Hot

الاثنين، 28 يوليو 2014

نقد ذاتي يوم العيد - أبو يعرب المرزوقي

abou-yaareb

أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.07.28

اخترت هذا اليوم يوم عيد الفطر لكي اقدم اعترافا -لعلي لست الوحيد الذي عليه القيام به بل الكثير ممن صدق دعاية القيادات العربية حسن ظن بهم إما للسذاجة أو لأن المؤمن في الغالب- اعترافا أوجبه علي حدثان اعتبرهما منعرجين في فهمي لخدعتين دافعت عنهما لفترة لم تكن قصيرة على الأقل في البداية وقبل تبين الطابع المخادع:
1-خدعة خيار استراتيجية السلم العربية التي ساعد على انطلائها ما كان شبه إجماع من جميع القيادات العربية ما يجعل التشكيك فيهم جميعا كان يمكن أن يعد تجنيا خاصة والوضع كان يمكن أن يقرأ القراءة التي أحاول بيان دورها في انخداعي بها.
2-وخدعة إمكانية التجديد الفعلي من دون ثورة تقضي على الميت من الماضيين الأهلي والاستعماري. وهذه الخدعة الثانية أعمق من الأولى ولعلها هي التي تفسر انطلاء الأولى على من يحسن الظن بالقيادات فيتصور أن خيار السلم لم يكن إلا أداة مهادنة للاستعداد في ظرف عدم التوازن الاستراتيجي بين الأمة وعدوها المسنود من الغرب.
سوء فهمي لخدعة الخيار الاستراتيجي العربي
إن حسن الظن بوطنية القيادات التي كانت تكثر من الكلام على شروط المجابهة والتحدي الاستعماري عامة والصهيوني خاصة قد جعلني أقرأ هذه الاستراتيجية كما توهمتها لو كنت أنا واضعها: فقد فهمتها على أنها نابعة من هدفين غايتهما عزل أقوى سلاح عند العدو (السند الغربي) مع الإعداد لللقضاء على سلاحه الذاتي (القوة العسكرية الإسرائيلية). كنت أتصور أن القيادات قد فهمت سر القوة الإسرائلية وأنها لم تسالم العدو حقا بل قررت مهادنته لتحقيق الشروط الموضوعية للنصر في الصدام الحتمي بين أمتنا وإلاستعمار وإسرائيل.
تصورت استراتيجية السلام خدعة ومهادنة للبناء والإعداد للجولة الموالية فضلا عن كوني أعتقد حقا أن قوة إسرائيل مأتاها الصورة التي تقدمها للعالم بأنها محاطة بقوى جرارة من العرب والمسلمين حتى تحصل على التأييد الغربي رغم أن هذه القوة الوهمية لا دور لها فعلا إلا في مد إسرائيل بهذه الحجة التي لا يؤيدها من العرب والمسلمين إلى الكلام والوعيد الذي لا يتجاوز الكلام. فظننت أن الذين اختاروا هذه الاستراتيجية قد سعوا لتجريدها من هذه الحجة: كنت أتصور أن حصر الصراع مؤقتا بين شعب مستعمر وقوة استعمارية استيطانية سيمكن من عرض القضية بصورة تقلب العلاقة بحيث لا نكون أمام ضحايا النازية يحاربهم مليار ونصف كما في دعاية إسرائيل بل شعب مستعمر أمام أقوى قوة عسكرية في المنطقة ما يغير السياسة الإعلامية فيوفر للمقاومة الفلسطينية مايجعلها في وضع أفضل.
لكن تبين أن المهادنة لم تكن للاستعداد بل كان هدف الأنظمة منها هو قتل القضية ومواصلة الانعزال القطري وخاصة التمييز بين ظاني أنفسهم أغنياء العرب الذي يحتمون بإمريكا وإسرائيل خوفا من طمع بقية العرب في مقاسمتهم ثروتهم وخاصة بعد فعلة صدام في الكويت تأييدا لما تقدم عليها من فعلة ناصر في اليمن.
المهم أن وهمي عن ذكاء القيادات التي اختارت استراتيجية السلم لم يكن إلا وهما أسقطت به على غيري ما كنت أتصوره الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن أن تمكن من الإعداد الفعلي للجولة الموالية التي سقطت من حساب كل الأنظمة وخاصة بعد أن انفرط عقد الجامعة مباشرة بعد غزو العراق للكويت.
وقد ذهب بي الانخداع إلى تبرير سياسة السادات لظني أنه أول من سعى إلى تخليص الأمة من عقدة الخوف ما دام أول قائد تغلب على الهزيمة النفسية العربية عندما أقدم على المبادرة بالحرب ونجح فيها إلى حد كبير. لكن الأحداث بينت في ما بعد أن ذلك كان بداية الانعزال المصري الذي نرى الآن ثمراته حتى وإن كان للعرب الآخرين في ذلك مسؤولية كبرى عندما حاولوا عزل مصر بعد منتج داود. رغم أنهم-إذا ما استثنينا البعض وهم قلة-كانوا في قرارة أنفسهم قد تعبوا من المجابهة وتخلوا نهائيا عن القضية ومن ثم فهم أكثر ساداتية من السادات.
هدف هذا الاعتراف هو بيان هذه الحقيقة علما وأن ما فات لن يعود: فاسقاط ما يترتب على الوضعيات بمقتضى التحليل الموضوعي لا يكفي فيه الانطلاق من فرضيات حسن الظن والبناء النظري الخالي من الريبية السياسية حسن الظن بالقيادات قبل أن يتبين منهم صدق النيات. ولما كانت الأحداث قد بينت كذبها فإذن فقد وقعت في خطأ والحمد لله أن الثورة وغزة أتمتا خروجي منه وهو ما يعلل التزامي التام بالنضال فيهما ولهما فكرا وفعلا. ولعل ما قد يبدو من تشدد في هذه المشاركة شبه تكفير عن انطلاء الخدعتين لمدة عقد من الزمان لأني بدأت التحرر منهما خلال حرب مغول الغرب على العراق كما يتبين من كتاباتي فيها مدة مقامي بماليزيا.
سوء فهمي لإمكانية التغيير الحقيقي من دون ثورة
إن ما جعلني أنخدع بنظرية الخيار الاستراتيجي السلمي هو الظن بأن الأمم يمكن أن تعيد بناء ذاتها مع محاولة تقليل الكلفة وإذا أمكن الاسغناء عن التضحية الكبرى التي تقتضيها الثورة وما يترتب عليها من دماء وفوضى. لكن هذا الظن كذبه التاريخ وكان ينبغي أن أفهم ذلك دون حاجة للانتظار تكذيب التاريخ اللاحق بمجرد استقراء تكذيبه السابق. ذلك أن ما عشته في شبابي من مراحل حرب التحرير الأخيرة جعلني أقرب إلى خيار ما اصطلح عليه بالخيار البورقيبي أو بسياسة المراحل في حرب التحرير من الاستعمار المباشر.
لكن الثورة الثانية أو حرب التحرر من نتائج هذا الخيار هي التي جعلتني أدرك بالتدريج حتى من تاريخ التجربة التونسية وخاصة في مرحلة حكم ابن علي أن ما ترتب عليه من تعميق الاستعمار أكثر مما كان لما كان حاضرا بوجوده المادي وبعد أن أصبح غير مباشر عن طريق من اختارهم لمواصلة مهمته في القضاء على مقومات الحصانة التي تحمي كيان الأمة: فأدى إلى إفساد التربية والثقافة وجعلهما أداتي تهديم لحصانتها ما أنتج جل هذه النخب التي تعتبر التبعية تقدمية وتقليد المستعمر في معاملة الشعب واحتقاره وثقافته حداثة.
فحرب التحرير التي اختارت منهج التحرير المحافظ على الجغرافيا الاستعمارية بل وتمتينها انتهت إلى توطيد التاريخ الاستعماري ومن ثم إلى تمتين التبعية المادية (من خلال تثبيت سياسة تفتين المكان العربي) وتمتين التبعية الرمزية (من خلال التركيز على سياسة تشتيت الزمان العربي) ما أدى إلى ما نراه اليوم من تكون طبقات تعتبر التقدمية والحداثة متمثلة في الدولة القطرية والثقافة الفلكورية ومن ثم الحرب على وحدة الأرض العربية والتاريخ العربي وحصانة الأمة أي الحضارة العربية الإسلامية: وخاصة في بلدي الربيع العربي الأساسيين تونس ومصر. والحمد لله انه قد أمد في العمر فعشت الحدثين الأهم والحاسمين في تاريخنا المعاصر:
1-عودة الروح للشباب العربي المسلم الذي قام بثورة الحرية والكرامة لتحرير الأمة من الاستبداد والفساد بشروطه أي إزالة ما أسس للتبعية البنيوية ماديا ورمزيا من خلال تفتيت المكان شرطا في التبعية المادية وتشتيت الزمان شرطا للتبعية الرمزية ومن ثم جعل النخب الموالية للاستعمار تتحول إلى معاول تهديم لأساس الحصانة الروحية للأمة أعني الإسلام ووحدة التاريخ ووحدة الجغرافيا وما توفرانه من شروط بناء المستقبل.
2-عودة الروح للقضية الفلسطينية بنفس الشباب العربي المسلم الذي بين أن روح المقاومة والتحرر من الاستسلام والهزيمة لم يعد مجرد أمر منشود بل هو بات أمرا موجودا يزلزل الكيان الصهيوني ويقض مضجع الأنظمة والنخب العميلة بحيث اجتمعت ذروة حرب التحرر مع حرب التحرر فاصبحت الثورة جامعة بين إرادة قادرة على إزالة آخر استعمار استيطاني في الوطن و ثورة قادرة على الإطاحة بأنظمة العمالة ونخبها.
هذا النقد الذاتي يهدف إلى غايتين:
الأولى هي أن الجميع معرض للخطأ والتدارك ممكن وكلما كان التدارك سريعا كان ذلك في آن سندا لثورتي التحرير والتحرر وتدعيما لصدق التدارك.
الثانية هي أن الأمة بخير وأن اتحاد المعركتين: التحرير والتحرر يمثل البداية الحقيقية للتغير الجذري الذي طال انتظاره لتحقيق الاستئناف التاريخي الكوني لدور الأمة.
وبالله التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق