5 نوفمبر، 2013، الساعة 12:21 مساءً
ما ينبغي أن يقال للمعارضة أو الثورة المضادة
أبو يعرب المرزوقي
تونس في 2013.11.05
علقوا الحوار. وهذه علامة على أن أصحاب الانقلاب الأبيض لم ييأسوا من فرض الاستسلام على بقية الشعب. لكنها أيضا علامة على بداية التعبير الصريح عن صمود الأغلبية. وهذا الصمود ينبغي أن يتحول إلى مجاراة للثورة المضادة في لعبة حرف الهاوية وعدم الهروب من التحدي. فينبغي للثوار أن يعلموا أن ما ينتظره الوسطاء المحايدون جدا ليس التقدم في تحقيق التوافق بل الاستسلام غير المشروط من الأغلبية التي اختارها الشعب للأقلية التي تتسلح بالسند الأجنبي والابتزاز الاقتصادي والأمني.
لذلك فلن أطيل الكلام على الوضع. فكفى تحليلا و تأويلا. لا بد الآن من الإقدام على تحقيق شروط التبديل والتحويل الثوريين. أكتفي بالإشارة إلى أن اللعبة التي طالت قد بلغت إلى الحد الذي يقتضي الانتقال إلى معاملة أحزاب المعارضة بمنطقها وقبول تحدي صراع الإرادات بمنطق الثورة وليس بمنطق الصلح الذي تبين أنه قد فشل لفرط استهانة المعارضة بالإرادة الشعبية حتى بات من نجح بصدفة الجوار على القائمات يولي ويعزل رغم أنه لا يعبر إلا عن أحوال نفسه وليس عن إرادة الشعب.
وهذا المنطق يوجب على المؤمنين بقيم الثورة أن يردوا على خدم الثورة المضادة بجملة واحدة صريحة وحاسمة:
إذا كنتم لا تريدون الوصول إلى الانتخابات لعجزكم في جدلية التداول السلمي فاعلموا أن غيركم ليس عاجزا في جدلية الطرق الأخرى التي تهددون بها.
وإذن فكل مناورات الثورة المضادة التي تدعي الدفاع عن الحداثة والديموقرطية هدفها الوحيد هو السعي إلى افتكاك الحكم عنوة بالمناورات والقوة. وواجب المؤمنين بالثورة ليس مصدره الدفاع عن الشرعية الحالية بل إنما علته الأساسية هي الدفاع على كل ما يمكن أن يؤسس لشرعية في المستقبل تجنيبا لتونس من الوقوع في ما وقعت فيه مصر ومن ثم منع كل إمكانية للانقلاب ليس في المرحلة الانتقالية فسحب بل وحتى بعدها كما حدث في مصر.
وما دام أغلب المنتسبين إلى صف الثورة يعتقدون بأن النصيحة من الإيمان فعليهم أن ينصحوا المناورين بأن يعيدوا حساباتهم بدقة. ذلك أنه حتى في مصر ومهما طال الصراع سينهزم الانقلابيون شر هزيمة:
قطار الثورة الشعببية ليس في متناول الأقزام التي تحاول أيقاف التاريخ والعودة به إلى صبيانيات اليسار أو بذاءت أراذل العمر.
ناهيك عن الثورة المضادة في تونس: فإذا غامرت فأدخلت تونس في ما دخلت فيه مصر فستكون النهاية بالنسبة إليها: فلا صريخ لها إلا إذا طلبت التدخل العسكري من الخارج.
ذلك أن الأمر لن يكون كما يتصورون. لا يغرنك مصبر الشعب على صبيانياتكم:
فصبره على مغامراتكم علته حرص قيادات الثورة على تونس ومستقبل أبنائها.
لكن هذا الحرص ذاته هو الذي يفرض على الثوار أن يقولوا لكم: كفى.
وإذا كنتم تتصورونا خائفين منكم فأنتم واهمون. فأنتم ستحاربون الشعب كله لأنكم لا تمثلون إلا أذيال النظام السابق: وسيكون الصدام لحظة الفرز بين الثوار وأعداء الثورة وخاصة في صف اليسار الذي لم يعد فيه إلا خونة قيمه المشتركة مع كل من يسعى إلى العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ولتعلموا أن كل من كان مرغما على السكوت عن مظالم العهد السابق لن ينحاز إليكم حتى لو كان من كوادر التجمع:
فالثورة أيقظت الكثير منهم وتبين لهم أنهم قد استعملوا لأجندة مخالفة للتوجه الدستوري.
سيفرزكم الصدام ويتبين حجمكم التافه لأن الشعب يعلم من هم أعداؤه الذين هم اجتمعوا في المافتين اللتين تلعبان بمستقبل الوطن وتمثلان الثورة المضادة:
في أسباب عيشه لأن الثورة المضادة الحالية هي من امتص دمه.
وفي شروط كرامته لأن الثورة المضادة هي من باع استقلال وطنه.
وفي علل وجوده لأن كل القيم التي يؤمن بها المواطن ديست.
وفي مقومات هويته لأن حريته الدينية وهويته الثقافية أزيلت.
وإذا ما استثنينا بعض المخلصين المرغمين على البقاء في جبهة إنقاذ نظام ابن علي التي تمثلونها ممن لا يزال ضحية حسن النية متصورين أنهم في عملية الشد والجذب يؤدون دور المعارضة التي تقوم اعوجاج الحكم فإن قيادات الجبهة الشعبية ونداء تونس (ومجموعهما هو جبهة إنقاذ نظام ابن علي رمزا إليه بتحلقهم حول لطيف) تجاوزت هذا الدور الضروري في كل حكم رشيد وشرعت تحت مسمى جبهة الانقاذ في لعبة حافة الهاوية.
وهذه اللعبة ليست من أجل تحسين شروط التداول السلمي على الحكم بل إنما علتها اليأس من قدرة جبهة إنقاذ نظام ابن علي على النجاح السلمي في التداول: أعني النداء والجبهة الشعبية وأدواتهما التي ذكرنا.
لذلك فهم تجاوزوا حتى خطة إضعاف الأحزاب الحاكمة بالمناوشة الدائمة التي آلت إلى ضدها تجاوزوها إلى خطة أخطر تشبه ما يحصل في مصر تهديما ليس للدولة وحدها بل للنسيج الاجتماعي كله بخلق أسباب الحرب الأهلية لخوفهم من عودة الوئام بين المكونين الأساسين للوعي السياسي التونسي أعني نخب حزب الدستور القديم (حزب الأصالة) ونخب حزب الدستور الحديث (حزب الحداثة).
وهم يستعملون خطة يترددون في استعمال أوراقها بحسب الظرف من خلال ضربين من البروز في جبهتين خفية وجلية وأربع أدوات:
الجبهة الخفية:
هي المافية المضاعفة التي كانت تحكم البلاد وتستغل العباد بالاستبداد والفساد أعني النخبة السياسية والنخبة الاقتصادية مع أدواتهما الرمزية أي النخبة التربوية والنخبة الثقافية وأدواتهما المادية أي الإدارة والأمن.
الجبهة الجلية:
وهي كذلك مافية مضاعفة وهي سنام الجبل الظاهر من المافية السابقة أعني نداء تونس والجبهة الشعبية ولهما شكلا وجود سياسي في الأحزاب واجتماعي في نقابات العمال والأعراف.
أما الأدوات التي تستعملها المافية لتحقيق أجندتها بتحريك المافية الخفية للمافية الجلية فهي كذلك صنفان:
صنف مادي بحت:
أعني أنه صنف يعتمد على قوة المال والشارع. ذلك أن المافيتين تبتزان الأحزاب الأربعة (النهضة والبي دي بي والمؤتمر والتكتل) التي كان لها القدرة على رفض دور المعارضة الديكورية في العهد البائد بمحاولة تفتيتها لتكون أهم قياداتها وجمهورها تابعة:
إما للحزب الهجين الذي يقوده أعداء البورقيبية وأعداء الهوية بالتنكر تحت اسميهما مع حلف بين و جلي مع بقايا ابن علي لأن السبسي وريث ابن علي وليس ريث بورقيبة. وأهم دليل هو اعتماده على مافية ابن علي الجامعة بين كل أعداء بورقيبة.
أو للنقابة الهجينة التي يقودها أعداء فرحات حشاد وأعداء الهوية لجعل كل مجالات النشاط الاقتصادي والتربوي والإداري كسيحة حتى يفشلوا كل محاولات علاج مسألتي التنمية الجهوية و بطالة الشباب:
كما يتبين من الحوض المنجمي ومن المطالبة بالزيادات المشطة حتى لا تتمكن الدولة من علاجهما.
وصنف رمزي بحت:
الفاسد من القضاة أي جبهة القضاء المأجور تقليدا لأمثالهم في مصر من أجل منع كل تقدم في تحقيق أدوات الانتقال الديموقراطي والحيلولة دون تحقيق العدالة في محاسبة أزلام النظام السابق تبرئة لهم من الجرائم التي لا تخفى على أي مواطن مهما كان بعيدا عن متابعة ما كان يجري في نظام الاستبداد والفساد.
الفاسد من الإعلاميين أي جبهة الإعلام المأجور تقليدا لأمثالهم في مصر الإعلام الذي لا يرعى في تونس إلا ولا ذمة والذي يحلم بعودة مؤجرهم الذي كون منهم جيشا يجمع بين الرداءة الفنية في المجال والأخلاق الذميمة التي تحول الإعلام على حرب على كل القيم والحقائق ليكون مجرد أداة دعاية فجة.
الأداة الجامعة أو الإجرام والإرهاب
ولما فشلوا في تحقيق أجندتهم رغم كل هذه الوسائل لجأوا إلى توظيف الأوساط الإجرامية والإرهابية لتحقيق هدفين:
أحدهما مباشر هو استثارة الأمن والجيش لعلهما يؤديان ما ينتظرونه منهما قياسا على ما يجري في مصر مع الاعتماد على بعض الفسدة من الأمنيين الذين يخشون العدالة الانتقالية الآتية دون ريب.
والثاني غير مباشر وهو الحصول على رضا الغرب لأن كل الأنظمة التي ثار عليها الربيع العربي استغلت هذه الحجة لتبرير سلوكها قبل الثورة وبعدها. وهي قد عادت إليه بحجة جديدة هي محاربة السعي إلى استعادة الخلافة الإسلامية.
هذا ما ينبغي قوله للجبهتين
1-فلحزب أعداء بورقيبة وورثة مافية ابن علي في بعدها السياسي التابع ينبغي أن يقال:
إن الحركة الدستورية بشقيها القديم والحديث تجتمع في إصلاح كلا الشقين: فالقديم أدرك أهمية التحديث والحديث أدرك أهمية التأصيل. وإذن فالحركة الدستورية اليوم هي الصلح بين الإسلاميين وورثة بورقيبة الحقيقيين. وهذا سيهمش أعداء الثعالبي وأعداء بورقيبة ليولد العمود الفقري لتونس الثورة.
2-ولنقابات أعداء فرحات حشاد وورثة مافية ابن علي في بعده الاجتماعي التابع ينبغي أن يقال:
مافيتكم عالة على الدولة. فإذا واصلتم هذا السلوك فستكونون أول المتضررين. وإذا لم ترتدعوا فستوجدون أمام إحدى الوضعتيين أحلاهما مرة:
فإما أن الدولة تظل قائمة وترفض أن تمولكم وتطبق القانون الذي لا يفرض عليها أن تكون وسطا بينكم وبين منسوبيكم
وإما أن الدولة تسقط بلعبة حافة الهاوية وحينها سيكون وضعكم أسوأ.
هذا ما ينبغي قوله للأدوات الرمزية
1-منطق الثورة سيصبح البديل عن منطق الصلح وإذن فالثورة القضائية آتية لا ريب فيها لأننا قررنا أن نوقف هذه المهزلة ولن نصبر عليكم بعد الآن:
فالفاسد من القضاة هم أعداء الحق والقانون وهم ليسوا إلا أدوات المافيتين المشار إليهما وينبغي أن يقال لهم:
الجسم القضائي لن يسمح لكم بمواصلة استغلال النفوذ لخدمة المافيات.
فأغلب القضاة والمحامين مدركون لألاعيبكم.
وهم أول من سيحاسبكم إذا انفرط عقد هذه اللعبة المتمثلة في حرف الهاوية.فهي لعبة لا تدوم إلا بسبب صبر الأحزاب الحاكمة.
فإذا رفضت هذه الأحزاب وقبلت التحدي فإن الشعب سيكون لكم بالمرصاد بدءا بزملائكم الذين يعانون من تعسفكم.
2-منطق الثورة سيصبح البديل عن منطق الصلح وإذن فالثورة الإعلامية آتية لا ريب فيها لأننا قررنا أن نوقف هذه المهزلة ولن نصبر عليكم بعد الآن:
الفاسد من الإعلاميين هم أعداء الحقيقة والأخلاق وهم ليسوا إلا أدوات المافيتين المشار إليهما وينبغي أن يقال لهم:
الجسم الإعلامي لن يسمح لكم بمواصلة استغلال إمكانات الدولة لخدمة المافيات.
فالشباب الثوري سيتكفل بتثوير الإعلام ليرموكم رمي الجيف التي تشوه الثورة وتفسد على الشعب الإيمان ببطولاته التي جعلته يكون رائد النهوض العربي والإسلامي بثورة الحقوق والكرامة وثورة الصلح بين الأصالة والحداثة مدخلا لاستئناف الأمة تاريخها الكوني.
هذا ما ينبغي قوله للجبهة المادية
أما الأدوات المادية فإنها عندما يجد الجد ستنحاز إلى الشعب سواء من البداية أو بعد أن تصفي الثورة بمنطقها من هو مع الشعب ومن هو في خدمة المافية. ونحن نتمنى أن يكون ذلك من دون الحاجة إلى الصدام. لكن إذا كان ولا بد فالواجب الوطني يقتضي قبول التحدي. ذلك أن الحوار حتى لو نجح فهو لن يمنع هذا المآل:
فمصر وصلت إلى ما يقرب للحرب الأهلية رغم أنها تجاوزت المرحلة الانتقالية التي تمت فيها الانتخابات واستفتي على الدستور.
ما دامت الجرثومة في الثمرة فلا من بد من علاج الشجرة.
وهذا هو القول الفصل
الأمة استيقظت. والكلام الفصل ليس مقصورا على تونس وحدها بل هو شامل لكل الأمة. استيقظت ولن يوقفها أي تصد حتى لو اجتمع كل المخلدين إلى الأرض.
نحن في لحظة أشبه بلحظة الدخول الأول إلى التاريخ الكوني تحريرا للإنسانية من إخلادها إلى الأرض. فما كان قبائل عربية تتقاتل صار بفضل اليقظة الأولى أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ الوسيط في كل مجالات الحضارة.
واليقظة الثانية تعني أن هذه الإمبراطورية عائدة مهما تعثرت. لن يوقفها أحد. كل الخونة للرسالة الكونية سيلفظهم التاريخ لفظ النواة: حان وقت الشهادة على العالمين.
فلتعتبروا: إذا كانت النهاية هي هزيمة الخونة كما حصل في حروب الاستقلال الأول التي كانت نهايتها هروب الحركيين فلا تكونوا حركيي حروب الاستقلال الثاني:
فإما أن تقبلوا بأن تكونوا سلميا جزءا من هذه الأمة لكم ما لكل واحد منها وعليكم ما عليه وإلا فلتعلنوا أنكم حركيون واستسنحوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق