أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.05.24
1-نحن في لحظة الاستئناف بفضل تلاق تاريخي عجيب بين المسعى التحرري (الثورة) والمسعى التحريري (العاصفة) وخلافة البداية (العربية) وخلافة الغاية (العثمانية) فكيف نتجنب العودة لمنطق المربع الأول وما حوله بعد نشأة دولة الإسلام في المدينة ي مراحل ابعاد العرب من قيادة الأمة الإسلامية بالتدريج إلا أن عادوا إلى البداوة ؟
2-فالمربع الأول هو مراكز الخلافة الأربعة: بلد الحرمين والشام والعراق وبلد العثمانيين. وما حول هذا المربع كان ولا يزال منافسا سلبا من الحكام وإيجابا من الشعوب: فارس ومصر.
3-لم أذكر قطبين آخرين لأنهما مثلا الهامش في معركة الخلافة: المغرب الإسلامي بما فيه الأندلس وافريقيا السوداء والشرق الأقصى وآسيا من الهند فصاعدا إلى أندونيسيا.
4-فهذان القطبان أديا دورا مهما في حضارة الإسلام لكن دورهما في توحيده بمظلة خلافة تشمله. وما حصل كان محاولة الباطنية الهدامة لا البناءة.
5-واليوم تبدو معركة الاستئناف قد عادت بنا إلى المربع الأول: بلد الحرمين وتركيا إيجابا والشام والعراق سلبا. ومن حولهما فارس ومصر ولهما نفس الطموح الذاتي رغم التبعية لمحركهما عدو الجميع.
6-ما أحاول تحليله هو كيف ستجري المعركة وكيف يمكن للعرب هذه المرة أن يستعيدوا دورهم في قيادة الأمة وألا يفرطوا فيه خاصة ولهم الآن شروطه المادية والروحية الموجبة وكذلك الدوافع وأهمها أن وجودهم مهدد ومستقبلهم في عين العاصفة.
7-والدليل على أن ما كان ينقصهم في المرة الأولى أصبح موجودا هذه المرة دليل مضاعف:يمكن بيانه ويمكن استنباطه من تركيز الأعداء عليهم بسببه: فالأعداء على دراية بما يمكن أن يحصل لو اتحد العرب وقادوا الامة.
8-كان للعرب من مقومات بناء دولة الإسلام الرسالة بلسانها والقوة الحيوية التي مكنت من التأسيس الفاتح لتحرير ما كان تحت امبراطوريتي العصر. وذلك ما نسميه اليوم الوطن العربي قاعدة الإسلام وقاطرة استئنافته الأساسيه.
9-بعبارة وجيزة القوة العربية المادية-لا الروحية-استنفذت خلال تحقيق ما تحقق في الدولة الأموية الشرقية: قرن وخمس من تاريخ الإسلام الأول.
10-لكن خلال هذه المدة لم تستسلم فارس. فكان لها دور في الصراع على الخلافة. بدايته الفعلية كانت باغتيال عمر (فارس) وعثمان (مصر). وبينهما فرق من حيث الدوافع.
11-فاغتيال الفاروق كان واضح الدافع الفارسي بالمعنى الساساني. واغتيال صاحب النورين دافعه ليس مصريا بالمعنى الفرعوني: الفرعونية زالت قبل الإسلام بكثير. لكن السيسية لها ثأر مع الإسلام بقيادة غلاة الأقباط والعلمانيين والليبراليين وسلفية المخابرات.
12-لذلك فدور مصر أصبح بعد الفعلة الشنيعة (اغتيال عثمان) كان في الجملة إيجابيا (الحرب ضد الصليبيين والمغول) في حين أن دور فارس ظل عدائيا إلى أن أسهم في الإطاحة بالخلافة العربية وتأسيس دولة مزيجة ظاهرها عربي وباطنها فارسي. ولولا السلاجقة لانتهت السنة.
13-والدولة العباسية رغم محاولات السفاح والرشيد فشلت في المحافظة على القيادة العربية بل تم التخلص المتدرج من مبدأ قرشية الخليفة بفتاوى أساسها ربطه بقوة العصبية ليزول بزوالها (إمام الحرمين).
14-ومنذئذ بدأ الصراع بين قوميتين مسلمتين واحدة ليس لها ثأر مع العرب ولا تعادي الإسلام والثانية تريد أن تثأر منهم بتخريب الإسلام من الداخل: الترك والفرس. والرمز أبناء الرشيد الثلاثة.
15-رغم محاولة الرشيد تم القضاء السريع على الأمين (أم عربية) واستمر حكم المأمون (أم فارسية) إلى أن جاء المعتصم (أم تركية) فبدأ التغيير. لذلك فالخلافة بعد زوال سلطان العرب انتقلت إلى شعب بكر مثلهم يستمد دوره التاريخي الكوني من نسبه الإسلامي وليس له خصومة مع العرب (لولا خيانة بعضهم للخلافة في الحرب العالمية الأولى).
16-لذلك فدور العثمانيين كان غاية مراحل الخلافة إلى حد الربع الأول من القرن الماضي. وهم اليوم الحليف الوحيد لسنة العرب ضد إيران ومليشياتها وحتى ضد إسرائيل ومليشياتها رغم تركة الماضي الأتاتركي.
17-لكن بعض الأغبياء يريدون-بمنطق أسسته الفاشية القومية وبقايا الصليبية والباطنية والعلمانية والليبرالية-يروجون لمفهوم العثمانيين الجدد بهدف تخويف العرب من المصالحة وإلهائهم عن العدو الحقيقي.
18-هذا المفهوم الذي استعملته المليشيات الخمسة لتخريب الخلافة والإطاحة بها لا يفعلون ذلك حبا في العرب بل حربا على الإسلام ومنعا لاستئناف دوره طيلة ما يقرب من قرن.
19-نعود الآن إلى المربع الذي ينبغي ألا يتكرر ليتحقق الاستئناف: الانتقال من بلد الحرمين إلى الشام (بسبب الفتنة) إلى العراق (بسبب مواصلتها) إلى تركيا التي تداركت الأمر للئلا تندثر الأمة (قاومت حروب الاسترداد وقاومت إلى بداية القرن العشرين) والمنافسين الفارسي والمصري.
20-إذا فمن أضلاع المربع لم يبق إلا اثنان لهما وزن: بلد الحرمين وبلد العثمانيين. وإثنان لم يبق لهما وزن: العراق وسوريا. واشتد تآمرالمنافسين كما يتبين من دورهما في أرضهما وبواسطة مليشياتهما لدى الفاقدين للوزن.
21-أو فلنقل إن المنافسين أصبحا أداتين للعدو الأصلي وشرطيه في المنطقة: الغرب وإسرائيل. فارس الخمينية ومصر السيسية يخربان شروط الاستئناف متصورين أنهم يحيون ماضيا تجاوزه الإسلام وحررهم مما يريدون العودة إليه لذلك هم يحاربونه.
22-قبل المواصلة فلأشر إلى أن بلداء نخب التأصيل ونخب التحديث ليس لهم البصيرة التي تمكن من فهم هذه العلاقة بين فلسفة التاريخ وفلسفة الدين لأنها علاقة بعيدة الغور ولم يحددها إلا الرسالة الخاتمة وحدد شروط تحقيقها : الجمع بين الاجتهاد النظري والجهاد العملي.
23-بلداء نخب التأصيل: الإيمان يلغي التعليل لذلك فهم لا يفهمون علاقة التاريخ بالدين. بلداء نخب التحديث: التعليل مادي فحسب لذلك مثلهم لا يفهمون هذه العلاقة. والإسلام يدرج المادي في ما يتجاوزه لتحديد العلاقة بين التاريخ والدين: إنها معركة إرث الأرض التي تحكمها سنة الاستبدال.
24-وهذا المعنى هو وسط معاني الخلافة الثلاثة: 1-معنى شامل لكل البشر : الاستخلاف الوجودي.2-معنى خاص بالجماعات البشرية ذات الأهلية: الاستخلاف التاريخي.3-ومعنى خاص بالأفراد الذين لهم صفات حكم المستخلفين بالمعنيين السابقين : الاستخلاف السياسي.
25-وهذا المعنى الأوسط-المستخلفين بحق لتحقيق شروط الأهلية-هو مدار التاريخ ويعبر عنه القرآن بالاستبدال الموجب تعويضا للفاسد بالصالح (لذلك يأتي في القرآن في صيغة تهديد لتجنب الفساد). وهو إذن سر العلاقة بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ.
26-منطق الاستبدال أو تحقيق شروط الأهلية للاستخلاف ذلك هو ملتقى فلسفة التاريخ وفلسفة الدين وهو ما فهمُه والعمل بقوانينه يسمى استراتيجيا العمل على تجنب انتقال الأهلية للغير ويعبر عنه في الأمة مفهوم التجديد على رأس كل قرن.
27-وهذا هو الفن الذي نريد إفهامه للشباب حتى يحقق شروط الأهلية للاستخلاف التاريخي فيستأنف دور الأمة الإسلامية بقيادة عربية تحققت لها شروط القيادة ويكون الاستبدال ضمن نفس الأمة بفضل استراتيجيا الإصلاح.
28-فما هي هذه الشروط؟ هي مقومات الكيان القابل لأن يكون دولة قادرة على الحماية والرعاية الذاتية لتكون حاملة لرسالة كونية: الأحياز الخمسة.
29-أطلب من كل شباب الأمة بجنسيه أن يضع نصب عينيه خارطة الوطن العربي:لا توجد في قلب العالم المتحضر من له ما لأمتهم من عظمة الأحياز الـخمسة.
30-أول الأحياز هو مقومها الموحد لها:إنه الوحدة الثقافية لأغلبية شعبها ذات الحصانة الروحية الواحدة وأداة التواصل الواحدة والمصير الواحد.
31-والحيز الثاني الذي يثبت هذه الوحدة هو مكان امتدادها. فمكان هذه الأمة القاطرة للأمة الإسلامية اكبر أمكنة شعوب الأمة الآخرين بلا منازع.
32-وفي قلبه رمز الحيز الأول أي رمز حصانتها الروحية أعني الحرمين والمشاعر ذات الصلة بهما وخاصة فلسطين مشرقا والقيروان مغربا وحتى السالبةمن الطوائف التي تدعي الإسلام وتناصبه العداء أو من الدينين السابقين.
33-وأقصد بالمشاعر السالبة ما يراد منافسا لها مما تقدم عليها أو مما تلى عنها: مشاعر الأديان الأخرى ومشاعر الطوائف التي تفرعت عن الإسلام.
34-والحيز الثالث هو الزمان: زمان الثقافة العربية بسيادة لسان القرآن من أطول الأزمة في تاريخ البشرية لجمعه بين مراحل التاريخ الخمسة.
35-فهو زمان يحتوي على: 1-ما قبل القديم 2-والقديم 3-والوسيط 4-والحديث 5-وما بعده. وبين أن الوسيط هو قلب زمانه لأنه يتضمن شرطي البقاء.
36-فتاريخ الوسيط هو نشأة الدولة الإسلامية التي رسالتها تجاوز نقدي للقديم وما قبله بما يؤهلها لبناء الحديث وما بعده:ذلك هو دور الاستئناف أو النشأة الثانية.
37-كيف نتجنب تكرار المربع الأول ؟ هل للعرب شروط القيادة دون حرب على العثمانيين كما فعل أعداء الإسلام منهم بالعودة إلى القومية الوثنية ؟
38-هذا هو بيت القصيد: بداية النشأة الأولى (قيادة عربية للأمة) وغايتها (قيادة عثمانية). فرضيتنا أن الاستئناف أو النشأة الثانية يكون بتكامل صادق بين البداية والغاية.
39-والأمر لا يتعلق بفرضية مجردة بل هي مستقرأة من اللحظة التاريخية: الاستهداف الذي ساد طيلة القرن الماضي توجه إلى بداية النشأة وغايتها.
40-وهو اليوم لا يحارب إلا شروط الاستئناف فيهما: عودة الإسلام إلى تركيا وعودة الوعي إلى السعودية.ومعنى ذلك أن اللقاء اصبح حقيقة موضوعية.
41-فرضيتنا هي ككل فرضية علمية مستوحاة من معطيات موضوعية خمسة:1-سقط جناحان من المربع (العراق وسوريا) 2-وبقي حناجان (السعودية وتركيا).
42-استأنف المنافسان دورهما بقومية وثنية: 3-فارس الخمينية ومصر السيسية للحرب على شروط الاستئناف.وهما في خدمة عدو خارجي 4-إسرائيل والغرب.
43-الأدوات:1-بقايا الباطنية وبقايا الشيوعية (1') و2-بقايا الصليبية وبقايا الليبرالية (2') المظلة=الفاشية القومية حربا البداية والغاية.
44-وضعت 1' و2' لأفيد أن الشيوعية هي أداة الباطنية بل وحقيقتها والليبرالية هي أداة الصليبية بل وحقيتها أي عين أدوات المربع الأول حربا على البداية والغاية.
45-السعودية وتركيا تعانيان اليوم من هذه المليشيات الخمسة بتحريك من العميلين الخمينية والسيسية والمحرك المباشر هو أمريكا وشرطيها إسرائيل.
46-فلنبين الآن كيف أن فلسفة التاريخ وفلسفة الدين تقتضيان هذا اللقاء بمعنى أنه ليس مجرد واقعة تاريخية بل هو واجبة تاريخية. والوجود يكون تاما إذا طابقت الواقعة الواجبة.
47-اللتقاء هو سنة الاستبدال التي تتحقق عندما يتطابق الواقع والواجب: لقاء بداية النشأة بغايتها أساسا للاستئناف واقع مطابق للواجب فكيف ذلك؟
48-العرب والترك شعبان بكران وجودهما التاريخي ذو الدلالة الكونية لم يتقدم على الإسلام بل هي من ثمراته. وكلاهما عاش حديثا ثورة في هذا النسب.
49-إنها ثورة على نفس الظاهرة التوثينية:علمانية أتاترك وخرافية ما قبل الإصلاح التيمي.وكلتاهما عودة الإسلام الفاعل في التاريخ=الاستئناف.
50-ويقابلهما عكسهما: عودة الخمينية إلى أوهام الساسانية وعودة السيسية إلى أوهام الفرعونية. لم هي أوهام؟لأن علاقتهما بفعلة التاريخ مقلوبة إذ هم تابعون لمن كانوا متبوعيهم.
51-فالفرعونية لم تكن تابعة بل متبوعة. والساسانية لم تكن تابعة بل متبوعة. وهما الآن تابعتان لمتبوعهما السابق: إسرائيل والغرب الذي يوظفها لتوظفهم. إنهم غافلون بحق.
52-وطبيعي أن يكون ذلك كذلك:هودة التاريخ الميت لا يمكن حاضر ميت أو دمية يحركها غيرها. إيران ومصر عادتا إلى ما تخلصت منه السعودية وتركيا.
53-فالإصلاح السعودي التيمي تحرير من الخرافة والقبورية (الوثنية الأخروية) وذلك ما عادت إليه إيران. والإصلاح التركي تحرير من التبعية الحضارية للعلمانية (الوثنية الدنيوية) وذلك ما عادت إليه مصر.
54-لا يمكن أن يكون صدفة كل هذا التطابق بين بطلي الاستئناف (الاصلاحان التيمي والتركي) والتعاكس مع كاريكاتوريه (النكوصان الفارسي والمصري)
55-فرضيتنا العلمية يمكن أن نقول إن التاريخ الحاضر يدلل عليها بصورة تكاد تكون رياضية رغم عناد أغبياء التأصيل والتحديث للقاء فلسفتي التاريخ والدين في مفهوم الاستبدال عند تحقق شروط الاستخلاف التاريخي.
56-ومن أهم نتائج هذه الفرضية أن التقابل بين الفرعين الساعيين للاستئناف (العرب والاتراك) والفرعين العائدين إلى الميت من تاريخهما لا يسوي بينهما بل يصف المعركة ليبين اتجاه التاريخ: الأولان سينقذان شعوب الثانيين.
57-فنكوص الخمينية هو ما ينبغي تحرير أهل فارس منه: فالشعوب الإيرانية من أهم مقومات حضارة الإسلام قبل أن يشيع فرسها بقايا الباطنية من الجبل (فضلات الدولة الفاطمية).
58-ونكوص السيسية هو ما ينبغي تحرير أهل الكنانة منه: فأهل الكنانة من أهم مقومات حضارة الإسلام قبل أن يصهين نخبها العسكر الذي لا دين له ولا ملة.
59-وإذن فلقاء الشعبين البكرين أي شعب بداية النشأة الأولى (العرب) وشعب نهايتها (الأتراك) هو شرط الاستئناف المحرر من الانحطاط الذاتي (بقايا الأعداء الداخليين) والانحطاط المستورد (بقايا الأعداء الخارجيين).
60-فيكون الاستئناف حينئذ صلحا تاما بين شعوب الأمة الإسلامية كلهم وتحريرا لهم من النكوصين حتى تعود الرسالة إلى صفائها فنكون بها شاهدين على العالمين.
61-فإذا تم الصلح عادت كل الشعوب الإسلامية لتعمل معا من أجل الاستئناف الشامل الذي يعيد إلى العالم توازنه بعد أن أصبح العالم محكوما بقانون التاريخ الطبيعي: لكأن البشر حيوانات تتصارع ويحكمها نزوات نصف سبع سكان المعمورة (اصحاب الفيتو من الغرب: أمريكا وروسيا وفرنسا وأنجلترا تقريبا نصف مليار نفس).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق