Hot

الأحد، 1 يونيو 2014

غاية الثورة الخلقية هي التنوير السوي - أبو يعرب المرزوقي

أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.05.31

أن يصبح الشباب والشابة المسلمان مقدمين على تجاوز الحاجز بين الفكرين الفلسفي والديني جمعا بين قيم الحداثة وقيم الأصالة وجهادا من أجلها بعد أن انحاز جل العلمانيين والليبراليين إلى الاستبداد والفساد وحكم العسكر والقبيلة يمكن أن يعد من نعم الله على الأمة بل هو من تباشير النجاح في مساعي الصحوة والنهضة اللتين شرعتا في التحقق خلال القرنين الأخيرين. لكن لا بأس من طرح الإشكالية الجوهرية التي قد يغفل عنها كل من يتصور بعث الفكر الاعتزالي أو الرشدي لتأسيس الاستئناف التاريخي للأمة على أسس فلسفية تجاوزها الفكر الإنساني عندنا وفي الغرب منذ أمد طويل (وهو ما يلجأ إليه التنويريون العرب لتبرير التنوير لكأن التنوير بحاجة إلى التبرير) أمرا ممكنا متناسين الثورتين اللتين جعلتا هذا البعث ممتنعا.

الثورة النقدية في الفلسفة الإسلامية
فأما الثورة الأولى التي تحول دون ذلك فهي أولا ثورة ذاتية للفكر الإسلامي. ذلك أن أساسي الفكر الاعتزالي والرشدي (منهج قيس الغائب على الشاهد في ما يتجاوز ما يقبل الشهادة ومعيار التأويل أعني رد المنقول إلى المعقول عند التعارض) لا يمكن القول بهما إلا عند من لا يدرك طبيعة الثورة النقدية عند ابن تيمية وابن خلدون: 
فالأول بين حدود الاستعمال المشروع للعقل في مجال النظر العقلي في العلم من منطلق فهم طبيعة المعرفة المنطقية ومابعدها (نقد علم المنطق وما بعد الطبيعة).
والثاني بين حدود الاستعمال المشروع للعقل في مجال النظر العقلي في العمل من منطلق فهم طبيعة المعرفة التاريخية وما بعدها (نقد علم التاريخ وما بعد واقع التاريخ). 

الثورة النقدية في الفلسفة المسيحية
وهي ثانيا ثورة كونية في الفكر المسيحي الحديث. فأساسا هذين الفكرين الاعتزالي والرشدي وما ماثلهما في الفكر المسيحي الوسيط قضى عليهما النقد الكنطي الذي زاد النقد التيمي والخلدوني تأييدا لما بين أن المعرفة العلمية لا يمكنها أن تتجاوز التجربة الممكنة=أي الشاهد من الوجود أو الظاهرات في مقابل الغيب منه أو الباطنات أعني ما يسميه الغزالي بطور ما وراء العقل) فالغي بذلك علم الكلام العقلي (من جنس كلام الاعتزالRational (theology والفلسفة الميتافيزيقية (من جنس فكر ابن رشد) ولم يبق إلا على الكلام التاريخي أو النصي. 

التنوير السوي 

فلم يبق للتنويري إلا الاقدام الشجاع على القول بما يقول به العقلاء المدركين لحدود المعرفة العلمية. فالقضية الكلامية والفلسفية القضية التي كانت مسيطرة على الفكر القديم والوسيط لم تبق ذات معنى لكونها لم تعد قابلة للعلاج بالمنهج الاعتزالي ولا الرشدى بل علاجها لا يكون إلا بالمنهج القويم لكل فكر يعلم حدوده بل ويباهي بها لأن الأمر يصبح في الصيغة التي توصل إليها ابن تيمية وابن خلدون ومن بعدهما كل الفكر الحديث قابلا للصوغ التالي:
فهو أمر البحث في العلاقة بين الاستعمال المشروع للعقل النظري في علاقته بالإيمان الذي ليس له من أساس إلا علم العقل النظري بحدوده ومعنى ذلك أن فرضية طور ما وراء العقل شرط صحته.
وهو أمر البحث في الاستعمال المشروع للعقل العملي في علاقته بالأخلاق التي ليس لها من أساس إلا علم العقل العملي بشروطه ومصالحه وأهمها تحديد العلاقة بين القانون والخلق والقانون شرط صحته.
فالخلق ذو صله بالصدق مع النفس وبحكمها التقويمي لأفعالها حكما يتجاوز الظاهر إلى الباطن في حدود علم الفاعل بمقاصده ونواياه. والقانون ذو علاقة بشروط الحياة الجماعية التي قد لا تتطابق بل هي غالبا ما لا تتطابق مع الحكم الأول: وذلك هو التنوير مطبقا في التاريخ الفعلي وعين الإصلاح الذي جاء به القرآن الكريم لجعل الدين تتميما لمكارم الأخلاق المطبقة في السياسة والتربية والاقتصاد والثقافة لكونها عين القيام الروحي والمادي للإنسان السوي. وكل هذه المسائل التي تعني التنوير الذي يتماهى فيه العلم والعمل الإنسانيان المحدودان وتوق الإنسان إلى اللامحدود في مجالي الإيمان والخلق هو عين ما توصل إليه صاحبا الثورة النقدية في تاريخنا وفي تاريخ الفكر الغربي فيتم تجاوز الحرب الوهمية بين الدين والعقل. ولعل المبدأ الجامع لكل ذلك هو عين ما عرفه الصديق بعبارة وجيزة هي العجز عن الإدراك إدراك. وهو يعني ضمنيا أن هذا العجز ليس أمرا سلبيا بل هو إدراك لحدود الإدراك ومن ثم فهو عين الاطمئنان للحل الواصل بين العلم والإيمان في المعرفة والنظر وبين القانون والخلق في السلوك والعمل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق