Hot

الأربعاء، 27 مايو 2015

أوهام إيران ومليشياتها العربية


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.05.26

1-أدمنت إيران ومليشياتها العربية على تضخيم قوتها مستعملين القلم والسيف لحد جعل الإيرانيين أنفسهم يصدقون الوهم الذي يسيطر عليهم إلى حد أفقدهم الرشد فباتوا يتظاهرون بما قد يؤيد كذبهم على أنفسهم ويتكلمون حتى على غزو الفضاء بدولة بدائية دون كوريا الشمالية قدرات.
2-وما يحيرني ليس هذا فحسب-لأن ذلك يمكن أن يكون بداية الانفجار لمن ينتفخ بهواء القوة الكاذبة-بل التخويف الذي يردده يوميا خبراء مزيفون.
3-والحجة الغالبة على تحليلات المخوفين الذين ينفخون في قوة إيران الوهمية هي: إذا كانت إيران المقيدة حاليا قد نجحت في كل ما نراه-وهو لا يتعدة خوف الأنظمة العربية ليس من إيران بل مما يقتضيه التصدي من جهد يخرجهم من الكسل والتواكل على الحامي الخارجي- فكيف بها عندما يفك قيدها وتسترد منزلتها؟
4-وقد حاولت أن أحذر البعض من هؤلاء المحللين المزيفين بحجتين فأصموا آذانهم على سماعها وسأزيد عليهما حجتين أخريين. ولنبدأ بذكر الحجتين.
5-وأولاهما موضوعية: ما الذي ستسترده إيران من موارد مفقودة لديها الآن؟ هل يمكن أن يتجاوز نصف موارد السعودية في وقت منظور؟ قارن عدد النفوس في البلدين.
6-سكان إيران أربع اضعاف سكان السعودية التي مواردها ضعف مواردها: ذن لن يتغير شيء حتى لو تضاعفت الموارد لأنها تبقى نسبة واحد إلى ثمانية.
7-والحجة الثانية هي العودة إلى الساح الدولي: الا ينتج عنه الاضطرار إلى أخطر شيء على النظام القروسطي الذي لم يصمد إلا بحيلة الخطر الخارجي الدائم. لكن التعايش يلغي الحجة فيقع لنظام إيران ما وقع النظام السوفياتي: التحلل الذاتي بزوال الممسك الخارجي.
8-إذا جمعنا الحجتين تكون النتيجة: فتح الغرب بعض المردود على ايران ليغرقها في الخضوع لمطالب شعبها فينهار النظام سلما أو حربا كالسوفيات.
9-بعد حجتي خطة الغرب-الانتقال من الصدام الحامي للنظام بحجة الخطر الأجنبي إلى الإغراء بالنموذج الليبرالي-ولنأت إلى حجتين أخطر: نتائج خطة إيران على إيران بمفعول الارتداد.
10-فبعد الانفتاح المنتظر سيرتد وجها خطة ايران عليها بأوخم النتائج: فهي قد بنت تمددها على توظيف الطائفية المذهبية خاصة ومآزق المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية التي عانت من عنتريات القوميين ثم أصبحت ورقة التغلغل الإيراني لتفاوض الغرب بتخويفه على إسرائيل.
11-والمعلوم أن من شروط اتفاق الغرب مع إيران التوقف عن استعمال دعاية الحرب على إسرائيل ما يفقدها المغفلين من مليشياتها إن كانوا صادقين.
12-لكن الأخطر هو سلاح الطائفية: ستكتوي إيران بما أشعلت من حرائق طائفية ليست مذهبية فحسب وكذلك عرقية وحتى بـالتحالف م عبقايا الباطنية (حزب الله والعلوية وبعض الدروز) وبعض مسيحيي المشرق وعلمانيي العرب وليبرالييهم.
13-مجموع العاملين الناتجين عن خطة إيران والعاملين الناتجين عن خطة الغرب ينتج العامل الأساسي الذي سيفرض على النظام الانطواء قبل الانفجار الذي لا اشك لحظة في كونه النتيجة الحتمية لخطتين كما أبين.
14-ومرحلة الانطواء قد تطول كما حصل مع السوفيات ذلك أن انفجار النظام الإيراني ككل حمم بركاني لن يقتصر ضرره على إيران وحدها بل سيولد فوضى.
15-لكن المآل السوفياتي لن يتأخر: وبذلك فكل جب حفره النظام الإيراني سيقع فيه حتى لو كنت أتوقع أن الغرب يريده مساعدا للشرطي الإسرائيلي.
16-لكن دور الشاه مستحيل بسبب التغير الكيفي الذي أحدثته ثورة الربيع العربي: فستعود القوة السياسية الإيرانية التقدمية إلى دور يخشاه الغرب لأنه سيوحد المنطقة على شرطيها ويصبح الشباب الإيراني اقرب إلى مثل الشباب العربي منه إلى مطالب الشاه.
17-عرضت الحجج وهي نوعان:فيزياء السياسة اي مقومها المادي والمعنوي (الحجتان الأوليان) وتاريخ الأنظمة (الحجتان الثانيتان) لإفحام الدجالين.
18-لكن يحق لخبراء "عقاب الزمان" أن يردوا بما يناظرها بالنسبة إلى العرب من حول إيران: فالقضية ليست إيران بمعزل عن موقعها ومحيطها في المنطقة بل هي المناخ العام في المنطقة.
19-ولهم في ذلك بعض الحق حتى وإن لم يدركوا تعاكس وضع الأنظمة العربي والإيراني: فوضع العرب بما فيه من خلل هو الذي يربي قوة إيران. ذلك أن القوى تقاسب باضافة إلى ما ينافسها مما هو من جنسها.
20-ودون أن أنكر خلل العرب وأنظمتهم فإني اشير إلى غياب الحجج الأربع التي ذكرت بخصوص إيران غيابا لا يفيد الاستغناء بل بالعكس.فأولا الانظمة العربية التي تدعي المقاومة وخادعت الشعب لنصف قرن انهارت من مدة.
21-وثانيا لا يوجد ما هو أكثر انفتاحا على الغرب من أنظمة العرب تبعية في كل شيء ولا حاجة لمفعون الجاذبية لأنه حاصل بمطلق الحرية للحكم والنخبة.
22-وإذن فالحجتان الأوليان منعدمتان: الأنظمة العربية لا تبقي على نفسها بديماغوجيا معاداة الغرب فتنهار بزوالها بل إن بقاء أغلبها مستمد من حماية أو رعاية غربية.
23-فمن كان يتصور نفسه "غنيا" يحتمي بقوة غربية ومن يتصور نفسه فقثرا يسترعي قوة لأن الأول يخاف طمع الثاني فيحتمي بالغربي والثاني يئس من عطف الأول فيتسول لدى الغربي. وفي الغاية كلاهما متسول للحماية أو للرعاية أو لهما معا.
24-والحجتان الأخريان منعدمتان أصلا. فلا تمدد عربي حتى في أوطانهم لا بالطائفية ولا ببروباجندا معاداة اسرائيل منذ المشروع العربي المسمي خيار السلم الاستراتيجي وخاصة الآن.
25-هل معنى ذلك أن العرب أقوياء بضعفهم؟هذا الظاهر.الحقيقة هي أن الضعف وتهور إيران وتغول إسرائيل وخذلان الأنظمة العربية أنتجت يقظة الشعب.
26-قوة العرب الحالية هي الفجر البازع: ثورة على الانحطاطين الذاتي والمستورد لإزالة الاستبداد والفساد في الداخل وثورة على التبعية للتحرر.
27-التقت ثورة الحرية والكرامة في الداخل بعلل فقدانهما البعيدة والناتجة عن التبعية للخارج فكانت الثورة والتغيير الناتج عن الوعي بالمنزلة.
28-فالوعي بالخطر المحدق بالمنزلة العربية المادية والروحية حرك العمل لحماية الثورة في اليمن وسوريا والنجاح فيهما سيشمل الوطن العربي كله.
29-ومعنى ذلك أن الثورتين ستلتقيان في الميدان المحدد لمفهوم السياسة: البناء والمقاومة في سنة العرب التي هي الأغلبية المطلقة في المنطقة.
30-هذه الأغلبية لم تعد مستكينة دولا وشعوبا بل البداية هي صمود الثورة في أقطار الربيع وبداية صمود الأنظمة في أصل النشأة الأولى: العاصفة
31-العاصفة مجرد علامة: قلب سنة العرب أو بلد الحرمين أدركت قيادته الجديدة بحكمة وحزم أن الخطر على وجود نظامها وعلى منزلة دورها بات محدقا فبادرت بضربة قاضية للثورة المضادة التي كادت تقضي على الثورة: معادلة اللحظة تغيرت بفضل رجل باغت أعداء الأمة في الداخل والخارح بعزمه وحزمه.
32-ومعنى ذلك أن المحددات موضوعية وليست مجرد موقف ذاتي من قيادة بلد الحرمين: وليس من شك في أن للموقف الذاتي دورا. لكن الخطر موضوعي والعاصفة شرط بقاء بحق وعدم حصولها كان يعني "هوزنة" الخليج وتفريسه من أضلاعه الأربعة: العراق من فوق واليمن من تحت وإيران من الشرق ومصر السيسي من الغرب).
33-الملك الحكيم سخره ربه ليحقق شرط الشروط: شبب القيادة وأظهر الريادة بأن قام بما لم يكن أحد يتوقعه من أنظمة عرفت بالارتخاء واللامبالاة حتى استبيحت من العرب الدار وعمها العار.
34-فقطع مع علة ما كاد يصبح طبيعة ثانية: هزال الشيخوخة (التشبيب) وعدم الجرأة على الفعل الصارم (العاصفة) فحصل إنقلاب جنيس لشرارة الثورة.
35-وفي الختام:فإن لامتوقع ثورة التأصيل جاء من تونس ولامتوقع جرأة التحرير جاء من السعودية: إن في ذلك لعبرة لمن يريد أن يفهم مكر الله الخير.
36-لماذا قلنا باللامتوقع في حالتي تونس والسعودية؟ تونس عرفت بكونها قد تغربت فإذا هي بداية ثورة الحرية والكرامة واستعادة الإسلام دوره.
37-والسعودية عرفت بشدة الحذر والاقتصار على البقاء في الخلفية العربية تجنبا للمشاكل فإذا بها تصبح صاحبة الجرأة على القيام بحرب استباقية أطاحت بعنتريات الهر الذي يحكم انتفاخا صولة الأسد ما هيج نباح مليشياته.
38-وعندما يحدث اللامتوقع فلكأن القضاء والقدراراد أن يثبت للأمة أن الله حرك التاريخ ليصوب مساره فيعيد للأمة الشاهدة دورها الكوني:مكر الله الـخير.
39-لم يمكن أحد يتوقع أن يصبح الإسلام المستنير الذي يصالح بين قيم القرآن التي لا تبلى وقيم الحداثة الأصيلة المحرك الحقيقي في حاضر العرب.
40-ولم يكن أحد يتوقع أن يبدأ ذلك من بلدين همشا في فوضى تاريخ العرب الحالي منذ شروع الثورات العسكرية المخادعة في إبعاد هذا المحرك الفعلي لفاعلية سنة العرب أي غالبية الأمة.
41-فهذه الأنظمة العسكرية وظفت دعاوى التحديث والاشتراكية والوحدة العربية مع عنتريات محاربة إسرائيل ومقاومة الامبريالية لتغطي على دور المليشيات الخمس في الحرب على محرك الأمة الفعلي.
42-حتى تبين أنها في الحقيقة تستعمل الفتنة الكبرى (أساس الانحطاط الذاتي) والفتنة الصغرى(اساس الانحطاط المستورد) لإصابة الأمة بالشلل لما يناهز القرن.
43-ثورة الحرية والكرامة (بدأت بتونس) وثورة الفعل والشهامة (بدأت بالسعودية) تعبران عن نهاية الفتنتين: اندحار التغريب والتمسيح (بظاهر العلمنة واللبرلة) والتطويف أو التشييع (بظاهر القومنة والمقاومة).
44-واللقاء بين الثورتين أو الجمع بين القيم الأربع-الحرية والكرامة والفعل والشهامة- هو السر الذي يجعلني أخصص حصة يومية للصفحة ومديرها ليكتب ملخص ما يدور من حوار بيننا وأجوبة عن أسئلته.
45-فاللحظة تاريخية جليلة والجهاد فرض عين وهو لا يقتصر على السيف بل يمكن أن يكون بالقلم. وبفضل وسائل التواصل فيمكن أن يكون بليغ الأثر.
47-والغريب أن هذه المليشيات ويمولها سنة العرب. فجل مليشيات القلم (الصحافة و"المثقفون") يغتذون على فتات موائد الخليج الذي يحتقرون أهله. وما أظنهم يجهلون موقفهم منهم في خاصتهم.
46-ما الفائدة من هذا التحليل؟ فائدة مضاعفة:1-طبيعة المحللين: أغلبهم بقصد أو بغير قصد من المليشيات الخمسة.2-إيران ليست قوة والسنة هي القوة.
48-مليشيات القلم: بقايا الباطنية والصليبية (بقايا الانحطاط الأهلي) وبقايا الشيوعية والليبرالية (بقايا الانحطاط المستورد) أغلبها بتمويل خليجي. ولعل السر أنهم الأقدر على منافقة مموليهم ومدحهم في وجوههم رغم السخرية منهم في غيابهم.
49-وحتى مليشيات السيف فهي بصورة غير مباشرة بتمويل خليجي: وأفضل دليل قاطع هو أن حزب الله تحميه دولة لبنان بدبلوماسية وجيش يمولهما الخليج حتى بعد أن افتضح أمر غدره ناهيك عما كان قبل ذلك.
50-والتمويل الأخطر هو أذرع هذه المليشيات الخمسة المندسة في كل وظائف الدول العربية "الثرية"ربما لأن أبناءها يفضلون القعود لاستخدام غيرهم.
51-فكيف يمكن لك أن تقاوم من تسلحه بكل أدوات الحرب عليك المادية والرمزية وخاصة 
بجعل إعلامك يهدم كل خططك لأنه ليس بيدك بل بيد أعدائك؟
52-سيلومني الكثير ممن لا يزالون يتصورون أن الوطن العربي بعد الثورتين ما يزال أقطار 
مفصولة متهمين إياي بالتدخل في الشؤون الداخلية لغير تونس. سيقولون ما دخلك في بلد 
الحرمين إلخ....
53- ولومهم دليل على فقدان البصر فضلا عن البصيرة: ولا يرون أن وحدته تحققت عند الثورة المضادة حتى قبل الثورة: فهي قد تجندت لمحاربة الثورة كوحدة تشمل الوطن كله وتجاوزت القطرية. 
54-لذلك فكم أعجب ممن يتصور أن ما يجري من تجاوز للجغرافيا الاستعمارية في المشرق 
وفي المغرب أمر عرضي وزائل: الدولة العربية القطرية انتهت ومعها الجغرافي الاستعمارية .
55- والنهاية كانت بفضل ثورة الحرية والكرامة بداية وبفضل عاصفة الحزم غاية وحتى
بسبب فوضى بوش وفوضى داعش وكلتاهما لن تهدم إلا ما بناه الاستعمار لا ما بناه تاريخ 
الأمة.
56- والمعلوم أن استئناف ما بناه تاريخ الأمة لن يكون إلا مشروع وحدة يحدد معالمها منطق العصر مثل الوحدة الأوروبية التي هي استئناف لتاريخ أوروبا الرومانية والمسيحية.
57-وأخيرا فالمخابرات الدولية التي تعلم هذه الحقيقة تتعامل مع الوطن العربي بوصفه وحدة وتحاول أن تنزل بالتفتيت دون الجغرافيا الاستعمارية التي تعلم أنها انتهت: لكنها بهذا السلوك الغبي ستسرع الوحدة لأن أدواتها كلها بصدد الاضمحلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق