الفرنكفونية ليست مجرد تبن للغة فرنسا بل هي رؤية كاملة للعالم خلفيتها الثورة الفرنسية وتنظيراتها في المسالة الدينية ... نمط تحديث مخصوص ..سيطر لفترة طويلة على عالم الفكر الغربي عامة لكنه تعرض للمراجعة والنقد في غير فرنسا وانتجت المراجعات افكارا متسامحة مع التدين ومع اشكال التعبد المختلفة ووسعت مجالات الحرية الفكرية والعقدية. (خاصة في مجال التدين اللوثري ) .بينما بقي الفرنسيون سجناء قوالب ثورتهم يخشون تعديلها لان في كل تعديل خسران واعادة بناء على المختلف …
.
الفرنكفونية سطرت مسار التحديث في المستعمرات الفرنسية وخاصة في شمال افريقيا ...ولم تسمح بأية عمليات انعتاق من هذه البوتقة بل ضيقت على كل مراجعة محتملة ..واستعملت فرنسا قوتها الاقتصادية لفرض ثقافتها على مستعمراتها (الفرنسي وسيلة اخضاع لا وسيلة تواصل )
...لقد اعتقد البعض ان الفرنسية غنيمة حرب يجب الفوز بها وهذا خطا كبير ... يتواصل بجهل كامل بمقدرات اللغة الفرنسية نفسها المتراجعة على مستوى الانتاج العلمي والأدبي ..فضلا عن الاستعمالات العملية في التواصل بين الشعوب الذي استولت عليه الانجليزية ..
.
في تونس توجد نخبة متفرنسة اكثر من الفرنسيين وهي تمتلك وحدها قناة الاتصال بالفرنسية وتعادي حركة الترجمة من الفرنسية الى العربية ليظل الاصل التجاري بين يديها ..تتحكم به في الجامعة والتعليم والثقافة .. (في مناظرات الدخول الى الجامعة لا تعتبر اعمال الترجمة اعمالا علمية تعتمد لتقييم كفاءة المترشح لمركز عمل جامعي ) واغلب اللجان لا تقيم ابحاثا باللغة الانجليزية رغم انها نادرة نتيجة نفس المسار التعليمي المفرنس .
.
تجدد المعركة حول تعليم القران للناشئة يأتي في سياق الرؤية الفرنكفونية للتدين وللدين عامة ... كل احتمال عودة للدين ( ولو بمعرفة النص المؤسس دون الايمان به ) يهدد بناء الفكر على قاعدة لا دينية ...بما يعني فتح النقاش على المدى الطويل في نموذج التحديث المعادي للدين (النموذج الفرنكفوني )
.
...وفي هذا النقاش اذا فتح سيكون تجديد ومراجعة للتشريعات الاجتماعية وغيرها ... اي بناء رؤية اخرى للعالم للدين والإيمان فيها مكانة تتسع باستمرار ... اي تبتعد عن اللادينية باستمرار ... بما يهدد الاصل التجاري للمالكين لمفاتيح العلم الفرنكفوني ... (الفرنسي اللاديني )
هذا التعليم (وان لم يبدأ وقد لا يبدأ ابدا )هو بمثابة اعلان نهاية للفركفونية وأصحابها ومالكيها في تونس ...وحقيقة القول برفض تعليم القران هو دفع سكتاري مهني بغطاء ثقافي …
لذلك يستحسن التوجه للمصدر لا للتوابع …اي الحديث مع العروفات لا مع الخماسة !
.
والحديث يكون اقتصاديا لا ثقافيا .. كلما دخل راس مال استثماري غير فرنسي في تونس فقدت فرنسا قوتها …و تخلت عن اتباعها … لتخلص لمؤسساتها الاقتصادية وتفاوض مع الدول بالانجليزية …
اي انه عندما تمس مصالحها الحيوية (المستثمر الفرنسي يصبح اتباعها الثقافيين بلا قيمة ..فيسقطون من حسابها …
انظروا اليها ماذا تفعل في البلدان الافريقية التي بدأت تنفتح على الصين وتركيا و كوريا و تتجه الى الاعتماد على ذواتها ….التي كانت محطات سياحية جنسية للفرنسيين …انها مرعوبة ..فاوضوا مع العرف ودعكم من التابع …
--
بقلم الاستاذ: نور الدين العلوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق