Hot

الثلاثاء، 1 يناير 2013

"فقاعة" السبسي أو الفشل الحتمي للثورة المضادة أي نداء تونس

أبو يعرب المرزوقي منزل بورقيبة 2013.01.01

 فاتحة السنة الجديدة تصحبها بشرى لأصدقاء الثورة. فليس لمن يقابلهم من أعداء الثورة شروط الندية التي قد تخيفهم على الثورة منهم حتى وإن كان الواجب يقتضي عدم الاستهانة بهم تحوطا استراتيجيا للمفاجئات الممكنة. فكل الأنداد في الساحة السياسية التونسية يفضلون المعارضة الشريفة على أرضية الثورة وقيمها ولا يمكن أن يقبلوا بالانضمام إلى صف الثورة المضادة: تلك هي البشرى التي استقرأت علاماتها من حواري مع الكثير من الزعماء الشباب ممن لم يتردد في نقد تنظيمه السياسي للدفاع عن الثورة وقيمها وخاصة لتحقيق الصلح بين الأصالة والحداثة وذلك في كل الأحزاب التي كانت تعارض الاستبداد والفساد. لذلك فعندي أن مساعي أعداء الثورة مآلها الفشل حتما. ويكفي للدلالة على هذا الفشل الحتمي الطابع السيزيفي لمحاولات قائدها المزعوم طيلة حياته السياسية التي لم يكن فيها أبدا قائدا من الصف الأول: قصدت السيد الباجي قائد السبسي. ذلك أن مجرد لجوء مضادي الثورة إلى رجل لم يكن له في تاريخ تونس المقاومة دور القائد لا قبل الاستقلال ولا بعده يعني أنهم فقدوا القدرة على التأثير في تاريخ تونس إذا ما استثنينا الدور السلبي بمعنى محاولات التعطيل لا غير. أذكر أني هنأت الرجل يوم تقديم الحكومة الحالية مشروعها الخطاطي للبرنامج التي اقترحته لنيل الثقة مشيرا إلى أن التاريخ أمده بفرصة جعلته يدخل وله أن يخرج من الباب الكبير لمن يمكن أن يعدوا من رجالات تونس في مراحله المفصلية: تنظيم الانتخابات التي نالت رضا الجميع. لكنه فضل ألا يخرج مخرج صدق بل أراد أن يضفي على عودته دلالة الإنقاذ مما يتصوره خطرا على تونس دون أن يحدد أي تونس يعني. وكان يمكن لهذه الحكاية أن تنطلي فتعد عودته من باب الاجتهاد بعنوان الإنقاذ الضروري مما يتصوره خطرا على مستقبل البلاد لو لم نطلع على حطته خلال مرحلتي حكمه (قبل الانتخابات وبعدها) فنفهم دلالتها التي حددها بنفسه في القصة التي ختم بها كلمته قبل تنصيب محركيه له في رئاسة الحكومة الثالثة. الرجل ليس له خصال تؤهله للقيادة من المبادئ التي يثبتها تاريخ القيادة مبدأ الظهور المبكر لخصال القيادة. لم نسمع في التاريخ بقائد ظهرت قدراته القيادية بعد الثمانين من عمره لأن العبقرية القيادية ملازمة للعنفوان الشبابي حتما. فهي تظهر بدارا في الشباب لحاجتها إلى المدد العاطفي والروحي فضلا عن متطلبات العمل البدنية والعقلية. لذلك فإنه ينبغي قبل الكلام في ما أقصده بالفشل الحتم أن أثبت دعواي حول حجم الرجل واستحالة الزعامة التي يدعيها. ولن أقصر إثباتي على أحداث التاريخ التونسي التحريري في مراحله الخمس المتقدمة على الثورة بل أتجاوز ذلك إلى الكلام في شروط القيادة للمرحلة الحالية. وهذه المراحل السابقة عن الثورة هي 1-مرحلة المقاومة إلى حصول الاستقلال 2-ومرحلة حكم بورقيبة إلى سيطرة العجز 3-ومرحلة الإصلاح من داخل الحزب 4-ومرحلة الخروج على حزبه (أغلب زعماء المعارضة الديموقراطية) 5-ثم مرحلة الاستحواذ على الدولة من داخل الحزب (نظام ابن علي): فالسبسي-رغم بنادير الإعلام الفاقد لكل مصداقية- لم يكن في أي واحدة من هذه المراحل من صف الرجالات الأول بل كان دوره ثانويا دائما بل إن انتهازيته جعلته يكون دائما إلى صف الرابح دون اعتبار للأهداف السامية في الثورات التي هي منعرجات خلقية في سعي الإنسان نحو المثل العليا. ومن ثم فهو لم يقطع مع من بيده الحكم أبدا. إنه ليس مؤهلا لقيادة المرحلة الحالية بل هو مستعد للتعاون مع أي طرف ليشغل محلا في الحكم الحالي لو وجد من يعترف به زعيما ولو على محمل تطييب الخاطر. لكن الحجة الشافية والكافية على عدم الأهلية هي الحجة التي يصعب أن يجادل فيها أحد. فلو كان السيد الباجي قائد السبسي قادرا على القيادة الإيجابية لكان حائزا على محبة من بقي حيا من رجال النظام البورقيبي رجاله المخلصين الذين أمن الله على البعض منهم بطول العمر وعنفوان الفكر والروح: فجميعهم من سن لا يمكن أن ننسب المواقف فيها إلى الحسد أو الغيرة أو التنافس على الكراسي بل شهادتهم لا يمكن أن تكون إلا شهادة لوجه الله وللوطن. لم أسمع واحدا منهم يذكره بالخير أو يطمئن إليه أو ينتظر منه خيرا للبلاد والعباد. لذلك فزعامة الفكر البورقيبي لا يمكن أن تعود إليه مهما حاول المغالطة. وقد تكون الحجة الجامعة بين الأحداث والمواقف هي خصائص الحزب الذي كونه. فهو حزب لم يجمع من الدستوريين من يعتد به. ولم يجمع من المعارضين السابقين لنظام ابن علي من يمكن أن يكون ذا دلالة على إيجابية مشروعه. والأدهى أنه في الحقيقة يقدم نفسه بديلا من هؤلاء المعارضين ذوي المصداقية الذين لا يمكن لأحد أن يعتبر معارضتهم للحكم الحالي انتسابا للثورة المضادة لأنهم كانوا من المعارضين الحقيقيين في عهد ابن علي: أعني الدساترة الحقيقيين وحزب رئيس الدولة وحزب رئيس المجلس وحزب الشابي واليسار الذي لم يتورط مع ابن علي. فهو يرمي بشباكه للتصيد في مياههم جميعا فلا يأخذ منها إلى أسوأ ما فيها أعني فضلات الفضلات: فالدساترة أو جماعة 6 نوفمبر الذين لم ينضموا لابن علي لا يمكن أن يكونوا معه. ومنهم المزاليون أعني من كان يريد أن يصالح بين الحداثة والأصالة من الحزب الدستوري . لكنهم ليسوا الوحيدين إذ إن المستيريون (نسبة إلى السيد أحمد المستيري أمد الله في أنفاسه) دساترة أرادوا المصالحة بين الحداثة البورقيبية والديموقراطية. وكل المعارضين الذين لا يعادون الهوية ولا ينتسبون إلى الحركة الإسلامية سواء كانوا ليبراليين أو يساريين أو قوميين لا يمكن أن يكونوا معه. وحتى بعض التجمعيين ممن كانوا مغلوبين على أمرهم في عهد ابن علي وخدموا الدولة بإخلاص وكفاءة –وهم كثر بخلاف ما يتوهم معممو الأحكام جزافا-فإنهم لا يمكن أن يكونوا معه لأنهم وجدوا في الثورة فرصة للتحرر مما كانوا يعانونه من قهر من المافية التي سيطرت على الدولة ومؤسساتها وعلى اقتصاد البلاد وثرواتها. أما من يعارض الحكم الحالي من الإسلاميين فهم من بحر لا يمكن أن يسبح فيه السبسي وأمثاله لأنهم أدرى بالرجل وبهم من أنفسهم. قد يختارون أي حزب من الأحزاب الأخرى التي عارضت في المراحل الخمس التي ذكرت أو قد يكونون أحزاب أخرى. لكن لا أحد منهم يمكن أن يغريه حزب السبسي وانتهازييه من البعثيين ويساريي الكافيار. ومن يفعل منهم يكون من واجبنا في الحقيقة أن نشكر السبسي على تخليصنا منه. فهو بذلك يكون ذا فضل كبير على الحركة الإسلامية لأنه يكون قد أنقذها من المنافقين. لم يبق معه إلا رهطان معلوم للجميع طبيعة دوافعهم التي ليست بقابلة لأن تمثل لحمة حزب سياسي ذي مصداقية فضلا عمن تخذلهم حساباتهم السياسية ممن يترصدون فرص الانحياز لمن يتصورونه ضامنا لهم مصالح مرتهنة باستبداد الحكام وفسادهم أعني بالعدوان على القانون في توزيع الثورة والمنزلة: فأما الرهط الأول فهم قلة مريضة تعاني من عقدة البلدية إزاء المتفوقين من غير البلدية أعني أولئك الذين ربوا على الحكم المسبق الوهمي الذي كثيرا ما سخر منه ابن خلدون: المجد الطبقي الزائف للبلدية الذين يحتقرون كل من لا يرى العالم مثلهم أو من لا يعتبر عوائدهم النموذج الوحيد لأساليب العيش والتحضر. ولعل بورقيبة قد فهم هذه العقدة فحقق ما ظنوه خضوعا لريقهم لكنه فعله لإهانتهم لو كانوا يفهمون أحداث علاقته بوسيلة من بدايتها إلى غايتها. وأما الرهط الثاني فجلهم من حثالة الحثالة. إنهم يعيشون على عداء مجاني لكل ما هو عربي وإسلامي. وهم يتصورون ذلك كافيا للشهادة على حداثتهم ونخبويتهم. إنهم مدمون على حداثة مرضية لا تتجاوز صفات"الخواجة" ظنا منهم أنها عين التقدم. لذلك تراهم عند ملاقاة سادتهم أحقر خلق الله تذللا وتمسحا بهم علما وأنهم أبعد الناس عن المعرفة الحقيقية بالحداثة والغرب. وأغلبهم من أعشار المثقفين بل هم من الأفاقيين الذين يريدون أن يقبل بهم الرهط الأول. والجامع بين الرهطين هو عقد نقص المستعمَرين الذين ترمز إليهم عبارة هي من أحكام المرحوم بورقيبة المسبقة عندما حكم على ذكاء أحد أبطال التحرير من رفاقه بأنه "بهيم وغير ذكي" والحجة كانت لأنه لا يعرف الفرنسية. لم يكن يدري أن غيره كان يمكن أن يعتبره بهيما هو بدوره لأنه لا يعرف الإنجليزية مثلا. ومن علاماتهم البينة الكلام في لباس رئيس الدولة غير الشيك أو في عدم حذق رئيس الحكومة للفرنسية أو في زعم العرب الخليجيين بدوا أو مربوطي الرأس أو في الزعم بأن قطر ستستعمر تونس أو أن الإسلاميين عملاء أمريكا بحيث يصبح ضاحي خلفان مفكر هذه الجماعة. وأقوى حجج هؤلاء الحمقى هي الحكم على الشعب الذي رفضهم بأنه جاهل وغبي وبأن كل المنخرطين في حزب النهضة "زكرم بكرم" لأنهم لم يكونوا من النخبة التي نالت الحظوة في عهد ابن علي. تلك هي الأحكام المسبقة التي يشترك فيها هذا الرطان وهي لا تدل إلى على سذاجة أصحابها وعلى سخف مفكريهم المزعومين الذين هم في الأغلب من أرباع المثقفين وجلهم ممن يريد أن يتنكر لفنه بزعم الخبرة في ما لا ناقة له فيه ولا جمل. والأغرب من ذلك كله هو أن بعض القائلين بهذه السخافات يعتبرون أنفسهم أكاديميين وعلماء نفس ونقادا وعلماء حضارة وخاصة من بين من كانوا خدم ابن علي وليلى ومافية اسرتيهما إلخ... إنما هي دعاوى بات فيها كتاب من لا يتجاوز مستواهم كتابة التقارير للداخلية مفكرين كبارا وخبراء معلقين على أحداث الثورة وطرق تحقيق أهدافها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق