Hot

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجهاد. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجهاد. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

متى ينسحب مفاوضو حماس و الجهاد من “سيرك” القاهرة ؟! (عبد الباري عطوان)

أغسطس 12, 2014 0
abdelbari-atwane


ليت مفاوضي “حماس” و”الجهاد” يرتقون الى مستوى صمود رجالهم في غزة وينسحبون من “سيرك” القاهرة.. وسيأتي يوم يترحم فيه “محور الاعتدال” على “الاخوان” و”القاعدة” بعد ان تصلهم طلائع الخليفة البغدادي..

لا نفهم لماذا يستمر وجود الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة حتى هذه اللحظة بعد فشل كل جولات المفاوضات السابقة في التوصل الى اي نتائج تلبي المطالب الفلسطينية في رفع الحصار المصري الاسرائيلي العربي المشترك المفروض على قطاع غزة، كل حسب دوره المرسوم له.

من حسم الامور على الارض، وقلب كل المعادلات، ووضع رجال المقاومة وفصائلهم على قدم المساواة مع رابع أقوى جيش في العالم، وفي وضعية الند للند، رغم الفارق الهائل في العدد والمعدات، هؤلاء يجب ان يتصرفوا بالطريقة الشجاعة التي تصرفوا فيها في جبهات القتال، وان يقدموا انذارا واضحا لـ”الوسطاء” المصريين والخصوم الاسرائيليين معا، اما ان تنفذوا ما نطلب في غضون يومين او ثلاثة، والا فالعودة الى الانفاق، ومواصلة الحرب، فما يطلبه هؤلاء من فك حصار وفلاحة الارض وصيد السمك وممر بحري يجنبهم اذلال الشقيق وعجرفته، واطلاق اسرى وفتح معابر، حقوق مشروعة وليست ملفات نووية او اسلحة كيماوية.

ليست المرة الاولى التي تعرض فيها قطاع غزة لعدوان اسرائيلي، ولن تكون الاخيرة، ولكن الفارق انه في جميع الاتفاقات السابقة على وقف اطلاق النار لم تحدث “زفة” التفاوض التي نراها حاليا، ولم تذهب وفود يفوق تعدادها الثلاثين او الاربعين شخصا الى القاهرة من اجل التفاوض، ولم تستغرق المفاوضات في المرات السابقة اسابيع بل ليوم او يومين على الاكثر، وعلى الهاتف، يتم بعدها وقف اطلاق النار، هذا ما حدث عام 2006، وهذا ما حدث عام 2008، وهذا ما حدث عام 2012، وهذا ما حدث مطلع هذا العام عندما اطلقت حركة الجهاد الاسلامي صواريخها كسرا لهدنة اخترقتها اسرائيل باغتيال رجالها.

***

المشاركون في الوفد الفلسطيني قالوا انهم قبلوا هدنة الايام الثلاثة المطبقة حاليا وتنتهي بعد غد، والغوا قرارهم بالمغادرة “مجاملة” للمضيف المصري واستجابة لـ”ضغوطه”، وهذا في تقديرنا امر مفاجيء علاوة على كونه “غير مقبول” بل و”مستهجن” ايضا، فلماذا يجامل الوفد الفلسطيني “المخابرات المصرية” التي تشرف على هذه المفاوضات وترعاها، وهي التي تفرض الحصار على قطاع غزة، وتغلق معبر رفح، وتدمر جميع الانفاق، ويتلذذ رجالها في تعذيب الفلسطينيين في المطارات والمعابر، وتوعز لاجهزة الاعلام بشن حملات “الردح” و”الشيطنة” ضدهم لتكريه ابناء مصر بهم، وهي الحملة التي ظهرت نتائجها في عدم خروج مظاهرة احتجاج واحدة “ذات شأن” في العاصمة المصرية التي يتجمع فيها اكثر من الف شخص في حال حدوث “مشاجرة لفظية” بين اثنين من المارة، في سوق شعبي او ساحة للحافلات العامة.

للأسف، نقولها بكل الم، ان السلطات المصرية تقف في الخندق الاسرائيلي، هي وكل الحكومات العربية الاخرى “المعتدلة” التي تقف خلفها، وكانت تتطلع الى “انجاز” اسرائيل بازالة فصائل المقاومة دفعة واحدة، واجتثاثها من جذورها في ايام معدودة وهو “انجاز” عجزت عن تحقيقه بالحصار والاذلال، ولكن للمقاومة رأي آخر انتصر في نهاية المطاف بارادة ربانية.

لا نعرف ما اذا كانت المعلومات التي وصلتنا وتقول ان المفاوضين المصريين “الوسطاء” بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي يرفضون حتى هذه اللحظة اللقاء مباشرة مع اعضاء وفد حماس، ويتحدثون معهم عبر السيد عزام الاحمد رئيس الوفد، لا نعرف اذا كانت معلومات صحيحة، ونأمل ان تكون غير ذلك، فاذا صحت، ويبدو انها كذلك، فلماذا يستمر وفد حماس في المفاوضات حتى الآن، ولماذا لا يثور لكرامته واسوده المقاومين وينسحب منها، وكيف يقبل ان يلتقي الوسيط المصري بالاسرائيليين الذين احتلوا ارض مصر وارتكبوا المجازر، وابشع انواع التدمير، في مدن القناة اثناء حرب الاستنزاف المشرفة بعد هزيمة عام 1967، ولا يلتقي ممثلي حركة مقاومة عربية مسلمة الحق رجالها هزيمة نكراء ومهينة بالجيش الاسرائيلي الذي “لا يقهر”، وبما يخدم امن مصر القومي ومشروعها الاستراتيجي العسكري والسياسي؟

وفد المقاومة الفلسطيني كان يجب ان يكون بقيادة شخص مثل رمضان عبدالله شلح امين عام الجهاد الاسلامي مثلا، وان يبدأ المفاوضات مع الجانب المصري قبل الاسرائيلي على فتح معبر رفح بصورة منتظمة ثانيا، ومعاملة الفلسطينيين امامه كبشر وليس كحيوانات من قبل الجنود المصريين، ورفع الحصار المصري على القطاع ثالثا، وبعد الانتهاء من تحقيق هذه الاهداف يتم الانتقال الى المفاوضات مع الطرف الاسرائيلي.

من يصمد لاكثر من شهر تحت القصف الاسرائيلي من البحر والبر والجو، ويسجل واحدا من اشرف الانتصارات العربية والاسلامية، ويلحق اعلى نسبة من القتلى في اوساط الجنود، ويمنع تقدم الجيش الاسرائيلي امتارا داخل القطاع، كيف لا يصمد امام ضغوط السلطات المصرية، المتواطئة مع العدوان؟ وكيف لا يكون هو صاحب الكلمة الفصل، وهو الذي يحظى بدعم الغالبية الساحقة من الشعبين الفلسطيني والعربي، ومعظم الرأي العام العالمي، وكل المسلمين تقريبا؟

***

والله لا نبالغ عندما نقول ان المقاومة انتصرت، وغيرت الكثير من المفاهيم حول قوة الجيش الاسرائيلي والدولة التي يمثلها، لان المفهوم الاساسي الذي قامت عليه هذه الدولة اي توفير الامان والاستقرار لمستوطنيها انهار بمجرد لجوء هؤلاء بالملايين الى الملاجيء، وهروب معظمهم من مستوطنات عسقلان واسدود وديمونة وسيدروت وحتى تل ابيب، فالمشروع الصهيوني في فلسطين قام على الاستيطان “المحصن”، وعندما تسقط هذه الحصانة فهذا يعني بداية فشله وزواله.

اعلامي بريطاني معروف قال لي نقلا عن قائد سابق للجيش البريطاني قوله، ان الجيش الاسرائيلي الحالي غير نظيره قبل خمسين عاما، فمعظم جنوده لا يملكون العقيدة القتالية التي كان يتمتع بها من سبقوه، ولا يعرف او غير مهتم باستخدام الاسلحة الحديثة التي في حوزته بشكل جيد، ويحب الحياة مثل كل اقرانه الغربيين، على عكس الفلسطينيين الذين يمتلكون الآن نفس دوافع الاسرائيليين الاوائل ان لم يكن اكثر، واظهرت حرب غزة هذه الحقيقة.

ثقافة المقاومة ترسخت في قطاع غزة، وستنتقل حتما الى الضفة الغربية واسرع يكثير مما تتوقعه السلطة وقيادتها ومنظريها وقوات الامن التابعة لها، فعندما يستشهد شبان برصاص الجيش الاسرائيلي في الخليل ونابلس احد ابرز خطوط المقاومة في مواجهة الاحتلال، ويرفض بيان السلطة ان يذكر انهم شهداء من ابطال حركة “فتح” خوفا من اغضاب حكومة نتنياهو، فان الطوفان قادم حتما، لان حركة “فتح” التي كانت السباقة في تقديم الشهداء لا يمكن ان تقبل بمثل هذا الهوان، ومثل هذا النكران، وكأن المقاومة امر مخجل يجب اخفاؤه.

اسرائيل وحلفاؤها العرب الذين تباهى بهم نتنياهو واعتبرهم انجازه الاكبر الذي تجلى بصمتهم وعدم تضامنهم اثناء عدوان غزة، يعيشون اسوأ ايامهم، هؤلاء الذين تحالفوا على ارضية الحرب على المقاومة ونزع سلاحها، واجتثاتها من قطاع غزة، وحضّروا سرادق الفرح والاحتفال، فشلوا في سورية مثلما فشلوا في العراق وقبلهما ليبيا واليمن، وسيواجهون قريبا جدا خطرا اكبر اسمه الدولة الاسلامية ومقاتليها، وهو خطر يقترب من حدودهم جميعا، ويرتعشون وتصطك ركبهم بمجرد سماع اسمه، حتى ان الرئيس السيسي طالب بتشكيل جبهة عربية موحدة لمواجهة هذا الخطر وليس اسرائيل، والله عيب.

سيأتي يوم قريب سيترحمون على حركة “حماس” وشقيقتها الجهاد الاسلامي، ويتباكون على ايام “الاخوان المسلمين” بل حتى على ايام “القاعدة” وشيخها اسامة بن لادن، فـ”التسونامي” الزاحف الذي تتساقط امامه الحدود والمدن كالذباب وترسل امريكا طائراتها لمنع دخوله اربيل فاجأ ويفاجيء الجميع ويكشف كل اوراقهم وعوراتهم معا.



Read More

الأحد، 24 نوفمبر 2013

مفهوم الجهاد وتأسيسه الفلسفي 02 من 02 - أبو يعرب المرزوقي

نوفمبر 24, 2013 0
مفهوم الجهاد وتأسيسه الفلسفي 02 من 02              
 أبو يعرب المرزوقي
 منزل بورقيبة في 2013.11.21 




   المستوى الثاني من القيم

           ما لا يقبل منها الاستعمال ولا التبادل بالمعنى الاقتصادي

والمشكل الفلسفي العويص في هذه المسألة هو التالي: ما الحد الذي نقف عنده للفصل بين التعامل بمنطق ما يقبل الاستعمال والتبادل الاقتصاديين من القيم وبين التعامل بمنطق مختلف مع نوع من القيم يمتنع بمقتضاها هذان الضربان من التقويم؟ فهذا هو المعيار الوحيد الذي يمكن من قيس الشعور بالكرامة والحرية عند الأفراد والجماعات: الحد الفاصل بين نوعي القيم ومنطقي التعامل هو المحدد لشعور الجماعة بكونها متعالية أو مخلدة إلى الأرض. فإذا كان كل شيء قابل للتبادل والاستعمال بمعنى القيم المادية الاقتصادية كانت الأمة عديمة الحرية والكرامة لأنها مخلدة إلى الأرض وإذا كان الوعي بما يتعالى على هذا التقويم غالبا على الأمة كانت أمة ذات كرامة وحرية.

ولنلاحظ أولا أن درجة العامل الثاني حتى في مجال ما يقبل التقويم الاقتصادي نقلتنا من الاستعمال والتبادل الاقتصاديين الخالصين والحرين إلى الاستعمال والتبادل المقيدين غير الخالصين اقتصاديا بل هما مقيدان بقيود أجنبية عن المجال الاقتصادي هما المجال الثقافي الذي يدخل البعد الجمالي سواء كان للزينة وحدها أو للتعبير عن الروحي بل  وبينا أن هذا المعنى الثاني من التقويم ينسحب على المعنى الأول حتى وإن كان ظهوره فيه ليس في متناول الفهم الساذج للاقتصاد. ذلك أن الفرق بين الاستعمالي من القيم والتبادلي منها ليس مقصورا على الحاجة المادية بل هو يتعداها إلى الحادة الذوقية والجمالية والخلقية ومن ثم فهو عائد إلى عامل ثقافي يحدد سلم الحاجات.
فهذا القيد الأجنبي عن الاقتصادي هو بداية الاقتراب من الوجه الخلقي وما يترتب على الكرامة والحرية في تقويم  الأشياء أو إن شئنا هو البداية البينة للبعد الروحي من العلاقات الإنسانية في المعاملات التي لا تقبل التعيير المادي الصرف.
لذلك فالمعاملات لها دائما وجه يقرب من العبادات في الشريعة الإسلامية لصلتها بمعياري الكرامة والحرية إذ إن كرامة الإنسان وحريته تقاس بمقدار استقلاله عن خضوعه لحاجته المادية. لذلك كانت هذه البداية متغيرة من ثقافة إلى ثقافة بحسب درجة القرب من البعد الروحي غير القابل للتعيير المادي الصرف وهو ما يجعل هذا البداية علامة بينة تمكن من ترتيب الحضارات والثقافات في سلم الكرامة والحرية أو إن شئنا في درجات شعور الإنسان بكونه إنسانا مكرما لا يخلد إلى الأرض: 
فبعض الثقافات يقل فيها هذا الجانب وبعضها يكثر والتناسب بين هذا وقلة الكرامة والحرية بين لكل ذي بصيرة.

وبين كذلك أنه لا توجد ثقافة تخلو منه رغم أنه قد يوجد من البشر من لايتجاوز العامل الأول فيكون كل شيء عنده قابلا للاستعمال والتبادل بكامل الحرية ودون قيد ثقافي ناهيك عن القيد الخلقي والروحي: 
ولعل جل الناكرين لضرورة الجهاد من هؤلاء ويكفي النظر إلى حججهم حتى تعلم أنهم من هذا الصنف إذ إن جل حججهم تكاد ترد الكرامة والحرية إلى مقومات الحياة البهيمية.
لذلك فهم لا يفهمون أن المسلم يعتبر الكرامة فوق كل اعتبار ويعتبر منزلة حريته وعرضه فوق كل تقويم مادي وهو معنى كونه مستعد للموت من أجلهما ومعنى اعتبار ذلك شهادة.

ولنبحث الآن في شرط القفز إلى المستوى الثاني أو في القفزة النوعية التي لابد منها عند الفرد والجماعة لتحصل النقلة من الاقتصادي والثقافي الإضافيين إلى الموضوعي والذاتي في حدود كونهما لم يتجاوزا الفاني والمتناهي إلى العقلي والروحي الكونيين المتحررين من التناهي الموضوعي والذاتي: ذلك أنه إذا لم يكن الإنسان قد بلغ درجة يعتبر فيها مجرد"حياة" أدنى قيمة من القيم التي تضفي عليها المعنى إضفاء يجعلها "الحياة"بالمعنى الحقيقي للكلمة كما قابل القرآن الكريم بينهما لا يمكن الكلام معه على قيم تنقل الإنسان مما يقبل الاستعمال والتبادل إلى ما يتعالى على كل استعمال وتبادل اقتصاديين.
فرأس القيم التي لا تقبل الاستعمال هو الكرامة رغم كونها تقبل المقايضة الاختيارية بمعنى مجازي كما في الحب البدني أو الروحي بين متساويين بالاعتراف المتبادل فتكون المقايضة بينهما مقايضة أمرين من نفس الطبيعة: وذلك هو جوهر العلاقة الزوجية أو أي علاقة حب. لكنها قد تنحط فتصبح قابلة لاستعمال عندما يقبل الإنسان منزلة العبودية بدنية كانت أو روحية أو بهما معا.
 مثال ذلك بيع الذات من أجل سد الحاجات التي تنتسب إلى المستوى الأول سواء بيع الجسد بما هو مصدر اللذة فيها وهو أول تجارة إنسانية أو بيع الفكر الإنساني ليكون في خدمة غاية خارجية مقابل عوض مالي وليس من أجل تحقيق نفس القيم التي يؤمن بها صاحبه. فتكون نسبة العبودية للعمل التعاوضي من جنس نسبة العهر للعلاقة الجنسية المشروعة بالزواج. فالعبودية هي بيع الحرية الجسدية والروحية وهي تجارة الأبدان والأرواح أيا كان نوعها. ولعل نوعيها الأشهر هما بيع جسد الإنسان رجلا كان أو امرأة وبيع روح الإنسان صحافيا كان أومفكرا. فكل من يجعل فكره في خدمة غير ما يؤمن به ويسعى إليه من الحقيقة الممكنة للإنسان عبد لأنه حول فكره إلى مجرد بضاعة تقوم اقتصاديا لا روحيا. وفي هذه الحالات جميعا يكون الإنسان قد جعل نفسه أداة. فهو بضاعة في حالة بيع الجسد وهو خدمة في حال بيع الفكر.

ورأس القيم التي لا تقبل التبادل هو الحرية رغم أنها تقبل الاستعمال الاختياري بمعنى مجازي كما في التزام المجاهد بالتضحية المفقدة للحرية الجسدية من أجل تحقيق شروط الحرية الروحية. لكنها قد تنحط عندما تفضل شروط الحياة العضوية على شروط الحياة الروحية كالحال في المرتزقة سواء بالسلاح المادي أو بالسلاح الرمزي ومن هؤلاء المعترضون على ضرورة الجهاد من أجل الحق والعدل. وهذا الموقف لا يحصل إلا متى ارتد صاحبه إلى الحياة النباتية فيجعل ذاته مجرد أداة مقابل عوض مادي سواء كان الارتزاق عسكريا أو فكريا.
والتبادل بالمقايضة الجنيسة حيث يكون الحبيبان متبادلين إلى حد يصبح فيه  كل منهما الآخر في ذروة التحقق الفعلي للحب الصادق والاستعمال بالالتزام الاختياري للتضحية بالحرية الجسدية من أجل الحرية الروحية في ذروة الجهاد حيث يذيب العابد ما يحول دونه واللقاء بالمعبود بفضل تحقيقه إرادته تقربا منه هما صنفا الحب الذي يجعل الإنسان إنسانا بحق فيتعالى على الفاني ويسعى إلى الباقي فيتحرر بذلك من عبادة ذاته لمن هو من جنسه في  الدرجة الأولى ولمن هو ربه في الدرجة الثانية.  

فمن شروط القيام الحر للأفراد والجماعات التحرر من التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية والتربوية لتبلغ الأمة درجة التحرر الروحي المؤسس للخلقي وللجهاد من أجله كما يتعين تاريخيا في شروط الكرامة والحرية: من دون ذلك لا معنى للكلام على الإبداع فهو من دونها ممتنع حتى في أدنى درجاته فضلا عن أسماها. فالتابع بنيويا يقلد ولا يبدع.  
كذلك فهمت شعاري الثورة وبهما أعلل ضرورة الجهاد وأفخر بوجود شباب تونسي يجاهد في كل أصقاع الدنيا من أجل ما يؤمن به من قيم الكرامة والحرية. ولو كانت شابا لكنت منهم. وعلى كل فأنا أجاهد بما يناسب سني. باليراع. ولن أقبل السكوت أمام النذالات التي أراها تنصب على رؤوس أبطال المستقبل الذين سيعيدون للأمة مجدها ليس بالجهاد المباشر فحسب بل وكذلك بالاجتهاد العلمي الطبيعي والإنساني الشارطين لتحقيق شروط الكرامة والحرية.
إني أخجل ممن يعتبر ذلك جرما حتى إني أتساءل أحيانا: ما الذي دهى هؤلاء الذين يساندون بشاعات ما يحدث في سوريا ويعتبرون من ينصر المستضعفين فيها مجرمين؟ ماذا تراهم فاعلون بالشعب التونسي لو كانت لهم قوة بشار ومن معه من قوى الشر في العالم؟ هل كانوا يذبحوننا لأننا لا نفكر مثلهم ؟  إن من يسمع كلام هؤلاء المتباكين على شباب تونس الذي ذهبوا لنصرة ثوار الحرية والكرامة في سوريا ينبغي أن يستنتج أنهم كانوا حتما سيكونون مع القذافي الذي أراد دعم النظام البائد لفرضه بجنس ما يفرض به الأسد سلطانه أعني بالمرتزقة سواء كانوا أفارقة أو من مليشيات نصر الله ومن هم جنسه من العراق وإيران وحتى من روسيا.

إن من يسمع خطابهم العنيف الساعي إلى قود الشعب إلى جنة حداثتهم المسيخة وتقدميتهم القردية يسارية كانت أو قومية أو ليبرالية قودهم بعنف الدولة الفاشية لا ينتظر منهم أقل مما يجري في سوريا لو تمكنوا من أسباب القوة. إنهم إذن من القائلين بالجهاد المحرف: ليس نصرة المستضعفين بل نصرة الطغاة الذين يستضعفونهم ولو كان ذلك بجبال من الجثث وبحار من الدماء. فمن يريد أن يجعل مقاومة الظلم والباطل ومساندة المستضعفين سبة لا يمكن إلا أن يكون عبدا ذليلا في حال الضعف ومستبدا حقودا في امتلاك القوة. إنه لم يفهم سر الوجود الإنساني ومعنى قيمتي الثورة في الربيع العربي الذي يسعى لتحقيق شروط إمكان الحرية والكرامة للإنسان في هذه الأرض بعد أن تداعى عليها كل المجرمين في العالم لتقاسم ثرواتها وإذلال شعوبها.

ومن ثم فكل شيء يرد عند هؤلاء المجرمين الناكرين على شباب الثورة فزته لمقاومة الاستبداد والفساد في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج يرد عندهم إلى المستوى الأول بل وإلى أدنى درجاته: 
كل شيء عندهم قابل للاستعمال والتبادل ومن ثم فهم تابعون أذلاء بل وساعون كل السعي لتوطيد التبعية بما يريدونه من قتل لإرادة المقاومة في شباب الثورة.
فهمهم لا يتجاوز إرضاء من يتحكم في شروط حياتهم النباتية أعني مستعمر الأمس ناصرين له في حربه على شروط المقاومة المحقق للحرية والكرامة أعني الجهاد بما يروجون له من محاولات:

1-                     للإبقاء على تقطيع أوصال مكان الواحد لئلا تتحرر الأمة من التبعية المادية وإذن فهو يحارب ثورة الشعب العربي في سوريا لأنه في الحقيقة يدافع عن الجغرافيا التي رسمها الاستعمار وهنا بالذات عن خارطة سايكس بيكو التي وضعها من يريد للأمة الضعف والتبعية رفضا لشرط شروط وحدتها. والشباب المتطوع في أي بلد عربي أو إسلامي يرفض ذلك ولذلك فهو مجاهد بحق.

2-                     وللإبقاء على تمزيق روابط زمان الأمة الواحد لئلا تتحرر الأمة من التبعية الروحية وإذن فهو يحارب مفهوم الجهاد لأنه في الحقيقة يدافع عن التاريخ الذي خطه الاستعمار وبالذات عن تكوين الدويلات القومية والعرقية على أرضية الوحدة العربية والإسلامية. والشباب المتطوع لرفض ذلك مجاهد بحق بصرف النظر عن الفهم الديني حتى وإن كان لهذا الفهم دور في تقوية الدافع إليه.

3-                     وللدفاع عن تقطيع أوصال المكان هو علة فقدان الدورة المادية للأمة بحيث إن اقتصاد اقطارها يصبح تابعا بحكم كونه عاجزا عن تحقيق شروط الاستقلال ومن ثم فكل مواطن عربي يصبح فاقدا للكرامة ما لم يثر على هذه الوضعية التي يفرض فيها الأعداء علينا مقايضة حياتنا النباتية بفقدان الكرامة وذلك هو مفهوم العبودية.

4-                     وللدفاع عن تمزيق روابط الزمان هو علة فقدان الدورة الرمزية للأمة بحيث إن ثقافة أقطارها تصبح تابعة بحكم كونها قبلت فقدان الكرامة ولا يمكن لمن يفقد الكرامة أن يبقى حرا فيبدع رمزيا.

5-                     وأخيرا فإن النقلة إلى المستوى الثاني من القيم مشروط بالأمر الواحد في كل القيم كما أسلفنا وبشرط المحافظة عليه حيا في ضمائر الشعب أعني بالجهاد حتما لكونه شرط شروط إمكان الكرامة وشرط شروط إمكان الحرية. 

وذلك ما كان علينا بيانه C.Q.F.D.


Read More

الجمعة، 22 نوفمبر 2013

مفهوم الجهاد وتأسيسه الفلسفي 01 من 02 - أبو يعرب المرزوقي

نوفمبر 22, 2013 0
مفهوم الجهاد وتأسيسه الفلسفي 01 من 02 - أبو يعرب المرزوقي
21 نوفمبر، 2013، الساعة 06:35 مساءً 
أبو يعرب المرزوقي
منزل بورقيبة في 2013.11.21




توطئة:
عذرا شباب الثورة فتيات وفتيانا. فما أكتبه هو لكم. لكن أسلوبه قد يزعجكم بداية. ذلك أنه يطالبكم بجهد لستم دونه همة ولا قدرة رغم سعي الكثير لتسطيح فكركم حتى يجعلوكم لقمة سائغة تقبل بما يريدون فرضه عليكم من تبعية روحية وفقدان للطموح التاريخي في استعادة الدور الكوني لهذه الأمة. لكن محاولات الغوص إلى معاني القيم التي بنيت عليها هذه الأمة غايتها جعلكم أنتم منطلق هذا الاستئناف. ولا يكون ذلك من دون استكشاف طريق الرشد الممكن بالفهم المتروي لسلم القيم التي تحقق شروط الحرية والكرامة مطلبي الثورة: 
موضوعنا اليوم هو تحليل محاولات تشويه مفهوم الجهاد عامة بلوثة الإرهاب ودور المرأة فيه خاصة بسوأة جهاد النكاح.

لن أتكلم في الموضوع كلام الفقهاء. ولا كلام المتكلمين. فلست أدعي حيازة علميهما ولا أنوي السعي إليه خاصة إذا كان الكلام يدور حول حملة التشويه التي تبدع تعييرا جديدا للجهاد عامة وجهاد الحرائر خاصة أسقطه أعداء شروط التحرر على غيرهم لكونه من جوهر تركيبتهم الذهنية من بني جلدتنا ناهيك عن أعدائها من المستعمرين:
تعيير المجاهدين بالإرهاب لأنهم نفروا لحماية المستضعفين ضد الاستبداد والفساد والطائفية في سوريا تماما كما فعل أمثالهم من الأبطال في البلقان ضد الجرائم الإنسانية التي اعتمدت التصفية العرقية والطائفية. وتماما كما فعل شباب أوروبا التقدمي في مساعدة ثوار اسبانيا ضد الفاشية في الثلاثينات من القرن الماضي.

ولم يكفهم تعيير الرجال بالجهاد إذ يخلطوه بالإرهاب فضاعفوا التشويه معتبرين مساهمة النساء فيه جهاد نكاح حطا من الجهاد ومن النكاح ومن النساء اللواتي يعتبرونهن مقصورا دورهن على الفراش دون شرف الدفاع عن القيم.
لكن كل جيوش العالم صارت مختلطة فضلا عن كون تاريخنا لا يخلو من ظاهرة جهاد النساء بل إن كل المجاهدين كانوا يصحبون أسرهم معهم وهو معنى الفساطيط والقيروانات.

طبيعة المسألة

لن أنظر إلى المسألة من وجه ديني مقصورا عليه ولا من وجه "جناسي=جندري"دفاعا عن دور النساء دورهن في الدفاع عن القيم مثلهن مثل الرجال. فالمسالة ليست مسألة دينية عامة ولا هي مسألة جناسة خاصة. كما أنها لا تنتسب إلى دين معين أو إلى ثقافة معينة بل هي شاملة لكل شعوب الدنيا التي تريد أن تكون حرة وكريمة وبذل الجهد الضروري لحماية الحرية والكرامة ضد الاستبداد والفساد داخليا وضد العدوان الأجنبي الصادر عن القوات الاستعمارية وعملائها الذين ولتهم عليها.
فبعض أعداء الإسلام حولوا هذا الجهد الإنساني السامي إلى سبة يلصقونها بالمجاهدين فصيروا الكلام على جهاد الرجال فضلا عن ممارسته جريمة وإرهابا واعتبروا مساهمة النساء فيه عهرا وقحبا يتندرون بوصفه تحقيريا بجهاد النكاح.

فتشويه ما هو طبيعي بل وما هو عين السمو القيمي في تحقق الطبيعة الإنسانية من حياتهم السلمية والحربية يجعل المرضى يسقطون ما يعانون منه من أدواء على غيرهم.

فالوجه القيمي من حاجة الإنسان العضوية والخلقية التي تقدر الذات العاقلة فردية كانت أو جماعية أنها ضرورية لحماية ذاتها ومجالها الحيوي ذكرا كان المدافع عن مجاله أو أنثى أعني كل ما يضمن شروط القيام العضوي والخلقي أو المادي والروحي تحولت إلى تشهير بذيء عند طائفتين عرفتا بحق ودون لبس بما تعيران به غيرهما أعني الإرهاب والتسيب الجنسي:

فطائفة التسيب الجنسي بامتياز هي القائلة بزواج المتعة وهي مصدر سبة جهاد النكاح. وهي في آن أصل الإرهاب في الحضارة العربية الإسلامية من البداية وهي مصدر سبة التكفير. فهي التي تعير المجاهدين بالتكفير في حين أن مذهبها يستند إلى تكفير كل من عداهم مسلما كان أو غير مسلم لقولهم بالحق الإلهي في حكم الناس بمقتضى الوصية للمعصومين المزعومين.

وطائفة التسيب الجنسي بامتياز هي المستهترة بمفهوم الزواج أصلا. وهي في آن أصل الإرهاب في الحضارة الغربية الحديثة كما هو معلوم طيلة الحرب الباردة. وهي التي تعير المسلمين جميعا دون تمييز بالإرهاب فلا تعترف حتى بحروب التحرير رغم أنها تسيطر على العالم بالمافيات التي تنظم الانقلابات ضد كل نظام يسعى إلى التحرر من التبعية. 

مفهوم الجهاد وضرورته

ولما كان الجهاد عامة و مساهمة المرأة فيه (حتى عند الاقتصار على رعاية المجاهدين صحيا) خاصة حاجة دائمة في المجتمعات البشرية وكانت هذه الحاجة بين مد و جزر بحسب ما يمتد إليه طموح الذات فردية كانت أو جماعية فإن امتداده متردد بين المدى الذي يكون فيه حقا وعدلا وبشروطه الخلقية (وذلك هو معناه الإسلامي) إلى المدى الذي يصبح فيه باطلا وظلما مع العدوان على كل خلق (وذلك هو معنى تحريفه الأمريكي).
ولايمكن أن نقيس الإسلام على الدينين الآخرين الخاليين من هذا الفرض في الظاهر. ذلك أن أهل هذين الدينين كانوا عبيدا لا يسيطرون على شروط القيام المستقل بل هم دائما في خدمة دولة وحضارة لا ناقة لهم فيها ولا جمل (اليهود في مصر الفرعونية والمسيحيين في فلسطين الرومانية).

لكن الإسلام المؤسس لحضارة ودولة لم يكتف بفرضه فرض عين على الذكور والإناث عندما تقتضيه الوضعيات التي فُرض لعلاجها بل هو حدد شروط كونه حقا وعادلا وحذر من شروط تحوله إلى باطل وظلم وذلك على المستويين الوطني والدولي فكان بذلك أول دين يضع قانون الحروب يحررها من الوحشية والتعدي على حقوق الإنسان حصرا للقتال بين الجيوش دون عدوان على الشعوب. 
وهو لم يضعه إلا للغرضين التاليين:
أولا قبليا لمنع أن تكون الأمة مستضعفة فتخضع في تحقيق هذه الشروط لمن قد يسود عليها فيستعبدها. وذلك هو مضمون آية الاستعداد لئلا تصبح الأمة من المستضعفين. وهو ما يراد للأمة أن تتخلى عنه في الحملة الموجهة ضد مفهوم الجهاد.
ثانيا بعديا لتحرير المستضعفين من غير المسلمين فضلا عن المسلمين استضعافا ماديا بالعدوان على شروط قيامهم المادي واستضعافا روحيا بالعدوان على شروط قيامهم الروحي. وضمن هذا الفرض حق مبادرة المسلم للتدخل بموجب الدفاع عن القيم الإنسانية. وهو حق لم تدركه المؤسسات الدولية إلا من قريب.

لذلك فالآيات القرآنية المتعلقة بالجهاد ربطته بشرطين لا ثالث لهما:
محاربة الاستضعاف المادي وهو أهم عناصر ما يسمى بالحرب على الفساد في الأرض الذي يفسد شروط الحرية المادية للإنسان أي إنسان.
ومحاربة الاستضعاف الروحي وهو أهم عناصر ما يسمى بالحرب على المس بحرية العبادة والعدوان على الحقوق الروحية اللذين يفسدان شروط الحرية الروحية للإنسان أي إنسان.

وكل إنسان عامة وكل مسلم خاصة لا يمكن أن يعارض هذا المعنى من الجهاد إلا إذا كان ذهنه خاليا من هذه المعاني السامية أو لعدم فهمه أن المنكرين للجهاد على المسلمين عامة وعلى نسائهم خاصة هم أكثر الناس عملا به زعما للحق في حالة العدوان وحقا في حالة الدفاع عند أخذ هذه المعاني بعين الاعتبار.
لكن غرائب الأمور أن محاربي الجهاد عامة وجهاد النساء خاصة ومشوهيه يسقطون صفاتهم على المجاهدين الصادقين إما لإخفاء عمالتهم للغرب أو للتمويه في خططهم الساعية لجعل السنة منزوعة السلاح حتى يسهل استعادة أمجادهم المزعومة قبل الإسلام.

عودة الوعي الجهادي عند الشباب فتيات وفتيانا

لكن شباب الثورة ليس بالغافل عن كون أكثر الأمم عملا بما يشبه مفهوم الجهاد والاستعداد الرادع حتى وإن لم يحملا هذين الاسمين - لكونهما في شكل محرف منهما لاعتمادهما على العدوان وليس لمحاربة الاستضعاف - هي الولايات المتحدة وأوروبا التي تطبق حرفيا آية الاستعداد الرادع فتخصص قدرا مهما من ميزانياتها للدفاع وتعتبر أهم أقسام البحث العلمي مخصصة للدفاع. كما أن أساطيلها وجيوشها تسيطر على أرجاء المعمورة كلها ولا يخلو أي جيش من جيوشهما من الاختلاط ومشاركة الجنسين فيه.
فهي تعطي لنفسها الحق في الحرب الاستباقية وتحتل جل العالم من أجل العدوان والإفراط في تحقيق شروط رفاهيتها المادية على حساب حقوق الآخرين وفرض نموذجها الروحي لاستعبادهم.
لكنها تعتبر مجرد الدفاع والمقاومة للاحتلال العسكري إرهابا وتحول ذلك إلى سبة تلصقها بالجهاديين بمشاركة عملائها وحلفائها في المنطقة التي تسعى إلى التحرر من الاستعمار والاستبداد والفساد.

والمذهل أنك تجد اشباه المثقفين والصحفيين يرددون هذه السبة بل ويزينونها بالكلام على جهاد النكاح متناسين جهاد العهر الفكري الذي يجعلهم أبواق دعاية ضد مناعة شعوبهم الوحيدة المتبقية بعد أن رهنها سادتهم من الحكام المستبدين والفاسدين فجعلوها شعوبا متسولة لدى مستغليها وسارقي ثرواتها.
فقد بلغت قلة الحياء إلى حد وصم الدفاع ضد الاحتلال والتصدي لتحريف مفهوم الجهاد عند محاربيه وصمه بالإرهاب ووصم مساهمة النساء فيه بجهاد النكاح أو ربما بإرهاب النكاح. فهم يحتلون كل الوطن العربي ودار الإسلام ويعتبرون كل من يقاوم احتلالهم إرهابيا حتى لو اقتصرت مقاومته على رد العدوان المقاومة في البلاد المعتدى عليها. أي إن الولايات المتحدة وأوروبا ومن سيأتي من القوى الصاعدة يحق له أن يعد العدة للعدوان ولا يحق للمعتدى عليه أن يقاوم فضلا عن أن يعد العدة لتحقيق شروط إمكان منع العدوان أعني شروط القوة عامة والقوة العسكرية خاصة كما حددت آية الإعداد الرادع.

وإذا كان ولا بد من النكير على الجهاد عند المسلمين الحاليين فينبغي أن يتعلق بفقدان شروط فاعليته أعني بقلة الحيلة التي آل إليها أمرهم لأنهم لم يعملوا بآية الإعداد الرادع ولم يدركوا أن الجهاد القتالي ليس مطلوبا لذاته بل المطلوب هو الإعداد الذي قد يغني عنه وبصورة خاصة قد يغني عن كلفته البشرية لأن العلوم الطبيعية وتطبيقاتها من حيث تحقيق شرط الأداة والعلوم الإنسانية وتطبيقاتها من حيث تحقيق شرط الغاية تمثل أمرين لا معنى للجهاد من دونهما: 
فالجهاد لا يكون بكيان الإنسان العضوي إلا إذا كان الإنسان عديم الحيلة العلمية والتقنية فلم يبدع النظريات ولم يصنع التطبيقات التي تجعله مستغنيا عن تعريض نفسه للمهالك دون فائدة.

وبهذا المعنى فلا يوجد إنسان أو مجتمع إنساني لا يقول بتربية شبابه ذكورا وإناثا على خلق الجهاد بمعنى الدفاع عن الحق والعدل إن كانت تربية سوية أو بمعنى تحريفه الذي هو نقيضه بمعنى هجوم الباطل والظلم عليهما إن كان تربية محرفة:
فهو جزء من التكوين الإنساني لأنه من شروط حرية الإنسان وكرامته.
فكل الأمم تعتبر التربية على الجهاد من شروط حماية ما تعتبره الأمم من "المقدس له" عندها سواء كان القصد بــ"المقدس له" معناه الديني أو معناه الذي يفيد أي نوع آخر من سامي القيم عقلية كانت مرجعيتها وتبريرها أو روحيين.

الاستدلال المفحم بنظرية سلم القيم

لذلك فلا بد من التعريج على هذا المعنى لفهم دلالة التربية على الجهاد ببسط عاجل حول أصناف القيم التي تؤسس للجهاد تأسيس الغاية للفعل من حيث هو أصناف الدفاع عن حرية الذات الفردية والجماعية وكرامتهما في كل عمران بشري عرفه التاريخ الإنساني استقراء واستنباطا.
وإنه لمن السخف أن يسود في إعلام دول الثورة وبين مثقفيها المزعومين النكير ليس على الجهاد باعتباره دفاع الأمم عن "المقدس له" بل حتى النكير على مفهوم تقديس بعض القيم, فـ"المقدس له" أصبح عند أشباه المثقفين من حوائل الحريات بل ومعارضا لقيم الحداثة المزعومة في حين أن الحريات وقيم الحداثة لا معنى لها إلا بما يوفره لها مفهوم "المقدس له" سوءا كان ذا مرجعية دينية أو فلسفية من شروط التعالي سواء أدركناه بتوسط التربية الدينية أوبتوسط التربية الفلسفية أو حتى بالفكر الساذج الذي لم يبلغ إلى أدنى درجاته هؤلاء المتثاقفين من أميي المقاهي والمخبرين: 
فـ"المقدس له" هو المثال الأعلى في كل مجالات التقويم أيا كانت مرجعيتها المؤسسة لها ومن ثم فهو عين مجال الإبداع وشرطه ولايمكن تخيل الإبداع نفيا للمقدس في حين أنه ليس إلا محاولات التعبير عنه:
1-جمالية كانت (شرط الفنون)
2-أو جلالية (شرط الأخلاق)
3-أو سؤالية (شرط الفكر)
4-أو جهوية (شرط الحرية)
5-أو وجودية (شرط التعالي والتحرر من الإخلاد إلى الأرض).

وفي الحقيقة فإن "المقدس له" أيا كان صنفه لا يكون إلا دينيا بالمعنى الفلسفي لمفهوم الدين وكذلك بالمفهوم القرآني. فالإنسان إذا كان إنسانا بحق لايمكن أن لأمر آخر غير منبع المثل العليا التي تحرره من الإخلاد إلى الأرض فيكون كائنا عاقلا حرا من كل قيد عدا الإيمان بكرامته كائنا عاقلا لا يعبد غير الله: 
فالكرامة هي ألا يكون الإنسان تابعا لغيره والحرية هي أن يختار المطلق متبوعا.
ذلك أن "المقدس له" هو أصل البعد الأسمى من هذه المجالات القيمية الخمسة أعني أن المقدس له في الفن والمقدس له في الأخلاق والمقدس له في الفكر والمقدس له في الجهة والمقدس له في الوجود كلها مشدودة إلى ما يمتاز الحر المطلق عن التابع أي كان المتبوع من الأمور النسبية.

إن جميع أصناف "المقدس له" من قبل الإنسان ذات أصل واحد هو المعبود الأسمى أعني ما يجعل الإنسان يتعالى على الفاني والمتناهي لئلا يخلد إلى الأرض فلا يكون مجرد دوده لا تتعالى على أكل التراب الذي يأكلها. وذلك هو معنى التقديس للباقي والمطلق: 
وذروة الوعي بهذا التعالي والتعبير عن هذا الوعي والسعي لرعايته وحمايتهبما هو شرط الحرية والكرامة هو الجهاد بمعنييه صدا للظلم والباطل ماديا وعبادة تقديسا للواحد روحيا.

وهذا ما نحاول هنا إثباته بصورة منطقية وجيزة انطلاقا من مفهوم القيمة بكل أصنافها ومستوياتها أعني من منطلق ما لأجله تربي الأمم أبناءها ذكورا وإناثا على أخلاق الجهاد أخلاقه التي يعتبر ابن خلدون فقدانها فقدانا لمعاني الإنسانية (انظر فصل التربية من المقدمة) إذ تصبح الأمة عالة على غيرها في شروط وجودها المادي والروحي.

علاقة المستوى الأول من القيم بالحرية والكرامة

الدرجة الأولى من القيم المادية:

ولنبدأ بالمعنى المتعارف للقيمة الاقتصادية أي ما يقبل الاستعمال والتبادل من القيم بالمعنى الاقتصادي في درجتها الأولى. فهذه القيم هي القيم الأسمى عند كل إنسان دينه الإخلاد إلى الأرض لأن الدنيا تكون غاية مبتغاه بعد أن جعل معبوده هواه كما يرمز إلى ذلك مثال عبادة العجل. فهذه القيم صنفان كما هو معلوم:
1-قيم استعمال البضائع والخدمات بهدف سد الجاجات.
2-وقيم تبادل البضائع والخدمات بتعاوض مالي أصحابها.

والقيمتان مختلفتان بالرتبة لأن الحاجات التي تستجيب لها البضائع والخدمات المقومة بها متراتبة تراتبا يتباين الترتيب بينهما فيه بحسب الظروف المحددة لنسب إلحاح الحاجة بين المتبادلين. فقيمة الماء الاستعمالية أرفع من قيمة الذهب في كل الظروف. لكن قيمته التبادلية دون قيمة الذهب فيها عادة. لكن الماء عندما يندر يصبح ذا قيمة تبادلية أرفع من الذهب سواء كان ذلك في الحرب أو حتى في السلم عندما يُفقد أو يُتوقع فقدانه كما يكون عليه الأمر عند تدبير القائد المسؤول شروط استقلال الإرادة استباقا لما قد يحصل في حالة الحرب.

وهذا الوجه من العناية التوقعية بالحاجة هو مصدر أول نوع من الجهاد لأنه يتعلق بما يسمى سعيا لتوفير شروط الأمن الغذائي الذي فقد العرب الوعي به ولم يعتبروه جزءا من السيادة بل هو أساس كل سيادة ومنه يأتي مفهوم المجال الحيوي حتى عند الحيوانات ناهيك عن البشر. فيكون هذا أول معنى للجهاد حتى وإن كان بما هو استعداد توقعي لسد الحاجة جهادا بالقوة لأن الاستعداد لحماية شروط سد الحاجات المتوقعة يتطلب تكوين الإنسان وتوفير الأدوات التي تحقق تلك الشروط. وهذا ما نراه في سعي الأمم القوية إلى الاستحواذ على مواطن الطاقة أو مصادر الماء والغذاء أوحتى مجرد الوصل بين الحرية ومجال السيادة غير الخاضعة لإرادة الغير مثلا.

وإذا كان الاكتفاء المطلق ممتنعا وتلك هي علة التبادل والتعاون بين الأمم فإن التنافس على موضوعات التبادل يجعل السيادة رهينة السيطرة المستقلة لكل طرف من أطراف التبادل على الحد الأدنى المغني عن الغير إذا حاول استعمال سلطانه ليقلب التبادل السلمي بين الشعوب إلى فرض إرادة شعب على شعب تصديرا وتوريدا وهذا هو المعنى التوقعي للجهاد عند كل الشعوب وهو علة وجود القوات المسلحة المستعدة دائما للتدخل في حماية هذه الشروط: 
وتلك هي حال كل الأقطار التي لم توفر شروط المناعة بالحجم الكافي للدفاع عن المجال الحيوي الذي هو في الحقيقة علة الوجود الجمعي للأمم للتعاون على سد حاجاتها وحماية شروطها.

الدرجة الثانية من القيم بمعناها الاقتصادي:

وبذلك نكتشف أن القيمة التبادلية بخلاف القيمة الاستعمالية ليست ذاتية للبضاعة أو للخدمة بل هي بنت حوالة الأسواق و ربيبة ظروف التبادل سلما وحربا وغفلة أو نباهة للمتغيرات في العلاقات بين الأفراد والدول سلمية كانت هذه العلاقات أو حربية علما و أن قانون العلاقات الدولية يجعل النوع الثاني من العلاقات هو الأفق المحدد للسلوك الحكيم.

وهذا العامل هو الذي يبين أن القيم بمعناها الاقتصادي ليست بالأمر المستقل عن معنى أرفع هو درجتها الثانية لأنه ليس رهين محددات الندرة والوفرة الموضوعية فحسب بل هو رهين الإرادات المتنافسة عليها ورهين بثقافة الحاجات ذاتيا.
فلو لم يكن الذهب (الزينة) أو الرسم (التعبير) حاجة جمالية وروحية بدرجة ما في ثقافة معينة لما كان لهما قيمة تبادلية تفوق قيمتهما الاستعمالية في حدود تلك الدرجة.
وبهذا المعنى فنحن نتجاوز التحديد الاقتصادي الصرف للقيم لنصل إلى التحديد الثقافي أو بصورة أدق إلى دور رتبة ثانية من التقويم هي المتحكمة في التقويم الاقتصادي حتى وإن غفل عنه أصحاب النظرة الاقتصادوية الساذجة.
لكننا نبقى مع ذلك في المستوى الأدنى من القيم ما دام الأمر متعلقا بالتأثير على الفروق الكمية في قيمة التبادل المادي. 
وإذن فنحن في دائرة ما يقبل الاستعمال والتبادل حتى وإن كان مختلف المقدار التبادلي.

ورغم أن الأمر يتعلق بما يقبل الاستعمال والتبادل فإن الشعوب تتقاتل من أجله فيكون المدافع عما يملكه منه مجاهدا بمعنى المدافع عن حقه العادل ولا يعد إرهابيا إلا من يعتدي على صاحب الحق: 
وبهذا المعنى فالاستعمار هو الإرهابي والمجاهدون في أي مكان مدافعون عن الحق والعيب الوحيد هو أنهم لقلة الحيلة يلجأون إلى سلاح الضعيف أي العنف الأعمي الذي يؤدي إلى عكس المطلوب.

لذلك فالإسلام يعتبر كل من يحمي ماله وحقه مجاهدا ويدعو إلى تجنب هذه الوضعية التي تلجئ المدافع عن حقه إلى مثل هذه الحلول الدالة على الضعف لا على القوة لعدم العمل بآية الاستعداد الرادع. ولذلك كانت حماية المال من مقاصد الشريعة ومن ثم فحمايته لا تكون إلا بالاستعداد الرادع والقتال عند اللزوم وكان من يموت دون ماله بهذه الشروط يعتبر شهيدا تماما كمن يموت دون عرضه أو دين دينه.
ويكون المهاجم لانتزاع الحوز من صاحب الحق هو الإرهابي لأنه يحرف مفهوم الجهاد فلا يدافع عن حق عادل بل هو يهاجم من أجل اغتصاب حوز ظالم:
وما نعيشه اليوم في بلاد العرب خاصة ودار الإسلام عامة هو قلب للقيم بات فيه بعض أبناء جلدتنا يسمون المجاهد من أجل الحق والعدل إرهابيا.
والمقاتل من أجل اغتصاب الحقوق والظلم يعتبرونه ناشرا لثقافة حقوق الإنسان حتى لو كان ذلك باحتلال أرضك وهتك عرضك واستحياء نسائك وأخذ كل ثرواتك. 

فإذا لخصنا ما يتعلق هذين المستويين من القيمة الاقتصادية قلنا إننا أمام عاملين يحددان الاختلاف بين قيمة الاستعمال وقيمة التبادل:

1-أحدهما يخص علاقة البضاعة أو الخدمة المقومة بحاجة الإنسان وفرة وندرة موضوعية سواء نتجت عن ندرة طبيعية أو عن احتكار علته التنافس بين الساعين للاستفراد بها. و يمكن أن نعتبر هذا العامل الأول عاملا موضوعيا لصلته بأمرين طبيعيين هما:
أ-كم البضاعة أو الخدمة ب-وكم الحاجة أو الرغبة في الاستحواذ.
وكلا الكمين قابل للقيس الموضوعي رغم البعد النفسي الذي لا ينكره أحد والذي يجعل الخوف من الندرة علة لوجودها وهما أو فعلا بما ينتج عنه من تلهف على خزن البضاعة أو الخدمة بصرف النظر عن الظروف المقوية لهذا التهلف مثل الحرب أو الشائعات المتعلقة بما يمكن أن ينقص العرض فيزيد الطلب. ولولا عامل الندرة الفعلي أو الوهمي لما كان لمفهوم القيمة الاقتصادية معنى بل لما وجد الاقتصاد من أصله.

2-والثاني يخص علاقة البضاعة والخدمة موضوعيا وعلاقة حاجة الإنسان ذاتيا بمعايير ثقافية من طبيعة جمالية بصنفيها المتعلقة بالزينة الخارجية أو بالتعبير عن قيم روحية. وقد يجتمع الأمران كما يحصل في تزيين المعابد أو في امتيازات ممثلي الشعائر الدينية أو التراثية التي من جنس المآثر ذات الدلالة التاريخية. وهذا العامل لايستمد فاعليته من البضاعة والخدمة أعني من الأمر المقوم ولا من الحاجة الطبيعية ذاتها بل من دورها في ثقافة بعينها.
ومن ثم فهي قابلة لأن توصف بكونها ذاتية أو إن شئنا فإن موضوعيتها مستمدة من دلالتها الرمزية في ثقافة معينة وليس من دورها الذاتي لها في ما تسده من حاجات فعلية بصرف النظر عن قيم ثقافة بعينها. ويمكن القول إن هذا المعنى يشمل المعنى الأول لأن منازل المطالب الحاجية تحددها الثقافة.
فيكون سلم القيم المادية محكوما بالعادات والتقاليد الثقافية للجماعة. ولهذه العلة بات من شروط سياسة التسويق العلم بثقافة المستهلك.
Read More