ابو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.09.24
1-ما الذي يجعل روسيا وهي قزم اقتصادي بالقياس إلى أي دولة من دول الغرب فضلا عن قوتيه-أمريكا وأوروبا-تدخل من جديد في تنافس حولها وعندنا يمكن أن يقضي عليها نهائيا؟
2-لم أر للأمر إلا تفسيرين: ذاتي هو جنون العظمة لدى دكتاتور روسي من جنس ما عندنا ممن لا يفهمون سر القوة ما هو أو وقاية من خطر موضوعي وحقيقي داهم.
3-التفسيران لا يستثني أي منهما الآخر ولعلهما متعاونان في تعليل هذا السلوك الأهوج لبوتين وإن بنسب مختلفة: جنون العظمة والخطر في محيط روسيا (وجله تركي وسني).
4-لكن عندئذ ينبغي أن نحدد الخطر الداهم: فهو ليس ما يقبل التحديد السلبي بالخوف مما يسمى الإرهاب في الجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة.
5-إنه بالأحرى الخطر الموجب الذي تراه روسيا في عاملين إثنين : ورمز الأول هو نجاح تركيا التحديثي. ورمز الثاني قدرة الخليج على توهين قوة روسيا الأساسية (بسياسة سعر النفط مثلا).
6-وحتى يفهم شباب الثورة بجنسيه علة اختيار روسيا سوريا فلا بد من وصل القضية بهذين العاملين الموجبين اللذين يقتضيان موقفين هما ما يحصل بالفعل.
7-فاختيار سوريا بالذات يستجيب لهذا الهدف:فيه حلف مع إيران ضد الخليج وفيه حلف مع الغرب لفصل تركيا عن الوطن العربي. وتلك علة موافقة الغرب بما يشبه تشجيع المنتحر على الانتحار.
8-لكن هل بوتين أجاد الحساب؟ أولا حلفه مع إيران اعتبره في خبر كان: إيران مقدمة على وضع أشبه بما جعل عقد الاتحاد السوفياتي ينفرط كما بينت.
9-لايمكن للنخب الإيرانية بعد الانفتاح أن تختار فتوالي الأضعف والمنافس (تصدير الطاقة لأوروبا) في آن وتترك الأقوى والمثال والمحتاج إليها في ما ينافسها فيه الروس.
10-وإذن فكما أسلفت سيخرج بوتين من الحلف مع إيران بلا حمص. حتى التعاون النووي فسيصبح وفي العلن مع الغرب أي فرنسا وانجلترا وأمريكا وحتى إسرائيل.
11-ذلك أن الجميع يعلم أن التكنولوجيا الروسية متخلفة بالقياس إلى كل هؤالاء فضلا عن ميل الشباب الإيراني لنموذج العيش الأمريكي. خطأ أول تفسيره وهم القوة.
12-الخطأ الثاني: هل الحلف مع الغرب لفصل تركيا عن العرب محسوب حسبة جيدة؟ أليس هو فخا وقع فيه بوتين فذهب إلى حتفه بضلفة عقابا على أوكرانيا.
13-ينبغي حقا أن يكون وهم العظمة قد أعمى بوتين عن حقيقة بينة: لا يمكن للغرب أن يساعد على مضاعفة قوة إبتزاز روسيا لأوروبا بمثل هذه الخطوة يصبح متحكما في كل حاجتها من الطاقة.
14-روسيا حاليا تبتزأوروبا بالطاقة.فإذا صارت قوة معتبرة في الإقليم العربي تضاعف ابتزازها لأوروبا.وهذا وحده كاف لإقناع أي استراتيجي بالفخ.
15-دخول روسيا في معركة الشرق العربي يعني تركيع روسيا لأن ما عجز عنه السوفيات لن ينجح فيه الروس وسيكون الحمل بثقل ينهي أحلام بوتين كلها.
16-هذا من ناحية ما يخطط له الغرب. وما يعنينا نحن هو ما ينبغي أن يخطط له الخليج وتركيا: لا ينبغي أن نبقى كما كنا في الحربين مجرد ساحة قتال (والدي أجبر على المشاركة في الحرب العالمية الأولى وأختى وخالي وان عمتي قتلوا في البيت خلال الحرب العالمية الثانية).
717-أولا هل الخليج على قلب رجل واحد؟ أشك. ثانيا هل العرب المخلصون لن يخونوا تركيا كما فعلوا في الحرب الأولى طمعا وتصديقا لوعود الغرب ؟
18-لماذا أقول هذا؟ لأني أرى نسخة ثانية من لاورنس العرب يلعب بذيله في الخليج: الكذاب والقهواجي توني بلار. هل ما يزال العرب يصدقون العدو؟
19-التركي مخير بين موقفين: إما الخيار الإسلامي إذا صدق العرب في موقفهم من نية فصله عنهم أو إذا اعتمد تجربة الحرب الثانية فسيلتفت لأوروبا : فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
20-ذلك أني لو كنت مكان قيادة تركيا لوازنت بين الحلين:اشارك الغرب في تفخيخ بوتين بتركه يغرق في سوريا إذا قبلوا بدخولي من الآن في الوحدة.
21-لأن قبول أوروبا بدخولي إلى الوحدة يجعلني البديل من روسيا التي ستفلس في رمال حرب الشرق المتحركة.لكن في حالة عدم حصول ذلك فقد أغرق معه.
22-إذا لم أشارك وغرق الروس فإن تقسيم تركيا يصبح واردا لأن الغرب بصبح غنيا عن تركيا خاصرة تحميه من الخطر والابتزاز الروسيين. الأمر بين.
23-وحتى أفاوض الغرب ينبغي أن يكون لدي بديل: والبديل هو الجبهة العربية التركية. فهل من بين العرب رجال صامدون مؤمنون برسالة أمتهم يمكن أن يثق فيهم الأتراك ؟
24-الجواب سهل وسهل جدا: لأن علامته بينة.فإذا كانت لهم الشجاعة لتسليح المقاومة السنية -باستثناء داعش-كان ذلك دليل على أنهم بحق أهل للثقة.
25-لماذا هذه العلامة كافية؟ لأنها تفيد أمرين: أولا أنهم غسلوا أيديهم من الحماية الأمريكية. وثانيا أنهم أصبحوا ذوي استراتيجية بعيدة المدى دالة على طموح سام.
26-لا يمكن في استراتيجية عالمية أن تتعامل معها بحسابات قبيلة أو حتى دويلة عاجزة عن حماية ذاتها وثرواتها حتى لو كان لها كل بترول العالم ومهما كبر رصيدك البنكي.
27-إذا وجد بين قادة العرب من يقبل أن يناقش هذه الشروط وأن يقدم على ما يترتب عليها فيجعلك لاعبا دوليا مسؤولا كان للكلام معنى. وإلا فمضيعة للوقت.
28-ونعود إلى الجمع بين عاملي التفسير للسلوك الروحي: جنون العظمة لدى بوتن والخوف على قوة روسيا الوحيدة من الخليج (الطاقة) وتركيا (البحر المتوسط): يفسران موقفه.
29-الجامع بين الأمرين هو الموقف الدفاعلي للاستهلاك الداخلي تماما كوضع إيران لإقناع الرأي العام الداخلي بأنهما ليسا في موقف ضعف مع الغرب الذي يعلم أن حجم روسيا الاقتصادي من حجم إيطاليا.
30-ومعنى ذلك أن بوتن يعلم أن سيتنازل في مفاوضات أوكرانيا مع الغرب لإزالة المقاطعة لذلك فهو يحتاج لما يقنع به رأيه العام بأن في موقع قوة.
31-كذلك فعلت إيران فبالغت في الاستعراضات العسكرية ودعوى احتلال العواصم العربية الأربع لتقنع رأيها العام أن لا تستسلم في الاتفاق النووي.
32-الجامع بين جنون العظمة والموقف الضعيف (انخفاض أسعار الطاقة) والمقاطعة الغربية وضع أكثر إيلاما من وضع إيران لأن شعب روسيا أكثر تحررا.
33-بوتن يقوم برقصات عنترية حتى يغالط شعبه بأنه يفاوض من موقف قوة فيجد لنفسه مخرجا في التنازلات التي هو مضطر إليها حتى يخرج من الأزمة. والقوي بحق لا يتعنتر.
34-لا أدعي علما لدنيا بل انطلق من عاملين: السياسة-ابن خلدون- تخضع أولا للقوة المادية عند من يتصورون أنفسهم أقوياء وهما الدفاع والاقتصاد.
35-وتخضع للقوة الروحية عند من يعتبرون ضعافا أي للمعتقدات المرجعية ولصورة الذات عند الذات من حيث الدور المشروط بالحرية والكرامة: الأنفة.
36-والروح والإيرانيين تصوروا أنفسهم أقوياء ماديا بعد أن تضاءلت قوتهم الروحية لفرط الكذب على شعوبهم.جد الجد فتبينت شهاشتهم الاقتصادية.
37-ولما كانت القوة المادية في الحروب الحديثة تعود إلى قوتين هما التقدم العلمي والتقني ومتانة الاقتصاد واستقلاله ظهرت هشاشة المتعنترين.
38-ولو يدرك العرب ذلك ويتجنبوا ما أشرنا إليه من أخطاء استراتيجية فإنهم هم الغالبون بإذن الله. لكن من لي بمن له منهم الإيمان بالاستئناف.
39-فهذا الإيمان بالاستئناف يقتضي شرطين: الأول أن يكون الأمراء أمراء لا يأتمرون إلا بإرادة شعوبهم وليس ولاة لدى الغرب. وهذا طموح السيادة.
40-والشرط الثاني هو أن يكون النخب الأربعة الباقية جادة في القيام بوظائفها:نخب العلم والقدرة والحياة والوجود سندا لنخب الإرادة أو السياسة.
41-ذلك أن نخب العلم هم اساس القوة المطلقة. ونخب القدرة أساس القوة الاقتصادية ونخب الحياة أساس القوة الابداعية في الفنون. ويبقى الأصل.
42-والأصل هو نخب الرؤى الوجودية أي الرؤى الدينية والفلسفية التي تعبر عن خيارات الـأمة القيمية ومن ثم فتدم الحرية والكرامة غاية للحياة.
43-بعبارة قرآنية أوضح نخب الرؤى الوجودية تعلم الشعب الفرق بين "حياة" والحياة. فحياة ممكنة حتى للعبيد بل هي معنى العبودية. والحياة هي عين الحرية والكرامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق