Hot

الأربعاء، 1 يوليو 2015

“ديفيد هيرست” : السيسي يدفع بمصر نحو الهاوية


استهل الكاتب الصحفي البريطاني “ديفيد هيرست” مقاله في صحيفة (هافنجتون بوست) الأمريكية والذي جاء تحت عنوان “السيسي يدفع بمصر نحو الهاوية”بقوله :

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعطى يوم أمس الثلاثاء أكثر المؤشرات وضوحا حتى الآن عن أنه ينوي إعدام الرئيس المعزول محمد مرسي.
و واصل الصحفي البريطاني قائلا : 
مع شجبه لعدم قدرة الدولة على التعامل مع التمرد المسلح الذي أججه هو بنفسه، تعهد السيسي للقضاء بأن يسمح لمحاكمه بتطبيق العدالة السريعة.

وقال السيسي أمس في جنازة النائب العام هشام بركات: “يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين لكننا سنعجل القوانين لنحقق العدالة بأسرع وقت ممكن”.

بعد عامين من الانقلاب الذي أطاح بمحمد مرسي، حُكِم عليه وعلى 105 من كبار الشخصيات في جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام، ويترأس السيسي دولة تسقط أمام أعيننا، وتحت حكمه، أصبحت مصر في دوامة شديدة الانحدار من القمع الأكثر قسوة عن أي وقت مضى والتي تشمل الآن أسلوب “سيريلانكا” في الإخفاءات وتزايد التمرد النشط.

وإذا نفذ السيسي تهديده، فإن انفجارا سيحدث في مصر، بلد ال 90 مليون نسمة ونصفهم تحت خط الفقر، وسيجعل أوضاعها لا تُقارن بما يحدث في سوريا والعراق وليبيا.

لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن اغتيال النائب العام المصري هشام بركات إثر استهداف موكبه أول أمس الاثنين، لكن وفاته تمثل ضربة لسلطة النظام الذي يمثله، ومنذ أن اغتيل رئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب في عام 1990، لم يتم اغتيال مسؤول بارز في الدولة المصرية.

وإذا كانت السلطة القضائية قد لعبت جزءا أساسيا من القمع، فإن بركات كان واجهتها، فهو الرجل الذي وقع على أوامر بالقبض على أكثر من 40 ألف شخص، وأعطى غطاءا قانونيا لوزارة الداخلية وقوات الجيش التي قتلت أكثر من 1000 متظاهر في يوم واحد وسط القاهرة في أغسطس عام 2013.

بركات أيضا دفع من أجل وأمّن أحكام الإعدام، ووفقا لتسريبات موثقة لمحادثات مكتب السيسي، فقد تآمر مع مسؤولين لتزوير بيانات عن احتجاز مرسي، وبموجب ما تبقى من القانون المصري، فإن مرسي لا ينبغي أن يحتجز في منشأة تابعة للجيش، لكن بركات انحرف في سير العدالة بمحاولته تحويل تلك المنشأة العسكرية إلى سجن تديره وزارة الداخلية.

هناك 3 نظريات حول ماهية من قام بتفجير موكب بركات عن بعد، الأولى وهي أن الدولة نفسها هي المشتبه قيامها بذلك، فإما أن السيسي يسعى من خلال اغتيال بركات للحصول على مبرر لتنفيذ حكم الإعدام الصادر بالفعل على مرسي، أو قيادة الجنرالات في داخلها، الذين يدعمون منافسيه في نفس العشيرة مثل أحمد شفيق الذي يعيش في المنفى.

وطبقا لنظرية المؤامرة، فليس ذلك أكثر وحشية كما يبدو لأول مرة، أما سائق بركات فلم يتضرر جراء التفجير، وهناك شائعات متضاربة حول بركات نفسه، حيث قال البعض إنه كان قادرا على التحرك من سيارته دون مساعدة وذهب بنفسه لمستشفى مدني قبل أن يتم علاجه في مستشفى تابعة للجيش، وهناك ارتباك حول عدد السيارات الضالعة في تنفيذ التفجير.

الشكوك حول ما حدث فعليا يوم الاثنين الماضي كانت كافية لإثارة أحد القيادات البارزة بجماعة الإخوان المسلمين في المنفى ليطالب بإجراء تحقيق أممي دولي في مقتل بركات حيث قال: “إن أهمية اغتيال بركات لن تكون أقل من اغتيال رفيق الحريري في لبنان، فهي تحتاج لنفس المستوى من التحقيق، المستقل عن النظام ولا ينبغي أن يُترك اغتيال بركات لكي يستغله السيسي”.

النظرية الثانية وهي أن المجموعة الثانية من المشتبه بهم في تنفيذ العملية إما أن يكونوا على صلة بالإخوان المسلمين أو على خطاهم، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الجماعة إدانتها لحادث الاغتيال، فهناك العديد من ضحايا النظام بدرجاته، يمكنهم تفسير اغتيال بركات بأنه رد على الحكم بإعدام مرسي.

أما النظرية الثالثة وهي أن يكون المشتبه به الثالث هو تنظيم داعش أو أحد المنتمين للقاعدة أو أحد الجماعات اليسارية الثورية غير الإسلامية، بما في ذلك جماعة تطلق على نفسها “العقاب الثوري”.

أيا كان من فعل ذلك، فإن اغتيال بركات يعد نبأ سيء للسيسي، وهو الدلالة الأكبر حتى الآن أن مهمته تفشل فقد وصل للسلطة بشهادة إعادة الاستقرار لمصر، وحتى الآن ومع مرور عامين، لا يستطيع حتى حماية الشخصيات البارزة في حكومته، أما المنقذ العسكري لمصر فسرعان ما أصبح خصمها.

وبالعودة إلى يونيو 2013، ربما كان السيسي يفكر في أن دفعة واحدة سريعة كانت هي المطلوبة، وربما كان مرسي سيذهب بكل هدوء ويقدم استقالته ويعود الإخوان طوعا مرة أخرى لأسِرَتهم ذات الطابقين المألوفة في السجون ولا يفعلون أي شيء حيال شرعية الدولة.

لكن الأمر لم يكن كذلك، والملايين ممن نزلوا في 30 يونيو للتنديد بحكم مرسي، لم يظهروا مرة أخرى في شوارع مصر، لكن الملايين ممن احتجوا على الانقلاب العسكري في شتى أنحاء البلاد، ظلوا يتظاهرون ويناضلون.

السيسي ربما يكون قد اقتنع أن تكتيتات وقف تمرد الجماعات الإسلامية في الفترة ما بين 1992 و 1998، ستؤتي أكلها مرة أخرى في 2013، وإذا كان يفكر بتلك الطريقة، فقد ارتكب خطأ قاتلا، حيث إن ذلك التمرد انتهى لأن الجماعة نفسها لم يكن لديها الدعم الشعبي الكبير، لكن الإخوان المسلمين يحظون بذلك الدعم.

ووفقا لجميع محاولات قياس الرأي العام الشعبي في مصر، حصل الإخوان على الدعم الأساسي البالغ نحو 30 %، ومنذ عامين كان هناك أكثر من 40 حزبا سياسيا العديد منها اختفى حاليا، وظلت جماعة الإخوان المسلمين أكبر الحركات السياسية في مصر، وإذا كان السيسي ينوي إعلان الحرب على هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم، وهو يفعل ذلك مع ملايين المصريين، فسيتحول البعض منهم للعنف.

لقد رأينا ذلك من قبل، ديكتاتور يستخدم العنف ضد التظاهرات السلمية ويجبرها على استخدام العنف للرد ومن ثم يبرر مستوى القمع المستخدم ضدها، هذا السيناريو أتى ثماره مع حافظ الأشد لكنه لم يكن فعالا مع نجله بشار الأسد، الذي فقد السيطرة على أغلب أراضي بلاده، لذا فلا ضامن لأن يكون العنف فعالا مع السيسي.

الاختلاف الثاني عن حركة التمرد التي واجهتها مصر في تسعينيات القرن الماضي، هو ما يحدث حاليا في المنطقة نفسها، فالبر الرئيسي لمصر، أكثر الدول من حيث الكثافة السكانية في العالم العربي، محاطة بدول فاشلة أو صراعات إقليمية كبيرة، ليبيا في الغرب وسيناء في الشرق وغزة في الشمال واليمن في الجنوب.

الأسلحة التي تدفقت إلى ليبيا لدفع سقوط القذافي، وجدت طريقها إلى غزة، ولم يعد هناك إلا حدود قليلة والفوضى في كل دولة هي مدعاة للتدخل.

السيسي لم يرتكب حتى الآن أكبر أخطاءه وهي تنفيذ حكم الإعدام بمرسي، وبالعودة لسيد قطب فلم يكن شخصية بارزة في الإخوان المسلمين عندما أعدِم في عام 1966 بتهمة تخطيطه لاغتيال جمال عبدالناصر، حيث كان مفكرا وكاتبا جاء للإسلام بعد 11 عاما من الليبرالية والإلحاد.

إعدام قطب جعله أقوى تأثيرا على مدار الأجيال المستقبلية من الإسلاميين، أكثر مما كان عليه في جيله، أما مرسي فهو منتخب ديمقراطيا ويظل في عيون الملايين ممن صوتوا له يحمل شرعية أكثر من السيسي، وفي حال إعدامه سيكون مرسي شهيدا للقضية الإسلامية أكثر من سيد قطب.

هل أحد على دراية بمخاطر ما على وشك أن يحدث في مصر؟ من المؤكد أن السفير البريطاني بمصر جون كاسون ليس على دراية بذلك، فبعد لقاءه مع وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار والسفير الأمريكي بالقاهرة قال:

“أشاطر الوزير الالتزام بتعزيز الشركة البريطانية – المصرية، الأمن هو الأساس الحيوي لمصر أكثر أمنا وازدهارا وديمقر اطية كما نريد أن نراها، وهذا يعني إجراءات أمنية مشددة لمكافحة الفكر المتطرف وإحراز تقدم على صعيد الاقتصاد والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي هي ضرورية لأمن طويل الأجل”.

أما إذا تُرِك السيسي مسؤولا، فإن مفاجأة أخرى تنتظر الغرب في مصر، وستكون أشد خطورة من سقوط مدينة الموصل العراقية في يد تنظيم داعش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق