تساؤلات حول طبيعة و توقيت التصريح وتزامنه مع زيارة وفد الكونغرس
ما هي خلفيات تأكيد مهدي جمعة أنه لن يقبل بتكليفه برئاسة الحكومة القادمة؟
أكد رئيس الحكومة المؤقتة مهدي جمعة انه لن يقبل بتكليفه رئيساً للحكومة بعد الانتخابات قائلاً “كلفت مرة ولن أقبل بتكليفي مرة ثانية”.، ولكن ما الأسباب و ما هي الدلالات الزمنية والسياسية للتصريح، وما هي اهم الضغوطات منذ 29 يناير الماضي؟ حتى يصل في الأخير التأكيد الجازم…
مضمون التصريح والأسباب المُعلنة
شدد جمعة في تصريحه لوكالة الانباء التونسية أول أمس الأربعاء، أنه من غير الوارد ان يواصل كرئيس حكومة مؤكداً ضرورة خلق تقاليد لاستمرارية الدولة وتكريس مبدأ التداول على السلطة مؤكدا أن “الحكام عابرون والدولة باقية موضحاً انه جاء إلى تونس من أجل مهمة واضحة…”، وبيّن انه وفريقه الحكومي يعمل على تكريس مبدأ استمرارية الدولة من خلال وضع القواعد والأسس للمشروع الوطني المراد بناؤه ويهيئ للحكومة القادمة أرضية ملائمة للعمل وبرامج مدروسة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، كما أوضح ان رفضه لفكرة إعادة تكليفه مردّه انه شخص مستقل وان التونسيين سينتخبون أحزاباً على أساس برامج سيتولى تطبيقها من سيصل إلى الحكم بالاعتماد على فرق ومجموعات يختارها الائتلاف أو الأحزاب الفائزة في الانتخابات المقبلة، مبرزاً انه لا يمكن أن يكون إلا مسؤولاً عن فريقه الخاص.
الأسباب غير المُعلنة والدلالات السياسية والزمنية
+ اثناء جلسات الحوار الوطني تم إقرار ان لا يترشح أعضاء الحكومة الحالية لأي منصب، بل وتم التأكيد ان مهمتهم تنتهي عمليا بانتهاء المرحلة الانتقالية، وتم تحديد مهام الحكومة بثلاث نقاط أساسية (للانتخابات –الأمن – تحسين الاقتصاد)، والواضح ان جمعة اقتنع بان حكومته لم تضف شيئا يذكر مقارنة بالحكومات السابقة باستثناء هدوء التجاذبات السياسية، وهو ما جعله يركز في تصريحاته على المسار الانتخابي، وهو ما أكده خلال ندوة الولاة، وهو ما يعني الرغبة في الخروج…
+ من الواضح منذ مدة، أن بقاء جمعة مرتبط بحصول تقارب في نتائج الحزبين الاولين أي على الاقرب النهضة و النداء، وهو احتمال اصبح مستبعدا في ظل الوضع التنظيمي لنداء تونس(خلافات وصراعات و تواتر الاستقالات) واجماع المتابعين ان النهضة ستتحصل على اغلبية مريحة نسبيا، وهو ما يعني ان جمعة لن يكون رئيس الحكومة القادم، وهو ما يؤكده تغليب النهضة لخيار رئيس حكومة سياسي مع وزراء تغلب عليهم الاستقلالية مقارنة بطرح رئيس حكومة مستقل ووزراء يغلب عليهم الانتماء الحزبي وهو ما أشار اليه جمعة ضمنا، وقال انه لن يقبله ايضا…
+ توضح لجمعة من موقعه ان النهضة مصرة على انجاح مبادرة الرئيس التوافقي، وهنا توجد فرضيتان بغض النظر عن نجاح المبادرة:
الأولى انها ستراهن على رئاسة الحكومة تحت لافتة يرفعها الشيخ الغنوشي وهي “لا لأكثر من رئاستين في حد أقصى”، وهي ضمن قناعة يؤمن بها الرجل منذ التسعينات تحت مبدأ “المشاركة لا المغالبة…”
الثانية ورغم انها مستبعدة جدا، هو أن جمعة قد يكون المرشح الوفاقي، بل ربما وقعت بعض الترتيبات لذلك، ويكون تصريحه هذا خطوة أولية …
+ بعد اكثر من 200 يوم من عمر حكومته اكتشف جمعة هول المسؤولية وان رئيس الحكومة لابد ان يكون مُسنود سياسيا كما اكتشف ارث العقود الست من الاستبداد و ان الترويكا ليست فاشلة كما روج خصومها بل أن الرجل اكتشف طبيعة النخبة السياسية، و أيضا ثقل الملفات الاقتصادية والاجتماعية واكتشف ان المنظمات الاجتماعية تخلت عنه سريعا وانها لن تسمح بالهدنة الاجتماعية لاحقا، بل وانها جزء من المشكل لطبيعة مطالبها …
+ جاء تأكيد جمعة بعد عدد من التطورات دوليا وإقليميا في العلاقة مع الداخل التونسي حيث ان التطورات في ليبيا تراوح بين التردي وجود حل سياسي وحواري لا علاقة له ووجد نفسه مستبعدا بل تبين له قدرة السياسيين على الفعل السياسيين ( الغنوشي – المرزوقي – السبسي – بن جعفر …) خارجيا وخاصة بعد زيارة الغنوشي للجزائر ونتائجها وترتباتها، كما جاء تأكيده بعد مقابلته لوفد الكونغرس (والذي قابل أيضا الغنوشي و السبسي وهذا له أكثر من دلالة)…
+ تزامن تصريح جمعة وتأكيده مع تطورات داخلية عدة من بينها تعدد الحرائق المفتعلة وتشعب الملف الأمني وبين تعقد ملف الإرهاب وخاصة في القصرين والكاف، وانقطاع التيار الكهربائي إضافة الى ملف الجمعيات والأحزاب…
ضغوط كثيرة من جهات متعددة
+ اكتشف جمعة قوة الدولة العميقة وتلغيمها مسار الحكومة القادمة أي سيناريو 2011 تم من جديد ( حيث اتهم السبسي بتلغيم الادارة للجبالي عبر الزيادات في الاجور والتعيينات وقرارات اللحظات الاخيرة قبل المغادرة،) وبالتالي فجمعة يُخيّرالمغادرة على أن يبقى في منصب يعرف جيدا ابعاد التلغيم فيه ( تنفيذ كل الاتفاقيات الممضاة منذ أشهر يبدأ سنة 2015 وهو مثال للذكر لا للحصر).
+ عديد الوزراء يغرد خارج السرب وهو من اختارهم فما بالك بوزراء سياسيين وبعضهم اقرب للرباعي منهم لرئيس الحكومة، وبعضهم احدث في وزارته قطيعة ابستمولوجية مع سابقيه ولم ينجز ما وعد به او ما هو ضروري (الدينية – السياحة- الامن امثلة للذكر لا للحصر)
+ تعقد عدد من الملفات المطروحة على مكتبه، إضافة الى ملف الطاقة بعد الحديث عن تجديد خوالي 20 عقد وتضارب المعطيات وخلاف جمعة مع لجنة الطاقة التي تطالب بأرشيف العقود وتفاصيلها…
+ لم يتعود جمعة كإطار سابق ولا تعودت عائلته، بطبيعة العمل السياسي وخضمه العميق وتقبل الضغوط والحملات الإعلامية حتى من طرف مُقربين منه أو المغرضين والمندسين، خاصة في مجالات الشؤون الدينية والاعلام والاوقاف والامن، وهو ما حدا به في الأخير الى قراره…
علي عبداللطيف اللافي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق