أغسطس، 2013، الساعة 04:56 مساءً
المرحلة الحاسمة من تاريخنا الحديث
أبو يعرب المرزوقي
منزل بورقيبة في 2013.08.11
اا من اا
كيف وصلت بعض النخب إلى غاية الهزيمة الروحية
فالمعلوم أن أثر الاستعمار ما كان ليصل إلى هذه المرحلة التي أثرت في المقوم الروحي للأمة بتوسط بعض النخب المهزومة لو لم يكن قد أنجز بفاعلية المراحل المتقدمة عليها على مر القرون. فهذه المراحل بدأت وتواصلت مع الصدام بين القوتين العربية الإسلامية والجرمانية المسيحية خلال
1-حرب الفتح 2-وحرب الصليب 3-وحرب الاسترداد 4-وحرب الاستعمار 5-وحرب الاستقلال.
وهي قد مثلت المعارك التاريخية الحضارية التي نتج عما دار فيها من علاقات جدلية سلمية وحربية ما يسمى بالعصور الحديثة. وقد خرجت منها القوة العربية الإسلامية مهزومة أمام القوة الجرمانية المسيحية:
لأسباب ذاتية هي أساسا ما أصاب وظائف العمران الخمسة أي الحكم والتربية من حيث الصورة والاقتصاد والثقافة من حيث المادة ورعاية المناعة الروحية للأمة من حيث الالتحام بين الصورة والمادة.
ولأسباب أجنبية هي أساسا قضاء البربريات المغولية على مراكز الحضارة مع ما نتج عن الحروب مع الحضارة الجرمانية المسيحية بمراحلها الخمس والفتن الناتجة عن بقايا الحضارات والعقائد المتقدمة على انتشار الإسلام في داره.
خسران المعركة الأولى: المستوى الثاني ودلالته
فالعدو تغلب على القوة المادية المباشرة فكسر مقاومة الأمة العسكرية بصورة شبه نهائية وذلك بعد حروب سجال دامت من فجر العصر الوسيط إلى فجر العصر الحديث. فكانت حروب الغزو الاستعماري لقلب العالم الإسلامي أعني الوطن العربي بعد هوامشه الإسلامية ذروة الهزيمة. لكن هذه الهزيمة لم تكن إلا التجلي السطحي لهزيمة أعمق لم تكن هي إلا علامتها:
فنصر العدو هذا كان صادرا عن نقلة نوعية في دور العلوم والتقنية أصلا للقوتين الاقتصادية والعسكرية للغرب.
وإذن فهزيمة الأمة في المعركة العسكرية علتها تخلفها العلمي والتقني أي إن العلة هي فشل نظامها التعليمي بالأساس فضلا عن عدم الفهم السوي لآية الاستعداد التي تقدم مفهوم القوة عامة على مفهوم القوة العسكرية التي ترمز إليها برباط الخيل. ظلت القيادات تتصور المعركة العسكرية ما تزال صراع قدرات عضلية وليست صراع قدرات معرفية:
خسران الحرب لم يكن إلا علامة على خسران معركة أعمق هي ما يرمز إلى النصر فيها الثورة العلمية والتقنية والهزيمة فيها هي تخلف المسلمين في هذين المجالين.
ولعل الأمة قد تداركت ذلك على الأقل في أوليات التكوين قطريا لأن تحقيق الأساسيات في المعرفة المؤثرة وخاصة ما يظن من الكماليات في العلوم الأساسية غير ممكن من دون شرط الشروط أعني الحجم المادي الممكن من ذلك.
وهو أمر تحول دونه الخارطة التي وضعها الاستعمار حتى تكون حائلا دون كل تعاون بين العرب أو تقارب يساعد على توفير إمكانات البحث العلمي المؤثر في القوة الاقتصادية والتقنية وثمرتهما الدفاعية على حقوق الأمة ومصالحها. فميزانية أي مشروع علمي حتى لو لم يكن من جنس غزو الفضاء ليس في متناول أي قطر عربي بل إن الدخل القومي الخام أي منها بكامله ليس كافيا حتى لمشروع جدي في البحث الطبي الراقي.
الهزيمة الثانية: المستوى الثاني من الهزيمة ودلالته
والمعلوم أن ذلك النصر ببعديه الظاهر (القوة العسكرية أو ما يرمز إليه رباط الخيل) والباطن (القوة العلمية والتقنية أو ما يرمز إليه القوة عامة) قد مكن الاستعمار من الاستحواذ على القوة المادية غير المباشرة ممثلة في الأرض وما فيها من ثروات وإمكانات. فبات العالم الإسلامي كله مستعمرات غربية تستنفذ ثرواتها ومن ثم يمتنع عليها استئناف المقاومة العسكرية الحاسمة.
لكن إذا كانت الهزيمة الأولى في الأعيان أساسها هزيمة في التخلف الذي أصاب تكوين الأذهان علميا وتقنيا فإن الهزيمة الثانية لم تقتصر على الأعيان بل سعت لتوطيدها بالهزيمة في الأذهان كذلك.ولم يكن ذلك على مستوى التكوين العلمي والتقني الحاصل بعد بل على مستوى التكوين الروحي والخلقي الذي لا يزال متواصلا.
فهذه الهزيمة وهذا الاستعمار المباشر لمعين القوة المادية أعني استعمار الأرض وما فيها من مدد لكل صمود مادي جعل الكثير من سكانها يصبحون خدما مباشرين للمستعمر الذي صار مثالهم الأعلى روحا وخلقا فأصبحوا مستعمرين ذهنيا. ومن ثم فالكثير منهم ومن خلفهم الذين نعاني منهم الآن في تونس وفي مصر وفي كل البلاد العربية استبطنوا عقلية المستعمر في التعامل مع بقية الشعب احتقارا واستعبادا. فكانوا هم البدائل من المستعمر عندما اضطر إلى الجلاء بفضل مقاومة بقية الشعب الذي لم يتعاون مع المستعمر.
المعركة الأخيرة التي سيلغي نصرنا فيها الهزيمتين السابقتين
إن جلاء الاستعمار المباشر لا يمثل إلا نصرا جزئيا لمقاومة الأمة ذات الحصانة الروحية التي كانت رصيدها الأساسي في هذه المعركة التحررية ضد الاستعمار. لكن هذا النصر لم يكن حاسما لأنه في الحقيقة علامة على أمرين متناقضين:
فأما أولهما فهو أن الغزو فشل في المقوم الأخير للانتصار كما يحدده كلاوسفيتس في نظرية الحرب. فهو لم يستطع أن يقضي على روح الأمة. ومن ثم فقد بقي عامل الصمود الأساسي في بقاء الأمم قويا. وهو العلة الأساسية لإمكانية الربيع العربي.
وأما الثاني فهو أن الغازي ترك الجرثومة التي كلفها بمواصلة هذا الغزو للروح. فهو قد عوض عن هذا الفشل بخطة جديدة هي خوض الحرب من الداخل بأبناء البلد أنفسهم ممن أصبحوا مستعمرين ذهنيا. وهذا هو السر في تعثر الربيع العربي.
ومزية هذه الخطة المتمثلة في تعويض الاستعمار المباشر ذي الحضور المادي بالاستعمار غير المباشر ذي الحضور الرمزي مزيتها أنها تنكر ذكي من الغازي. فهي خطة تحيد مقاومة الشعب لحضوره المادي الذي يستفز الشعور الوطني. لكن الحيلة تجعله يواصل الحرب بالنخر من الداخل. فهو قد نوب عنه للقيام بهذه المهمة من يحارب قلعة الصمود التي اضطرته للرحيل بالاندساس في المقاومة الوطنية وتزعم حركة الإصلاح و التحديث.
لم يتمكن الاستعمار من قتل روح المقاومة بل هو فشل في ذلك فشلا ذريعا فلم يستطع أن ينفذ إلى أصل المناعة الروحية والحضارية أعني عقائد الأمة وإيمانها بذاتها وبرسالتها. وهنا يأتي دور الاستعمار غير المباشر بواسطة البعض ممن مسخ خلال فترة الاستعمار المباشر وخلفه. فقد تم تجنيدهم لهذه المهمة. وهم يتخفون وراء الخداع التحديثي الذي جعلوه مشروطا بنزع الحصن الحصين لقيام الأمة بكل عناصره:
اللغة العربية
التاريخ الإسلامي
العقيدة الإسلامية
المشروع المستقل للأمة
الطموح الكوني لدور الأمة في العالم.
معركة الربيع العربي التي أصبحت مفرداتها بينة للعيان في الموجة الثانية من الربيع العربي-كما هو بين في ساحات تونس وبصورة أجلى في ميادين مصر - ليست شيئا آخر غير هذه العناصر الخمسة التي قلبها العنصر الثالث أعني العقيدة الإسلامية التي تجعل المسلم لا يمكن أن يقبل بالعبودية لغير الله فيفضل الموت على الخضوع لغير إرادته التي يعتبرها متمثلة في الاستسلام لإرادة الله أي الكفر بالطاغوت:
وقد سمى ابن خلدون ذلك بالرئاسة الإنسانية وحب التأله الذي ينتج عنه حتما عقيدة الجهاد بما هي فرض عين على كل المسلمين ذكورا وإناثا.
إن ما يجري الآن في ميادين مصر وساحات تونس هو الدليل القاطع على أن شعارات الموجة الأولى من الربيع العربي التي كانت تتعلق بالغايات المباشرة أعني الخبر و الحرية والكرامة لم تتبين حقيقتها العميقة إلا في هذه الموجة الثانية إذ أصبحت شعارات تتعلق بشروط تحقيق تلك المطالب المباشرة أعني شروط الاستقلال الفعلي التي لخصها رمز هذه الموجة قصدت الرئيس مرسي في إنتاج الغذاء والدواء والسلاح وشرط ذلك كله التقدم العلمي والتقني واستعادة وحدة الأمة أعني التحرر من تلك الهزائم التي وصفنا.
لذلك فما يجري حاليا هو بداية جديدة لتاريخ الأمة ذات الرسالة الكونية. وهي مرحلة يمكن أن تكون استئنافا لهذا الصراع بين ضفتي المتوسط و راعي الضفة الشمالية منه (أمريكا) و جرثومتهما فيه (إسرائيل) أو وعيا بضرورة تجاوزه إذا لم يجد الأوروبيون بدا من الصلح مع الوطن العربي والتحرر من السيطرة الأميركية والإسرائلية على علاقتهم بنا. وذلك ما ينبغي أن يجعله الربيع العربي ضرورة بمجرد أن يعيد لحمة الوطن بتجاوز الخارطة الاستعمارية التي يراد للثورة أن تبقي عليها والتي يمثل الإبقاء عليها الفشل المحتوم للربيع العربي. فإذا تمت إعادة اللحمة العربية الإسلامية فإن التزاحم بين ضفتي المتوسط سينتقل ليصبح بين الضفتين متعاونتين وبين من يسعى من الأقطاب إلى استتباعهما معا.
فالتداخل السلالي والثقافي بين أهل الضفتين والتمازج بين الحضارتين خلال كل القرون السابقة إذا أدرك قادة الضفتين أنهما لم تبقيا قطبي العالم فسيسعون للتصدي المشترك لما يتهددهم معا لئلا تزداد الضفتان خضوعا لأقطاب العالم من حولهما. فهما تتعرضان دون شك إلى مصير مقبل واحد. وإذن فينبغي أن يؤدي الوعي بهذه الوضعية التاريخية لقلب العالم إلى تصالح بل وإلى تحالف بينهما. وقد يكون في الرمز التركي دلالة كبيرة. فآخرة عواصم الخلافة الإسلامية صارت جزءا من الحلف الغربي حتى وإن بقي دورها ثانويا. لكنها ستصبح جزءا لا يتجزأ من أوروبا المتحدة ما يعني أن البداية تستأنف من حيث غاية النهاية للصراع بين الحضارتين حيث يكون البلقان والشام جسر الوصل بين الضفتين:
الحضارة العربية الإسلامية
والحضارة الجرمانية المسيحية
صدام حضارتي المتوسط ودلالته
إن التزاحم بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الجرمانية المسيحية بدأ منذ فجر العصر الوسيط وما يزال متواصلا إلى الآن. ومن لم ينظر في دور هذا التزاحم في تحديد معالم العصور الحديثة يغفل أهم محدد لمجريات تاريخنا الراهن خاصة إذا وصله بالتوحيد الأوروبي لاستعادة الدور بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية ورديفه العكسي المتمثل في الحيلولة دون وحدة الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط:
تشتيت العرب الذي هو غاية الغايات لعملاء الاستعمار من النخب المستلبة سعيا منهم لإحياء كل النعرات العرقية والطائفية.
والمعلوم أن التماثل بين الحضارتين ليس في إسهامهما الحضاري فحسب بل وكذلك في مقومات الذات الفاعلة أيضا:
فكلتا الحضارتين انبنت على شعب قريب من البداوة العرب والجرمان.
وكلتاهما انبنت على رسالة سماوية كونية والإطلاق الإسلام والمسيحية.
وانبنت العلاقة بينهما على تنازع تاريخي لم يهدأ إلى أن سقط المتصارعان تحت استعمار مستعمراتهما مع تقدم سقوط الحضارة العربية الإسلامية في بدايات العصر الحديث على سقوط الحضارة الجرمانية المسيحية سقوطها في نهايته لأنه تأخر إلى نهاية الحرب العالمية الثانية حيث فقد أوروبا دورها في صوغ مصير العالم وتسعى لاسترداده بالوحدة. لكنها ما تزال تابعة حتى وإن كانت دوننا تبعية.
ولعل البعض يشكك في هذين التعريفين والدورين للحضارتين المتزاحمتين أعني العربية الإسلامية والجرمانية المسيحية وخاصة في وصف الحضارة الثانية بالجرمانية المسيحية لأن وصف الأولى بالعربية الإسلامية شبه مسلم:
فمن شبه المسلم أن الحضارة الإسلامية بؤرتها النشأة العربية وتاريخها هو أصلها القرآني وما صدر عنه من علوم نقلية وتطبيقاتها وطبيعة علاقة بالعلوم العقلية وتطبيقاتها وذلك هو المقصود بالوصل بين ثمرات الحضارة القديمة (كل ما تقدم على العصر الوسيط) وإرهاصات الحضارة الحديثة (كل ما تلا تجاوز العصر الوسيط). فلا الفرس ولا الهنود ولا الأتراك ولا غيرهم من الشعوب التي أسلمت تجادل في ذلك رغم أن دور العرب انحصر منذ سقوط الخلافة العباسية خاصة.
لكن ما ليس بمسلم لأنه مجهول من الكثير من أدعياء الحداثة هو القول إن الحضارة الغربية هي جرمانية مسيحية. وقد لا يتعلق الشك بالبدايات لأن المسيحية لم تصبح دينا قادرا على مطاولة الإسلام إلا بفضل الشعوب الجرمانية التي غزت مجال روما التاريخي في أوروبا. وهذا يقتضي ضرورة أن نثبت نسبة الحضارة الغربية الحديثة إلى الجرمان والمسيحية. وهو أمر يسير إذا علمنا أن من لتن من الأوروبيين تمام التلتين (مثل الفرنسيين) ومن لتن منهم نصف تلتين (مثل الإنجليز) كلهم يغلب عليهم الأصل الجرماني. وهذه الشعوب الثلاثة تقاسمت تأسيس الحداثة حتى وإن أدت حروبها المتوالية إلى نزع الريادة منهما لتنتقل الريادة إلى مستعمرتيها المادية بالنسبة إلى الولايات المتحدة والرمزية بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي سابقا.
لن أطيل الكلام في إثبات هذه الدعوى. فجملتان وجيزتان تكفيان. فالولايات المتحدة هي الوريث الغربي لأوروبا الغربية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية وكل المؤسسين لها من أصل أوروبي بهذا المعنى حتى وإن كانت البداية من المنبوذين منهم. وأوروبا صارت بعد فقدانها لمستعمراتها بسبب هزيمة الحرب العالمية الثانية محميات أمريكية. والاتحاد السوفياتي هو الوريث الشرقي لأوروبا الغربية لنفس الأسباب. وهو قد قاسم أمريكا هذا الإرث إن لم يكن فعلا فعلى الأقل مزاحمة رمزية بإيديولوجيا الثورة والتحرر التي هي جرمانية. والمعلوم أن هاتين القوتين صارتا قوتين عظميين بفضل ثورتين جرمانيتين مسيحيتين:
الأولى هي ثورة الإصلاح المسيحي وراء الكاثوليكية
والثانية هي ثورة إصلاح هذا الإصلاح وراء الأرتودكسية.
خاتمة
بهذه المحاولة ذات القسمين أنهي متابعة الأحداث بالكتابة اليومية في علاجها لأفرغ لما وراء الأحداث بعد أن تعينت علل الهزائم معتذرا من القراء الذين يشتكون مما يعتبرونه تنظيرا وتعقيدا كان يمكن الاستغناء عنه. لكني أعتقد أن تقديم النتائج من دون المقدمات ليس مما يمكن أن يتضمن الاحترام الذي يجدر أن يقدم للقارئ خاصة إذا كانت الغاية تربوية الهدف منها تكوين شباب ثوري يعمل عقله وفكره روية متقدمة على إعمال يده:
فبخلاف مقولة ماركس بل وبالعكس معها أقول إنه يكفينا تغييرا للعالم بالفوضى فلنحاول فهمه لتغييره بالعلم والتحليل:
فمن دون بناء نظام تربوي وسياسي تصبح صورة العمران أداة استعباد يفقد الإنسان معاني الإنسانية كما قال ابن خلدون أعني الشعور بأنه رئيس بالطبع وأن رئاسته تعني الحرية والكرامة المشروطتين بتوفير أداتهما أعني جعل الإرادة الحرة ذات قدرة فعلية. وهذه هي المهمة الأولى للفكر الفلسفي العملي الذي يعالج ما وراء العلل التي تجعل هذا الانحراف يصبح ممكنا فيتحول الإنسان إلى عابد لشروط العبودية.
ومن دون بناء نظام ثقافي واقتصادي تصبح مادة العمران أداة تبعية تفقد الإنسان دلالة الاستخلاف المشروط باستعمار الإنسان في الأرض كما قال ابن خلدون. وهذه هي المهمة الثانية للفكر الفلسفي النظري الذي يعالج ما وراء العلل التي تجعل الإنسان خاضعا للظرف الطبيعي الموطد لتلك التبعية التي ترمز إليها ظاهرة الدول المتسولة. فتكون المهمة النظرية شرطا في نجاح الإنسان في المهمة العملية.
وهاتان المهمتان مع ما بينهما من علاقة تفاعل هما ما كان ولا يزال مطلوب العمل الذي أقوم به قدر المستطاع وبصبر دام أربعة عقود. تخليت عن السياسة المباشرة لما قدمت استقالتي التي كانت معروضة ثلاثة أشهر قبل المغادرة المعلنة. وتفرغت لمتابعة أحداثها منذئذ في ما أطلقت عليه اسم السياسة غير المباشرة. واليوم أقرر بعد هذين النصين التخلي عن السياسة غير المباشرة أيضا لأعود إلى ما وراء ذلك كله أعني اختصاصي الخالص:
التفكير في الشروط العقلية (فلسفة) والروحية (دين) للمساهمة في تحقيق شروط رسالة الأمة سعيا لتحرير البشرية مما تردت إليه من تلويث للطبيعة وللثقافة من أجل عبادة الدنيا والهوى.
أعود إذن إلى محاورة أرسطو وهيجل وابن خلدون فلسفيا مع نقل ما أعتبره ضروريا لتكون الشباب نقله إلى العربية وإلى ملازمة القرآن والسنة ومقارنة الأديان دينيا حتى أفهم مسار البشرية الروحي والديني الموازي لمسارها العقلي والفلسفي. والله ولي التوفيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق