أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2015.06.02
أملى على الاستاذ هذه التغريدات بين الأمس واليوم بعد أن سألناه عن رأيه في مجريات الحرب النفسية التي توجهها جماعات أطلق عليها الأستاذ سابقا اسم مليشيات القلم والسيف وصنفها إلى خمسة معتبرا إياها جميعا متحالفة بقيادة مباشرة من إيران وإسرائيل وغير مباشرة بتوسطهما من الغرب. وبرر استجابته لعلاج المسألة بظاهرة تدافع "مفكري" السنة إما لأن المؤمن غر أو لسذاجة أو لغاية في نفس يعقوب إلى القبول بخمس تهم تنبني عليها كل الحرب النفسية الموجهة إلى السنة عامة وسنة العرب خاصة: 1-السياسة الثيوقراطية 2-والذهنية الخرافية 3-والنزعة الطائفية 4-والعقلية التكفيرية 5-والروحانية الإرهابية الجامعة لما تقدم.
لذلك فالكلام كله يدور حول هذه التهم وطبيعتها وكيف أنها في الحقيقة اسقاط لصفات أصحاب التهمة أي المليشيات الخمسة على السنة. وسبق أن قال لنا في إحدى المسامرات إنه يوجد كذلك نوعان آخران من المليشيات المساندة للخمسة لا يريد ضمهما إلى جوقة المليشيات صريحة العداء للإسلام رغم كونهما فيهما من يقود حربا على ما يسمونه الوهابية والتيمية وهم زعماء مأجورون من قبل إحدى المليشيات الخمسة:
أولاهما هي متنمري الأشعرية.
والثانية هي دجالي التصوف.
ذلك أن الأشعرية السنية (أشعرية الأشعري) والتصوف السني كلاهما تابع للسنة: فالأشعري قطع مع الاعتزال وعاد إلى السنة لما تبين له امتناع فهم نظرية العمل بالاعتزال (رفض التحسين والتقبيح وخاصة ثمراته الباطنية والإلحادية) والتصوف قطع مع الحلولية وعاد إلى السنة لما تبين له كفر من يتجاوز مجاهدتي التقوى والاستقامة (رفض أوهام الكشف القصدي والتصوف الفلسفي وخاصة ثمراته الشعبية والخرافية).
وكل هذه المرفوضات التي تحدد الموقف السني هي عين التشيع: أعني الباطنية والإلحاد والتصوف الفلسفي والخرافة الشعبية وكلها من أجل جعل الدين مجرد أداة لاستحمار العامة وحكمها بالوساطة واعادة الكنسية إلى الإسلام تربيته وسياسته (راجع كتاب شفاء السائل لابن خلدون) . لذلك فقيادة حرب المليشيات بالقلم والسيف هي اليوم بيد دولتهم التي تستعمل آل البيت لتخريب الإسلام من الداخل واسترداد إمبراطورية فارس المزعومة. فعدوها الوحيد هو سنة العرب الذين أطاحوا بامبراطوريتها الوثنية.
لكنهم يستعملون بروباغندا العداء للشيطان الأكبر وربيبته لأسر قلوب الشعوب الإسلامية التي تعاني قياداتها الروحية والسياسية ونخبها عملا بعادة المؤمن غر -وباطمئنان الأغلبيات عادة-صارت مثل هذه الخطط تنطلي عليهم رغم أنهçا مفضوحة الأهداف ورغم أن الثورة زادتها فضحا وخاصة بعد أن ظن أصحابها أنهم ربحوا الحرب فبدأوا يباهون بتحقيق أهدافهم حتى زعموا بغداد عادت عاصمة لامبراطوريتهم. وطبعا ففي ذلك شيء من الاستهلاك المحلي لجعل شعبهم يقبل الهزيمة التي ستنتج عن علاج الملف النووي والقضاء النهائي على وهم القوة العظمى.
1-تهم خمس تلصق بالسنة لم أجد لها أصلا في الممارسة التاريخية أو في الحقائق المبدئية للسنة:1-السياسة الثيوقراطية 2-والذهنية الخرافية 3-والنزعة الطائفية 4والموقف التكفيري 5-والإرهاب الناتج عن ذلك كله.
2-ولنبدأ بالتهمة الأولى: فمن حيث المبدأ ليس للحكام في السنة أي صبغة دينية بمن في ذلك الراشدون. ومن حيث التاريخ الحكم بيد السلاطين المغتصبين دائما. المقدس الوحيد في الحكم السني هو الشريعة أي القانون والأخلاق.
3-فتفسير العلمانيين والليبراليين لمآلات وضعنا الحالي باثر سلطان الدين ودعوى الثيوقراطية في الدولة الإسلامية يكذبه تاريخ الإسلام كله وخاصة الحالي منه: فالحكم كله بيد العسكر والأجهزة منذ 6 عقود وقبلها كان الحكم بيد حاميات ومرتزقة أجنبية اندمجت في المجتمعات الإسلامية.
4-ولنثن بتهمة الخرافية: كل ما يعاب على السنة عامة وعلى التيمية خاصة -الحرب النفسية الحالية- هو كونها حربا على الخرافية والقبورية وعلى كل اعتقاد في الوساطة والشفاعة البشرية.
5-ولنثلث بتهمة الطائفية: فإذا كان قصدنا أن السنة تعتبر من خرج عنها طائفة فهذا صحيح. لكنـها لم تر نفسها طائفة ولم تتعامل بصورة طائفية مع أحد أبدا. فهي الأصل وما عداها أقليات فرعية تقبل الوصف بالطائفة لأنها هي التي « جوتت » نفسها.
6-وإذن فرؤية السنة ليست طائفية وهي لا تعامل حتى الأديان الأخرى بهذه الصفة بل هي تعاملهاا باعتبارها ذات وضع قانوني حددته الشريعة ما ينفي المنطق الطائفي عقديا.
7-والفرق بين الوضع القانوني (أهل ذمة) والوضع العقدي (طائفة) بين لكل ذي بصيرة: فالثاني وضع يتغير بتغير القانون في جل الدول السنية. وهو الآن لم يعد معمولا به.
8-ولنربع بتهمة التكفير. فهذه تاريخيا ومبدئيا تعميم كاذب لـحكم قضائي على لسان العامة: فكافر تعني ليس مسلما مثل غير تونسي تعني ليس حاصلا على الجنسية التونسية. وبتغير القانون لم يعد يترتب عليه أي حكم قضائي لأن الجنسية في الدول السنية أصبحت مدنية.
9-وإذن الأمر لايتعلق بالموجود القانوني بل بما ينشده البعض من محاربي السنة وإن ادعوا أنهم هم السنة. ولكن هذا المنشود عندهم موجود عند ذوي السلطان في إيران وعند مليشياتها : فكل من لا يقول بالإمامة وولاية الفقيه كافر. فلم لا يتهمون بالتكفير؟
10-والأولى بهذه التهمة هو من عقيدته وتاريخه مبنيان على أن من لا يقول بعقيدته وعصمة الأيمة وحقهم الإلهي في حكم المسلمين كافر مع ما يترتب على ذلك بخصوص دمه وعرضه.
11-ونعود إلى تهمة الطائفية: فمن خصائص الطائفة أن تكون "جيتو" (معزل) ليس في المكان فحسب بل وكذلك في المشاعر والعادات والمعاملات بالقياس إلى الأغلبية.
12-وهذه الخصائص لا تتوفرمنها في السنة. لكنها الخاصيات المميزة للشيعة: فحتى المساجد لها أسم خاص والآذان خاص وقانون الحالة المدنية خاص.
13-وطبعا ليست كل طائفة طائفية دائما بل الطائفة من عادتها أن تتحول إلى طائفية كلما شعرت بأنها قادرة على فرض إرادتها على الأغلبية وخاصة إذا وجدت معينا خارجيا : وهذا هو المميز الأساسي لتاريخ التشيع (مغول الشرق ثم الصليبية ثم الاستعمار ثم مغول الغرب والآن كل ذلك).
14-ومجموع هذه الخاصيات يجعلها ممثلة لجيتو كما أسلفنا ومن ثم فهي مترددة بين الخوف عند الضعف والتخويف عند القوة. ولعل أفضل ممثل للطائفية بهذا المعنى اليهود.
15-واليهود لخبثهم وسعيا لتجاوز ضعفهم جعلوا الطائفية تتحول إلى منزلة دالة على التفوق في الجماعة التي هي طائفة فيها من خلال السيطرة على أداتي الفاعلية فيها: المال والرمز.
16-وميزة الطائفية الشيعية أنها تحاكي ذلك إن اسطاعت لكنها تستعجل فاختارت ا سبيلا أخرى تخلت عنها الطائفية اليهودية لتصبح محركا خفيا بنجاعة أكبر. لكن أذرع إيران تجمع بين الخفاء والغباء لسرعة الافتضاح.
17-وليكن مثالنا حزب الله: فحتى الاستعمار فهم أنه لا يمكن أن يدوم إذا ظل بدائيا معتمدا على سلطان القوة الفجة سواء بالقلم أو بالسيف. لذلك أحدث الاستعمار غير المباشر. وحزب الله أفشلته الثورة لأن حيله لم يعد لها انطلاء.
18-فمليشيا القلم تعتمد بروباجندا الاستقلال الوطني. لكنها لم تعد تنطلي لأن جعلت ذلك طريقا لاستعمار الوطن (انظر مثال لبنان). ومليشيا السيف تعتمد التسلح ودعوى التحرير ولم تعد تنطلي كذلك لأنها جعلت المقاومة حربا على الحرية والكرامة (انظر سوريا والعراق).
19-فاصبحت بذلك أذرع أجنبية بينة للجميع ومن ثم فهي قد عزلت نفسها وفقدت أهم أسلحتها أعني التقية التي هي اداة يهود العالم سر سيطرتها على مراكز القوى.
20-وطبعا كانوا يمارسون هذه العملية محاكاة ليهود العالم في الكثير من أقطار الوطن ولا يزالون ما يبرر التعاطف العجيب معهم في البلدان التي يخربونها. لكن فضل الثورة أنها كشفت المليشيات بصنفيها قلما وسيفا.
21-ما دعاني للكتابة في الموضوع هو ما يتصف به مثقفو السنة من براءة المؤمن أو سذاجة المغتر. فهاهم ينضمون إلى رقصة الحرب على الطائفية ما يفترض ضمنا أنهم يعتبرون السنة أيضا طائفية.
22-وهذا مفيد جدا للمليشيات التي اكتشفت أنها انكشفت فسارعت لهذه الحيلة. حولوا الرأي العام ليبرؤوا استعمالهم كل هذه التهم بأن يلصقوها بضحاياها بدلا من أن تكون صفاتهم هم. صارت معركة وطنية: فيصبح الحشد الشيعي قوة وطنية وتصبح مقاومة طائفيته طائفية.
23-وينسى هؤلاء أن العراق والشام قبل استكبار الطائفيين والتكفيريين بالمذهب والتاريخ (استنادا إلى الخمينية) لم يكن فيها طائفية لمدة قرون.
24-ونفس الأمر بالنسبة إلى المسيحيين: كيف أمكن لكل المذاهب المسيحية التي انقرضت في العالم كله أن تبقى في العراق إلى أن جاء الاحتلال الامريكي؟
25-والقبطي الذي يستأسد على أخوته المسلمين فيدعي أنهم غزاة لماذا لا يسأل نفسه : لم يقضوا عليه طيلة أربعة عشر قرنا كما فعل غزاة أمريكا بالهنود الحمر؟
26-قد أفهم الأنظمة الخائفة على كراسيها أن تقبل التدخل الأجنبي بدعوى حماية الأقليات مما يدعونه تطرف إسلامي رغم أن ما يقاومونه هو الأقليات التي تسيطر على الأغلبيات وتريدها ألا تقاوم فتعلن عليها هذه الحرب النفسية.
27-وإذا قوومت أقلية من الأقليات من قبل السنة فلأنها تواطأت مع الأعداء في اضطهاد الملسمين واستعمارهم. فلا يعاملون كاقلية بل كخونة للوطن الذي تنكروا لجميله.
28-وسأضرب مثالا من المغرب العربي: فيهود اسبانيا جلهم هاجروا مع المسلمين إلينا وإلى أرض الخلافة. فحميناهم كما حمينا المسلمين. لكنهم فضلوا الجنسية الفرنسية أو أي جنسية غربية بدلا من الأوطان التي حمتهم من حرب الاسترداد.
29-ومن ثم فهم الذين اختاروا أن يكونوا طائفة خائنة فعوملوا باعتبارهم جزءا من القوة الاستعمارية وليس بوصفهم يهودا. ومن بقي منهم في المغرب العربي فولاؤه لإسرائيل.
30-فإذا كانت مليشيات إيران العربية بالقلم والسيف ولاؤها لإيران وليس لأوطانها فمن الملوم هم أم السنة بعد أن كشفت الثورة موقفهم المخزي؟ انظروا مثلا كيف عاملت سنة الشام شيعة حزب الله سنة 2006 وكيف ردوا لهم الجميل اليوم.
31-نواصل الكلام في التهم الخمسة الموجهة للسنة: الثيوقراطية والخرافية والطائفية والتكفيرية والإرهابية أي أسلحة المليشيات الخمسة التي تحاربها.
32-فتهمتا الثيوقراطية والخرافية هما سلاحا المليشيتين اللتين ورثناهما عن الانحطاط الاستعماري أعني اليسارية والليبرالية سيئتي الفهم لهذين الفكرين.
33-وتهمتا الطائفية والتكفيرية هما سلاحا ما ورثناه من انحطاط ماضينا أعني سلاحي بقايا الباطنية وبقايا الصليبية الذي يكنون للسنة عداء لا يمحي.
34-وتهمة الإرهاب هي سلاح الجامع لهذه المليشيات كلها أي جوقة الحرب النفسية في خدمة موظفها بقيادة موظف نظامين يتصفان بكل هذه الصفات في المنطقة.
35-فأمريكا توظف إسرائيل (الشرطي) وإيران (مساعد الشرطي) في حربها على السنة التي لا يراد لها أن تستأنف رسالتها بسبب دور وزنها المحتمل المادي والروحي في المنطقة.
36-والمعلوم أن إيران وإسرائيل كلاهما ثيوقراطي وخرافي وطائفي وتكفيري وإرهابي بالجوهر أي إن عقيدتهما مبنية على أصل ديني خرافي وطائفي وتكفيري وإرهابي للشرعية التاريخية المزعومة والتعالي على البشر والعنف أداة لفرض إرادتهم.
37-لذلك فالمليشيات الخمسة في حربها النفسية والفعلية على السنة بهذه التهم تكتفي بإسقاط صفات مستخدميها علينا فيحددون من ثم لمن ولاؤهم بحق.
38-فالرأس هو الغرب والذراعان هما إسرائيل وإيران والأدوات هي المليشيات الخمسة واسلحلة الحرب النفسية هي التهم الخمسة تمهيدا للحرب الفعلية واستباحة دم السني وأرضه وعرضه.
39-وبذلك يصبح قتل السني وتشريده والاستيلاء على أرضه واستحياء عرضه كل ذلك شيء طبيعي لأنهم أسقطو عليه صفاتهم التي صارت تهما خمسة لنا وبات بعضنا يصدقها فيدعي التقدمية بالدعوة إلى تهديم حصن المناعة وقبول نصائح المليشيات في التعامل مع قيمنا وأخلاقنا.
40-كل هذا مفهوم ولا يزعجني : فالعدو يستعمل كل ما يستطيع لربح المعركة. لكن ما أضيق به ذرعا هو سذاجة نخب السنةوأقصد الصادقين منهم لا المنافقين: يبحثون عن علل وجود هذه الصفات عندنا لتداركها مسلمين بصحة التهم.
41-فالحملة على تربيتنا الدينية وقيمنا الخلقية تحمل إياهما عليّة هذه الصفات التي لم تعد تهما بل حقائق في أذهان أصحاب هذه الحملة الآثمة : بالتدريج سيصبح الإسلام هو المتهم بل هو بعد قد صار هدف الحرب كلها هو ورجالاته وخاصة رسوله.
42-وبعبارة وجيزة فإن كل مطالب الأعداء في حربهم النفسية صارت مطالب بعض السذج من أدعياء الإصلاح التربوي هزيمة واستجابة لرغبات الأعداء.
43-وإذ أتكلم في الأمر فعلى تجربة: فأول بلاد العرب التي جربت هذه السياسة باسم استراتيجية تجفيف المنابع-أي منابع التهم الخمسة- هي تونس بقيادة يسارية عميلة نرى بقاياها اليوم تدعي أنها هي التي ثارت في تونس وتؤيد بشار والسيسي والحوثي وحفتر خارجها.
44-وهي حملة تصديت لها وبسببها هاجرت إلى ماليزيا حتى أواصل المعركة دون أن أفقد حريتي شرط العمل والإنتاج الفكري. والحملة بسبب فسادها وغباء أصحابها آلت إلى فشلين ذريعين: فالمدرسة جعلوها جهاز حرب نفسية على الشعب فتردى المستوى العلمي والخلقي.
45-لذلك فأنت لا تجد اليوم جامعة تونسية بين الـ500 الأولى ولن تجد إبداعا جديرا بالاسم في أي ميدان إذا حككت الطلاء وتجاوزت القشرة الإيديولوجية. لم تصبح تونس متقدمة إلا في ما أرادوا الحرب عليه.
46-وتجد بعض السخفاء من المليشيات العربية التي تستخدمها إيران وإسرائيل بإدارة غربية تتهمني بأني شجعت الشباب على الانخراط في مقاومة بشار لأني أومن بحرية من يتطوع للدفاع عن قيمه.
47-وهذا شرف لم أدعه. لكن ما يزعج المليشيات في موقفي هو انحيازي للثورة وحرصي على ترشيد شبابها بجنسيه ما استطعت إلى ذلك سبيلا: فـمقاومة الاستضعاف عقلا ونقلا من أسمى القيم لجمعها بين الحرية والكرامة.
48-والحرب النفسية على السنة بإسقاط صفات أدوات العدو عليها متهمين إياها بصفاتهم أعني بالثيوقراطية والخرافية والطائفية والتكفيرية والإرهابية فقدت مفعولها بفضل الثورة التي لي الشرف بالمشاركة فيها فعلا وقولا.
49-والسر في انكشاف المليشيات واستراتيجيتها مضاعف: فأولا صمود الثورات العربية في تونس وفي الشام وفي اليمن وفي مصر حدد الأعداء وكشف خططهم وجاء صلفهم فـجعلهم يباهون بالخيانة ولا يخفون أهدافهم.
50-وتلك هي علة السر الثاني. فالملك الحكيم اقتنع أن الأعداء يسعون للسيطرة على قوتي الأمة المادية والروحية (ورمزها الجزيرى العربية) برعاية ممن يدعي حماية الخليج من هنا كانت العاصفة فجرا جديدا للاستفاقة السنة.
51-لكن الجامع بين السرين لم يصبح بعد واعيا بذاته الوعي الكافي: ذلك ان ثورة التحرر بالحرية والكرامة لن تحقق أهدافها من دون ثورة التحرير حماية ورعاية والعكس بالعكس.
52-فالحرية والكرامة مشروطتان بالحماية والرعاية الذاتيتين. والحماية والرعاية الذاتيتان مشروطتان بمواطنين وشعوب حرة وكريمة: تلازم الثورتين.
53-لذلك فأنظمتنا السياسية والتربوية ليست منزهة عن النقد بل إن شوائب الانحطاطين الذاتي والمستورد ما تزال مسيطرة عليها وهي لا تعمل بقيم العقل والنقل بحق لأنها لم تحقق شروط الاجتهاد والجهاد كما حددها الإسلام.
54-وتلك هي علة تخصيصي جل بحوثي في الفلسفة السياسية والتربوية للإصلاح بأدواتها وشروطها العلمية جمعا بين الفلسفة والقانون والاقتصاد.
55-إن التقاء الثورتين التحرر- بدءا بتونس والتحرير بدءا ببلد الحرمين- هو فجر الاستئناف الذي من دونه سيسيطر الشرطي (إسرائيل) ومساعده (إيران) ومليشياتهما الظاهرة والخفية.
56-فهدف التهم الخمسة التي تستعملها المليشيات الخمسة في حرب نفسية يقودها الغرب بذراعية الإيرانية والإسرائلية هو الاستحواذ على قوتي السنة بعد هزيمتها النفسية: الثروتان.
57-والثروتان هما: سر جغرافية السنة وجوهر تاريخها وكلاهم بؤرته الجزيرة العربية. ويمكن رمزيا أن نقول إن سر الجغرافيا والتاريخ السنيين هما ما في الجزيرة العربية أو معين الطاقتين المادية والروحية.
58-إيران وإسرائيل يعلمان أنه لا يمكن السيطرة على الأمة الإسلامية من دون تركيع قلبها أي السنة العربية التي تملك المخزون المادي والروحي والتي يمثل استئنافها لدورها بداية لقوة عالمية تعيد للبشرية توازنها المادي والروحي.
59-لكن ثورة التحرر بصمودها فضحت المليشيات وموظيفهما وسيد الأعداء المحرك عن بعد فكان ذلك الدافع إلى تحرك ثورة التحرير فاجتمعت الثورتان : وذلك هو فضل التحول الأساسي الذي بين حقيقة الإسلام السياسي بمعناه التقليدي والحديث.
60-واجتماعهما هو القوة التي لا ولن تقهر لعلتين: أولا لأنه سيجعل الإصلاح السياسي والتربوي نابعا من دوافع وحاجات ذاتية للـأمة وليس تابعا لرغبات أعدائها قتلا لشرط الحماية الذاتية (الجهاد) والرعاية الذاتية (الاجتهاد).
61-وثانيا لأن الأمم عندما تسترد إرادتها فتبني قدرتها بعقلها وروحها تصبح أمة حية بحق فتكون ذات وجود مستقل ويكون معنى وجودها أنها ذات سيادة قادرة على الـحماية والرعاية الذاتيتين.
62-وهذا هو جوهر العبودية لله وحده: فالأمة المسلمة سيدة ولا يمكن أن تقبل بالتبعية لغير إرادة الله بعد أن من الله عليها بالإسلام الخاتم وجعلها شاهدة على العالمين.
63-وتلك هي العلة التي جعلتني أعتبر جوهر الإسلام هو التلاقي بين فلسفة الدين وفلسفة التاريخ: إنه استعمار الإنسان في الأرض بالاستخلاف فيها تحقيقا لقيم القرآن التي تؤمن بالأخوة البشرية والتعارف بين القبائل والشعوب ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى.
64-وذلك هو معنى الإسلام دين ودولة أي إنه نظام استعماره في الأرض بقيم القرآن: فكيف يمكنه حينئذ ألا يكون حرا وكريما سيدا لا يعبد غير الله؟
65-و"لا يعبد غير الله" تعني أن المؤمن الفرد حر وكريم بالإضافة إلى أي سلطة وطنية وأن جماعة المؤمنين أحرار وكرام بالإضافة إلى أي قوة أجنبية: وبذلك يجتمع التحرر والتحرير في أمة دينها مبني على الأخوة البشرية والمساوة بينهم (النساء 1) ما ينفي كل التهم الخمسة.
66-وهذان المفهومان هما ما أقصد باجتماع الثورتين الآن: بدأت بالثورة للتحرر من التسلط الداخلي ثم مرت إلى الثورة للتحرر من التسلط الخارجي.
67-ولم يبق إلا ضمان ألا يكون ذلك مجرد لقاء ظرفي:لا بد أن يصبح ذلك حقيقة دائمة شرطا في سيادة السنة عامة وسيادة أفرادها خاصة لتكون مسلمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق