Hot

الجمعة، 29 أبريل 2016

مأساة حلب وأسرار تخاذل العرب


أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2016.04.29

1-ما الذي يجعلني أشعر وكأن تاريخنا يتأرجح بين الكوميدي كما في تونس ومصر والتراجيدي كما في حلب وسوريا؟ لماذا أنا مشدود للألم من مندناو إلى حيث وقف عقبة؟
2-لا أكاد أسمع إلا نبض قلب الأمة وقد بدأ يخفق خفقان الاستئناف ويتسارع يوما بعد يوم رغم الآلام والتشريد والأشلاء الممزقة وعبث النخب العميلة؟
3-ما الذي يجعل هذا الغليان لم يثمر بعد قيادة راشدة توحد الثورة فيكون مثل قائد السمفونية يرتب الآلات ليزيل النشاز وينسق الأنغام لتتسق في استئناف يضاهي النشأة الأولى؟
4-هل شباب الجبهات المشتعلة لا يقرأون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ هل قياداتهم كقيادات الأنظمة همهم معركة أمراء الحرب في قتال دام والأنظمة ونخبها في خيانات لا تتوقف؟
5-أما فهموا بعد أن الأعداء لم يعد يكفيهم التنازل المخزي بل هم يريدون الأرض نفسها وما فيها ليستعيدوا أمبراطورتين ويمحوا قيامنا لاسيادتنا فحسب.
6-كيف ينام المرء وأشلاء أطفال عاصمة الأصالة العربية -حلب-تمزقها قنابل الاجرام الطائفي والصليبي ونفاق نخب التحديث التي لاحد لعمالتها وسفالتها
7-إلى متى تبقى الأنظمة الغبية-وهم يعلمون أنهم هم بدورهم مستهدفون-متفرجة لعل العدو الصائل يرتوي بدم السوريين والمقاومين فيتوقف ولا يمسهم بسوء.
8-وهل يتصور عملاء النخب التي تدعي القومية والتقدمية أن الأعداء إذا حققوا ما يسعون إليه سيعاملونهم أفضل مما يعاملون أراضي العرب المحتلة؟
9-ألا يرون ما يجري في الأحواز وفي فلسطين بل وفي العراق والشام واليمن؟ ألا يكفي ذلك دليلا لذي عقل على ما ينتظرهم من إسرائيل وإيران إذا نجحتا؟
10-أليستا تعلنان يوميا وبصورة رسمية أنهما تريدان استعادة امبراطوريتين بمحو وجود سنة العرب في الإقليم وشرعتا في تهديم تركيا والسعودية آخر حصنين؟
11-ما الكوميدي في تاريخنا؟ الأنظمة العميلـة ونخبها بصنفيها التقليدي والتجديدي المزعومين لكأنهم لا يرون أن الجميع مستهدف بدليل ما حدث في مصر.
12-أما ما يحدث في تونس فهو الانتحار البطيء للانتظار الذي يحكمه "اخطأ رأسي واضرب"كما ينسب إلى جحا لما أعلموه بالحريق الذي شب في حيه وفي منزله.
13-ما كان ينبغي فعله في إبانه وقد كان دليل قوة أو عفو عند المقدرة رفضوه ثم هم يتعلقون به بعد أن صار دليل ضعف يتسولون مجرد الاعتراف بهم توابع ذليلة.
14-كل العرب تركوا سوريا والعراق وليبيا يجاهد أبناؤها تكالب المجرمين ظنا أنهم سيتركون وشأنهم ولا يدرون أن الجميع مستهدف ما لم تتحد الثورة.
15-وحتى الثورة المضادة فينبغي أن تجيئهم الفكرة لأن السكرة قد طارت: الأعداء لم يعودوا بحاجة إليهم وقد حققوا لهم ما يريدون بإسقاط مصر وقبلها العراق.
16-جعلوا ما يقرب من نصف العرب-العراق ومصر وسوريا-مستعمرات إيرانية وإسرائيلية في وضح النهار وهو يتوددون لهما لعلهما يقبلان بهم ولاة لديهما لاغير.
17-لم تبق أي دولة عربية ذات سيادة. وفي الحقيقة لم تكن ذات سيادة: كلها محميات لأن أهلها كما قال ابن خلدون فسدت فيهم معاني الإنسانية أي الأنفة والقدرة على الدفاع الذاتي.
18-وهنا أذكر كلام أحد شعراء الألمان عندما وصف قشور الدولة التابعة: جيوش للاستعراض ومراسم لإيهام النفس بأنهم دول وما هي إلا محميات بدليل القواعد
19-والدليل القاطع سلوك أكبر جيش عربي: مصر محتلة مرتين من مافية تستعمل الجيش لاستعباد الشعب وممن يأمر هذه القيادات فتطيع أي مافيات إسرائيل وأمريكا.
20-ونفس الأمر في العراق وسوريا. أما البقية فلا تختلف إلا بورقة توت علتها أن أصحابها مستعدون للتعري والرقص أمام الآمر الناهي للبقاء في الكرسي
21-تلك هي الكوميديا التي يعيشها جيلنا. أما التراجيديا فهي بطولات الشباب الذي آمل أن ينتظم أمره فلا يغرق في معارك أمراء الحرب. فهو أمل توحيد الثورة حبل النجاة وعروته الوثقى. 
22-لذلك فخطابي لا يتوجه بالأساس إلا إلى هؤلاء الشباب: لا تنسوا أن لكم قائدا واحدا هو صاحب النشأة الأولى. ينبغي أن يراه الجميع على راس المقاومة للتوحد.
23-من دون ذلك تكونون مثل الأنظمة: كل منكم يريد إمارة ولا يريد عز الأمة واستئناف تاريخها المجيد حتى نعود لنكون عملاقا ذا دور كوني في عالم العماليق.
24-من دون ذلك يزول النفس التراجيدي والبطولي ولا يبقى إلا الكوميدي الذي ينحط إليه التاريخ عندما يصبح ألعوبة بين يدي الأقزام من أبناء الحرام.
25-صحيح أن التحدي كبير. لكن لو لم نكن عظماء لما كان التحدي عالميا. وما عظمتنا إلا بـما للخوف منه اتحد علينا الطائفي والصليبي وعملاء التحديث القردي الشنيع.
26-ما المقصود بالتحديث القردي الشنيع؟ ليس التحديث عامة بل الشنيع منه هو المقصود. فما الشنيع منه؟ من يريد أن يفهم حقيقة الشناعة فلينظر كيف تعينت في نخب العرب الحداثية المزعومة.
27-فهم يخلطون بين الحداثة و"المهمة التحضيرية" التي كان الاستعمار يبرر بها وجوده مدعيا أنه ينقل الانديجان من البربرية إلى الحضارة الوحيدة.
28-والحضارة الوحيدة التي تستحق العيش بمنطق الانتخاب الطبيعي هي حضارته هو لأنه هو الأقوى كما يتوهم وهم استبطنوا هذا الموقف إزاء شعوبهم 
28-لذلك ولاهم أمر مستعمراته للانتقال من الاستعمار المباشر إلى غير المباشر حتى يزيدوا أمتهم تبعية ويفقدونها ما به تتميز في التاريح الكوني.
29-من العجائب أن جل هؤلاء يغلب عليهم طابع اللقطاء احتماعيا وتكوينيا. فهم اجتماعيا من درجات السلم الاجتماعي الأدنى وتكوينيا من أدنى الاختصاصات.
30-ففي تونس ومصر أغلبهم يتشبهون بالطبقات البرجوازية التي تحقرهم وأغلبهم من خريجي "قلة" الآداب العربية أو الصحافة بمستواها الادنى والأكثر قبولا لذل الخدمة.
31-خذ لك مثال محاربي القرآن في تونس ومصر: ستجد جماعة القمني وجماعة الشرفي وأركون. الأول اشترى الدكتوراه بمائتي دولار والثاني في تخريف أدنى الكلام والثالث أكبر الدجالين بالشعارات الجوفاء.
32-هؤلاء جميعا يخلطون بين البحث الأكاديمي الذي هم عاجزون عنه والثرثرة العامية في التلفزات حول ضرورة الإصلاح الديني مثل المسيحية والهودية نموذجا.
33-وكل من يفهم معنى الجدية الأكاديمية يدرك أنهم ليس لهم من الأكاديميات إلإ اجترار اكاديمات استشراقية تحترم منهجيا لدى أصحابها لكنها كانت فاقدة للغرض الشريف وهي عندهم فاقدة للوجهين في آن.
34-فيكون دورهم يقتصر على دورالأبواق التي تردد نتفا من بحوث هم أعجز الناس عنها يستعملونها شعارات حتى يحققوا غرضين: الأول نيل رضا من يجعلهم نجوما في الخارج والثاني دعوى التنويرفي الداخل.
35-ودعوى التنوير هذه من يساعدهم عليها هم أغلب الدعاة الذين ما يزالون في اجترار ما آل إليه الفكر الإسلامي من انحطاط خلال قرون حضارته الأخيرة
36-ذلك أنهم بمجرد أن يقابلهم من له دراية بالفكر الغربي دراية حقيقية تجدهم دون تلاميذ الابتدائي غفلة عن أهم مقومات الفكر الحديث وأسسه الفلسفية.
37-فعندما يكذب أستاذ جامعي في حضور من يتصورهم أميين مثله فيقول إن ابن رشد "حمار" لأنه لا يميز بين التراجيديا والمدح تعلم مدى التدني الفكري.
38-أو عندما يدعي أنه قد أشرف على أطروحة قضت نهائيا على ابن خلدون. ولما سئل كيف قال أثبت وطالبتي (التي تعلمت العبقرية منه) انه سلفي تفهم أكثر.
39-فتكتشف أنه لم يقرأ لا ابن رشد ولا ابن خلدون وإن فعل بغفلة على الأعماق. فابن رشد لم يترجم كتاب الشعر. وأرسطو هو الذي اعتبر المدح أصل التراجيديا والهجاء أصل الكوميديا.
40-والدليل أنه لم يقرأ شرح ابن رشد لكتاب الشعر جوابه لما سئل عن عدد الأبيات التي شرحها للمقارنة بين الشعرين إذ تعجب سائلا : وهل شرح شعرا فيه؟
41-لم يكن يعلم أنه شرح مائة بيت وبيت وأنه هو الذي أدرك الفرق النوعي بين الشعرين عندما اعتبر ان الشعر اليوناني لا مثيل له إلا في القصص الديني.
42-كما تتأكد أنه مع طالبته العبقرية قد أنهيا كل أمل في أن يصبحا أكاديميين لعلتين: فأولا ابن خلدون يفاخر بأنه سلفي ومن ثم فلا حاجة لإثبات ذلك.
43-وثانيا على فرض أن مفهوم سلفي كان له ما أصبح بسبب الهجوم على كل أصالة من الحثالة من وصف تحقيري فإن ذلك لا ينقص من علمه شيئا ولا علاقة للأمر به. 
44-وكل ما في الأمر أنه إسقاط لحكم الحاضر على الماضي وهو من الأدلة على الغباء الأكاديمي إن صح الجمع بين الأمرين. فهذ هو "الاناكرونيسم" المعلوم.
45-أما الغبية التي تحارب تعليم القرآن أو المهوسة التي لا تتكلم إلى على ما تشتهيه (الجنس) أو المهوسة التي تدعي العلم بعلم النفس فنطلب لهن الشفاء مما تعانين منه.
46-ولأعد إلى مسألة الإصلاح الديني. لا يتلكم على ذلك بخصوص الإسلام إلا جاهل بالإسلام وبالإصلاح المسيحي واليهودي وبمعنى الإصلاح الديني أصلا.
47-فالإسلام من أصله جاء إصلاحا لكل ما تقدم عليه من الأديان منزلها وطبيعيها. فهو أولا أحصاها فردها إلى خمسة وهو السادس الذي يصلحها ويختم الدين لأنه الديني في كل الأديان.
48-أصلح الدينين المنزلين اللذين مايزالان باقيين واكتفى بقص الأديان المنزلة الأخرى وذكر علل انحراف أهلها مبينا أنها من دون ذلك هي عين الإسلام
49-وذكر الدينين الطبيعين تمثيلا لكل الأديان الطبيعية التي اقتربت عقلا من الوحي دون أن تكون منه وهما الصابئية والمجوسية وبين ما يشتركان فيه معه من قيم التعالي.
50-وختم حتى بالشرك فاعتبره هو بدوره دينا وإن كان أدنى درجات التدين الطبيعي الذي فيه من الفطرة شيء هو الحاجة للألوهية والربوبية على الأقل.
51-ثم جمع كل علل التحريف التي ينبغي أصلاحها في علتين وما بينهما من تبادل التأثير فأزال العلتين مبدئيا حتى وإن لم تستطع أمته تحقيق ما طلب.
52-فأما العلة الأولى فهي وساطة من يدعي سدانة رزق الإنسان الروحي 
وساطة بين المؤمن وربه أي الكنسية التي تسيطر عليه فجعل العبادة فرض 
عين دون وساطة 
53-وأما العلة الثانية فهي وساطة من يدعي سدانة رزق الإنسان المادي أو السياسة بالوساطة بين المواطن والوطن أي الدولة المستبدة فجعل العناية بالشأن العام فرض عين.
54-والجامع بين فرضي العين هذين هو تعريف المؤمن بأنه الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في المستويين الروحي والسياسي. ذلك أن التحريف هو تواطؤهما البين.
55-فالتواطؤ بين الكنيسة والدولة المستبدتين يجعلهما متساندتين لتقاسم السلطانين الروحي والزماني الأولى تبررفساد الثانية والثانية تحمي فساد الأولى
56-وهؤلاء الذين يتكلمون على الإصلاح الديني هم عين اصحاب هذا الفساد لأنهم متحالفون مع الأنظمة المستبدة والفاسدة ولهم سهم فيـهما بإخلادهم إلى الأرض.
57-نعم التحريف موجود لدينا وهو عين الانحطاط. لكنه ليس في الإسلام بل في من هم من جنسهم حلفاء الأنظمة الذين كونوا كنسية ودولة فاسدتين واستخدما الإسلام بدل خدمته.
58-وهم ضد إصلاح هذا التحريف إذ يسعون لإبعاد الإسلام عن إصلاحه وجعله متفرجا مثل ما آلت إليها المسيحية بعد أن حصل ما يدعون تمثيله: تدنيس السياسية.
59-تدنيس السياسة يعني ما يسمونه علمانية: أي جعل البشر لا يخضعون إلا للقانون الطبيعي. يرفضون تلطيفه بالقانون الخلقي الذي هو وظيفه الدين
60-فماذا بعد ذلك يعاب على الإسلام؟يعاب عليه أنه جعل استعمار الإنسان في الأرض مقدمة ضرورية للاستخلاف فيها وجعل الاستخلاف منزلة وجودية للإنسان.
61-ومعنى ذلك أنهم يريدون الاقتصار على الاستعمار في الأرض ويستغنون عن الاستخلاف راضين بالخضوع لقانون الانتخاب الطبيعي ومن ثم بالنكوص لوحشية ما يعتبرونه حداثة وتقدما ونفيا لقانون الأخلاق.
62-والإسلام يرفض هذا التوجه فيتهمونه بما هو عين سياستهم أعني الإرهاب ضد الطبيعة بالتلويث الكيمياوي وضد الحضارة بالتلويث الأخلاقي. تلك غايتهم.
63-ولسنا بالضعف الذي يتصورونه فنقبل التخلي عن جوهر الرسالة حتى يواصلوا هم ما يعتبرونه مهمة تحضيرية وهو في الحقيقة عين المهمة التوحيشية.
64-لو أحصينا ما نتج عن التوحش الذي مثلته نماذجهم الاستعمارية في القرن الماضي فحسب لوجدناه يعد بمئات آلاف الضحايا من كل الشعوب وكل قيم من الأضداد إذ تعني عكسها
65-ولسنا وحدنا ضحية هذا التوحش فحتى شعوب هذه القوى الظالمة 
والمتوحشة تعاني منهم لأنهم مافيات تحكم العالم وتستعمل كل مجرميه للتحكم 
في ناسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق