ابو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.04.04
من مصائب العرب والمخلص منهم إستثناء للمافيات العسكرية والانقلابية التي تحكمهم أنهم يجهلون ما لديهم من شروط القوة الكامنة في أحياز وجودهم التي لا مثيل لها عند غيرهم من شعوب العالم. فالتحرر بالعقل والإرادة الممكنين من القيام بما يترتب على إمكاناتهم المادية والرمزية من سعي لاسترداد منزلتهم ينطلق دائما من الوعي بهذه القدرات.
فلو أدرك العرب هذا السر لما تجرأ عليهم القاصي والداني في الإقليم أو خارج. فكل هؤلاء لو فهم العرب مقومات قوتهم لكانوا تابعين لهم لا متبوعين منهم. ولنذكر هنا بمناسبة "عاصفة الحزم" ما يمكن للمخلصين من العرب القيام به حتى يستعيدوا مع سنة الإسلام منزلتهم ودروهم في قيادة المسلمين لاستئناف دور الإسلام في التاريخ الكوني ومن ثم تحقيق شروط الاستئناف الذي يكون بقدر البداية. ذلك أن أحياز وجودهم الخمسة التي ورثوها عن ماضيهم من أهم مقومات القوة الحضارية :
1-فمكانهم هو ثاني مساحة في العالم : 14 مليون ونصف كلم مربع تفتح على أهم بحار العالم من المحيط إلى المحيط.
2-وزمانهم هو أول زمان في العالم : أطول تاريخ امبراطوري موحد لقوميات عديدة تحت نفس العقيدة حكمت قلب العالم المتحضر ووصلت بين الحضارتين القديمة والحديثة.
3-وجغرافيتهم الطبيعية الواحدة تتضمن كل شروط الثروة المادية لو استغلت بتكامل بين الأقطار التي صارت توابع لمستعمرها ومتنافية في ما بينها.
4-وتاريخهم الحضاري الواحد يتضمن كل شروط التراث الرمزي العلمي والعملي الروحي والمادي العمراني والإنساني.
5-وكل ذلك يستند إلى عقيدة الكونية التي يتساوى فيها البشر الذين لا فرق بينهم إلا بالتقوى والتي تسعى رسالتها توحيد البشر بمبدأ الأخوة والعدل والمساواة (النساء 1) وبأخلاق التعارف (الحجرات 13)مع تحريرهم من الأوصياء والوسطاء ووصلهم بربهم مباشرة فضلا عن المساواة المتحررة من العنصرية والطائفية.
مثالنا اليوم هو أوهام بوتين
1-أوهام بوتين: لم يفهم بوتين أن روسيا ليس لها شروط الدور العالمي لأن خردة السلاح السوفياتي: لم تعد كافية.وزنها الاقتصادي والعلمي دون ذلك.
2-حرص بوتين على مطالب القياصرة أو مطالب السوفيات من علامات الغفلة: روسيا مثل إيطاليا. أوروبا أحتاجت للوحدة حتى يكون لها دور. فكيف بروسيا التي أي أزمة في كبيرة أسعار البترول تهد اقتصادها الهش فتركعها؟
3-وهمه الثاني أو البريكس: لا يمكن للصين ولا الهند أو البرازيل أن يحالفوا من ليس من جحمهم أو من يمكن أن يساعدهم للوصول إلى حجم قوتي الغرب وخاصة إذا كان مصاب بداء العظمة الزائفة بعد فقدان شروطها (بوتين مثله مثل صدام عبد الناصر والسيسي بشار وقادة إيران).
4-يمكن أن يفيدوا من خردة الاتحاد السوفياتي.الهند والصين يفضلان الولايات المتحدة وأوروبا=بداهة لمن يعلم سر القوة الحديثة وعلل التخلف ومنطق الأحلاف المعتمدة على حساب المصالح.
5-لم يبق لبوتين إلا كوريا الشمالية ونظيرتها الإيرانية.لكن شعوبهما يفضلون خيار كوريا الجنوبية وخيارات شبابهما لنموذج العيش الأمريكي: ضعف معنوي وخسران التنافس القيمي قبل خسران التنافس السياسي وصارع القوة.
6-ومثلما كانت هزيمة السوفيات نابعة من تخلي شعبه عن نموذج العيش السوفياتي وميلهم للنموذج الأمريكي فسيكون خسران من قوته= خردة السوفيات.
7-وما يعنينا نحن كعرب هو فهم دور بوتين في سوريا وفي اليمن. فهذا الدور مبني على حلم الوصول للأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج.
8-وما يغفل عنه بوتين هو أن إيران إذا حصلت على وظيفة مساعد الشرطي في المنطقة ستكون أول عقبة ضد هذا الطموح خدمة لمن يوليها هذا الدور.
8-وهو إذن يستمثر في مشروع خاسر سواء نجحت إيران في الحصول على دور مساعد الشرطي الاسرائيلي أو فشلت. وهي ستفشل لأن الشرطي نفسه لن يستطيع.
9-حلف العرب والأتراك والباكستانيين هو الذي سيكون سيد المنطقة وهو الذي يمكن أن يستتبع إسرائيل وإيران إذا فهمت قيادات العرب سر قوتها حقا : قيادة الإسلام السني.
10-وهذا السر بين: النشأة الأولى لدور الأمة كان بتجاوز صراع القبائل العربية وقوميات
المنطقة بمبدأ تعارف الشعوب والقبائل والاستئناف كذلك.
11-إذن السر: الإسلام السني الذي يصالح بين قيم القرآن المتحررة من نكوص الانحطاط وقيم الحداثة المتحررة من نكوص الاستعمار: المرحلة الثانية من تحقيق قيم الرسالة الإسلامية باستئناف دورها التاريخي الكوني.
12-وهذا المبدأ يستثني الحلف بسبب قومي أو مذهبي بل يقتصر على وحدة الغايات وتكامل الأدوات:الغاية=سلامة المسلمين السنة والأداة= جمع قوتهم.
13-يستثنى من يحارب الغاية (مثل السيسي وبشار وحفتر) ومن الأمة من لا يفيدها باشتراك المصلحة وبمضاعفة القوة والإيمان بعزة الإسلام السني. لم يبق إلا سنة العرب والترك وباكستان.
14-القوة الكافية مع وحدة الغاية=شرطا حرية المسلمين السنة واستعادة دورهم ليكونوا هم سادة المنطقة لأنهم هم الأغلبية ويحترمون الأقليات.
15-أما الأعداء فهم دولتا العنصرية والطائفية إسرائيل وإيران يحاولان اللعب على الغرب وروسيا والمحيط على الإسلامي. لكن الحلف يلغي الخطر فيوطد السلم ويعزل المتنطعين اللذين يريدون الوصاية على الإقليم بدور الشرطي الأمريكي (إسرائيل) ومساعده (إيران).
16-فالهند لن تعادي باكستان إذا حالفت العرب والترك بل ستزداد لها احتراما لازدياد قدرتها ومهابتها. والغرب لن يفضل شرطيا على جماعة لا تعاديه خاصة إذا تأكد من صدق أعضائها ومتانة حلفهم. والحلف سيكون عامل استقرار وتنمية في العالم.
17-السؤال: هل القيادات العربية مدركة لضرورة تحقيق ذلك؟ فلهم شرطاه: الثروة والتراث. وللحليفين شرطا القوة الجاهزة والمساعدة على تقويتهم.
18-هل من العدل الاطمئنان لتريكا وباكستان أكثر من مصر. لو كان نظام مصر شرعيا وغير معاد لهويتها الإسلامية لكانت مصر مقوما رئيسيا من الحلف الذي ينبغي أن يكون إسلاما سنيا يخلص النخب المصرية المتنفذة من سلوك الأوصياء على غيرهم من العرب.
19-وعدم الاطمئنان لمصر له علة ثانية: مرض الحق الملطق في الزعامة ودعوى أن العرب الآخرين مجرد "مجال حيوي" لمصر وليسوا شركاء متساويين يجعل النزعة القومية غالبة (مثل قصة أمن الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر القومي).
20-وقد يكون الإسلام السياسي المصري أقل إصابة بمرض التعالي على العرب الآخرين. لكن نزعة الأخ الأكبر فيها من الأبوية ما قد يفسد الحلف : الخلط بين الكم والكيف.
21-ومن ثم فالسبب الجامع لوجوب استثناء مصر من الحلف مع عدم شرعية النظام الانقلابي والنزعة القومية: غياب شرطي القيادة المادية (الثروة) والروحية (التراث : الحرَمان).
22-فماديا ليس لمصر إمكانات اقتصادية تمكنها من شروط اللاحم التنموي لأعضاء الحلف وليس لمصر امكانات روحية تمكنها من شروط اللاحم الروحي.
23-ولما كان الشرطان لا يتوفران إلا لبلد الحرمين فإن مشكل الزعامة يصبح أهم مشكل: مصر لن تقبل بالزعامة السعودية وتريد زعامة بدون شرطيها.
24-فتكون زعامتها ليست زعامة الرئيس بل زعامة السيد:الرئيس قيادة شرعية للأحرار.والسيد قيادة غير شرعية للعبيد. نريد حلف أحرار لا حلف عبيد.
25-لكل ذلك فإن الحلف ينبغي أن يكتفي بالخليج بقيادة سعودية وتركيا وباكستان وباقي العرب ممن لا يستعلي على اخوته بوهم زعامة "أم الدنيا".
26-وأولى مهام الحلف الثلاثي عربي (يستثني الانقلابيين) تركي باكستاني: باكستان تساعد العرب والأتراك للحصول على ما سمح به لإيران في الاتفاق خلال مدته وبنفس الشروط (عشرة سنوات). وهذا سيكون رادعا لإيران من تجاوز الحد المعين فيه فضلا عن منع إسرائيل من الاستفراد بالردع المطلق.
27-ثاني مهامه تمكين السعودية وتركيا لباكستان من شروط التنمية التي تخرجها من الحاجة للمساعدات الأمريكية حتى تتحرر من التبعية الاضطرارية.
28-ثالث مهمة وهي أساس المهمتين الأخريين: تكوين سوق مشتركة ذات 300 مليون نفس قادرة على تأسيس صناعات مدنية وعسكرية شارطة للقوة المستقلة.
29-ورابع مهمة: تأسيس القطب القاطر لتوسيع الوحدة لتشمل سنة المثلث: فالأتراك أوسع من تركيا والعرب أوسع من الخليج ولباكستان جزؤها الثاني البنغالي.
30-وخامس مهمة هي تكوين كمنوالث إسلامي يشمل باقي المسلمين في العالم.وعندئذ فقط يتكون القطب الخامس الذي سيغير تاريخ العالم: قطب أمة الإسلام.
31-ولسنا غافلين على أن هذه المهام ليست بالأمر اليسير ولا على أن الأعداء سوف لن يفعلوا ما يستطيعون لمنع تحقيقها حتى لو صدقت نية أصحابها.
32-فصدق النية في تحقيق المهام يقتضي عزم الأمر لذلك نبهنا إلى أن الحزم مشروط بالعزم لئلا يكون نار هشيم.والخطر الداهم لاستمراره يساعد عليه.
33-وتحييد محاولات أعداء الحلف ليس باليسيرلكنه ليس مستحيلا:وحدة المصيروالخطر وتحدي القيام بالواجب فيهما بينة للأطراف الثلاثة بنفس القدر.
34-وتجارب هذه الشعوب الثلاثة العرب والأتراك والباكستانيين طيلة قرني الاستعمار تثبت لهم أنهم مستهدفون لقومياتهم بل لما يتجاوزها من قيم.
35-والمستهدف منهم هو ما جعل قومياتهم تصبح مسهمة في التاريخ العالمي أي لإسلامهم السني الذي منه استمدوا مجد أجدادهم ومعنى مستقبلهم وكرامتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق