Hot

الأربعاء، 17 يونيو 2015

المقاومة السلمية لا ينبغي أن تكون منتهكة وعزلاء


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.06.17

1-لن أعلق على أحكام الإعدام في مصر. فقد تقدم عليها تحريق الآلاف. وهي لا تدل على توحش الحكام أكثر من دلالاتها على عموم الفساد في كيان الدولة بكل أجهزتها. لكن التوحش مهما بلغ لن يشفي غليل النخب الذين ولاهم الاستعمار على العرب. وهم يعدوننا بأكثر مما حصل. ومن لم يفعل بعد فهو ينتظر الفرصة: يكفي الاستماع لرأي خبراء الإرهاب في حوارات فضائية "نسمة".
2-ليست وحشية الأنظمة التي تدعي العلمانية والحداثة مقصورة على مصر وحدها. فما يجري في الشام والعراق وليبيا واليمن وما يخططون له في تونس وما سبق في الجزائر كل ذلك يعتبرونه من شروط بقائهم ويعتبره الاستعمار من شروط بقاء نوابه في الحكم لرعاية مصالحه.
3-والمشكل حسب رايي لا يمكن تفسيره بسلوك نواب الاستعمار حكاما ونخبا بل بما عليه الشعوب من استسلام علته ثقافية بالأساس ويمثلها القيادات الدينية وقيادات المقاومات التي لا تتصور السياسة إلا سلمية عزلاء أو دموية هوجاء.
4-فالثورة المضادة تجاوزت القطرية بل صارت إقليمية بقيادة عالمية لمنع استئناف الأمة الإسلامية. وحتى المقاومة باسمها فهم اخترقوها ليفسدوها فيجعلوها كاريكاتوا من شروط استئناف الأمة دورها التاريخي شروطه التي لم يبقوا منها إلا على أسمائها.
5-وما ظلت المقاومة بمنطق "إما... وإما" أي إما العنف الغبي أو السلمية الساذجة فلن يتغير شيء في الداخل أو في الخارج. فلا توجد ثورة من دون استراتيجية سياسية جامعة بين أداتيها أي منطق الحق ومنطق الشوكة.
6-فالحـل الانقسامي "إما حماس... أو فتح" عكسا لما كان سابقا إما "الشقيري أو مراهقات اليسار العربي" من أغبى الحلول وهو دليل على فصام مرضي يصيب الجماعات الفاقدة للاسترايتيجية السياسية المؤثرة:لا بد من استراتيجية تقاوم بدفاع شرعي متحرر من رد الفعل الغاضب وبخطاب سياسي يغني عن أدعية التنويم.
7-فما لم يشعر الإقليم والعالم أن الاستضعاف والاستتباع خارجيا والاستبداد والفساد داخليا أربعتها لم تعد مقبولة عربيا وإسلاميا وذلك هو مدلول "الثورة" و"العاصفة" فتتحد الثورة مثلما اتحدت الثورة المضادة فإن الوضع لن يتغير.
8-ما يلاحظه أي متابع هو أن كل الثورات العربية صارت قطرية وانطوت على نفسها بمعنى أن من ارادهم الشعب لحكمه يسعون إلى الانتقال بأسيرع ما يمكن من منطق الثورة إلى منطق الدولة وهم مستعدون للقبول باللعبة الدولية التي تريد المحافظة على الجغرافيا والتاريخ اللذين فرضهما الاستعمار ووطدهما عملاؤه الذين يحكموننا.
9-والمعلوم أن دولة بالشروط التي كانت عليها قبل الثورة هي بالضرورة دولة تابعة للراعي(الاقتصاد) والحامي (الدفاع) ليس لها أدنى سيادة حتى وإن كان لها علم ونشيد وطني. من اختارهم الشعب بعد الثورة فانتخبهم للحكم انتهوا في الغاية إلى تبني قصة الإرهاب مثل الثورة المضادة وصاروا تابعين لها وراضين بما تتركه لهم من فتات.
10-بكلمة واحدة: الكل يسعى لتكوين دويلة تابعة يحكمها بالشروط التي يفرضها المستعمر مثل امراء الحرب في افغانستان أو في الصومال. ولا يمكن أن أصدق أنهم حريصون على الأمن والمصلحة بل هم طامعون في قسط من الحكم بالشروط المتقدمة على الثورة.
11-ذلك أن الاستعمار ونوابه في الإقليم لو شعروا بأن الثورة تتجذر وتعم كل الإقليم وأنهم سيخسرون كل شيء عندها سيكونون هم المطالبين بالحلل الوسطى التي تحقق أهداف الثورة التي لا تريد القطيعة مع العالم بل التعامل الندي.
12-إني أحمل قيادات الثورة قسطا من المسؤولية ولعله الأكبر: فعدم وضع استراتيجية مقاومة قد يدفع الشباب في لحظة انفجار بدأت تقرب إلى ما يريده السيسي: الحذر غير الحكيم أخطر من الجرأة الحكيمة على الأمن والاستقرار.
13-سياسة السلمية العزلاء هي التي يمكن أن تؤدي إلى الانفجار اللامسيطر عليه: فنار الفوضى التي يريد الاستبداد التخويف بها لا علاج لها إلا تنظيم النار التي ستقضي عليه بمقاومةذات دفاع شرعي عن السلمية.
14-وكل عاقل يعلم أن العرب الذين شجعوا على الانقلاب ومولوه سيكونوا أولى ضحايا المآل المصري إلى المآل السوري لأن الفوضى إذا عرقنت أرض الكنانة وسورنتها وصوملتها فإنها ستعم كل الوطن العربي وخاصة الجزء المطموع فيه-الخليج- من قبل القوتين اللتين تتربصان به: إيران وإسرائيل.
15-لذلك فالحركتان التي بدأت في بلد القيروان والتي بدأت في بلد الحرمين ستحسمان في أرض الكنانة: فإما تدارك الأمر للخروج من مأزقي الاستبداد والفساد طلب الأولى ومن الاستضعاف والاستتباع طلب الثانية وإما فعلى العرب السلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق