Hot

الأحد، 7 يونيو 2015

لماذا الحرب على الإسلام: العلاقة بين الكنسية والعلمانية


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.06.05

الفتنتان الكبرى والصغرى
1-اجترار التأويلات الفصامية لتحولات تاريخ الأمة الكبرى يحول دون شروط الاستئناف السوي والقوي للأمة بما يضفيه من هشاشة على قوتها اللطيفة ومن ثم العنيفة.
2-فلا يكفي أننا نعاني من الفتنة الصغرى (طائفية العلمانية والليبرالية) الناتجة عن الانحطاط المستورد الاستعمار بل عادت الفتنة الكبرى (طائفية الخروج والتشيع) علة الانحطاط الذاتي لتصبحا الهم الرئيس.
تحريف الشرائع العقلية والنقلية
3-وكلتا الفتنتين تدور حول علاقة السياسة بالدين فصاميا في الفتنة الصغرى وإدغاميا في الفتنة الكبرى: والسر في الحالتين كنسية باسم العقل والدنيا وكنسية باسم النقل والآخرة.
4-ومعنى ذلك أن الإسلام الذي ينفي الكنسيتين صعب التصنيف بين هذين الحلين المتنافيين في الظاهر والمتلازمين في الباطن: باطن العلمانية كنسي وباطن الكنسية علماني.
5-وليس في الأمر أدنى أحجية أو تلاعب بالألفاظ: فالتشريع يكون للأقوياء في العلمانية ويكون لرجال الدين في الكنسية. والفرق في الاسماء لا غير.
6-المشرع العلماني لا ينوب الشعب بل هو ينوب ربه الذي يختار ممثليه وهو رب خفي. والمشرع الكنسي لا ينوب رب الشعب بل الشعب الذي يؤمن بالكنسية وهو شعب جلي.
7-لذلك فالعلمانية باطنها كنسي لأنه رب خفي: لا ندري من يحرك اختيار المشرع. والكنسية باطنها علماني لأنه شعب جلي: ندري من يحرك اختيار المشرع.
8-وإذن فالعقدة تكمن في العلاقة بين السياسي والديني وهي المراوحة بين الخفاء والجلاء في مصدر التشريع. وهذا يحتاج إلى تحليل شديد التعقيد وعسير الاعتقاد وسنحاول تبسيطه.
كل العلمانيات كنسية الباطن
9-فلنفرض أن العلمانية ديموقراطية-علما وأن أغلبها بخلاف التوهم ليس ديموقراطيا كما في الأنظمة التي كانت شيوعية أو فاشية-ولنسأل عن آلية تحديد المشرع ما هي؟
10-ونحن نعني بالمشرع من يحكم بصورة عامة فيحدد كل وظائف الحكم أي التشريع والتنفيذ والقضاء وقبل ما يسمى بالسلطات الثلاث وظيفة انتخابها بداية ووظيفة مراقبتها غاية (وهي المستويات الخمسة للحكم الذي يوصف بالديموقراطي).
11-فهل لهذه العناصر الخمسة منطق آخر -إن صدق حقا في الاعتماد على آلياته-غير صدفة الحساب الكمي للأصوات انتخابا بداية ورضا غاية لمن يكلف بهذه الوظائف بهذا المعنى المخمس العام للتشريع المنظم للحياة وضعا للشرائع وتنفيذا وقضاء؟
12-نعم له وهو الرب الخفي: إنه ما سميناه المحرك الخفي. وهو خفي لأنه مجهول لكن آليات فعله جلية: ومثاله الأوضـح ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية والباقي يقاس عليها.
13-فما تنتظم به الحملات الانتخابية بداية والحملات الإعلامية للتحكم في الراي العام غاية ليس معيار الحساب الكمي للأصوات كما في الظاهر بل ما يحركه من ورائه ليجعله معيارا حاسما في الظاهر.
14-وهذا هو الباطن الكنسي للعلمانية في شكلها الديموقراطي وهو من باب أولى باطنها في شكلها الدكتاتوري سواء في النموذج الشيوعي أو في النموذج الفاشي سواء في الدولة الوطنية أو خاصة في حكم العلاقات الدولية.
15-ويمكن القول إن الأنظمة الاشتراكية والفاشية والقومية جمعت بين الجلاء والخفاء لطابعها الكنسي والعلماني في آن: فالـجلاء يبين أن الحزب نظام كنسي والخفاء يبين أن صاحب القرار مجهول.
16-والأنظمة الديموقراطية تستمد قوتها من هذا الخفاء المطلق رغم إيهام الشعوب بأنها هي مصدر السلطة والشرعية: فالحزب الحاكم يبدو خاضعا للاختيار الحر والحزب المعارض يبدو منتظرا فرصته لنفس الاختيار. لكن القرار لا ندري أين يتخذ لأنه خفي وراء الأحزاب التي هي محاضن خيول الخداع في السباق السياسي.
17-البعض يسمي الكنيسة الخفية في الأنظمة الديموقراطية منظومة اللوبيات أو منظومة المافيات. وهي حلف بين مافيات القوة اللطيفة بنوعيها (الفكر والفن) والقوة العنيفة (بنوعيها الأقتصاد والعسكر).
كل الكنائس علمانية الباطن
18-والآن كيف نبين أن الكنسية-السلطة الروحية- تحريف للدين لأن باطنها علماني كما بينا أن العلمانية باطنها كنسي؟ الدليل هنا أيسر من هناك: فرجال الدين أقل الناس إيمانا بالعقائد واستهانة بها في جميع الأديان.
19-وهم أدرى الناس بأنها ليست إلا تبريرا لقراراتهم التي لا علاقة لها حقا بالعقائد بل كما يقول القرآن الكريم في أكثر من موضع (آل عمران المائدة إلخ...) هم يقايضون الدنيا بالآخرة.
20-ومعنى ذلك أن القرار في الكنسية قرار علماني خالص حتى وإن كان باسم الله ومبررا بالعقائد: لذلك اعتبر القرآن الكريم الرهبانية والكهنوتية مؤسسة يغلب عليها الفسق.
21-ولست بهذا أنزه الحضارة الإسلامية من مخالفة القرآن وتحريف الإسلام بـالعودة إلى الكنسية عودة ذات شكلين بينين يجتمعان في شكل ثالث يوجد عند كل المسملين لحاجة الحكام.
22-فالكنسية التي يخالف بها المسلمون نص القرآن الكريم من أصناف ثلاثة: معلنة عند الشيعة (الملالي). غير معلنة عند السنة (علماء السلطان). و جامعة بينهما (التصوف الخادم لسلطان الدنيا وسيطا بسلطان الأخرى).
23-وإذا بقي المسلمون يحتجون بالأقوال إن الإسلام ألغى الكنسية فإنهم بالأفعال أعادوها بالأشكال الثلاثة التي بينت: وأولئك هم "هامانات" الحكم غير الشرعي في بلاد الإسلام.
كيف نتحرر من الفتنتين الكبرى والصغرى؟ 
24-وصلنا الآن إلى بيت القصيد: كيف لم نتحرر من الفتنة الكبرى (بداية الكنسية التي هي علمانية في الباطن) وكيف وقعنا في الفتنة الصغرى (بداية العلمانية التي هي كنسية في الباطن) فلم نتمكن من فهم علاقة الدين بالسياسة قرآنيا؟
25-وسأنطلق من علامات حاسمة لفهم بداية الكنسية: لو أن الرسول الأكرم بعد فتح مكة لم يعد للمدينة وجعل عاصمة الدولة الإسلامية في الحرم لفهمنا الفتنتين.
26-ولو أن الرسول عين حاكم المسلمين قبل الانتقال إلى الرفيق الأعلى أو أوصى بحق إلهي في الحكم لآل البيت كما يدعي التشيع لفهمنا الفتنتين.
27-ولو أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا متآمرين على آل البيت بعد وفاة الرسول لكان خلاف السقيفة حول الوصية لا حول "منا أمير ومنكم أمير".
28-ولو كان الصحابة متواطئين على علي-وهو من هو والإسلام ما يزال شديد الفاعلية في ضمائر المؤمنين-لما فهمنا كيف أمكن لعلي ألا ينتخب في البداية وانتخب لاحقا؟
29-ولو كان علي انتخب بوصفه شيعيا وليس مسلما لا غير للتضايف بين السني والشيعي- فإننا ينبغي أن نعتبر انتخابه في غاية العهد الراشدي انقلابا فيتهم حاشاه بأن يكون مشاركا في قتل عثمان.
30-لكن السنة كلها إلى اليوم تعتبره خليفة راشدا وتنزهه عن الدنايا ومن ثم فلا يمكن أن يعتبر عليا شيعيا بل لم يكن للمقابلة سني شيعي وجود أصلا. والمؤامرة الشيعية لاحقة وهي ضد علي قبل أي شخص آخر.
31-بل يمكن القول إنها كانت خفية وإنها هي التي اغتالته كما اغتالت الفاروق وذا النورين: فالخوارج هم الذين اغتالوا عليا لما رفض أن يجعل الخلاف السياسي عقديا ليكون علة في شق صف الأمة.
32-والمشكل أن الإمام علي لم يكن له ما كان لمؤسس الدولة العباسية من إمكانات التغلب على الاستراتيجية التي أرادت توظيفه ثم صفته لما فشلت الخطة: مؤسس الدولة العباسية استغل نفس الاستراتيجية ثم قضى على أصحابها في المهد وهارون الرشيد أتم المهمة. 
33-وخرافة الدور المنسوب إلى المأمون والبرامكة في الثقافة الفلسفية والعلمية من الأكاذيب التاريخية: الاستفادة من كل العلوم أمر قرآني وسياسة راشدية ثم أموية واصلتها العباسية في الشرق والأموية في الغرب.
34-بيت القصيد: التشيع استراتيجية فارسية من البداية وقد بدأت تجلياتها باغتيال الخلفاء الراشدين الثلاثة وخاصة الإمام علي الذي رفض المشروع من أصله بعد أن تبينت له طبيعته. لذلك فإرهاب الخوارج هو بـاكورة إرهاب الباطنية.
35-لا يوجد من بين آل البيت من يمكن أن يعد شيعيا وخاصة منذ بروز الغلو الشيعي في توظيفهم لهدم صرح الأمة. كل ما ينسب إليهم كذب محض وأغلبه منحول عليهم. وما ينسب إلى الإمام على جله من انتحال القرن الرابع.
36-آل البيت كلهم سنة والخلاف بين الإمام علي وبعض الصحابة سياسي والدليل أن الخوارج قتلوه لأنه رفض شق صف الأمة بجعله عقديا رفضا لتأسيس التشيع.
39-فبين من كل مطالبهم من الإمام أن هدفها ليس حسم الخلاف السياسي بل تحويله إلى جرح لا يندمل أبد الدهر بجعله تخريبا داخليا للإسلام بأيدي أهله حتى يسترد ملك آل ساسان.
38-لكن أكبر الأدلة هو إرهاب الخوارج والباطنية إرهابهم الذي سيطر منذئذ وعاد الآن بنفس الاستراتيجيا مع تنكر الأول وهو عين الثاني في شكل يدعي السنية ليشوهها وهو يجسد كل خصائص الإرهاب الباطني.
39-وحتى يحسم الفرق بين الخلاف السياسي والخلاف العقدي في الفتنة الكبرى بين الصحابة خصص ابن خلدون فصلا-فصل البيعة من باب المقدمة الثالث- وضع فيه مبدأ ثوري في الفلسفة السياسية سماه مبدأ عدم التأثيم.
40-وبفضله أنصف الحسين عقديا وحتى من حيث مبدأ الغاية السياسية. لكنه اعتبره قد وقع في خطأ تقدير القوة التي تمكن من الثورة على يزيد ثورة تحقق الغاية لئلا تؤدي إلى عكس الهدف.
41-لكن الحل الفلسفي والديني لم يحسم الإشكال لأن فتنة التشيع وتوظيفه كان من البداية أداة مقاومة للإسلام بالتخريب العقدي واستغلال آل البيت في مهمة تتنافى مع كونهم آل البيت لأن الاستراتيجيا التي تستعملها هدفها تهديم الإسلام وإعاد الامبراطورية الفارسية.
42-ومن ثم فالكنسية الشيعية-عصمة الأيمة والحق الإلهي في حكم الأمة-صيغة جديدة للنظام الشاهنشاهي يفرض على الإسلام وباطنه علماني بإطلاق: ودولته الحالية هي بنت بقايا الدولة الباطنية الكبرى الأولى (شضايا الدولة الفاطمية في الشام).
43-وهو ليس خاصا بفارس بل هو منطق الحكم والدين المحرفين دائما وهما موضوع النقد القرآني كله: ومثاله النظام الفرعوني الذي كان بهذا الشكل: حكم علماني بيد القوة العسكرية والسياسية يغطيها جهاز يؤله الحاكم ويوظف الكنسية الدينية: هامان.
44-والنظام الإيراني الحالي ل نفس الشكل الفرعوني والساساني: الحاكم الفعلي هو مافية الحرس الثوري العسكرية مع أضافة غطائين هما الكنسية في الظاهر والعلمانية في الباطن لأن الإمامة تعني أن الدين ظاهر وتأويل الأيمة هو الباطن: الكنسية الشيعية والديموقراطية الصورية.
الإسلام مستقبل الإنسانية
45-ولنعد الآن إلى الإشكالية: إذا كان باطن العلمانية كنسيا وباطن الكنسية علمانيا فهل معنى ذلك أن الحكم بما هو حكم يقتضي بمقتضى جوهره هذه الثنائية؟
46-وإذا كان ذلك كذلك ألا يعني أن الإسلام الذي يرفض الشكلين لا يفهم شروط الحكم -وأنه كما يدعي هيجل-دين عاجز عن بناء الدولة المستقرة؟ أم إن في الأمر سرا آخر إذا فهمناه فهمنا لم يعتبر الإسلام مستقبل الإنسانية ولم يحارب؟
47-هذا هو بيت القصيد وجوهر الإشكال: كيف يجمع الإسلام بين الدين والدنيا ومن ثم بين الجماعة في بعدها الروحي (الاستخلاف) والجماعية في بعدها السياسي(مستعمرة في الأرض) ثم يكون مع ذلك نافيا لمقومي الحكم الكونيين كما يبدو في تحليل الشكلين الكنسي والعلماني؟
48-وبعبارة موجزة: هل صحيح أن الإسلام عاجز عن وضع نظرية الدولة التي تحقق القيم التي يعتبرها هيجل حائلة دون استقرار الحكم والدولة في العالم لطابعها المجرد والمطلق بأصنافها الخمسة: قيم السؤال وقيم الجمال وقيم الجلال وقيم المآل وقيم المتعال؟
49- وتطبيق هذه القيم في شرائع الإسلام يخضع لمبدئين هما ما يعتبره هيجل حائلا دون استقرار الحكم ؟ المبدأ الأول هو مضمون الآية 1 من النساء والمبدأ الثاني هو مضمون الآية 13 من الحجرات: أي مبدأ الأخوة البشرية ومبدأ حصر التفاضل في التقوى.
50-ويعلل هيجل هذين المعنيين بمعنى واحد يسميه التوجه التجريدي للإسلام نفيا للتجسيد والطبقية أي ما يجعل الإسلام نقيض المسيحية التعيينه بتجسيد الله: المسيح. وهو محق في اعتباره المسيحية مناقضة للإسلام لأنها عنده هي تحريف دين عيسى.
51-وهذان المبدآن هما الطبقية والتجسيد. والأولى هي أساس العلمانية والثانية هي أساس الكنسية أي ما يعتبر مقومي كل نظام سياسي بوجهيه الظاهر والباطن.
52-وذلك عينه ما يعتبره الإسلام جوهر التحريف: فالطبقية تحريف الدين الطبيعي (سلطان القوة والطبقة) والكنسية تحريف الدين المنزل (سلطان النفاق والكنيسة): والنفاق هو قوة الخداع ومثاله التقية الشيعية والكنسية هو التراتب الطبقي بحجة دينية.
53-واعتقد أن البشرية لم تكن قد بلغت الدرجة الكافية من الوعي لفهم أخطار هذين المعنيين اللذين كل نقد القرآن الكريم موجه إليهما. وكان لا بد للإنسانية من أن تمر بالتجربة الكونية لتفهم ثورة الإسلام بحق.
54-وهذه التجربة هي العولمة أو الظرف الذي يبين استحالة عيش البشرية من دون تحرر الإنسان من الطبقية بمعنييها على أساس مادي وعلىأاساس روح. وذلك هو مدلول الأخوة والمساواة القرآنيتين وحصر التفاضل في التقوى: النساء 1 والحجرات 13. كيف؟
55-وإذن فتجربة العولمة تثبت للإنسانية كلها معنى نقد القرآن للتحريف ودلالة قيمه تثبتها سلبا وإيجابا: فهي تثبتها سلبا ببيان نتائج عدم الأخوة الطبقية واللامساواة وثثبتها إيجابا ببيان ثمرات وجودها. والإثباتان يكونان من خلال وحدة أحداث العالم طبيعيا وتاريخيا.
56-فطبيعيا أغلب الأنواء والأمراض لا توقفها الحدود السياسية ولا الحضارية بل هي تشمل المعمورة مع الوعي بالشمول لتقدم التواصل والاتصال: وهذا الوعي بالشمول يصبح وعيا بحقيقة الأخوة وبضرورة العمل بها.
57-وتاريخيا ما يحدث في أي مكان من العلم كالحروب والثورات الفكرية أو السياسية لا توقفه الحدود السياسية ولا الدينية. وما يلغي الوحدة نفي لهذه الحقيقة بالقوة والطبقية. فيصبح الإنسان ساعيا لإلغاء الإلغاء وتكون الإنسانية كلها أمة واحدة.
58-وما يبشر بكل خير ويؤيد مبدأ الفطرة القرآني أن شباب العالم بات يؤمن بهذه الحقيقة وهو إذن قد تحرر مما يتصوره هيجل شرط النظام: الطبقية والتجسيد.
59-لذلك فمن الواجب أن يعتبر كل شباب العالم في خدمة هذين المبدئين ومن ثم فهو الحامل لرسالة الإسلام المخلصة من التحريفين: قانون العجل الذهبي (للسلطة المادية) وقانون الدجل الكنسي (للسلطة الروحية).
60-نتوقف الآن مع وعد العودة إن شاء الله في محاولة لاحقة فنجيب عن السؤال التالي:كيف يمكن إذن فهم نظرية إسلامية تحرر البشرية من بعدي الحكم الكنسي والعلماني؟
61-ولنختم هذا القسم الأول بنتيجتين:الأولى بوسعنا الآن أن نفهم تحالف مليشيات البقايا الخمسة ضد السنة بقيادة ذراعي الغرب إيران وإسرائيل: بقايا الباطنية وبقايا الصليبية وبقايا الماركسية وبقايا الليبرالية وبقايا القومية الفاشية.
62-والنتجية الثانية: السعي لمنع استئنافنا دورنا ليس صدفة تاريخية بل هو شبه قضاء وقدرهي الثورة التي يمثلها القرآن ومعنى ذلك أن العولمة لا يمكن أن تقبل بما يحرر منها أي الإسلام بمبدئه: النساء 1 والحجرات 13.
63-وبذلك فسيكون القسم الثاني تحليلا في آن لشروط الكونية الدينية والسياسية لأن المتكلم رب الجميع والمخاطب كل البشرية بمنطق هذين الآيتين. لأن ابن خلدون فهم ذلك سمى إبداعه بـ"علم العمران البشري والاجتماع الإنساني": البشري والإنساني.

كيف نفهم الانحطاط فنتحرر منه؟


1-وعدنا بالقسم الثاني حول علل الحرب على الإسلام وعلاقة الكنسية والعلمانية. وها نحن نصله بالقسم الأول بفاصلة تتعلق بـانحطاط فاعلية القوة اللطيفة عندنا وهو معنى يجمع بين القوتين لتحديده مقدار الحاجة إلى القوة العنيفة وبهما تحوز الدول وظيفتي الحماية والرعاية.
2-ونستعمل لطيفة بدل ناعمة لأن المعنى غير. فاللطف صفة ذاتية للقوة والنعومة صفة إضافية للحاس. وبهذا المعنى فالسلاح يمكن أن يكون قوة لطيفة من حيث الاستعمال لكنه لا يكون قوة ناعمة.
3-فالآية 60 من الأنفال تتكلم على القوة عامة وتعتبرها إعدادا للفاعلية اللطيفة أعني إرهاب العدو بمعنى ردعه ردعا يغنيك عن القتال: وهو استعمال لطيف للقوة العنيفة.
4-والفرق بين الصفتين لطيف وناعم فضلا عن الفصاحة هو بيان طبيعة هذه القوة التي نصفها بكونها لطيفة: إنها مهابة الأمة وقوتها عامة لا بعضها الذي يوازي القوة العنيفة.
5-ومعنى ذلك أنك مهما كنت ذا قوة ناعمة-سخافة مصاحبة السيسي للفنانات أو النواعم-فإن ذلك لا معنى له إذا لم تكن عوامل المهابة متوفرة كوحدة جامعة بين اللطف والعنف لأن ذلك هو جوهر الحياة.
6-ومطلوبنا هو فهم كيف أن الانحطاط أفقدنا المهابة التي تتألف التناغم بين كل عوامل القوة التي يكون استعمالها بلطف محد من حاجتها إلى العنف.
7-وحصيلة الفعل اللطيف الذي يحد من الفعل العنيف مفهوم صالح في مستويات التربية الأسرية والاجتماعية وفي مستويات السياسة الوطنية والدولية. وذلك هو مفهوم الحكم الحكيم.
8-لا بد أنكم لاحظتم أن القرآن الكريم يقرن النبوة دائما بعاملين هما الكتاب والحكم. والحكم قدرة عقلية تدرك مناط الإشكال والكتاب هو معين السنن التي يجري بمقتضاها الوجود (نظرية الوجود) وفهمه (نظرية المعرفة) النظريتين القرآنيتين.
9-والجمع بين إدراك مناط الإشكال ومعين السنن هو الذي يمكن من تحديد مقومات المهابة التي تمكن الأمة من أن تكون قوية مع قلة العنف فيها وبينها وبين غيرها من الأمم لأن مهابتها تحول دون العدوان عليها وهي لا تعتدي بحكم أخلاقها القرآنية.
10-ما أعنيه بالانحطاط الذي أفقدنا القوة اللطيفة هو سيطرة العنف على كل شيء في حياتنا منذ أن فقدنا المهابة في التربية بمستوييها والسياسة بمستوييها فأصبح كل السلوك عنيفا أقوالا وأفعالا: يكفي أن تنصت للناس كيف يتحاورون.
11-وهذا المفهوم -التعامل العنيف-عرفه ابن خلدون بكونه مفقدا للإنسان معاني الإنسانية ودليلا على فقدانها إذا سيطر على التربية والسياسة. وإذن فهو قد سبقنا إلى تحليله وبيان آثاره.
12-والتشخيص الخلدوني يبين الآثار ويعد للعلاج إيجابا وسلبا. فإيجابا ينطلق ابن خلدون من مفهوم "الإنسان رئيس بالطبع". وينطلق سلبا من مفهوم"فقدان معاني الإنسانية". والعلاج هو تحقيق الموجب والتحرر من السالب: وتلك هي نظرية الدولة الشرعية عند ابن خلدون بمعنيي الشرعية الحديث والديني.
13-وهكذا فقد وجدنا همزة الوصل بين القسم الأول والقسم الثاني من بحثنا في علل الحرب على الإسلام وعلل علاقة التلازم بين النظام الكنسي والنظام العلماني: فكلاهما حقيقته غير ظاهره لأن باطنه هو الثاني.
14-وهمزة الوصل بين القسمين في محاولتنا التي نشر قسمها الأول وصل بين تحليل ابن خلدون للظاهرة ومفهومي الإسلام المحررين منها والتي ستكون موضوع القسم الثاني من بحثنا: مفهوم الاجتهاد في مستوى التربية والأذهان ومفهوم الجهاد في مستوى السياسة والأعيان.
15-فالانحطاط أفقد المفهومين -الاجتهاد والجهاد- دلالتهما إذ حولهما إلى العنف التربوي والعنف السياسي في كل مستوياتهما الأسرية والاجتماعية داخليا وخارجيا.
16-فالاجتهاد اقتصر على القياس الفقهي دون شروطه العلمية والجهاد على القتال البدائي دون شروطه الفنية. والعلة أن التربية والسياسة تحولتا من اللطف إلى العنف بسبب الانحطاط وفقدان الشروط.
17-فالاجتهاد قرآنيا يتألف من خمسة مقومات: فالأصغر هو الفقه والأكبر هو معرفة الذات لمعرفة الرب وبين الأصغر والأكبر مستويان. فالأصغر شرطه الصغير والأكبر شرطه الكبير الأصل الموحد للأربعة هو هو التربية القرآنية.
18-والجهاد قرآنيا يتأيف من خمسة مقومات: فالأصغر هو القتال والصغير شرطه العلوم والتقنيات والأكبر هو التقوى والكبير شرطه العلوم الإنسانية وأصل الأربعة السياسة القرآنية.
19-وإذن فسلطان العنف علته فقدان الاجتهادين الصغير والكبير أعني مقومي التربية الإسلامية وفقدان الجهادين الصغير والكبير مقومي السياسة الإسلامية. وتلك هي الشروط المفقودة التي تحول التربية والسياسة إلى عنف محض. فغياب الشروط التربوية والسياسية التي تغني عن العنف بمهابة اللطف هو السر وهو الانحطاط.
20-فإذا جمعت الاجتهادين الصغير (العلوم النظرية) والكبير (العلوم العملية) وسيطين بين الأصغر (الفقه) والأكبر (العلم بالذات والرب) كان ذلك مفهوم التربية القرآنية.
21-وإذا جمعت الجهادين الصغير (تطبيقات العلوم النظرية) والكبير (تطبيقات العلوم العملية) وسيطين بين الأصغر (القتال) والأكبر (العبادة) كان ذلك مفهوم السياسية القرآنية. 
22-والجمع بين الجمعين أي مقومات التربية القرآنية ومقومات السياسية القرآنية وجدت مفهوم العنفوان والمهابة المغنية عن العنف وعرفت المفقود بسبب الانحطاط الذاتي وما وطده ببديل زائف الانحطاط المستورد.
23-وهذه المعاني مشروطة في كل محاولة لفهم معنى التحريف الكنسي(للنقل) والعلماني (للعقل) ودلالة الثورة التي جاء بها الإسلام لتحرير البشرية منهما دون أن يعني أن حله هو التوسط بين الحلين كما يتوهم القائلون بالوسطية مهرب الكشل العقلي والفشل النقلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق