Hot

الأحد، 5 يوليو 2015

الولايات المتحدة و الصين؛ التأجيل جائز لكن لا مفر من الحرب



إن العلاقة الحالية بين أمريكا و الصين لم يسبق لها مثيل في التاريخ، إذ لم يحدث قبل أن كانت دولتين في غاية الترابط و التنافر معا بهذا الشكل، حيث تجمع البلدين معاملات إقتصادية و مالية ضخمة،حسب ما أدلى به مارك ويتني Mark Whitney ، عدى عن ذكر الدّيْن الأمريكي الضخم الذي تمسكه الصين و تتجاوز قيمته 1.3 ترليون دولار.

لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة تخاف و تمقت بشدة النجاح الصيني الحديث، و من الواضح أن إدارة واشنطن تشعر بالقلق العميق من الصعود الإستثنائي للتنين الصيني و إرتقائه إلى مركز قوة عالمية. و لعل مشروع بناء جزر صينية في بحر الصين الجنوبي كان كالقشة التي قسمت ضهر البعير بالنسبة لأمريكا، فكيف تجرأ الصين على توسعة حدودها إلى المحيط الهادئ! و على غرار ذلك نوّهت أمريكا إلى الإشتباه في قيام مخترقين تابعين للحكومة الصينية بإختراق أكثر من 4 ملايين جهاز و موظف تابع لقطاعات الدفاع و الأمن الذي نجم عنه تسريب جملة من الأسرار العسكرية ذات الأهمية الحيوية الأمريكية.

و يقول ويتني في هذا السياق؛" إن صعود الصين الصاروخي يقلق واشنطن بشدة، ليس لأن الصين تمثل تهديدا للدول المجاورة أو الأمن القومي الأمريكي، بل لأن النفوذ الصيني بدأ في التمدد على كامل المنطقة.. ( على عكس قوى عالمية أخرى ).

فالسبب الحقيقي لعدم الإرتياح الامريكي يرجع إلى أن الصين حولت نفسها إلى قوة إقتصادية عالمية لا تتوافق مع النموذج الليبيرالي الجديد الذي تتحكم فيه سياسات تقشف عقابية، الخصخصة الضارة، وتضخم الأصول جنوني. حرفيا لقد قامت الصين بالإنزلاق خارج النفوذ الغربي الأمريكي العالمي و سلكت طريقا خاصا بها.

و بعد أن قامت النخبة الأمريكية (رؤوس الأموال ) بسحق قدرات الطبقة الأمريكية متوسطة الدخل و جعلها جثة هامدة، غير قادرة على تلبية متطلباتها و النمو، و أنشفت جيوب الشعب قامت هذه الفئة الثرية بحزم حقائبها و التوجه إلى الصين، و الهدف معلن؛ إقتسام الكعكة الجديدة. 


إن سداد الديون الأمريكية أمر لا يمكن أن يحدث بكل بساطة، تماما كما لا تستطيع اليونان دفع ديونها للدائنين في أوروبا و التي يعادل حجمها 180% من دخلها السنوي الصرف. الحل الوحيد الذي قد تقوم الولايات المتحدة بإتخاذه هو إفتعال مشكل مع الصين ثم إيجاد ذريعة لمهاجمتها و إعلان الحرب المباشرة عليها، و أخيرا التبرّأ من الدين غير القابل للسداد على أسس زائفة مثل القول بأن الصين تدين أمريكا تعويضات ضخمة لأضرار الحرب.

و بعد سقوط جدار برلين، و أحداث 11 سبتمبر، إضمحلت فكرة الحرب بين قوى عالمية عظمى، و توجهت الآراء نحو مقاومة الإرهاب و التمرد في العالم. لكن اليوم هناك مخاوف حقيقية من نشوب حرب عالمية جديدة مع وجود قوى إمبريالية كالصين و روسيا و الولايات المتحدة، بل ذكرت إحدى الصحف الصينية مؤخرا كعنوان لأحد مقالتها " الحرب لا مفر منها ''. 

في العقد الأخير عرفت الصين صعودا غير محسوب إقتصاديا و عسكريا و سياسيا، و هي تسير بخطى ثابتة نحو المركز العالمي الأول إقتصاديا، كما أن نفقاتها العسرية إرتفعت أكثر من أي دولة أخرى في العالم، بل ركزت على تدعيم قدراتها البحرية، فحسب الأرقام قامت تصدرت سمة 2013 و 2014 على قائمة أكثر مصنعي السفن الحربية، كذلك متوقع في 2015 و 2016 و 2017، و الناظر إلى سياق التسلح هذا بين القوة الأمريكية و الصينية يعلم أن هناك أمرا يحاك في الخفاء.

فطبول الحرب اليوم صارت تقرع بصوت عال و واضح، و كما أشارت هيلاري كلينتون في كتابات لها في مجلة السياسة الخارجية Foreign Policy ؛" إن مستقبل السياسات سيتم تحديده في آسيا، ليس في أفغانستان أو العراق، و ستكون الولايات المتحدة في قلب الحدث. ".

و في مقابلة على شريط فيديو مؤخرا مع المحافظين الجدد روبرت كاغان، Robert Kagan كورت كامبل Kurt M. Campbell المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لمركز الأمن الأميركي الجديد، تبنى نفس النغمة العدائية؛ 
" معظم تاريخ القرن 21 سيكون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إنه في مصلحتنا الوطنية أن نظهر أننا ذاهبون للعب دور مركزي في تلك الدراما تماما كما فعلنا في القرن 20. هناك إعتراف مشترك من الحزبين الأمريكين بأن وجودنا العسكري في المنطقة هو تذكرتنا للعبة الحاسمة في آسيا والمحيط الهادئ ".

و المشكل الآخر هنا هو أن كلى القوتين يعتقد أن أي حرب ستكون حادة و خاطفة، نتيجة درجة الثقة المفرطة لدى الجانبين، مثلا في آخر سير للآراء في الصين يعتقد الشعب الصيني بنسبة 74% أن بلادهم قادرة على الإنتصار على الولايات المتحدة عسكريا. و بالطبيعة أحد الطرفين على خطأ.

الفرق بين الحرب العالمية الثالثة و الثانية، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية ستنافس دول تملك قدرات عسكرية توازيها و قد تتفوق عليها في بعض الجوانب، و هذا ما سيجعل مهمة الأمريكان تحدي صعب للغاية.

ليس هناك مساحة أكبر، على ما يبدو، للدبلوماسية. كل هذا قد وقع تجاوزه و صار الصراع العالمي اليوم أشبه بالأدغال الموحشة، حيث أحمر المخالب و الأنياب هو من ستكون له كلمة الفصل، القوة هي من ستقرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق