Hot

الاثنين، 2 يونيو 2014

الجلي والخفي من كونية الربيع العربي في سوريا - ابو يعرب المرزوقي

abouyaareb

ابو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.06.02

يكاد المحللون الاستراتيجيون يجمعون على أن القضية السورية لم تعد مجرد جزء من أحداث الربيع العربي جزء متعثر لعلل ذاتية تقتصر على الشؤون العربية. إنها تمثل بؤرة للصراع العربي العربي والسني الشيعي والإسلامي ممثلا للعالم المستضعف والغربي ممثلا للعالم المستكبر دون أن نحدد طبيعة الخيط الرابط بين هذه المستويات ربطا يجعلها تتعين في الشام الذي يمثل ملتقى هذه الأبعاد جميعا منذ التاريخ القديم إذ فيه تعينت الثورات البشرية الأساسية في العقليات والروحانيات لتجاوزه المقابلة السطحية بين شرق وغرب لكأنه هو النور الذي يصدر عن الزيتونة التي ليس شرقية ولا غربية بل إنسانية كما ترمز إلى ذلك الأبجدية التي من دونها ما كانت الإنسانية لتكون قادرة على تجاوز الإقليمية.
وإذا كان الوجه الجلي من عناصر المعادلة شبه مفروغ منه فإن للمعادلة وجها خفيا يمكن بصورة وجيزه طلب فهمه بالانطلاق من مبادئ عامة تعيد للتاريخ العربي الإسلامي بعده الكوني -وإغفاله لها مثل خروجه من الكونية-وتمكن من بيان طبيعة اللحظة التي تعيشها الأمة والتي لها الكثير من الشبه مع لحظة النشأة الأولى لدورها في التاريخ الكوني. فلكأن التاريخ البشري دار دورته الكاملة فعاد إلى البدايات التي تتحدد فيها دلالة الرسالات الكونية. لذلك فالمسلمون وخاصة غالبيتهم السنية اليوم هم قاب قوسين أو أدنى من الشروع في الثورة الكبرى التي ستمكنهم من استئناف دورهم الكوني.
وشرط ذلك ان تفهم نخبهم طبيعة الرهانات التي تجعل شباب الأمة الذي يعتبر الربيع العربي رمز استئنافه دوره الريادي فيتاتيه وفتيانه قائدا لشباب الإنسانية قاطبة خاصة والإسلام يعتبر الشباب بمقتضى الفطرة التي فطره الله عليها أقرب إلى الإسلام منه إلى أي عقيدة أخرى هودته أو نصرته أو مجسته بحيث إنه بالتحرر من التهود والتنصر والتمجس يعود إلى الفطرة السوية التي تمكن البشرية من أن تستيعد ما يسمو بها على المنطق الخفي الذي نطلبه في هذه المحاولة منطق التاريخ الطبيعي والحيوانية التي تخلد بالإنسان إلى الأرض.
الجلي من كونية الربيع العربي في سوريا
1-تبعية الصف الثوري علة الفوضى: 
لو أن الجيش الحر الذي انشق عن الجيش الوطني نظم نفسه لكان بوسعه أن يوحد الثورة بمجرد أن يسيطر على الحدود التي تأتي منها التدخلات التي ترفض سلطانه لأن مجرد رفضها أن تكون رديفا من المتطوفين في جيش التحرير يجعلها من المندسين في خدمة النظام وأصدقائه من أعداء الثورة.
2-تبعية النظام السوري علة البلوى: 
لو أن النظام حقا يحارب من أجل وحدة سوريا وبقائلها لما قبل أن يصبح مجرد ورقة في يد إيران ومليشياتها ولوجد حلولا وسطى كثيرة مع الثورة خاصة وهي لم تلجأ إلى السلاح إلا بعد اليأس من الحل السلمي فضلا عما جابهها به من عنف غير مبرر. وكان من اليسير الوصول إلى حل قريب من الحل اليمني: إذ إن أمراء العيش الرغيد يحمون محيطهم القريب في اليمن ومصايفهم ومتعهم في الشام.
3-جبن الأنظمة والمنظمات العربية والإسلامية صديقة الثورة علة الخواء:
فهي تدعي مصادقة الشعب السوري بخذلان مقصود يغطي عن التبعية معلنة. فلا يمكن أن نصدق أنها دول ذات سيادة إذا كان الخوف من أمريكا بلغ منهم هذا المبلغ حتى باتوا عاجزين عن فهم أنها لن تستطيع شيئا لو أنهم تشجعوا فمكنوا المقاومة السورية مما يحميها من عنف العدو. ذلك فلا يمكن أن نصدق أنهم بحق اصدقاء للشعب السوري بل هم متواطئون مع الخطة الأمريكية الإسرائيلية.
4-حمق الأنظمة والمنظمات العربية والإسلامية عدوة الثورة علة الغباء:
فهي تدعي مصادقة النظام السوري بصلف غبي يغطي عن تبعية مضمرة. فلا يمكن أن نصدق أنها دول ذات نظرة بعيدة تمكنها من أن تدرك أن روسيا يمكن أن تحميهم عندما ينتهي دورهم في تحقيق الخطة الأمريكية الإسرائلية التي هم فيها مجرد أدوات -مثلهم مثل من يدعون مصادقة الشعب السوري- رغم أن حقمهم يجعلهم يتصورون أنفسهم أبطالا. فإيران إذا واصلت هذه السياسة ستصبح مثل كوريا الشمالية يمكن أن تكون لها قنبلة نووية بشعب جائع وحزب الله سينتهي مثل حزب بول بوت وبقايا الأحزاب الشيوعية في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
5- استراتيجية اللاعب الأكبر - أمريكا وإسرائيل-ما سرها الحقيقي: 
إنها استراتيجية توهم كبرياء إيران المريضية بأنهم يعتبرونها قوة عظمى وبأنهم يمكن أن يعيدوا إليها دور الشاه وخيلاء الطاووس لمقاسمة إسرائيل السيطرة على الإقليم. وما أن تتحقق الشروط التي تجعل إسرائيل الكبرى أمرا حاصلا بما يكون قد تم من تفريغ لمحيطها العربي من قدرات ممانعة بدءا بالعراق وختما بسوريا ومصر لأن الأردن والسعودية ولبنان لا تمثل عوائق جدية أمام هذا الهدف.
ومن يعلم تاريخ صعاليك أوروبا الذي كونوا الولايات المتحدة يعلم أن هذه الخطةنفسها قد طبقت ونجحت فحققت التمدد المتدرج للولايات المتحدة على حساب أجوارها وخاصة على حساب قبائل الهنود الحمر ضربا لبعضها ببعضها. لذلك فسيأتي دور إيران الصغرى بعد تفتيت إيران الكبرى الحالية كما فتتت الأقطار العربية -لأن المخيف هو المارد العربي الذي ينبغي جعل وحدته مستحيلة. ودور إيران في هذا الهدف بينة وهي بهذه الخطة التي أدت فيها مع مليشياتها العربية-التي ما تزال تعيش على ثارات الفتنة الكبرى- الدور الأساس في الهلال والخليج والقرن الإفريقي وفي النيل وتسعى بوهم الضفدعة إلى الانتفاخ والامتداد إلى كل العالم الإسلامي.
ومثلما تم استعمال الشعوبية الفارسية وغباوات التشيع العربي في زعزعة شروط الوحدة العربية سيأتي دور استعمال الشعوبية الكردية وغباوات القومية الكردي في زعزعة الوحدة التركية. فإذا أضفنا ما يحدث في افغانستان وباكستان تبين أن دار الإسلام كلها هي المستهدفة لأنها هي محط أنظار أمريكا وأوروبا لتفادي ما قد يكون مآلها لو أن الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية والمسملين وإفريقيا لحقت بهم في ما يكانوا يتميزون به عليهم مع ما لديهم من الإمكانات فإنهم سيتردى مستوى معيشتهم إلى المستوى العام في العالم لأن ما كان يزيد عليه هو ما سلبوه من بقية البشر من خيرات.
الخفي من كونية الربيع في سوريا
كنت أدرك بحدس غائم الكوابيس التي تحاك ضد الأمة الإسلامية عامة وقلبها العربي خاصة دون فهم لسلاسل العلل التي تجعلها مفهومة. ولأنها غير مفهومة كان الكثير يتهم من يفكر فيها بأنه يعاني مما أصبح يسمى بعقدة المؤامرة. وطبعا لم ينقد أحد نقد عقدة المؤامرة فيبين أن نفيها قبل تحديد المقصود بها هو بدروه هروب من مواجهة حقيقة علمية تتمثل في أن البشر مهما ترقوا يبقى أساس سلوكهم خاضعا لمنطق التاريخ الطبيعي أعني الصراع من أجل مقومات الحياة ومن ثم بمنطق البقاء للأقوى: فإذا كان القصد بالمؤامرة هو التقانص المتبادل بين الكائنات الحية وخاصة ما كان منها قادرا على التخطيط الاسترايتيجي فإن نفيها مناف للعقل وللتاريخ.
1-فكل الجماعات محكومة داخليا (بين الأفراد والفئات) وخارجيا (بين الجماعات المختلفة) ومن بدء التاريخ المعلوم يحكمها التقانص المتبادل (كل حصول على مقومات الحياة منطقه هو منطق الصيد: أي حيل الحرب ما لم يعل الإنسان على الحيوانية بالروحانية القرآنية: النساء 1 والحجرات 13) والصراع من أجل مقومات الحياة (الماء والكلأ في البداوة والطاقة والاقتصاد حاليا): ويمكن أن يسمى التخطيط لهذا الصراع بين الأمم والجماعات مؤامرات متبادلة هدفها تحريك الصراع الداخلي لأضعاف الخصم من أجل النجاح في الصراع الخارجي.
2-كثيرا ما يعاب على أي محاولة للفهم تأخذ بعين الاعتبار هذا البعد من التاريخ البشري بأنها تعقد الأمور فتبدو وكأنها تبعد عن الفهم أكثر مما تقرب إليه وخاصة عند من تعود على الكسل الذهني ولا يريد أن يزعج راحة باله إلى أن تحل به المصائب متناسيا آية الردع (60 من الأنفال) التي لم يعد يعمل بها في الحقيقة إلا أعداء الأمة. ذلك أن التعليل الدقيق للأحداث غالبا ما يكون من البعائد التي قد لا تتبادر إلى الأذهان بسبب خفاء الصلة بينها وبين مجرى الأحداث. وفي الغالب يكتفي الفهم العامي بالقول إن الفلسفة تعقد الأمور دون فائدة مكتفيا بضرب المثال المعتاد في حكمة الكسلى من العباد: لا تدر يدك وراء رأسك لترينا الأذن اليسرى بيدك اليمنى اليمنى بل أرنا إياها دون حاجة للالتفاف حول رأسك.
لكننا مضطرون للالتفاف حول الرأس معاندين الفهم العامي لأن الفهم العلمي يفسر البسيط بالمعقد بمجرد أن يبين أن البساطة هي بساطة من لا عقل له وأن كل الأمور مترابطة في تحديد مجريات التاريخ البشري الذي هو حيواني قبل أن يكون إنسانيا. والراس هنا تتحدد بظاهرتين من يغفل عنهما لن يفهم ما يجري في تاريخنا الحديث وخاصة علل تكوين دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي بدافعين ذاتي ليهود العالم وأجنبي لمستعمريه.
3-فإسرائيل غاية ذاتية لليهود وأداة استعمارية للغرب الاستعماري. والجمع بين الغاية والأداة هو جوهر ما يسمى بالمسيحية الصهيونية التي تعتبر الولايات المتحدة الأرض الموعودة الجديدة التي ستمكن من العودة إلى الأرض الموعودة القديمة ومن ثم لتحقيق سلطانهم على العالم. ذلك أن إسرائيل لا يمكن اختصارها في دور القاعدة الاستعمارية ولا يمكن اختصارها في دور الدافع الديني لاحتلال الأرض الموعودة. إنما هي ثمرة التقاء المطلبين اللذين تجمعها غاية واحدة هي الإبقاء على سلطان الغرب الذي صار يعرف ذاته بكونه صاحب الحضارة اليهودية المسيحية سلطانه على العالم. ومن يهمل أحد هذين الوجهين ودوره في هذه الغاية يبتسر الأمور فلا يحسن التعامل معها باستراتيجية قادرة على الظهور عليها الذي هو رسالة المسلمين لإنقاذ البشرية من الفلسفة التي تعتبر الجميع “جوهيم” يستعبده ويستبد به من يتصور نفسه شعب الله المختار. فما هما هاتان الظاهرتان بتحديد فلسفي غير مقتصر على القرائب بل يتجاوزها إلى البعائد؟
فأما الأولى فهي التخطيط الاستراتيجي لمن يتعامل من القوى الإمبراطورية العالمية مع حقائق التاريخ بهذا المنطق معتبرا إياها بالجوهر صراعا على أسباب العيش بين البشر بوصفهم قبل كل شيء خاضعين لمنطق التاريخ الطبيعي (الصراع من أجل البقاء): وذلك هو مدلول العجل الذهبي واقتصاد الاستعباد والربا.
وأما الثانية فهي خصائص المنطقة الإسلامية وخاصة ما يشغل قلب العالم منها أعني ما اصطلحت المسيحية الصهيونية على تسميته بالشرق الأوسط الكبير أعني موضوع كلامنا هنا لفهم ما يجري في سوريا. فهي الفريسة المستعدة للأخذ عنوة لأن أصحابها يغطون في نوم عميق ولا يعملون بالوصية الاستراتيجية القرآنية: الآية 60 من الأنفال.
4-رأينا بالتحليل المفهومي من منطلق فلسفة التاريخ الطبيعي (الإنسان حيوان) وفلسفة التاريخ الروحي (عبادة العجل) كيف أن منطقتنا صارت فريسة بسبب تجاهل أهلها هذين المنطقين بل والخضوع لعكسهما أعني عدم العمل بآية الردع التي تهدف إلى التصدي لهما بما يحول دون مفعولهما الذي وصفناه فحددنا طبيعته. إنه الغرق في الانحطاطين:
الانحطاط الذاتي الذي أغرق الفكر الديني في خرافة السكر الروحي عند النخب التقليدية: فصارت معاركهاالفكرية مدارها أتفه قضايا الحياة مثل تحليل كذا وتحريم كذا والانحياز السالب للفساد والاستبداد بتركه يرتع في البلاد خدمة لحماتهم من مستعبدي الإنسان في كل مكان.
والانحطاط الأجنبي الذي أغرق الفكر الفلسفي في سخافة السكر المادي عند النخب الحديثة: فصارت الثانية: فصارت معاركها الفكرة مدارها أسخف مظاهر التقدم مثل مدح كذا وذم كذا من قشور التمدن والانحياز الموجب لهذا الاستبداد والفساد الذي يعيث في البلاد خدمة لحماتهم من مستعبدي الإنسان في كل مكان.
5-فلننزل الآن إلى أحداث التاريخ: أليس كل ما يجري منذ حروب الخليج ومنذ ثالثتها خاصة هو استعداد الاستعمار الغربي -الأوروبي الأمريكي-لاستباق ما بدأ يلوح في الأفق بعد بداية النهاية للحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي الذي ذوى وإعادة احتلال الشرق الأوسط الكبير الذي يمثل مادة القوة الخام بكل مدلولاتها -المادية والروحية-استعدادا فاعلا لمنع الأقطاب الجديدة من شروط منازعة الغرب على زعامة العالم بأدوات قوته التي صارت في متناول الجميع(العلوم والتكنولوجيا)؟
ألا يدل عودة الشرق الأقصى للفاعلية التاريخية التي تنافس الغرب في ما كان يتصوره حكرا عليه قد أعاد البشرية إلى شروط القوة الأساسية منذ أن نشأت الجماعات البشرية أعني الثروات والمواقع الطبيعية التي تمكن من التحكم في رقاب البشر (الطاقة والغذاء في اليابسة وفي البحار السخنة). وبعبارة وجيزة أليس مشكل الغرب اليوم هو: كيف يحول دون المحيطين بدار الإسلام عامة وبالوطن العربي خاصة عديمي القوة الذاتية لحماية ذاتهما وثرواتهما من مقاسمته بل وإخراجه منها لقربهما ولقدرتهما الديمغرافية المهولة؟ ألا يستعد الغرب لمنع الصين والهند والمسلمين إن انتقلوا من القوة إلى الفعل من أن تصبح لهم قدرة على منافسته في سيادة العالم بعد أن أصبح ما يتميز به عليهم من العلوم والتكنولوجيا والتنظيم الحديث للاقتصاد والتجارية وحتى للحياة الجمعية في متناولهم؟ وهذا يقتضي خطة ذات وجهين:
وجه سالب: 
منع شروط البناء الحديث بالنسبة إلى القوى التي ماتزال في طور التكون والتي تمثل بالقوة خطرا عليه: أي تفتيت الدول وإدخالها في حروب أهلية لا نهاية لها حتى تبىقي بحاجة إلى حماية بعضها ضد بعضها الآخر وهو ما سيوقف كل إمكانية لمنافسته في العلوم والتكنولوجيا.
وجه موجب: 
الاستحواذ على مقومات القوة المادية قبل فوات الفوت وذلك بمنع القوى التي تجاوزت هذا الطور وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من تجاوزه في ما يتميز به ومن ثم خنقها بالسيطرة قبلها على مصادر الطاقة والممرات العالمية فضلا عن مجال التمدد الديموغرافي بسبب فراغها شبه الكامل من الكثافة السكانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق