسي السوي. وهذا هو المطلوب بعد الثورة حتى تلج الأمة عصرها بمنطقه وبشروط النجاح الأقل كلفة.
كتبت أمس حول ظاهرة التطابق شبه المطلق بين نهاية عهد بورقيبة وبداية عهد السبسي : السن والمرض والتنازع على الخلافة بين المحيطين بهما ما ييسر الشقاق والنفاق وانفراط العقد. ثم أضفت خاصيتين أخريين تجعلان الوضعية الحالية أكثر هشاشة من الوضعية التي انتهي فيها عهد بورقيبة بانقلاب طبي وما تلاه من نظام بوليسي مافياوي : 
1-فوضى الثورة التي هي ظاهرة مفهومة ومن نتائجها أن الشعب مستعد إلى مقايضة أمنه واستقراره بالتنازل عن جل من مطالبها.
2-ثم ظاهرة التخويف من الإرهاب علنا ومن الإسلاميين خفية لأن الصراع ينزل ضمن الصدام الحضاري وليس التنافس السياسي.
فابن على استعمل الخاصية الثانية للوصول إلى الوزارة الأولى ثم حكم بحربه على الإسلاميين طيلة عشرين سنة أي مباشرة بعد انتخابات 89 إلى الثورة.
واليوم يوجد من حول السبسي من يمكن أن يضيف إليها الخاصية الأولى لتكون مناخا مشجعا على نفس السيناريو خاصة والوضع الإقليمي والدولي يشجع على ما يجانسه.
لكن الفرق الأساسي في منطلق ابن علي هو أنه ضخم الظاهرة ومعاداتها لنظام بورقيبية حتى يجعل من نفسه المنقذ. وقد نجح في ذلك بسبب تشتت صف النخبة السياسية البورقيبية التي كانت تتنازع على الخلافة : وما بقي منها اليوم أغلبه من سن السبسي وهم أذن إلى انقراض.
أما اليوم فتضخيم الظاهرة الإسلامية هو المناخ السائد محليا وإقليميا ودوليا. لكن الاستعمال في تونس سيكون من نوع جديد لأن تونس لا تتحمل الصدام الحامي بسبب وضعها الاقتصادي ولأن السبسي يعلم أن الصدام مكلف وأن النجاح شبه مستحيل لأن ما فشل فيه بورقيبة وابن علي لن يستطيعه هو: لذلك فهو قد خاط "كسوة خروتشاف" وأقنع قادة حزبه من الشقين التجمعيين اليساري والابن علوي (لا البورقيبي لأنه لم يعد لهذا النوع وجود بعد القضاء عليهم في عهد ابن علي) بالكلام على المهادنة والمصالحة بعد موافقتهم على استراتيجية بعيدة الغور ستستفيد من مخرجات تهريج المرزوقي وجماعته: أعني تفكيك الحركة الإسلامية بجعلها تنتحر سياسيا من خلال طمع بعض قاداتها في المشاركة في الحكم ومن ثم عزلها نهائيا عن القاعدة الشبابية: فصل القاعدة (التي هي معارضة بالطبع) عن القيادة (التي تبدو طماعة بالطبع) ومن ثم قتل الحركة في أجل منظور.
فمشاركة النهضة في الحكم تعني بالضرورة التخلي عن السعي لاسترداد قاعدتها الشبابية التي عملت على تجنيد المصوتين للمرزوقي. والمرزوقي لن يستطيع جمعها لما يعرف عنه مزاجية تجعله شتاتا وغير جماع بدليل تفتت حزيبه إلى خمسة كسور فضلا عن كونه تحريكه كان بخلق الفتن وليس بتوحيد الصفوف. وذلك يعني أن القاعدة ستبحث عن تصنيف سياسي جديد لن يفيد منه المرزوقي بل المعارضة التي ستحتل موقع النهضة إذا هي شاركت في الحكم .
وهذه المعارضة التي ستصبح قائدة للقاعدة العريضة التي خرجت من النهضة تنتظر الفرصة للانتخابات القادمة التي لن يطول انتظارها حتى لو أتم السبسي سنواته الخمس : عندئذ سيتحالف حزب السبسي الذي يكون بيد ثعالبه الشباب (لأن النخبة البورقيبية تكون قد انقرضت) مع المعارضة التي تكون قد افتكت القاعدة من النهضة وتكون النهضة بذلك قد انتحرت سياسيا.
ليس هذا مجرد سيناريو متخيل : لا يمكن للنهضة أن تسترد قاعدتها إلا بالمعارضة وليس من الضروري ان تكون هذه المعارضة سلبية. لأن المهم بالنسبة إلى الشباب هو مقاومة النظام القديم الذي عاد ببداية هي عين نهاية النظام الأقدم. ولما كان النظام الحالي مهما حسنت نواياه لا يستطيع أن يعالج كل القضايا وأن يرضي الأغلبية فإن هذه ستكون أقرب إلى المعارضة منها إلى الحكم خاصة إذا كانت الإجراءات المنتظرة أليمة لأنها ستخضع لمنطق البنك الدولي والأوصياء الذين يقربون من منطق الكوميسيون المالي الشهير.
ذلك هو تحليلي وأملي ألا تعود حليمة لعادتها القديمة فيتصور الجميع أن الحكم شبيه بليلة الدخلة : هذا مرض بدوي في حب السلطان ولو على الخراب. الفخ المنصوب للإسلاميين في تونس ليس له مثيل : باسم حكومة وحدة وطنية كاريكاتورية يقحمك في ما يحول دونك واسترداد قاعدتك التي فقدتها بسبب "تكتيتك" قصير النظر من خلال بيعك الأوهام وتحميلك معه مسؤولية ما لن يحاسب عليه إلا أنت لأنك كان من المفروض أن تبقى حيث أراد لك الشعب أن تكون : معارض بل أقوى معارض. أما إذا تركت هذا الموقع الممتاز لليسار فأنت قد قررت الانتحار بسبب الطمع. وكانت والدتي رحمها الله تقول لنا دائما : « الطمع بو فاضح": إنها الحكمة الشعبية التي لا يريد البعض سماعها إلى بعد فوات الفوت. وقد جربوا ما سبق أن حذرتهم منه. لكنهم في قرارة أنفسهم لا يؤمنون بالفكر ولا بالتحليل العقلي: القيادة ليست تسيير أعمال يوما بيوم بل هي استرايتيجية أساسها آية الردع 60 من الأنفال التي هي صحيحة ليس في الحرب وحدها بل وكذلك في السياسية لأن السياسةحرب باردة مثلما أن الحرب سياسة حارة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق