Hot

الأربعاء، 3 يونيو 2015

إيجابيات الفوضى الخلاقة


أبو يعرب المرزوقي 
تونس في 2015.06.03

تمهيد:
مما يثبت أن الاستئاف السني بات حتميا-مع إيماننا بأنه من قضاء الله وقدره لأن الأمة موعودة بالشهادة على العالمين -هو أن أعداء الأمة من حيث لا يعلمون أصبحوا بخططهم التي تنصلوا فيها من كل القيم محفزين لفاعلية الدوافع إلى تحقيقه. والحمد لله فإن السنة لم تعد غارقة في أوحال التخلف واللاوعي بشروط النهوض بل هي تسعى إلى الجمع بين الثورتين وإن لم تصل بعد إلى الوعي الاستراتيجي الكافي:
1-ثورة الحرية والكرامة لتنظيم حياتها وعلاقاتها الداخلية التي وصلت إلى طريق مسدودة لعدم توفر شروط التحرر من التبعية بسبب عائقي الجغرافيا والتاريخ المفروضين من الاستعمار وعملائه والحائلين دون الحجم الكافي لتحقيق شروط التنمية المستقلة.
2-وثورة الحماية والرعاية لتنظيم حياتها وعلاقاتها الخارجية التي وصلت هي بدورها إلى طريق مسدودة لعدم توفر شروط التحرير من الحماية الأجنبية بسبب نفس العائقين مع تخل صريح ممن يحتمون به وتنصل من التزاماته مستبدلا إياهم بألد الأعداء شرطيه (إسرائيل) ومساعد شرطيه (إيران).
لكن مهما حاول الغرب استعمال شرطيه ومساعد شرطيه ومليشياتهما التي بالسيف والتي بالقلم للتلاعب بكاريكاتوري الانحطاطين اللذين يفسدان شروط النهوض فإنه لن يتمكن من تحقيق أهدافه بالفوضى الهدامة التي يتصور نفسه بدأها مع بوش ويواصلها بهما وهما صنفا الدواعش. فالكاريكاتوران الداعشيان الذي يشوه أولهما التأصيل والذي يشوه ثانيها التحديث لا يمكن إلا أن يحفزا الأمة لاستئناف دورها: 
فداعش الأولى بكاريكاتور من قيم الإسلام ودولته لا تمثل ماضينا المجيد بل هي تمثل انحطاطه وتشويهه.
وداعش الثانية بكاريكاتور من قيم الحداثة ودولتها ولا تمثل حاضر الإنسانية المجيد بل هي تمثل انحطاطها الاستعماري وتشويهها.
لذلك فكلتا الحركتين تمثلان بحربهما على شروط النهوض مسرحية هدفها تزييفها وتفتيت الأمة مكانها وزمانها والحرب على حصانتها الروحية. والهدف البين هو تمكن شرطيها (إسرائيل) ومساعده (إيران) من السلطان على سنة العرب والاستحواذ على ثروتهم تراثهم لمنع كل إمكانية لعودة الإسلام ودولته لدورهما في التاريخ الكوني.
النص
1-سبق أن قال أستاذنا خلال حملة كونداليزا رايس حول الفوضى الخلاقة كلاما بدا لنا وكأنه نشاز لأنه اعتبر الظاهرة قابلة لأن تكون مفيدة للأمة.
2-لذلك سأناه ليلة أمس: هل غير رأيه في الفوضى الخلاقة حتى بعد ما ترتب عليها في العراق وما أضيف إليها من جنسها بعد الثورة في جل أقطار الوطن؟
3-فقال: أولا الفوضى الخلاقة ظاهرة متقدمة عندنا على غزو العراق وحتى على الحربين العالميتين. وهي فعل بادرت إليه الأمة للخروج من الانحطاطين منذ قرنين.
4-فالانحطاطان الذاتي والمستورد أوصلا الأمة إلى الجمود العقيم والقاتل تأصيلا وتحديثا حتى ظن هيجل في رابع أبواب فلسفته للتاريخ أن الإسلام خرج من التاريخ.
5-وكان طبعيا أن تكون محاولات الاستئناف لتجاوز الانحطاطين حركات غير منتظمة وغير محددة الاستراتيجية ومن ثم فوضوية لكنها معلومة الغاية: استعادة العنفوان.
6-والعنفوان بما هو فاعلية حياة لا يكون إلا عنيفا وفوضويا قبل أن يشق طريقه شق السيل إذ يحدد سدته بتعرجات هي حصيلة بين قوة دفقه وعقبات مساره.
7-وعقبات المسار هي حال أحياز الكيان الخمسة: 1-جغرافية الأمة 2-وتاريخها3- ومن تفتيت الأول عقم إنتاجها المادي 4-ومن تشتيت الثاني عقم انتاجها الرمزي 5-والحصيلة هي جمود عنفوانها الروحي وتوقف الإبداع الحضاري في مجالات القوة المادية الرمزية .
8-وحال الأحياز نتجت عن الانحطاطين:1-فقد فتت وحدة المكان وشتت الزمان للقضاء على وحدة الأمة المادية والرمزية. 2-وطدهما الاستعمار بمحاولة قتل وحدة الأمة الروحية بالحرب على حصانتها الدينية والضحارية.
9-فالانحطاط الذاتي فتت وحدة الأمة المادية (الجغرافيا والتاريخ وثمرتهما المادية والرمزية) لكن الوحدة الروحية صمدت. والانحطاط المستورد يحاول منذ قرنين هو وعملاؤه القضاء على وحدة الأمة الروحية.
10-وحرب التحرير التي بدأت منذ قرنين ما كانت لتكون ممكنة لولا صمود الوحدة الروحية التي وإن لم تزل التفتيت المادي فإنها تمكنت من تجاوزه على الأقل في الأذهان إن لم يكن في الأعيان.
11-وإذن فالفوضى الخلاقة بدأت خلال حرب التحرير الأولى من الاستعمار المباشر من منطلق تذويب الحدود المكانية والزمانية التي فرضها الانحطاطان لتجميد عنفوان الأمة بمحاولة قتل قدرتي إبداعها المادي والرمزي لتكون تابعة حماية ورعاية.
12-لذلك فالعنفوان لم يتحول إلى فعل خلاق وحتى يحول دون إمكانية التحول وخاصة بعد فشله في مواصلة الاحتلال أراد العدو أراد استباقه بفرض كاريكاتورين منه يشويه الغايات فيجعل فاعليته انتحارية لا استئنافية: كاريكاتور النهضتين التأصيلية والتحديثية.
13-فما الكاريكاتورين؟انهما جوهرالانحطاطين: فأولا استوردت النخب العميلة الدولة القومية بشرعية تنفي وحدة المكان والزمان وبالتالي الوحدة الروحية.
14-وثانيا عجزت النخب "الهبيلة" عن تصور توحيد المكان والزمان بما يلائم العصر من صيغ التوحيد فانتهى ألأمر إلى التهديم الذاتي أي الفوضى الهدامة.
15-بعبارة وجيزة: العملاء يرهنون التحديث بإلغاء أحياز الأمة الأصيلة والهبلاء يرهنون التأصيل بإلغاء أحيازها الحديثة: حرب الكاركياتورين جوهر الفوضى التي نعيشها حاليا.
16-والآن بعد أن تبين أن ثورة التحرر وثورة التحرير متشارطتان كل مهما شرط الأخرى ومن ثم فهما متلازمتان فإنه يمكننا القول إن هذه الفوضى أصبحت خلاقة بحق: أدركنا ضرورة الوحدتين ولكن بمنطق العصر للتغلب على الكاريكاتورين.
17-كيف ذلك؟ تحقيق أهداف ثورة الحرية تقتضي شروط التنمية المادية والرمزية. وتحقيق أهداف ثورة التحرر تشترط تجاوز منطق الدولة عديمة السيادة. وكلاهما يقتضي نفس الشروط: الحجم الكافي لقيام كيان قادر على التحرر من التبعية.
18-فبات الواجب أن يحصل التحرر من الانحطاطين بأدوات التحرر الفعلية والمناسبة للعصر: لم يعد الأمر حربا بين كاريكاتورين إزاء الوحدتين المكانية والزمانية بل موقف سياسي راشد يحقق البديل الحقيقي منهما.
19-فوحدة المكان والزمان الشارطة للتنمية ماديا ورمزيا لا تتنافي مع التعدد الذي يحقق مطالب الثورتين: الحرية والكرامة للأفراد (ثورة الحرية والكرامة) الـحماية والرعاية للجماعة (ثورة التحرر والاستقلال).
20-بهذا وبهذا دون سواه ننتصر على صنفي الدواعش: 1-دواعش التحديث الكاريكاتوري التابع الذي يريد القضاء على وحدة الامة 2-ودواعش التأصيل الكاريكاتوري الذي يريد القضاء على تعددها.
21-ولا يمكن هزيمة صنفي الدواعش إلا بتحقيق الحقيقة التي هما منها كاريكاتور: وحدة الأمة بمنطق العصر هي التي تهزم الهبلاء. وتنوعها بمنطق العصر هو الذي يهزم العملاء.
22-فيكون المكان واحدا من حيث دوره التنموي المادي والزمان واحدا من حيث دوره التنموي الرمزي: وذلك على أساس الوحدة الروحية والمصلحية للأمة التي تكون قد استردت الكرامة والحرية للمواطن والحماية والرعاية للجماعة.
23-كل المجموعات التي تشكلت هدفت إلى التكيف مع العصر-الحجم في عصر العولمة-فانبنت بنفس المنطق: أحيت وحدة حضارية سابقة للمكان والزمان ليس بالعودة إلى الماضي ولا بالقطع معه بشكل حديث يحفظ الجوهر ويطوره.
24-ثورة التحرر بالدولة القطرية وهم: فقدان شروط التنمية المادية والرمزية. ثورة التحرير بالدولة التقطرية وهم: فقدان شروط الحماية والرعاية. من هنا ضرورة تجاوز الدولة القطرية التي صارت عائق التنمية وعلة التبعية في الحماية وفي الرعاية.
25-والتجاوز لا يعني الإلغاء بل هو تطوير وتثمين: فككل الوحدات الحديثة لا بد فيها من مواطنتين متراكبتين قطرية وشاملة. والمثال أمامنا: في أوروبا لكل مواطن مواطنتان قطرية وأوروبية. 
26-ونفس هذا المنطق ساد في دولة الإسلام حتى في عصر الانحطاط: فالحدود السياسية القطرية لم تحل دون التعاون وحرية الحركة والتبادل والتكامل بل هي لم تحل دون أن يكون ابن خلدون وزير العدل في مصر مثلا.
27-لكن الانحطاط المستورد للنخب العميلة والانحطاط الذاتي للنخب الهبيلة جعلهم يخوضون معركة الإلغاء المتبادل فتصبح الفوضى والنظام هدامين ولا يحققان إلا أهداف أعداء الامة.
28-ما يجري في الهلال-الشام والعراق-أفضل تعين لهذا الكاريكاتور من معركة السيادة القطرية الوهمية لأنها تابعة ومن ثم فهي ليست دولا والوحدة الإسلامية الوهمية لأنها أكثر تبعية إذ من شروطها إعادة الأمة إلى البداوة لا إلى الإسلام: نرى النظام والفوضى الهدامين.
29-لا مخرج من التهديم الذاتي باسم حاضر مشروط بقتل الماضي وباسم ماض مشروط بقتل الحاضر إلا بتحقيق شروط بناء المستقبل بوحدة يفرضها منطق العصر: الجمع بين المستويين القطري والشامل.
30-كل من يتوهم أن الحدود التي زالت بفضل ثورة الحرية (من تونس) وبفضل ثروة التحرر(من بلد الحرمين) يمكن أن تعود كما كانت قبلهما لا يفهم ما يجري: الخريطة الاستعمارية انتهت وقضايا الأمة صارت واحدة ولا تعترف بالحدود. 
31-ما بدأ في تونس تجاوز جغرافيا الانحطاطين ولم يعد يعترف بالأقطار في صف الثورة وفي صف الثورة المضادة. وما بدأ في بلد الحرمين تجاوزها في صف الخليج وفي صف محيطه الذي تحكمه مليشيات إيران: شروط الحرية والكرامة وشروط الحماية والرعاية واحدة لنا جميعا.
32-تبين "لأغنياء العرب" أن حمياتهم لا يحققها القطر ولا حتى المجموعة الإقليمية. وتبين نفس الأمر "لفقرائهم" بخصوص رعايتهم وحمايتهم.
33-تلك هي النتيجة الإيجابية للفوضى وهي تبدو نتيجة سلبية لكنها في الحقيقة شديدة الإيجابية وخلاقة إذا علم العرب كيف لا يضيعون الفرصة خاصة وهي عين فرصة بقائهم ووجودهم المستقل. وهي خلاقة حتى بما يبدو سلبيا كظاهرة الطائفية.
34-سأتهم بالطائفية التي هي أبعد ما يمكن أن أتصف به: إذ لا معنى للطائفية بالنسبة إلى السني. لكن استعمال أعداء الأمة للطائفية مفيد لها: ذلك أن النفخ على نارها سيؤدي إلى عكس هدف الأعداء لأن الأغلبية ستتحد.
35-لا شك أن مليشيات إيران وإسرائيل مؤثرة وقد أن تعطل الأمة. لكن مبالغة الأعداء في استعمال هذا السلاح سيوحد الأغلبية أي السنة بحيزيها المتصلين مكانا وزمانا.
36-فما سعى إليه الأعداء من فوضى مفيد لأنه يزعزع الحدود ويعيد وحدة السنة (أعرف جيدا أن العرب على الحدود العراقية والسورية قبائل واحدة: زرت دير الزور والرقة والبوكمال وعايشت أهلها مدة كافية لمعرفة هذه الحقيقة) إذا علمنا كيف نستفيد من أخطاء العدو: فمليشيات إيران وإسرائيل العربية انكشفت بما يوحد نخب السنة حتما
37-والأنظمة الغيورة على سيادتها القطرية اكتشفت أنها توابع لحام أو لراع تخلى عنها ومن ثم فلا بد لها من شروط الحماية والرعياة الذاتية: وهي لن تجدها بمفردها بل لا بد أن تستعمل إمكاناتها لتحقيق شروط المناعة (يكفي أن ينظروا ما فعلت ألمانيا لتحقيق الوحدة في التاسع عشر وفي العشرين).
38-فشروط الحماية والرعاية الذاتية ممتنعة للاقطار الهزيلة خاصة إذا كانت قليلة النفوس وضئيلة الإمكانات المادية: لا بد من حجم مناسب لعماليق العصر شرط التنمية العلمية والتنقية والاقتصادية.
39-ومن دون التنمية العلمية والتنقية والاقتصادية-التي باتت بحجم الزم دول أوروبا الكبرى على الوحدة حتى تستطيع توفير شروطها التي يفرضها زمن العولمة- لا يمكن تحقيق شروط الحماية فضلا عن شروط الرعاية لذلك فكل الدول العربية توابع بالجوهر.
40-والمشكل أن العدو لم يعد يكفيه مجرد استتباعهمواستنزاف ثرواتهم بدعوى حمايتهم بل هو يريد استعمارهم بالوكالة بتوسط شرطيه (إسرائيل) ومساعده (إيران) وتحكيم الاقليات حتى في دينهم
41-فإذا قبل حاكم عربي أن يرضى بالجلوس كرسي اسمي وهو عبد ذليل فإن الشعب العربي لن يسمح له بذلك وسيكون هو الجاني على نفسه لأن فوضى الثورة خلاقة بحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق