نورالدين علوي
عندما بدأ النضال الاجتماعي مع صعود الرأسمالية المتوحشة لم تكن هناك قضية خاصة بالمرأة، كان الاستغلال يشمل الجميع (الأطفال والنساء والرجال) وقد اتجه النضال إلى تحرير الجميع دون ميز.
فحددت سن العمل الدنيا لحماية الأطفال وُحِّدَدت الأجور والعطل والضمان الاجتماعي دون ميز جنسي. وكانت الرأسمالية تراوغ دوماً بحثاً عن الأقل مناعة لتستغله، ولذلك كان الاستعمار والنهب للشعوب غير الأوروبية. في مرحلة متأخرة عن ذلك ظهر خطاب النوع الاجتماعي في هذه المجالات الجغراسياسية ليفرد المرأة بدفاع خاص، في بلدان لم تكن المرأة فيها مُستغَلَّةً، بل كان الاستغلال يتواصل في المستعمرات والبلدان التي تحررت حديثاً، ولم تقف على أقدامها لتبني مشروعها الاجتماعي.
هذا اليسار المدافع عن المرأة دون تدقيق الجغرافيا، لم يكن يرى الاستغلال الذي تمارسه بلدانه على شعوب أخرى، بل كان من المستفيدين منه أجوراً وطاقة رخيصة وعمالة مهاجرة إليه بلا كفالة. وفي ما يشبه منح لعبة لأطفال منح توكيل نضالي لليسار الأوربي في قضية المرأة. فكان الأمر في جزء منه تحريفاً للنضال العابر للأمم دفاعاً عن المستغلين في بلدان أخرى. وظهر كما لو أن اليسار الغربي قد وجد أصلاً تجارياً يعيش منه، ويصدر النضالات بعد أن استغنت البروليتاريا عن ثوراته الحمراء التي كانت نتائجها الكارثية تتجلى في اتحاد سوفيتي تقسم عليه مافيا الحزب الشيوعي الجوع والفقر.
تبلور خطاب النوع الاجتماعي في زمن كانت الديمقراطيات الأوروبية تدفع النساء إلى رئاسة وزراء بريطانيا وفرنسا والخارجية الأمريكية والمستشارية الألمانية. لذلك بدا خطاب النوع غير منتج هناك ولا يكفي لإلهاء اليسار وتدبير مواقع له في السلطة؛ لذلك سيحل محله خطاب البيئة (الخضر) بينما يصدِّر (من بلدان المركز) عبر مناولين يساريين يسترزقون في بلدان الطرف/ ولا يتنازلون حتى لترجمة المراجع المضروبة للخطاب. وفي الوقت الذي تمكن فيه خطاب النوع سيغض البصر عن خطاب البيئة في بلدان الطرف؛ لأنه خطاب يزعج مناولين آخرين في هذه البلدان، مناولون يقومون بدفن النفايات السامة للمركز ويستوردون صناعات ملوثة تتخلص منها بلدان "المناضلين الخضر" الذين ستكون سلامة الدببة القطبية أهم لديهم من إنسان يموت بالزرنيخ في مناجم الذهب في إفريقيا وأمريكا.
هكذا سيكون حديث حقوق المرأة (وصولاً إلى المناصفة) في عيدها العالمي وسيلة للمناول اليساري الطرفي، لكي يتدبر به مصروفاً مجزياً من مصدريه في المركز، وليتلهى به طمعاً في السلطة بلا حرب طبقية، فضلاً عن بعض رأس المال الرمزي في الجامعات والمراكز (كمختص في الجندرية) ليس التمويل ما يعوز المركز، ولكن ثمن الإلهاء عن قضايا الاستغلال والقهر الذي كان اليساري في أول القرن العشرين منشغلاً بها، يستحق أن يدفع، خاصة إذا كان ذلك مؤدياً إلى تخفض أسعار الطاقة في السوق؛ إذ قد يستعمل حق المرأة في قيادة السيارة في السعودية في تخفيض سعر النفط في بورصة نيويورك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق