Hot

الأربعاء، 12 مارس 2014

فقدان معاني الإنسانية 01 من 02 - ابو يعرب المرزوقي



 أبو يعربالمرزوقي
 تونس في 2014.03.07

كل متابع لشؤون الثورة يعلم أن أحداثها وخاصة بعد حصول الانقلابين العسكريفي مصر والنقابي في تونس قد فضحت أهم عاهة تعاني منها نخب الأمة. فهي قد أظهرتأعراض إخلادها إلى الأرض إخلادا لا يقبل به عقل يؤمن بالكرامة البشرية ولا نقليقول بتكريم أبناء آدم وبأخوتهم الكونية. ويعلمني أحيانا بعض المشرفين (في وسائلالتواصل الاجتماعي) على ما يُنشر من تحليلاتي لهذه الأحداث بما يتداوله بعضالمعلقين الموتورين من النخب. فقد تجلت وظيفتها الأساسية تجليا يثبت لأي ملاحظموضوعي أنها لم تكن إلا أداة من أداوت القمع الفكري والثقافي لشعبها بوصفها سندا لنظامالاستبداد والفساد.
وما كان تجمل هذه النخب بالكلام على الديموقراطية وحقوق الإنسان وقيمالحداثة إلا من براقع التنكر ومتاجرة يتقربون بها للنخب الغربية. ومن ثم فالجامع بينجميع تياراتهم -اليسارية والليبرالية والقومية والأقليات المذهبية والدينيةوالعرقية-هو الانتساب إلى النخب الثقافية والإعلامية التي انحاز جلها للانقلابين فافتضحزيف شعاراتها بعد الثورة خاصة إذ تبين للجميع ما كان يدركه من يعلم مستوياتهمالعلمية والخلقية أنهم لا يستمدون نفوذهم في الساحتين الثقافية والتربوية ووجاهتهمالسياسية والإعلامية إلا من صلتهم بالمافية الحاكمة وأذيالها وليس بما تكون بهالنخب نخبا.
لذلك فلا يمكن للقارئ المتروي أن يستنتج من مجمل تعليقاتهم ومواقفهم إلا أنقصد أصحابها بها ليس إلا التحقير من الشعب ومن ثورته التي ينفون حقيقتها معتبرينهامجرد مؤامرة مع الانحياز المقيت للظلم والقهر بسبب ما ربوا عليه من فقدان الإنصافوالمروءة ومن تقديم لنزواتهم وحاجاتهم البهيمية على كرامة الإنسان واحترامالمواطنين. وقد استعملت في هذه المحاولة المصطلحالخلدوني "فقدان معاني الإنسانية"الذي وضعه في نظريته حول التربية والسياسة العبوديتين لأصف هذا النوع من النخبالذين فضحتهم لحظتنا الراهنة للدلالة على وصف يناسب خدم الثورة المضادة منالمثقفين والإعلاميين المزعومين.
فالمتصفون بسندروم (منظومة)الأعراض الناتجة عن هذا الفقدان ليسوا إلا ضحايا يتفارسون على شعوبهم بعد أن صارواعبيد المستبدين والفاسدين من الحكام والعملاء الذين يشبعون حاجاتهم البهيمية ليستخدموهمفي مشروعات التبعية واستغلال الأوطان والإنسان. والقصد بمفهوم "فقدان معانيالإنسانية" هو فقدان القيام الذاتي الحر والكريم فقدانا يحوج صاحبه إلى الكذبوالخبث واللؤم والتنافي المطلق بين ظاهرهم وباطنهم مع الفظاظة والغلظة وفقدانالرحمة إزاء شعوبهم إلى حد الإجرام في حق المستضعفين منه مع اللامبالاة بكل ماترمز إليه الحرية والكرامة سواء كانت فردية أو جماعة مع الرضا يوفر حياة البهائم.
إنهم أشداء على المستضعفينمن شعوبهم رحماء على المستقوين من مستعبديهم ومستعبدي شعوبهم إذ أي بشاعة يمكن أنتضاهي بشاعة من يزين قتل الآلاف من شعبه من أجل حفاظ العلماء على كراسيهم بدعوىالصمود المزعوم ضد من يعلم الجميع أنهم حماتهم وممدو عمر أنظمتهم؟   وقد حاولت كثيرا وصف هذه الظاهرة وتشخيصها. ومعذلك فالكلام عليها من جديد يبقى ذا فائدة إذ قد يساعد على تنبيه الشباب لأخطار هذاالمرض ببيان أعراضه وعلله فيدرك الفرق بين تحديث الإنسان الأصيل الذي لا خلاف علىحاجة الأمة إليه وتقليد العبد العميل الذي هو الحائل الأساسي دون التقدم وبناء الأسسالسليمة لعودة الأمة إلى دورها في التاريخ العالمي تحديثا تربويا وثقافيا وسياسياواقتصاديا من منطلق أساس حصانتها الروحية والحضارية.
                     شهودالزور وعبيد الفجور
 وهذه الظاهرة التي نحاول فهمها وتفسير ما يقبلالتفسير منها ظاهرة مشهودة للعيان سواء في الإعلام أو حتى في مجالسهم التي ليس لهامن هم إلا النميمة والمفاخرة بالفجور والأكل كما تأكل الأنعام. يكفي أن تسمعالمدافعين عن الأنظمة التي أسقطت الثورة رموزها أو عن الانقلابيين وما يعلنوه منحرب على الشعب في مصر وتونس وليبيا وسوريا وترديد التهم التي لم يعد يجرأ عليهاحتى المستعمر نفسه. لذلك فهم يختصون بصفتين قبيحتين تقبلان التسمية الجامعة بينصنفين من العقد:
ما ينتج منها عن موقف المستعمر منهموموقفهم منه. إذ تراهم يقدسون ممثليه بل ويتحولون إلى "حركيين" بمعنى التعاون معه ضد حركات التحرر منه (بالقياس إلىانحيازهم للمستعمر الفرنسي في الثورة الجزائرية)
وما ينتج عنموقف أبناء المدينة منهم وموقفهم منهم. إذ تجدهم "أَقْعَارا "بمعنىالمعقدين إزاء أبناء المدن والذوات (بالقياس إلى نظرة ابن المدينة إلى الريفي أوالمدني إلى البدوي) كما نبين في هذه المحاولة.
لذلك فهم لا يعنيهم الكاتب بذاته رغم توجههم إليه بمنطق هذا التحقير منالثورة ولا المكتوب لأنهم لا يقرأون رغم تعليقهم عليه بالسب والشتم والتحريض علىشعوبهم بتهم لم يعد يقبل بها حماتهم لافتضاحها وابتذالها. إنما مدار تعليقاتهمالساخرة ومنابزتهم لكل من ينحاز إلى الثورة هو ما يعادونه من قيم الثورة وما يحقدونعليه من صلتها بتراثهم حقدا مرضيا لم يسبق أن رأت البشرية له مثيلا: إذ يذهبون على حد نفي الإنسانية عن الإسلاميين خاصة وعمنلا ينتسب إلى رؤاهم عامة. لذلك فهم التكفيريون حقا رغم وصمهم بهذه العاهة غيرهمحتى وإن كان أساس تكفيريتهم ليس التعصب الديني بل التعصب لسطحيات الحداثةوالتقدمية.
ولولا عموم هذه الظاهرة عند هذه النخب المزعومة ولولا وظيفتها في معاركالغزو الروحي التي يعتمدها الاستعمار لتوطيد غزوه المادي السابق لما أوليت لهافضلا عن أصحابها عناية أو تكلمت عليهم إذ ليس اتفه منهم أو أكثر سطحية فكرية وهشاشةخلقية. والحقيقة أنهم يمثلون قدم أخيل الأمة قدمها الذي ينبغي البدء بعلاجه. فهذا النوعمن النخب الزائفة وما آل إليهم استبدادهم بالأمر من ضحالة منذ ما يسمى بالاستقلالجعلت الجامعات التي أنشئت منذ ما ينيف عن القرن في مصر وعن نصف قرن في تونس وأكثرمن ذلك في الجزائر ليس كافيا لكي يستطيع من يعتبرون أنفسهم علية القوم العلاج فيمستشفياتها فضلا عن الاعتماد على التوريد في كل ما تحتاجه الدول التي لها أدنى قدرمن السيادة.
فليس التحديث عندهم إلا اجترار التبن أكلا يكثر البهتان والهذيان فيصم منهمالآذان ويعمي ما عندهم من وجدان فقدانا لأحاسيس الإنسان: يتلذذون بذبح الآلاف من شعوبهموحرقها في كل ساحة وميدان باسم مقاومة هي في الحقيقة آخر ورقات توتهم لإخفاءالعمالة والنذالة والسفالة. لذلك تراهم كارهين ذواتهم وحضارتهم فمتنكرين لهماتنكرا دافعه الوحيد هو الطمع في أن يعترف لهم أسيادهم بما صاروا يعبدونه من صفاتهموحضارتهم.
                              منهم ؟
ولو كانوا يعلمون أن جواب من يعبدون لن يكون إلا "والله لو نزعتم جلودكم ما اعترفت بكم" لرثوا لأنفسهم ولأزالوا المرايا من دورهم لو بقي فيهمشيء من الحياء. ولعل أهم خاصية لمجمل تعليقاتهم لا تعدو أن تكون إبراز نقاط ضعفهملأنها جميعها مجرد رد فعل على فقدان الصف الذي ينتسبون إليه للمبادرة الحضارية فيكل أوجه الحياة ذات الحداثة الأصيلة. فجلهم لم يعد له من وجود عدى حمل الجراثيمالتي يستعملها عدو وجودهم ومصادره في المعارك التاريخية ضد أمتهم ومنابعهم الروحية.
ومن ثم فهم من مشردي الحضارات الذين لم يفهموا منها لا سر الحيوية ولا الاستراتيجيةالعدوانية ولا الخصائص القيامية. والوصف التشخيصي لهؤلاء المرضى الذي نسعى إليه فيهذه المحاولة بجزئيها سيمكن من حصر أصنافهم حصرا نسقيا تتبين مطابقته لواقعهم فيأي قطر عربي أو إسلامي زرعوا فيه لمحاربته من الداخل بما حُقنوا به الفيروسات فيحرب وصفها زعماؤهم استعارة باستعمال المبيدات الزراعية والحرب على كل ما هو حيبإزالة سبب حياته أي مائها: تجفيف المنابع والاستئصال.
 ذلك أن ما يميز أصحاب هذه العقدالمقلوبة بتعال ظاهر ليس هو في الحقيقة إلا وعيا بتدن باطن علته فقدانهم لنسبهم وعدمتبني سادتهم لهم بل واحتقارهم لهم إلى حد التأفف منهم مباشرة بعد قضاء حاجتهم بهم.ذلك أن موظفيهم في حاجاتهم  يدركون طبيعةالعقد المقلوبة فيرون فيهم عبيدا يشوهون ذواتهم العربية الإسلامية ويدنسون الحضارةالغربية بحصرها في سطحياتها. والجامع بين المنتسبين إلى هذه الطائفة المستلبة خاصةهو الانتساب إلى الأقليات المرتبكة الحاملة للحقد غير المبرر إزاء أوطانهم سواءكانت:
 من بقايا الماضي البعيد مثل البعضمن أقليات الإسلام المذهبية أو من الأقليات الدينية الأخرى.
 أو من الماضي الاستعماري سواءكانوا من المتجنسين والمتمسحين أو من أدعياء العلمانية والحداثة.
فتشبث بعض الأولين بالثأر من السنة خاصة وتشبث بعضهم الآخر بالثأر  من المسلمين عامة لا يمكن أن يبرره ما يقدمونهمن مظلومية وبحث عن العدل أو الحداثة والتقدم لأن هذه المعاني كلها مشتركة بينجميع المواطنين. إنما هي في الحقيقة مواقف لا تدل إلا على فقدان المروءة والإنصاف.ذلك أن التغني بشعارات المظلومية وطلب العدل وبشعارات التقدمية والحداثة ألحقا بأصحابهاالعار بسبب دناءة علاج الأدواء وخسة المطالب الحقيقيةمن وارئها. وكلامهم عن العدلوالمساواة شان كل معنى لليسار إذ جعلوه عسارا وللقومية إذ قلبوها فاشية ولليبراليةإذ حولوها احتقارا لشعوبهم وقيمه بل وتكفيرية مطلقة بمنطق من ليس مثلهم لا يستحقالحياة فصاروا يستمتعون بتحريق كل من يشتم منه رائحة الاختلاف عن هذيانهم المرضي.
لم بق شيء من شعاراتهم يعد كافيا لإخفاء بدائية النوع الأول وعورات النوعالثاني تخلفا معرفيا (التخلف في كل مجالات الحداثة العلمية والفكرية) وتدنيا خلقيا(جلهم أشبه بالمشردين ورواد الحانات). وحتى من وصل منهم إلى بعض رتب التعليمالعليا فجل من عايشهم على دراية بالكيفية التي يحصلون بها عليها بسبب ما كان لسلطانمافياتهم من أثر على المؤسسات التربوية والجامعية فضلا عن الفساد الخلقي والضحالةالعلمية التي لا تتجاوز الشعارات والمفاخرة بإنجازات سادتهم مفاخرة يصحبها الترديدالببغاوي للكلام على جهل كل من ليس منهم.
                   الأدواء التي نشخصها
ولو كان كلامهم متعلقا بي شخصيا أو بما أكتب لأحجمت عن الكلام في الموضوعلعلمي بأنهم هم أنفسهم لا يصدقون أنفسهم لاكتشافهم أن تعالهم زعمائهم سرعان مايتبخر بمجرد أن يصادف فأحك قشرته مجرد الحك. فالحكم في ما أعمل وما أكتب ليس في متناولعقولهم الكسيحة فضلا عن كوني أترك الحكم في مثل هذه الأمور للتاريخ وعن كوني أربأبنفسي عن الرد على المتنكرين لذواتهم خجلا من أصولهم الاجتماعية ومن منابتهمالحضارية. فجل هؤلاء من طبقات اجتماعية كان من المفروض أن يكونوا أشد حرصا مني علىما أدافع عنه من قيم الثورة ناهيك مقومات ذواتهم التي ليس فيها ما يمكن أن يخجلمنه المرء فيتنكر له.
 إن حضارة ذات تراث علمي عالميوإنجازات تاريخية وقيمية كونية وذات إمكانات مستقبلية يحسدها عليها أجوارهاويتنافس على استعمارها سادة هؤلاء المستلبين وذات لغة تعد إحدى اللغات الأربع فياللسان الفلسفي الإنساني مثلها مثل اليونانية واللاتينية والألمانية في التراثالفلسفي والعلمي ينبغي ألا يتلكم عليها الأميون من أمثالهم. لذلك فعندي أن التعليلالوحيد لمواقفهم التي هذا تشخيصها هو منظومة العقد المرضية pathologique syndrôme (منظومة الأعراض المرضية) التي نتجت عن كونهم مستعمرين ذهنيا مرتين أو على مستويينمتراكبين:
فهم معقدون مباشرة إزاء "البلدية=أبناء المدينة" الذين يحرضونهمعلى الحركات الوحيدة التي تمثلهم حقا أعني الحركات السياسية الشعبية أو الممثلةلمرجعية غالبية الشعب خاصة وجل هؤلاء من المناطق المهمشة.
وهم معقدون بصورة غير مباشرة إزاء من يعقد البلدية "المتخوجين"(منالخواجة) لاستعمالهم في تخريب مقومات الحصانة الروحية للجماعة حتي يسهل الاستحواذعلى أرضها وروحها ومن ثم تعويض الاستعمار المباشر بالاستعمار غير المباشر.
لذلك فسأحاول وصف أعراض هذا "السندروم" منطلقا مما شرع فيه ابنخلدون صاحب الريادة في هذا المضمار لأنه كان شاهدا على الظاهرة مرتين أعني فيبداية قوة الأندلس وفي نهايتها وكيف انتقل التقليد من هذا الصف إلى ذاك طردا وعكسابالتوالي. فخلال كلامه على هذه الظاهرة تناولها من وجهين:
الأول وصف فيه صاحب المريض: إنه المغلوب المولع بتقليد الغالب والمحقر منذاته وخاصة من حضارته. وهو ما يرمز إليه ما ينتج عن عدم فهم قيمهم من تصويركاريكاتوري للقيم الإسلامية.
والثاني يعلل مرضه التي صار له طبيعة ثانية: التربية والسياسة العنيفتيناللتين تحولهم إلى أشداء على أهلهم رحماء بأعدائهم الحقيقيين. وهو ما يرمز إليهتلذذهم بما يصيب ثوار سوريا ومصر.
فإذا جمعنا الوجهين المرض وعلته كان ذلك وصفا مطابقا لسلوك هؤلاء المعلقينالناقمين والموتورين. والمعلوم أن من يفهم مرضهم ويدرك علله يعتبرهم أولى بالشفقة منهمبالرد عليهم لوما على ما يعانون منه من أمراض نفسية تجعلهم في حال يرثى لها.وينبغي ألا يغضبنا من نراه من أعراض مرضهم أعني سفاهة القول وحدة الخطاب وفراغالوطاب وبلادة الذهن وقلة الحياء أو الرقاعة بلغة تونسية فصيحة. إنما علينا أننتابع التشخيص الخلدوني الذي يغوص إلى ما هو أعمق من الوصف والتعليل لندرك طبيعةالداء الذي ينتج عن ذلك. فهو سماه ابن خلدون  بـ"فقدان معاني الإنسانية" أي القبول بالتعبية الروحية والانتهاء إلى سلوك النعاجالتابعة لرعاتها الذين هم في هذه الحالة المتبوعيْن اللذيْن وصفنا أعني:
 البلدية الذين يشغلونهم بـ"كروشهم" فيجعلونهمعضاريت. فيكفي "كسكروت" و"دبوزة بيرة" بالنسبة لفضلات المدارسالثانوية أو "سكرة قمقومة بحضور بعض المتبرجات" للحاصلين على الشهاداتالعليا بوساطة ما يترتب على الأخلاق الدنيا حتى تجود قريحتهم بما يكتبون تباكياعلى عهد المخاليع وفضلات مافياتهم.
المستعمر الذي يبتسم في وجوههم ويربت على أكتافهم فيشعرون وكأنهم في جناتالنعيم فيتجندون لخدمة ما يسمونه التنوير الذي لا يتجاوز نور صالونات السفاراتوالمراكز الثقافية التي يستضافون فيها لتعميرهم بالحقد على الإسلام والمسلمين. فتراهم في مواقفهم من شعوبهم جماعات الرفق بالحيوان أرحم بها منهم بهم.
               تصنيف أصحاب الوعي المشوه                 
وليكن واضحا أن هؤلاء الموتورين في تعليقاتهم على كتاباتي لن ينالوا ما ينشدونهأبدا. لن ينالوا ردا على أي منهم. لن أذكر أحدا منهم بالاسم لأنهم أحقر من أنيتكلم عليهم المرء مع العلم أنهم جميعا يتمنون أن يصبح لهم ذكر. لكن ما يعنيني هوما يستحق الذكر: وصف ظاهرة الاستعمار الذهني الذي يمثلون بعض عيناته في كل أقطار الوطن العربيبل وفي كل دار الإسلام. ولما كان المقصود بتعليقاتهم ليس صاحب المحاولة التي يعلقون عليها ولا حتىمضمونها فإن الرد من منطلق هذين الوجهين فاقد لكل معنى لأنهما لا يمثلان إلامناسبة تتجلى فيها منظومة الأعراض المرضية التي يعانون منها.
لذلك فتصنيفهم ذو الدلالة العلمية ينبغي أن ينطلق من عُقدهم أعراضا لمرضهمعقدهم التي جمعها ابن خلدون تحت مسمى واحد هو فقدان معاني الإنسانية (راجع المقدمة بابها الأخير الفصل المتعلق بدور العنففي التربية والسياسة). ويمكن أن نوسع ليشمل مدلوله الخلقي الحديث عندما ترى تلذذهمبتقتيل شعوبهم في سوريا ومصر. فهم بذلك يعلنون أنهم كان يمكن أن يقوموا به في تونسبأكثر منه لو توفرت لهم الفرصة إعجابا منهم ببول بوت كمبوديا وبستالين روسيا وحتىبمتخلف كوريا الشمالية وبجحش مصر وبنعجة سوريا وبصاحب مليشيا الحشاشين والباطنية.لذلك فتصنيفنا ينبغي أن يكون تصنيفا مضاعفا:
ففرعه الأول ينطلق من هذه المعاني التي فقدوها أعني التصنيف من الوصفالموضوعي للعقد كما حددها ابن خلدون بشرح مضمون معاني الإنسانية في منظور فيلسوفالعمران.
وفرعه الثاني ينطلق من مزاعمهم الإيديولوجية ودعاواهم الصناعية أعني منالوصف الذاتي للعقد كما تتبين من صورتهم عن ذواتهم بشرح معاني الصورة الذاتية فيمنظور صورتهم على أنفسهم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق