Hot

السبت، 8 نوفمبر 2014

الطبعة الثانية من 7 نوفمبر


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2014.11.08

لما نبهت إلى أن الحوار الوطني يعد إلى طبعة ثانية من 7 نوفمبر ظن الكثير أني أبالغ وأهون من قدرة المكورين وفطنتهم. وها نحن بدأنا نرى أن ما توقعته قد صار. علينا أن نفهم القصد الآن بالطبعة الثانية من 7 نوفمبر ولم هي لحظة مفيدة جدا للثورة الحقيقية التي كما أكدت عديد المرات لم تبدأ بعد أولا لأن الصفوف لم تفرز وثانيا لأنها ما تزال قطرية في حين أن الثورة المضادة تشمل كل الوطن العربي بل والإقليم بمساعدة الاستعمار.
خصائص 7 نوفمبر الثانية
الخاصية الأولى هي نهاية حقبة الجيل الذي حكم بعقلية الوحدة الوطنية للمناضلين الذي قاوموا الاستعمار وبداية الجيل الذي يريد أن يحكم بعقلية تتبنى نظرية المهمة التحضيرية الاستعمارية:
1-فالجيل السابق كان حائزا على ثقافة أصيلة مع تعلم ثقافة حديثة لم تلغ منه انتسابه إلى الحضارة العربية الإسلامية. فيهم باقية من الاعتزاز بالانتساب إلى الحضارة العربية الإسلامية بمن فيهم بورقيبة الذي كان أكثرهم تطرفا لكنه مع ذلك كان معتزا بالحضارة العربية الإسلامية وكان بحق وطنيا يريد إصلاحها لا محوها من الوجود.
2-أما الجيل المقبل فهو جيل هجين يريد محو كل أثر للحضارة العربية الإسلامية واستبدالها بما يتصوره مطلق الخير رغم أنه لم يحز أيا من الثقافتين فحتى أرقى نخبهم فهم أقل من أرباع مثقفين وأغلبهم من أقسام الآداب الذين "يتعلطون" على الفكر والفلسفة والعلوم الإنسانية بقراءة مجلات التقريب الجمهوري.
الخاصية الثانية هي نهاية حقبة الحرب الباردة بين توجهي الحضارة الغربية (الرأسمالية والاشتراكية) وبداية الحرب الباردة بين الغرب ككل والشرق ممثلا بالإسلام لأن بقية الشرق اندمجت في الحضارة الغربية على الأقل في بعدها المادي وما عدى ذلك لم يكن شديد الاختلاف عما آل إليه الغرب نفسه: فالصين والهند روحانيتهما قريبة جدا مما آل إليه الغرب الحالي أي عدم الإيمان بما يتعالى عما هو في خدمة العالم الدنيوي.
والجمع بين الخاصيتين يجعل العدو الداخلي للحضارة العربية الإسلامية أي الجيل المقبل متناغما مع العولمة التي تريد محو ما به يفضل الإسلام على كل الحضارات الأخرى أعني نفي حصر الوجود الإنساني في الإخلاد إلى الأرض. ومعنى ذلك أن الممثل الوحيد للمتعاليات الدينية والروحية في لحظة التاريخ الأنساني المتميزة بالكونية هي عين ما يجعل الإسلام كما يحدد نفسه دين البشرية كلها: فهو يخاطب البشرية كلها ويؤسس الروحانية الأسمى على وحدة الرسالة ووحدة البشرية كما تعين ذلك جيد التعيين الآية الآولى من سورة النساء.
وبمعنى أدق فالإسلام اليوم في لحظة الاستئناف كما كان في نشأته الأولى مع فرق مهم يتمثل في تجربة الـ14 قرنا السابقة وحصيلتها البشرية والحضارية والإمكانات المادية أمامه معركة تحرير البشرية من الإخلاد إلى الأرض الكوني أي العولمة التي هي في الحقيقة اتحاد المافيات الكونية. ولعل من علاماتها أن ما يقود الحرب على الإسلام في العالم عامة وفي المنطقة العربية خاصة هم تجار السلاح والجنس والعبيد والمخدرات والأديان المزيفة من الباطنية والراسمالية.
فهؤلاء جميعا مع جوقتهم من أرباع المثقفين والمتثاقفات يحاولون محو كل أثر للحضارة العربية الإسلامية ومحاربة قيم القرآن الكريم بخطاب سطحي يدعي الحداثة وهو لا يرى منها إلا القشور.
لكن لسوء الحظ فإن من يرد عليهم من المقاومين لا يزال هو بدروه لا يرى من ثورة الإسلام إلا قشورها فلم يجد إلى الآن الاستراتيجية الكفيلة بتمكين المسلمين من استئناف دورهم الحضاري الجامع بين الدنيوي والأخروي أفقا لا متناهيا للوجود الإنساني.
عودة 7 نوفمبر ستكون لحظة الفرز الحقيقي: فكل الذين يتباكون الآن على تضييع الفرصة بتشتتهم وقبولهم لخدعة النظام السابق بل وبالتحالف معه عليهم أن يدركوا أن المعركة ليست إلا بين صفين:
1-صف هذا الجيل اللقيط الذي يستدعي الاستعمار ويأسف لخروجه لكأنه يخون كل الأجيال التي قاومته: وافضل الناطقين باسم هذا التيار هم بعض المتفلسفات من سقط المتاع من خريجات الآداب العربية في تونس وأمثالهن في مصر.
2-وصف الجيل الذي ورث جيل المقاومة ويريد استكمال حرب التحرير بحرب التحرر من أذيال الاستعمار المادي والروحي لكنهم لسوء الحظ أبعد الناس على فهم منطق العصر وكيفية التعامل معه بصورة تسمو به إلى الافق الإنساني الأوسع الذي يمثله القرآن وقيمه.
فلا يمكن حصر المقاومة الإسلامية للحط من الإنسان والإنسانية إلى مجرد حركات رد فعل تنتقم للعدوان المباشر عليها وعلى شرفها على أهمية هذا الإحساس من حيث دور الدوافع للجهاد لكن الجهاد أسمى من ذلك فهو قبل كل شيء مسعى لتحرير الإنسانية وليس غضبة للذات فحسب.
فالثورة هي قبل كل شيء وبعد كل شيء ثورة تحرر حضاري وروحي لأمة كلفت بالشهادة على العالمين. والصدام هو قبل كل شيء وبعد كل شيء صدام حضاري يهدف أصحابه إلى محو كل الحضارات وخاصة حضارة الإسلام التي هي أسمى ما توصل إليه خطاب المطلق للإنسان لكي يفرضوا حضارة واحدة بدعوى أنها الوحيدة الممثلة للإنسان وبدعوى أن التاريخ توقف لما وصل إليها مرحلة أخيرة في تطور البشرية وأنه على البشرية أن تمحو كل ما عدى هذه المرحلة الاخيرة. لكن استئناف الحضارة العربية الإسلامية لدورها سيحرر الإنسانية من هذا الطغيان الروحي الذي يحبس الإنسان في الافض الضيق للوجود الدنيوي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق