Hot

السبت، 26 سبتمبر 2015

في دلالة التدخل الروسي في سوريا


أبو يعرب المرزوقي 
تونس في 2015.09.26

1-أعجب ممن يعجبون من ترحيب زمارة الملالي بالتدخل الروسي. منذ عقدين أحاول اقناع العرب بأن حسن نصر الله دجال ومجرد ورقة إيرانية فلم يصدق ما كتبته إلا قلة.
2-أريد الآن أن أشرح علة ترحيبه بالروس وما دلالته. فأولا ينبغي أن يفهم الناس أن الأمر فيه اعتراف بحقيقتين أبرزتهما سابقا خلال تحليلي لنتائج اتفافية النووي.
3-الحقيقة الأولى هي أن دور اللعب على مقاومة اسرائيل انتهى إذ من شروط الاتفاقية النووية أن تلغى هذه الورقة ومعها ورقة الموت لأمريكا. لكن لا بديل له ولإيران.
4-كانوا يتصورون أنهم واجدو البديل في سلبية العرب وقبولهم التمدد الإيراني. لكن النكبة الثانية حصلت: الهزيمة في سوريا والهزيمة في اليمن. وتلك هي الحقيقة الثانية.
5-بعد هزيمة الحزب في سوريا وهزيمة إيران في اليمن لم يبق لهم حتى يحافظوا على آخر الغنائم إلا الاحتماء بمن يتصورونه قوة عظمى وهو رمـيم : متردم الاتحاد السوفياتي.
6-روسيا لم تأت لتحميهم لأنها تعلم أنها أضعف من أن تحمي ذاتها فضلا عن حماية غيرها. هي بحاجة إلى ورقة تفاوض حول ما يحيط بها من الجانبين.
7-روسيا تعاني من أزمتين: من علاقتها بالغرب كما في أوكرانيا ومن علاقتها بالشرق كما في الجمهوريات المسلمة التي كانت تابعة للسوفيات. روسيا غارقة.
8-الغارق يطلب أنقاذ نفسه لا غيره. وغيره الغارق يغالط رايه العام عندما يدعي أنه وجد المنقذ. حزب الله لم يبق له إلا الحرب الأهلية في لبنان.
9-إيران نفسها لم يبق إلا محاولة تجنب الحرب الأهلية في إيران: فالشعب لن يقبل بعد الاتفاقية استبداد حرس الثورة والملالي. الانفجاز آت لا ريب وقريبا.
10-وإذا تعثر الانفجار في إيران فصمد الملالي فلن يكون إلا بسبب غباء العرب: فإذا هم واصلوا تخريب الثورة العربية فإنهم سيتحالفون مع الملالي ومافية الحرس فيها.
11-لا أستبعد من أن يكون التفاوض جاريا من الآن بين ممولي الثورة المضادة العربية والملالي وحرس الثورة الإيراني لنوع من التحالف يضمن بقاء الستاتيكوو. واللاعبون غير خفيين على كل حصيف.
12-إيران الملالي والحرس الثوري الذي هو أفسد من الجيش المصري وأكثر سيطرة على ثروات البلاد وحريات العباد منه تطلب بقاء الستاتيكوو مثل ثورة العرب المضادة ونخبها الفاسدة.
13-حزب الله نفسه سيضطر لنفس السلوك وسيفك حلفه مع مجنون الصليبية-عون-ليصل إلى "موديس فيفندي Modus vivendi مع نعاج الإسلام في لبنان بحجة المصلحة الوطنية.
14-روسيا في سوريا مجرد ورقة للتفاوض في ملفي مأزقيها الغربي (أوكرانيا) والشرقي (الجمهوريات) يعني مع ألمانيا وتركيا بالذات.لا يهمها بشار ولا زمارة الملالي.
15-والآن فلنفهم ما علينا عمله: أولا من السخف كلام الثورة في سوريا على ذهاب بشار وكلام معارضيها على بقاء الدولة السورية. كلا الأمرين أثر بعد عين بل ووهم.
16-لكن يمكن أن تكون الثورة تعني بذهاب بشار معنى رمزيا لأنها تعلم أنه لا يوجد وراءه شيء آخر سيبقى بعد ذهابه: أي إنها تعلم أن دولة سوريا قد انتهت.
17-والثابت أن الغرب يعلم أن الدولة السورية انتهت انتهاء الدولة العراقية. وإذن فهو يعني بقاء الاجهزة التي حكموا بها سوريا والعراق وكل البلاد العربية حتى لما كان وهم الدولة موجودا أي نظام سايكس بيكو وما يماثله في كل الاقليم.
18-الحقيقة: بصرف النظر عن نوعية الحركات المقاتلة هي الثابت الوحيد وهي أن الفوضى الخلاقة التي دعا إليها الغرب بدأت تنتج عكس ما كان ينتظره منها.
19-كتبت وأنا في ماليزيا بأن الغرب يريد فوضى خلاقة. ونحن كذلك ينبغي أن نريدها: هو يريدها للتفتيت. ونحن نريدها لإعادة التأليف. وعلينا شكره فهو يفتت ما به فتتنا من قبل.
20-وهذا يعنينا لأنه يعيدنا إلى إمكانية مفتوحة تلغي الجغرافيا التي فرضها علينا لنسعى إن كنا حقا ثوريين إلى استعادة الجغرافيا التي توحدنا والتي بدأ الغرب يخافها من جديد.
21-الحقيقة الوحيدة الحاصلة إلى حد الآن هي أن الغرب فتت الجغرافيا التي فرضها ولم يستطع فرض جغرافيا جديدة تحول دون الاستئناف الذي نريده. وذلك هو سر خوفه.
22-نصر الثوار على مليشيات إيران ونصر عاصفة الحزم على عنتريات إيران وصمود تركيا في ثورتيها أي التحديث والتأصيل يعني أن الاستئناف بات ممكنا.
23-ضعف روسيا وحاجة إيران للمحافظة على الستاتيكوو ولو بالحلف مع الثورة المضادة العربية يعني أن ما تشتهيه الريح هو ما تشتهيه سفن سنة الإقليم عامة والعرب منهم خاصة.
24-يبقى مشكل الربابنة: هل للمقاومة العربية السنية ربان؟ هل للأنظمة العربية التي انفصلت عن الثورة المضادة ربان؟ ذلك هو المشكل المضاعف الذي ينبغي حله للاستئناف.
25-ويقيني من أن بعض الثوار أدركوا هذه الإشكالية وهو سر النصر على مليشيا الزمارة وان بعض الحكام العرب أدركوها وهو سر هزيمتهم لعنتريات إيران : قطر سبقت والسعودية تلت.
26-يبقى المطلوب تحقيق شرط الانتصار على الحامي وشرطيه: الغرب وإسرائيل. الشرط رغم عسره ليس مستحيلا: إنه الربان الجامع بين المقاومة والأنظمة. وذلك هو الدهاء السياسي الذي ينبغي العمل بمقتضاه.
27-إذا وجد تنسيق بين الثوار الذين تخلصوا من حرب أمراء الحرب فاتحدوا وبين الأنظمة التي تحررت من الثورة المضادة فتوحدت فإن القوة الحاصلة تكون قوة لا تقهر.
28-ولا شك أن الغرب سيحاول التصدي لمثل هذه الإمكانية بكل ما يستطيع. لكنه إذا رآها قد حصلت فسيعود إلى الجادة ويتفاوض لأنه يعلم أنها لا تقهر.
29-بمجرد شروع الغرب في التفاوض فإن نصرين يكونان قد حصلا: الأول الاعتراف بأن للأقليم سادة ذوي سيادة والثاني التعامل الندي كما حصل مع الصين.
30-عندئذ تكون روسيا وإيران وإسرائيل ومليشياتهما في وضع الصين الوطنية ونكون نحن ومعنا تركيا والجمهوريات في وضع الصين الكبرى بـمنطق القرن الحادي والعشرين.
31-أعلم أن الكثير يقولون في أنفسهم وقد يجهرون: مال الرجل يتكلم في أمور معقدة فيبسطها إلى حد يجعل ما يجري وكأنه خاضع لمنطق بين المعالم واضح الاتجاه ومحدد الغاية لكأنه قضاء وقدر إلهي؟
32-الجواب: إذا انطلق التحليل من طبائع الأشياء أولا (المبدأ العام) ووصلها بمعلومات صحيحة عن حالها في لحظة التحليل (دور الظرف) يصبح المنطق كافيا خاصة إذا كان القضاء والقدر بوعد الهي ينصر الحق دائما.
33-كل المشكل هو البصيرة التي تدرك طبائع الأشياء والخبرة التي تصلها بالمعلومات الصحيحة على الظرف: يمن الله على عباده بذلك. فتوفيق من الله لمن من الله عليهم.
34-لذلك فلست أبسط الأمور بل أردها إلى مقوماتها ومنها استنتج ما تقتضيه حالها في لحظة التحليل إذا كنا لا نجهل قوانين صراع القوى بأبعادها الخمسة.
35-وقوانين صراع القوى علمها يسمى استراتيجيا. ولحسن حظي فهذا المجال هو جوهر البناء الأكسيومي لنماذج النظر في مجريات العمل أي عمل: وذلك هو اختصاصي.
36-ولما كان العمل لا يتجاوزخمسة أصناف: عمل الإرادة (سياسة) وعمل العقل (علم) وعمل القدرة (اقتصاد) وعمل الحياة (فنون) وعمل الوجود (فلسفة ودين) بات التحليل الاستراتيجي مبنيا عليها بالمنطق الرياضي.
37-وهذه الأصناف الخمسة هي عينها صفات الذات الإلهية المطلقة والتي للإنسان منها نزر قليل يمكنه من هذه الأعمال. فالله مريد وعالم وقادر وحي وواجد. وكل ذلك بإطلاق: خلاق لما يريد عليم بكل شيء على كل شيء قدير وحي لا يموت وموجد لكل الموجودات. والله بنى العالم بمنطق كل شيء بقدر رياضي.
38-والإنسان له ذلك بقدر قليل مع الحد منه بصراع الإرادات والعقول والقدرات والحيوات والوجودات ثم خضوعها كلها وصراعها لصاحبها المطلق الله.
39-وذلك هو السر في أن المسلمين لا يمكن أن يهزمهم أحد هزيمة نهائية: فهم يؤمنون بهذه القوة المطلقة فوق الجميع وبانه مع الحق وضد الباطل دائما: فشعارهم ألله أكبر.
40-وآخر قولي أني لا أكتفي بالمنهج العلمي والفلسفي لتحليل الأوضاع الاستراتيجية بل لا بد من الإيمان بأن الله وعدنا بالنصر ما دمنا مؤمنين. والله لا يخلف الميعاد.
41-ما أسميه استئنافا هو هذا الإيمان بالنصر الموعود لنكون شاهدين فنحن الأمة الوحيدة التي ما تزال تقدم القوة الروحية على القوة المادية. والأولى لا متناهية والثانية متناهية مهما عظمت. لذلك فالنصر لصاحب الأولى حتما.
42-ولما كان التحليل الرياضي والمنطقي يعود من النتيجة الموضوعة فرضا إلى شروطها ويستنتج من حصول الشروط حصول المشروط فإنـي واثق من النصر وثوق المحلل الرياضي.
43-وأختم بأهم علامات النصر بمجرد القياس بين وضعنا ووضع نزول الرسالة وسؤال: من قام بها فكان قوامها؟ الجواب: روحيا القرآن وقيادة الرسول وفعليا شباب الأمة بجنسيه.
44-وذلك عينه ما يجري حاليا: القرآن (المرجعية الروحية) والقائد (الرسول الأكرم) والجند المؤمن (الشباب بجنسيه) والدليل أن العدو مدرك لذلك.
45-يحارب الأعداء القرآن والرسول لأنهم يعلمون أنهما سر القوة وهـم يحاولون غزو عقول الشباب وعند الفشل يحاولون تشويه عملهم. لكنهم فشلوا في ذلك كله. وتلك هي بداية النصر .
46-والشباب المسلم الذي تغلب على الغزو (النموذج الاستهلاكي الأمريكي لم يعد يغريه) سيصبح نموذج شباب العالم كله الذي سيتحرر من عبادة الدنيا والإخلاد إلى الأرض: وتلك هي الخطوة القادمة.
47-شبابنا بجنسيه هو السهم الحاملة (Vecteur) لقيم القرآن وأخلاق محمد في العالم كله فتتحرر الإنسانية من العولمة لتعوضها بالأخوة البشرية: الآية الأولة من سورة النساء بأخلاق القرآن كما تحددها الآية الثالثة عشرة من الحجرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق