في هذه الحلقة، يناقش روديارد جريفتز، رئيس مناظرات مانك، منتدى كندا القيادي للشؤون العامة، القضايا والتوجهات التي تلوح في الأفق مع محللين مشهورين وصناع السياسات.
أخبرنا لماذا تعتقد أننا نعيش على أعتاب لحظة ثورية هائلة؟
كصحفي قمت بتغطية الانتفاضتين الفلسطينيتين والثورة في أوروبا الغربية ومظاهرات الشوارع التي أطاحت بسلوبودان ميلوزيفيك، كمراسل أنت تعلم بوجود الفتيل ولكنك لا تعلم ما الذي سيشعله، حتى زعماء الأحزاب المزعومين لا يعلمون ما هي الشرارة التي ستشعل الفتيل، وطالما لم تتجاوب الحكومة مع مطالب المواطنين وحقوقهم بعقلانية واستمرت في استغلالهم فسيكون هنالك دوماً رد فعل عكسي.
وبانهيار النظام الرأسمالي العالمي، فإنه لم يعد قادراً على التوسع كما كان في السابق، فقد احتكر الثروة في يد حفنة عالمية نخبوية تميل إلى حكم القلة. والأهم من ذلك فقدان الرأسمالية المطلقة وغير المحدودة التي تقوم على أساس أيديولوجي سيطرتها على عدد كبير من الناس الذين لا يستفيدون من هذا النظام العالمي، ويتجسد هذا الأمر في انقلاب الناس على النخبة السياسية، فعلى سبيل المثال لم تتجاوز نسبة التأييد للكونجرس الأمريكي العشرة في المئة، وانخفاض نسبة إقبال الناخبين إلى أدنى مستوياته. هذا يدل على وجود مؤشر زلزالي يهتز تحت الشاشة ولا يمكن إنكاره، متى يتحرك وكيف سيتحرك، وكيف سيبدو، وبما أنني غطيت مثل هذه الأحداث في السابق فمن الصعب التنبؤ بها.
لماذا تعتقد بأن الملقبون "بالنخبة" هم المسؤولون؟
لقد دمّروا المؤسسات الليبرالية والآليات التي جعلت الإصلاح ممكناً شيئاً فشيئاً، عندما تصل إلى لحظة خطيرة جداً في مضمونها يعجز النظام عن العمل، وقد صُممت المؤسسات الليبرالية لتحسين الظروف المعيشية للطبقة المتدنية والتخفيف من معاناتها، هذا ما حصل عندما انهارت الرأسمالية في الفترة الممتدة بين 1920 و 1930 ثم حصلنا على معاهدة "نيو ديل"، وقد تحدث رئيس الولايات المتحدة فرانكلين د روزفلت عن أعظم إنجاز له وهو إنقاذه للرأسمالية، لكننا فقدنا تلك الآليات باسم معاداة الشيوعية وإرساء الليبرالية الجديدة وأيديولوجية السوق الحر الذي انتزع صمام الأمان الذي تستطيع ديمقراطيات الرأسمالية الليبرالية بواسطته معالجة مشاكل المعدمين.
ولكن النظام الرأسمالي العالمي الذي تدينه أحرز تقدماً هائلاً بما يتعلق بمتوسط العمر المتوقع، حيث أخرج مئات الملايين من الناس من حالة الفقر وانهال على العالم بالابتكارات التكنولوجية؟
لن أوافق على أن الذين استفادوا من هذا النظام هم العمال العاديون، لقد أوجد نظاماً إقطاعياً جديداً أدى إلى تدني أجور العمال دون مستوى الكفاف، فعمال مصانع السُّخرة في بنغلاديش يجنون 22 سنتاً في الساعة، وفي الصين لا يتم دفع أجور الناس في آخر الشهر أحياناً ما لم يحققوا النسبة المطلوبة، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الانتحار بين صفوف العمال، وانتشار التلوث نظراً لغياب الضوابط، إن الوضع كارثي.
لقد تم كشف الكذبة المتمثلة في فكرة " انسياب الثروة"، فقد صنعت نخبة غنية جداً من الشركات العالمية الصغيرة التي تميل إلى حكم القلة، وأطلقت العنان للتكهنات العالمية كطريقة لصنع الثروة وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يؤدي إلى تضخم السوق بشكل كبير إلى أن يحصل انهيار اقتصادي مثل فقاعة "دوت كوم" (أو فقاعة تكنولوجيا المعلومات) أو الانهيار الذي حدث عام 2008 بسبب الرهون العقارية عالية المخاطر، فلطالما كانت آثار الاقتصاد العالمي مدمرة.
كيف ستجيب على الانتقادات التي تقول بأن هجماتك على نخب الشركات مشابهة لما تسمعه من اليمين المتطرف ذو هاجس المؤامرة في أمريكا؟
لا يصب تركيز اليمين المتطرف على سلطة الشركات بل على سيطرة الحكومة وسوء معاملتها في نظرهم، إن ما يريد حزب اليمين فعله في الولايات المتحدة هو تدمير الحكومة. هم يريدون تدمير مؤسسات حكومية فيدرالية معينة مثل مؤسسة التعليم.
ولكن في نفس الوقت يبجّل اليمين القوة العسكرية وكأنها ليست جزءاً من الحكومة. أنا أدعم سلطة الحكومة التي تقوم على أسس ديمقراطية، كما لا اعتقد أنه يوجد أي آلية فعّالة يمكن تنظيم سلطة الشركات من خلالها.
أين ترى منبع هذه الثورة في الوقت الذي قد تبدو أنها آخر شيء يمكن أن تفكر فيه العائلات العادية من الطبقة المتوسطة؟
حركة "احتلوا"، وأبناء وبنات الطبقة المتوسطة الذين تركوا جامعاتهم في الولايات المتحدة مع ديون ضخمة ووجدوا أن لا مكان لهم بين القوى العاملة، تسير كندا أيضاً في هذا الاتجاه، لقد ابتعدتم عن اتفاقية "كيوتو"، وتجاوزتم أحد أشد قوانين مكافحة الإرهاب قسوة في الدول الصناعية ببعض النواحي، وهي أسوأ من تلك التي في الولايات المتحدة.
لقد سلحت كندا كما الولايات المتحدة قوات الشرطة التابعة لها، وتنفذ حكومتك نظام مراقبة شامل، إن تدمير الخصوصية أمر مقلق في حد ذاته خاصة كما نعلم أن الحكومة التي تملك مثل هذا النوع من السلطة تستعمله لمصلحتها الخاصة.
كيف يمكن للتقدم الذي أُحرز في الولايات المتحدة فيما يتعلق برفع الحد الأدنى للأجور أن يوافق، أو لا يوافق توقعك للحظة ثورية قادمة؟
إن إرغام الناس على العيش مع ديون دائمة هو نوع من السيطرة الاجتماعية والسياسية، يستطيع أي أفريقي-أمريكي أن يقول لك ذلك، لا يمكنك أن تلبي احتياجات أسرة بمبلغ 7.25 دولار في الساعة من دون أرباح، اعتقد أن 15 دولار في الساعة كحد أدنى للأجور ستحرر الناس من عبء الديون وتسمح لهم بالعيش فوق مستوى الكفاف، وهذا مهم جداً.
ذلك يوحّد الأطفال أيضاً، الذين يدفعون حركة " احتلوا" في المضي قدماً مع موظفي الخدمات، فمعظمهم غير مسجلين، وتصبح هذه الجماعات بتحالفهم مع مجموعات مثل مجموعة "بلاك لايفز ماتر" متمكنة وقوية تستطيع الوقوف في وجه الشركات المسيطرة.
هل تدعو لثورة في وجه الظلم، أو تتنبأ بأن هذا سيكون جزء من مستقبلنا؟
لقد عشت في مجتمعات متفككة، أخافتني الفوضى لأنها قد تتحول بسهولة إلى عنف مثلما حدث في يوغوسلافيا، ولا أريد أن يحصل هذا، أتمنى أن نعيش في ديمقراطية فعّالة حيث يكون إصلاح النظام الانتخابي والإصلاح الاجتماعي ممكناً، لكن الولايات المتحدة لديها ثقافة عنيفة جداً، طالما بقيت الشركات الكبرى تضيق الخناق على مؤسساتنا وحكومتنا بما في ذلك وسائل الإعلام، ستفعل ما صُممت لفعله لكي تستغلنا لدرجة الإنهاك أو الانهيار، وفي نهاية المطاف سيكون هناك ردٌ على ذلك كما نرى الآن في شوارع بالتيمور وفرجيسون، سيكون هناك مواجهة ولا تنسى أنهم انتشروا في شوارع فرجيسون بالدبابات ضد متظاهرين غير مسلحين، وأخشى أن يكون هذا ما سيستمر حدوثه ما لم نجد آلية لضبط سلطة الشركات وإحباطه.
ترجمة: أميرة محمود
تدقيق:رهف موسى
تصميم: محمود نبوي
المصدر: http://goo.gl/mnrkS1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق