Hot

الأربعاء، 2 يناير 2013

فقاعة" السبسي أو الفشل الحتمي للثورة المضادة أي نداء تونس 02 من 02


فقاعة السبسي أو الفشل الحتمي للثورة المضادة أي نداء تونس
أبو يعرب المرزوقي
منزل بورقيبة في 19-02-1434 / 01 01 2013
                   زعامة السبسي مستحيلة لماذا ؟

لن أجادل أي صحفي لا يحلل المعطيات الموضوعية عندما يريد أن ينصب الزعماء بمجرد التشهي. فالرجل لم يكن قائدا في أي مرحلة من مراحل تاريخ تونس الذي كان فيه مباشرا للعمل السياسي.  لماذا لم يسأل أحد هذا السؤال البدهي عندما سمع الرجل يتكلم في حواره الأخير على إمكانية حاجة تونس إليه لإنقاذها مرشحا للرئاسة لكأنه لا لوجود لمن هم أقدر منه على ذلك في حال حصول ما يدعو إلى الإنقاذ: كيف للسبسي أن يبز زعماء الجيل الموالي لعصري بورقيبة وابن علي فضلا عمن بقي حيا من جيل بورقيبة جيل ابن علي؟

لا يمكن للسبسي أن يكون زعيما إلا إذا استطاع أن يجعل حزبه حزبا ذا مصداقية فيكون قابلا لأن يقود البلد في الواقع الفعلي وليس في تضخم الشائعات الصحفية التي لا يمكن أن تنطلي إلا على الغافلين مهما زينت واجهات الجرائد وضخمت العناوين والصور. وتأسيس هذا الحزب القادر على قيادة تونس هو الأمر المستحيل لاشتراطه أمورا مستحيلة. ولا أعتقد استحالة هذه الأمور غائبة على السبسي لأنه ليس عديم الخبرة بشروط الشرعية التي تؤسس للزعامة أو عديم العلم بعدم توفرها لديه.

وهذا طبعا إذا كان حقا قد عايش بورقيبة وفهم سر نجاحه وعلل المنزلة  التي كان ينزله فيها. والغريب أنه يتجاهل أنه بدعواه العودة إليه يذمه من حيث يتصور نفسه مادحا له: كيف يعود إليه دون أن يتهمه بالفشل  أعني بأنه لم يحقق شروطا تجعل البلد في حاجة إلى من يتجاوزه ؟  أم هل ترى السبسي يدعي أنه هو الذي يتجاوزه رغم أنه لم يكن عنده إلا من صف متأخر وليس من القيادات الأولى في عهده وفضلا عن كون لم يكن ممن دافع عنه عندما كان حبيس من قضى على أهم ما في أرثه من ثوري حقا ؟  فبورقيبة لم يكن ليرضى بمآل التعليم ولا بتحويل تحرير المرأة إلى جعل الغاية استبدال الحرائر بالجواري. ثم إن ما كان ممكنا لبورقيبة لم يعد ممكنا حتى لمن هو من حجمه فضلا عمن هم دون ذلك بكثير: فالزعامة المستبدة التي كانت سائدة في عصره ويسميها ابن خلدون سيادة لأنها مرغوب عنها لم تعد مما يقبله العصر بعد الثورة بل المطلوب زعامة يسميها ابن خلدون رئاسة لأنها مرغوب فيها.

ولنسأل عن الزعامة المستبدة التي هي جنس الزعامة التي لا تتردد في تصفية الخصوم ماديا بديلا من الشرعية المغنية عن ذلك ما معينها. وليكن ذلك في حالة المرحوم بورقيبة. فهو قد عمل بـ"شرعية" مزيجة من السيادة والرئاسة لأنها مؤلفة من العناصر التالية التي كان يعلم أن الشرعية تستمد منها وإليها يدين السياسي ببقائه وبسر فوزه في معركة الزعامة. كان بورقيبة يعلم الحقائق التالية: 
فلا بد للزعيم من شرعية نضالية لتركيز الصورة المحلية (تاريخ الحركة الوطنية)
ولا بد له من جهاز عمل سياسي (حزب) واجتماعي (نقابة). من هنا حلفه مع الزعيم النقابي أو التخلص منه عند تعذر الحلف لاستبداله بمن يحالفه.
ولا بد له من صورة دولية ذات سند خارجي إعلامي ودبلوماسي ومخابراتي وحتى عسكري للتغلب على المنافسين بكل الوسائل.
ولا بد له أخيرا من استراتيجية تحقق مزاجا عمليا يؤلف بينها حتى يتدارك ببعضها نقص بعضها الأخر كلما دعت الحاجة.

وهذه العناصر جميعها منعدمة في حالة السبسي خاصة والثورة ألغت كل إمكانية للزعامة المستبدة إذ يقبل المواطن الحر رئيسا يحترمه ويختاره لفضائله ويرفض سيدا يريد استعباده ويحتقره:
 فليس للسبسي تاريخ يذكر في معركة التحرير (لم يكن ممن يعتد بهم في النخبة البورقيبية).
وليس له تاريخ يذكر في الخروج على بورقيبة (لم يكن من الخارجين في بداية السبعينات).
وليس له تاريخ يذكر في مقاومة استبداد ابن علي وفساد نظامه (بل هو كان من النظام حتى لم غادره لأن ممارسة الأعمال بنجاح لم يكن ممكن لمن يرفض الاستبداد والفساد في عهده).

لذلك فكل من يضخم حجم الرجل من شيعته كاذب ودجال. وكل من يخشاه من خصومه لا يمكن أن ننسب حكمه إلا إلى الجهل بعلل الأشياء أو إلى الخوف غير المبرر من نمر ورق. فالأمر الوحيد الذي يمكن أن يدعيه السبسي أساسا لبعض من الشرعية إنجاز شكلي قد يخفي الفشل المضموني لفترة حكمة الأخيرة أعني نجاح الانتخابات كعملية وتحقيقها لعكس ما سعى إليه. فهو قد بنى هذا النجاح على خطة ذات وجهين كلاهما يعد لدور البديل الممكن ممن سيختاره الشعب ممثلا لإرادته الثورية وذلك بين من قصة تارزي خروتشاف (شرحت ذلك في مقال سابق) وكذلك من أحداث حكمه:

الوجه الأول هو تحقيق إنجاز إيجابي شكلا (نجاح الانتخابات) لا مضمونا (لم يتمكن من تحجيم النهضة) في المرحلة الانتقالية قد يعطيه بشكله وبمضمونه شرعية ما تؤهله لنيل ما حرم منه سابقا أعني دور الزعيم المنقذ في نظر الغرب (من بداية حكمه إلى الانتخابات).
الوجه الثاني هو وضع خطة قد تمكنه من أن يدعى كمنقذ وذلك هو سر كل المعيقات التي أراد بها تعجيز كل حكم ثوري ممكن هو يعلم أنه سيكون بقيادة إسلامية بالضرورة (من الانتخابات إلى تكوين الحكومة الشرعية).

لكن الإنجاز نجح شكلا (لم يجادل أحد في النتيجة) وفشل مضمونا (لم تحجم النهضة التحجيم الكافي). والمعاجزة فشلت لأنها لم تحقق المعجزة التي كان ينتظرها السبسي معجزة الحاجة إلى الفارس المنقذ فضلا عن كون الفشل في تحجيم النهضة ألغى كل إمكانية لعودته إلى الحكم إلا بالدعم الأجنبي ومن ثم بالعمالة الصريحة التي من المساعي إليها  عمليات من جنس اختيار جربة لنقل الناس إليها من أجل تظاهرة الكل يعلم الغاية مما تبثه من رسائل.
 لم تفشل الترويكا وما ينسب إليها من تعثر لم يحصل بالحد الذي يجعل اللجوء إليه منقذا أمرا محتوما فضلا عن كون ما يدعيه الإعلام التابع من فشل ليس هو في الحقيقة إلا صورة كاريكاتورية لا تتجاوز أضغاث الرهطين الممثلين لحزب السبسي كاريكاتورهم عن الإسلاميين في الحكم وليس عن حقائق الحكم الحالي في تونس الحكم الذي مكن من تدارك النمو السلبي في حكمه وجعله إيجابيا بضعف ما خسر الاقتصاد الوطني في فترته.

                     في دلالة مهزلة جربة

لذلك فالرجل لم يبق له إلى اللجوء إلى الحيلة الأخيرة والوحيدة التي تتوفر لدى الرهطين اللذين يستمدان الشرعية من السند الأجنبي. والحيلة تهدف إلى محاولة تلميع صورتهم في الغرب منقذين لما يدعي الغرب الخوف عليه من حكم الإسلاميين. وذلك يصح في حالة تونس صحته في حالة مصر: الحداثة العلمانية وإسرائيل اليهودية. وهذه الخطة هي الفخ الأخير الذي أراد السبسي ومن يقود حركات رهطيه أرادوا نصبه للنهضة خاصة وللإسلاميين عامة. ويمكن ترجمة الرسالة التي أرادوا بعثها من تنظيم مهرجانهم في جربة التي هي كما يعلم الجميع محج يهودي على النحو التالي:

فإذا نجحت التظاهرة فنظمت وبينت وزنا شعبيا -حتى وإن كان الحاضرون قد جلبوا من كل جهات الجمهورية-فإنه قد يستمد منه بعض المصداقية التي  تضخمها وتضخها الصحافة العالمية  بسبب اهتمامها بمحج يهودي وبأصدقاء إسرائيل في أحد أقطار الربيع العربي.
وإذا حيل دون التظاهرة والنجاح كان الحائلون دون النجاح قابلين للحسبان على حساب النهضة فيقع نفس التضخيم والضخ من قبل نفس الصحافة لبيان من يمكن أن يتهم بمعادة السامية (لا فرق بين السبسي في هذه الحالة وبين المنبه على الهولوكوست في مصر).

كانت خطة السبسي تستهدف تحقيق نفس الغاية سواء نجحت تظاهرته أو أُفشلت. لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه. فالرياح الوطنية والدولية تجري بما لا يشتهي السبسي. وهو لا يجهل السبب. لذلك فهو قد بلغ مرحلة اليأس وأصبح "يهز ويصبط" حتى يكاد المرء أن يجزم بأن الرجل فقد سلطانه على لسانه: فكلامه على نية قتله وعلى النهضة الخطر على تونس إلخ ... كلام رجل يائس حقا بل إن أيام حزبه الذي لم يتأسس بعد إلا على الورق باتت معدودة:

                      مجرى الرياح الغربية

فأما الرياح الدولية التي نبدأ بها فهي لا تحتاج إلى كبير تحليل. أهل الثورة المضادة في بلاد الربيع العربي لم يفهموا بعد ما فهمه الغرب الذي يحاولون استمداد السند منه. الغرب فهم أن العالم العربي والعالم الإسلامي- وذلك بعد محاولات لإخضاعه بالحديد والنار كلها فشلت وأدت إلى ما يلامس إفلاس أقوى قوة اقتصادية غربية كما هو بين من كشف حربي العراق وافغانستان-لم يعد قابلا لأن يحكم من الخارج مباشرة (حرب التحرير) أو بصورة غير مباشرة  من خلال عملاء هم نوابه (الربيع العربي والإطاحة بالحكام العملاء). وقد حاول قبل الربيع العربي أن يعد نخبا لكي يحكم بهم بديلا من الأنظمة التي اهترأت:وهذه النخب هي اليوم الصوت العالي للثورة  المضادة باسم الديموقراطية النخبوية ودعوى أن الشعب جاهل وأن الحداثة والعلمانية والقيم الكونية يتهددها خطر أسلمة دول الربيع العربي.

لكن الثورة الشعبية فاجأت الغرب. فالثورة لم تقدها نخبه التي أعدها بما يسمى المجتمع المدني الممول أجنبيا. وهي لم تحصل في الأجهزة التي له عليها سلطان كبير بل هي حدثت في الأحياء الشعبية وفي داخل الأقطار العربية أي في المدن والقرى والمداشر الداخلية وبين الطبقات الشعبية التي لا تزال ذات صلة وطيدة بالقيم الذاتية للحضارة العربية الإسلامية: ولما كان الغرب براجماتي فإنه رأى أن منافسيه من القوى العظمى الأخرى (الصين والهند اليابان والبرازيل وروسيا العائدة وحتى صغار القوى العظمى مثل ماليزيا وكوريا وتركيا وإيران) يمكن أن يحرموه مما هو مشروع من المصالح والتبادل مع العرب فقرر أن يتعامل مع الواقع الجديد ببراجماتية. ذلك ما لم يفهمه السبسي ونحلته وكذلك بعض القوميين واليساريين الذي تهمون الإسلاميين بالعمالية للغرب.

                      مجرى الرياح الوطنية والقومية

ولنأت الآن إلى الرياح الوطنية والقومية. فحتى لو فرضنا السبسي قد نجح بالتخويف من الإسلاميين عامة ومن النهضة خاصة فإن هذا التخويف لن يتجاوز القلة ممن لم يفهموا أن السند الغربي بهذه الحجة لم يعد ممكنا لأن الغرب لم يعد مهتما بما يهتم به أمثال هذه النخب المتخلفة التي لم تفهم بعد رهانات العالم الحالي وتحدياته:

ففي الصدام الممكن مع عماليق العالم الحالي عماليقه الصاعدة أدرك الغرب أنه لم يعد بوسع أمريكا وأوروبا أن تتجاهل التنافس معهم على ثروات الوطن العربي وأرض الإسلام.
وفي تجربة العلاقة بالوطن العربي وأرض الإسلام لأدرك الغرب أنه لم يعدد ممكنا التعويل على الاحتلال المباشر أو غير المباشر بل لا بد من علاقة تعاون وتحالف ممكنين.

لم يبق للسبسي إلا تخويف الرهطين اللذين أشرنا إليهما خلال تصيده في مياه المرزوقي وابن جعفر والشابي وبعض القيادات الدستورية واليسارية والقومية لأن مياه الإسلاميين عصية عليه. والأسئلة التي ينبغي وضعها هي:

هل سيتنازل المرزوقي وابن جعفر والشابي والدستوريون واليساريون والقوميون عن تاريخهم النضالي فينضووا تحت من لا تاريخ له في النضال ضد الاستبداد والفساد ؟
وهل سيقبل جمهورهم اتباعهم حتى لو سلمنا بانهم قبلوا التنازل محاربة السعي إلى التحرر الفعلي للأمة سياسيا واقتصاديا وتربويا وثقافيا بفضل ثورة الحرية والكرامة فيعودا إلى عهد                ابن علي ؟
وهب السبسي استطاع أن يطمع واحدا من قيادات هذه الأحزاب بأنه سيرشحه للرئاسة فهل يمكن تصور هذا الطامع بالسذاجة التي تجعله يجعل أن السبسي لن يرشح من يقبل أن يكون تابعا لمن هو له تابع ؟

لذلك فإني أجزم بأن السبسي وحزبه أيامهما معدودة بشرط ألا نساعده بقانون التحصين الذي يتمنى صدوره لأنه يمكن أن يكون قارب نجاة له فيجمع من حوله كل الغاضبين من هذا القانون الغبي الذي يدافع عنه من لم يفهم سياسة الالتفات إلى المستقبل: فالكثير من الناس الذين يمكن أن يحرمهم هذا النص من المشاركة في خدمة الوطن لا يقلون وطنية عن المتشدقين بالسعي إلى تحصين الثورة بديلا من الشعب الذي يعرف من سيختار يوم يتقدم الناس إليه لطلب نيابته في إدارة الشأن العام.

أما من أجرم في حق الوطن أو في حق أحد المواطنين فالعدالة هي التي ستقوم بالواجب لرد الحقوق إلى أصحابها ومعاقبة المذنبين. ذلك ما يفرضه المنطق والعدل والتقاليد الإسلامية: فكم من أعداء الإسلام في الجاهلية أصبحوا من بناة صرحه بعد أن فهموا معناه ودلالته. وكم من عامل في النظام السابق قابل لأن يكفر عن ذنبه إن صح أن كان من المذنبين فيخلص للثورة ويحقق الأهداف المشروعة للأمة. لسنا أدرى بالنفس البشرية من القرآن الكريم ولا نحن أدرى بأحكام السياسة من صاحب "اذهبوا فأنتم الطلقاء". إنها شرط نجاح الثورة كما كانت شرط تحقيق إمبراطورية المسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق