أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2016.03.14
لا أدعي التنبؤ بالمستقبل بل اشير إلى ما يقبل التوقع لأنه ليس من الغيب: ظاهرة "ترومب" في الولايات المتحدة تعني فشل الخطة التي جاءت بأوباما إلى رئاسة أمريكا.
كتبت سابقا أن اللوبيات التي جاءت بأوباما كانت تهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول منع ما بدأ يحصل من حلف بين الأقليات ومنها الإسلامية.
والثاني خوض الحرب على الإسلام بمن يخاف أن يتهم بإسلامه إذا حاولت نخبة السلطة الظاهرة تجنيب أمريكا الصراع الحضاري الذي اصبح سياسة نسقية للسلطة الباطنة أو المسيحية الصهيونية.
ولا علاقة لهذا الكلام بما يحقر منه دائما بالقول إنه مجرد استناد إلى نظرية المؤامرة: فهو متعلق بالخطة الوحيدة التي يمكن أن تبقي أمريكا سيدة العالم لقرن آخر.
فهذا البقاء مشروط بأمرين: الأول مباشر هو ألا تخسر أمريكا معركة التنافس مع عماليق الشرق الأقصى. والثاني غير مباشر وهو شرطه أي منع المسلمين من النهوض.
ومنع المسلمين من النهوض مستحيل من دون تحقيق شرطين معلومين في كل حرب استباقية: الحرب الأهلية الدائمة بين المسلمين تجعل الأنظمة تحتمي بامريكا وتشارك في تهديم المرجعية واختراق المقاومة لحرفهما.
لكن ظاهرة "ترمب" أفسدت هذه الخطة. وهي إذن من مكر الله الخير: ذلك أن خوف البيض من الحلف بين الأقليات في أمريكا وحمق أمثال ترومب ستعيد ثورة الإنسان الأسود. ولذلك فلها دلالتان ثوريتان.
الدلالة الأولى للظاهرة
والدلالة الأولى تهمنا نحن المسلمين مباشرة وهي أن ما سعت المسيحية الصهيونة لمحاربتنا به بدأ يحصل عندها وبدأنا نحن نتخلص منه كما بينت في محاولات سابقة.
فتشجيع الطائفية في إقليمنا بما سموه الفوضى الخلاقة وإحياء حزازات الماضي من خلال حلفهم الخفي مع إيران ومليشياتها آل إلى نتيجته معكوسة للعلة التالية.
ذلك أن الفوضى الخلاقة يمكن أن نجعلها خلاقة بحق لصالحنا لأنها أولا أظهرت كل نقاط الضعف التي وهنت فعلنا وثانيا لأنها اضطرت السنة أي غالبية الإقليم إلى الشروع في تكوين قطب قوي.
وثانيا وهذا هو الأهم كل أعداء الأمة-لأن السنة هي الأمة أي أكثرمن 95 في المائة من المسلمين-سيفرزون ويصبح تهميشهم النسقي سياسة للبناء السوي.
الدلالة الثانية
لكن العكس هو الحال في الولايات المتحدة: لم يعد البيض هم الاغلبية والفوضى الخلاقة فيها-وبدايتها هي ظاهرة ترومب-تكون ثائر على الظلم مثلنا.
فثورة الأقليات داخل الولايات المتحدة-السود واللاتين ومعهم المسلمون-مع ثورتنا خارجها على هيمنة البيض وبعبارة أخرى على المسيحية الصهيونية في مصلحة العالم.
وتلك هي الفائدة الثانية.فالأولى مصلحة الأمة الإسلامية والثانية مصلحة العالم. ذلك أن كل ما حل بالعالم من نكبات منذ أكثر من خمسة قرون له نفس العلة منذ الإصلاح الديني في بداية القرن السادس عشر.
وهذه العلة هي جوهر العودة إلى التوراة أو المسيحية الصهيونية. فهي قد عادت إلى نظرية الشعب المختار واعتبار بقية البشر "جوهيم" يحل له استعبادهم بمبدأ عبادة العجل الذهبي.
لكن الكاثوليكية في صراعها مع الإسلام وحروب الاسترداد لم تكن بريئة في هذه العملية التي أسست استئنافة الغرب التاريخ على محاولة القضاء على نهضة الشرق.
فهدمتا بالنزعة الاستعمارية والتنافس بينهما على غزو العالم الإسلامي خاصة والعالم كله عامة حضارات وأفنت شعوبا وأفسدت البيئة الطبيعية بما تسميه تنمية والطبيعة الثقافية بفن مقصور على العنف والجنس وتمجيد قيم الشعب المختار.
وكل هذا نراه متجسما الآن في ظاهرة ترومب بل في ترومب نفسه بسيمائه وتعبيراته الجسدية التي هي كبر مرضي لا يرى في غيرالبيض من هو جدير بالحياة.
لذلك فاكثر ما أتمنى هو أن ينجح ترومب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حتى تظهر حقيقة الولايات المتحدة لغالبية شعبها ولعملائها من النخب المستلبة فتدخل أمريكا في مرحلة الفوضى الخلاقة.
صحيح أنه قد يكون في ذلك خطر علينا نحن المسلمين. لكن الخطر لن يكون أسوأ مما يفعل أوباما: فهو يسعى مع إيران وإسرائيل إلى تهديم آخر حصنين من حصون السنة والإسلام.
إنه بما يقوم به من حلف بات علنيا مع كل أعداء الأمة أي السنة ينوي تفجير السعودية وتركيا آخر معقلين في الإقليم يمكن أن يفشلا الفوضى الهدامة.
فما يبرر به موقفه المنحاز إلى إيران وإسرائيل ومليشياتهما ليس إلا كلمة حق يراد بها الباطل. فلا خلاف أن بلادنا تحتاج إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي. وتلك هي علة الثورة.
لكن مدح إيران وذم السعودية يفضح عدم صدق دعواه. فإيران أحوج من السعودية للإصلاح في هذا المجال: فنظامها قروسطي وتحكمها عصابة الحرس الثوري التي هي أفسد من جيش مصر.
أما إسرائيل فليست ديموقراطية إلا من جنس ديموقراطية أمريكا: فهي في الحقيقة عزبة المافيا العالمية ويحكمها العسكر. هي دولة مافية وعسكر وليست دولة مدنية فضلا عن كونها تعتد على دين عرقي.
لكن أوباما جبان ولا يستطيع قول هذه الحقائق لأنه مجرد دمية في مافيتها التي تحكم أمريكا وجعلته يلعب دور مخادع يحول دون السود في الداخل والمستضعفين في الخارج والسعي لحقوقهم.
وحقيقة راي اوباما في أمر الخليج العربي عامة والسعودية والوهابية خاصة يرجع إلى معيار وحيد: قيس الجميع بمعيار المماثلة مع قيم الولايات المتحدة التي استبطنها. فالمفاضلة ليست مبنية على وصف موضوعي للسنة والشيعة.
المعيار هو من منهم أشبه بنا وأقرب لمصالحنا. فالتماثل بين التشيع والأمركة هو السياسة الماكيافيلية الصرفة ولا يهم حقائق الأشياء: ذلك أن المليشيات والحشد أكثر إرهابا حتى من داعش فضلا عن حركات المقاومة السورية. لكن ما دامت في خدمة المشروع الأمريكي فهي خير الناس.
وإيران هي في الحقيقة مثل أمريكا -وذلك هو الشيء الوحيد في حداثة دولتها-في الاعتماد على الأذرع الإرهابية لتحقيق الأجندات السياسية. وطبعا فذلك لن يفلح مع السنة: قد تكون ساذجة فلا تعمل بهذه الآليات. لكننا نؤمن بأن الحيلة في ترك الحيلة ونحن الغالبون ما في ذلك شك.
الصلح بين الأنظمة وشبابها وشعوبها
وقد اضطر أوباما-أي من اختاروه غطاء لخطتهم-أن يفصح عن الخطة عندما فرضت السعودية وتركيا التمييز بين المقاومة والإرهاب فصالحا بعض الشباب ولم يعودا يهابان جرأة التحرر من الفيتو الأمريكي في الإقليم.
ومعنى ذلك أن هذه المصالحة مع بعض الشباب حتى وإن كانت غير مكتملة هي بداية لتحقيق ما يخشاه الغرب: الخروج من الحرب الأهلية التي أغرقونا فيها.
فيوم تتصالح الأنظمة مع شبابها الثائر من أجل الحرية والكرامة وشروطهما البعيدة أي شروط السيادة الحقة في الحماية والرعاية تفشل خطة الاستعمار.
ذلك أن بعض الشباب قد يغتر بدعاية إيران حول المقاومة المغشوشة (عداء كلامي وحلف خفي مع الغرب وإسرائيل) لكن سوريا أفهمت هذا الخداع للكثير.
والشباب اليوم منقسم إلى من قد تخدعه إيران بأصالتها الزائفة ومن قد تخدعه إسرائيل بحداثتها الزائفة وفهم الخداع سيحررهما فيعود الدر إلى معدنه.
فإذا تصالحت الأنظمة مع شبابها استعادت القوة ولم تبق هشة ولن تحتاج لحماية المستعمر بل سيكون سندها شعبها وحينها ستطلب شروط السيادة الحقة.
وشروط السيادة الحقة سبقتنا إليها أوروبا عندما علمت أنها قد فقدتها بعد الحرب الثانية إذ صارت مضطرة للاحتماء بمستعمريها أمريكا وروسيا.
لن تستطيع تركيا ولا السعودية ولا باكستان ولا مصر ولا أي بلد إسلامي سني أن يحقق بمفرده شروط الحماية والرعاية اللتين من دنهما لا سيادة حقة.
فتكون نتيجة الفوضى خلاقة بحق وليست هدامة كما أرادتها المسيحية الصهيونية التي هدمت العراق وسوريا ومصر وتسعى لتهديم السعودية وتركيا آخر قوتين.
وهم يهددون باكستان التي يريدون نزع سلاحها النووي بما يريدونه لها من حرب أهلية دائمة تضعفها فتفقدها القدرة على شروطه ومن ثم ينزعونه منها.
31-وقد سمعت قائد باكستان العسكري السابق يقول إن بوش الغبي هدده باحتلال باكستان إذا لم يقبل طوعا دخول جيش أمريكا في بداية الحرب على افغانستان.
32-فإذا ظل الحكام صما بكما عميا لا يعقلون بعدكل هذه الحقائق فمعنى ذلك أن الشباب محق في حربه عليهم لأنهم بذلك يثبتون أنهم عملاء وليسوا وطنيين.
33-لكني متفائل: ذلك ان العدو لم يعد يخفي خطته وأصبح يطالب الأنظمة بما لا يمكنها القبول به ليس لأنه مفضوح فحسب فهواختار بدلاء منهم أكثر عملاء.
34-لذلك فهو سيضطرهم لأن يتحالفوا مع شبابهم في ثورة شاملة ولعل ما حصل من اعتراف ببعض حركات المقاومة بداية طيبة لأنها تفرز العملاء الحقيقيين.
35-تأييدبعض المقاومة يعني أن بشار وحفتر والحوثي وصالح ومن ماثلهم هم من يعتمدعليهم الاستعمار بدائل من الانظمة التي لم يبق لها مفر من المقاومة.
36-فإذا كان رأس النظام التركي والسعودي مطلوبين من الاستعمار ومن أذرعه الثلاثة:إيران وإسرائيل والعملاء من جنس السيسي وبشار فالمقاومة حتمية.
37-وتلك هي علة تفاؤلي:اذا اتحدت السعودية وتركيا مع شبابهما الثائر وأعلنتا مساندة المقاومة في سوريا بلا تحفظ فإن الضربة القاضية للأعداء ممكنة.
38-فمن طاولت معه المقاومة العزلاء خمس سنوات رغم كل المليشيات والجيوش والطيران الروسي لا يمكنه أن يصمد أمام نفس المقاومة المسنودة بكل ما يلزم.
39-خاصة إذا نجح ترومب ودخلت أمريكا في ما أتوقعه من فوضى خلاقة بحق إذ إن السود سيعودوا إلى ثورتهم التي خنقها أوباما الكذاب وخائن ثورة شعبه.
40-فأوباما خائن للإنسانية مرتين:خان ثورة الحقوق في أمريكا لما أوهم بأن الاسود مساو للأبيض وخانها في العالم لخياره القتل العمد دون محاكمة.
41-إن مكرالله الخير بصدد تحقيق وعده بالنصر:"حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق