الاسباب التسعة...
لعدم الوثوق في مهدي جمعة
1- مهدي جمعة وإن كان غيرَ مُسيَّسٍ فهو مرتبط في مساره المهني ومنذ اكثر من عشرين سنة بمؤسسات دولية لا توظف في العادة الا من "تثق" فيه و ترتاح إليه فكريا وسلوكيا اضافة الى معايير الكفاءة العلمية والمهنية والتجربة. بل ان اغلب مسيرته قضاها في بلاد الغرب وهو بهذا يدفعنا الى التساؤل حول موقفه إذا تخالفت المصالح الوطنية مع المصالح الاجنبية. هذه النقطة تجرنا الى استنتاج سهولة رضوخه لاية املاءات اجنبية او تعليمات سياسية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي. هذا ناهيك عن الحديث في الكواليس عن حصوله على الجنسية الفرنسية -رغم نفي البعض- وعمله في مؤسسة تحت اشراف وزارة الدفاع الفرنسية.
2- انتماؤه ولو بصفة محتشمة الى جماعة "اتيج" او ما يعرف بخريجي كبريات الجامعات الغربية يضع عدة علامات استفهام حول ايديولوجيته الشخصية وامكانية تاقلمها مع الطروحات الوطنية والاسلامية والعروبية. "اتيج" الممولة من مؤسات اوروبية وامريكية لصناعة زعماء المستقبل والمعروفة بكونها انجح مؤسسة في غسل ادمغة النخب وحشوها بالافكار الغربية كان لها على مدار اكثر من عشرين سنة الدور الفعال في تطعيم الادارة التونسية والوزارات والتجمع المنحل وخاصة المؤسسات والشركات العمومية والخاصة التي استفاد منها اصهار المخلوع بالكوادر الذكية والمتميزة. التعتيم المطلق على علاقته مع "اتيج" وفي المقابل تسريب معلومة غير مؤكدة عن انخراطه في اتحاد الطلبة الاسلامي اواسط الثمانينات من القرن الماضي معطيات تحتاج للتفكيك. لقد ثبت منذ الثورة ان من تم توزيرهم من مجموعة اتيج في حكومات الغنوشي والسبسي كانوا سياسيا على ولاء تام للمصالح الفرنسية والغربية وعلى قطيعة خفية او معلنة مع الثوابت الاسلامية. ولا ننس ما قاله يوسف الصديق حول حضور كل منتمي اتيج لدروس المحفل الماسوني بباريس.
3- اشرافه على وزارة الصناعة ارتبط بصمته المريب اثر خروج فضيحة السبسي غايت للعلن. حينها لم تقم الوزارة باي مجهود للتحقيق في الملف الخطير المرتبط بالتفريط بالبيع في اسهم -يفترض انها تحت التصرف القضائي وفق قرار المصادرة- بشركة بترولية على ملك صهر المخلوع سليم شيبوب علما وان مكتب شقيق السبسي هو الذي اشرف قانونيا على الصفقة.
4- وعلى صلة بالنقطة السابقة، لم يقم مهدي جمعة باية مبادرة في مجال التحري والتدقيق في عقود الاستكشاف والاستغلال المبرمة مع الشركات الدولية بل واصل امضاء عشرات العقود الجديدة التي لا تضمن للجانب التونسي اية حقوق تذكر بل تم تسريب وثائق وتقارير تثبت ضياع وسرقة ونهب لعشرات المليارات قيمة الموارد الطبيعية المستغلة بعقود مضحكة لم تخضع في السابق لاية رقابة حقيقية وكانت توزع زمن بورقيبة والمخلوع وفق مقاييس شخصية ووفق المنافع الذاتية والرشاوي والمصالح السياسية مع الدول الغربية الكبرى.
5- قيام وداد بوشماوي بتقديم ترشح مهدي جمعة يطرح نقاط استفهام. فمن جهة تكرر بوشماوي مثلها مثل بقية الرباعي والمعارضة بان الحكومة فاشلة ومن جهة اخرى تثني على وزير الصناعة في هذه الحكومة وتصف اداءه على راس الوزارة بالجيد كما تمدح اسلوبه في تعاطيه مع مشاكل الصناعيين! اذن حكومة فاشلة باستثناء الوزير الذي للصدفة ترشحُهُ وتختارهُ بوشماوي والذي للصدفة سهَّل كل اتفاقيات التعاون والاستغلال بين مجموعة بوشماوي البتروكيماوية التي يمثلها قانونيا مكتب الباجي قائد السبسي للمحاماة والاستشارات وبين الحكومة الليبية والذي للصدفة لم يجر اي بحث في عقود استغلال الغاز والبترول بالتراب التونسي والذي للصدفة عمل سابقا بشركة طوطال الفرنسية الضخمة التي تشير كثير من التجارب السابقة الى دورها في دعم انظمة دكتاتورية وانقلابات وتوترات اقليمية وعمليات استخبارية.
6- قبول الاتحاد ورابطة حقوق الانسان وعمادة المحامين التي يسيطر علي ثلاثتها اليسار بوزير في "حكومة النهضة" أي في الحكومة الفاشلة وذي خلفية راسمالية غربية يبدو مريبا ولا يمكن ان يمر دون تساؤلات لعل الاجابة عنها مرتبط بشكل وفحوى ومدى التعهدات والالتزامات التي قطعها الرجل مقابل تزكيته من طرف الرباعي.
7- مسرحية رفض المعارضة لا تنطلي على احد. فالجميع يعلم بانه لو ارادوا رفضه حقا لصوتوا بـ"لا" وبهذا يكون من المستحيل اختياره وتزكيته ولكن الفيلم الذي روَّجه البعض كان لحسن حظنا سيء الاخراج . فالمعارضة وبتنسيق كامل مع الرباعي الذي يتداخل معها عضويا وسياسيا وفكريا تتظاهر بعدم الترحيب بالسيد جمعة لفرض تنازلات جديدة على حركة النهضة وخاصة طلبها مراجعة التعيينات لمدة 4 سنوات وليس فقط في السنتين الماضيتين. كما ان الرفض او عدم التحمس لرئيس الحكومة الجديد هدفه فرض املاءات المعارضة تحت تعلة محاولة إرضائها وهي حجة سيستعملها الرباعي مع حركة النهضة من اجل حثها على مزيد التنازل ضمانا "للتوافق" وسعيا لاشراك المعارضة من جديد في المسار السياسي. واما ما قيل عن موقف متحفظ لحركة نداء تونس من الرجل فاكذوبة كبرى لانه اصبح في حكم المؤكد ان البوشماوي استشارت الباجي قائد السبسي حتى قبل الرجوع لباقي الاطراف.
8- بعد تمعن في شبكة علاقات الرجل العائلية والوسط الاجتماعي الذي نشا فيه وعلى عكس الترهات التي يروجها البعض حول مصاهرته لقيادات النهضة نجد ان السمة الغالبة على من يعرفهم مهدي جمعة هي انتماؤهم لليسار او قريبين من النظام السابق. وهذا عامل ضاغط جديد قد يدفع بمهدي جمعة للتقرب اكثر من المعارضة ونداء تونس على حساب علاقته مع النهضة. وكل ما يقال عن صداقاته مع مهندسيين اسلاميين ادعاء لا اساس له الهدف منه التغطية على علاقاته مع عديد الخبراء في حركة افاق ونداء تونس والجمهوري وغيرها.
9- مسارعة الجوقة الصحفية النوفمبرية المتمترسة للاسف الشديد في اغلب المؤسسات الاعلامية العمومية والخاصة الى اطلاق لقب رئيس الحكومة الجديد على السيد مهدي جمعة دون زيادة المؤقت كما تفعل مع العريض تعكس موقفا داعما له وهذا الموقف الداعم وان كان خفيا حتى الان الا انه لا يكون الا نتيجة لقرارات رجال الدولة العميقة المتحكمين في الاعلام.
في الخلاصة، اختيار مهدي جمعة تم بناء على" نقاوة" سجل الرجل من انتماءات حزبية وسياسية سابقة اضافة الى عدم تسيسه واستعداده "للتعاون" التام مع الرباعي الذي يساعده التعامل مع شخص غير "محصَّن" ايديولوجيا ومعتنق للافكار الغربية و"مسالم" في موضوع قضايا الفساد الموروثة عن النظام السابق.
واما مسرحية تحفظ احزاب المعارضة فليس الا لمزيد احكام قبضتها على سلطة رجل القصبة الجديد وتوجيهه الوجهة التي تريد خاصة وان الرهانات التي تبحث عنها مصيرية ولن تتحقق الا برئيس حكومة متعاون جدااا.
ما تريده المعارضة من مهدي جمعة بالتحديد:
- اغلاق كل الجمعيات التي تشك في دعمها للنهضة مقابل السكوت على عشرات الجمعيات الداعمة للمعارضة. هذه الخطوة تاتي لمحاصرة النهضة ماليا وحرمانها من اية موارد لتمويل حملتها الانتخابية. وفي نفس السياق سيكون دور البنك المركزي حاسما لاثارة أي ملف فيه شبه تمويل سياسي اجنبي.
- سحب تراخيص روابط حماية الثورة.
- الاقتصار في مراجعة التعيينات على تسميات 2012 و2013 رغم ان المئات من الاطارات والتسميات تمت في عهد السبسي ولايزال اغلبها قائما حتى الان.
- استمداد صلاحية رئاسة الحكومة من الرباعي وليس من المجلس التاسيسي الذي عليه وفق تصورها غلق ابوابه مباشرة بعد قيامه بمسارات خارطة الطريق أي بمعنى اخر انهاء الدور الرقابي للمجلس. هذا الامر لن يتم الا بتنسيق مع مصطفى بن جعفر الذي قد يعمد الى تعليق اشغال المجلس ثانية ولكن هذه المرة الى اجل غير معلوم.
- اطالة فترة الحكومة المؤقتة وتاجيل الانتخابات اطول وقت ممكن بحيث لا تجرى الا اذا تاكد الجميع من تحجيم نفوذ النهضة ماليا واداريا واجتماعيا وسياسيا.
-الابقاء على هيكلة المحكمة الادارية الحالية لاستغلالها في الغاء قرارات سابقة لحكومة الترويكا او لاسقاط قوائم فائزة في انتخابات مقبلة تحت تعلات شكلية او بناء على قرائن لا غير.
- التزام "الحياد" بعدم عرقلة الشروع في اثارة قضايا عدلية او على الاقل التهديد بها ضد بعض وزراء النهضة وبعض قيادييها ومؤسساتها الاعلامية في محاولة للضغط عليها ونيل اكبر عدد ممكن من التنازلات في مسار الدستور وغيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق